لحظة تدارُك.. حقيقة السعادة.. مطلب الجميع
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
السلام عليكم ورحمة الله، بعد لحظة الإدراك لابد أن نتدارك، ومن ثمة نرمم الخطأ، ونسعى للتغيير، لأن الأمر بات خطيرا. ولابد من تهذيب أفكارنا حتى لا تُخرَّب أخلاقنا أكثر مما هي عليه، فالمرء ومن أول خطوة له في الحياة وهو يبحث عن السعادة. وهذا مطلب مشروع، لكن لا يجب أن يتجاوز حدود المعقول ليتعدى إلى المحظور.
السعادة، ربما طرحنا اليوم بات فكرة روتينية، كما قد تكون على البعض فلسفة لمعادلات لا حل لها، ففي الأخير فكرة السعادة يختلف المنظور فيها من فرد لآخر باختلاف كيفية الإحساس بها. فبالرغم من أنها شعور مشترك يعيشه الجميع، إلا آن مفهومها قد يكون خاص، فالبعض يقرنها بالمال. والبعض الآخر قد يرى السعادة بالإنجاز والنجاح، وآخرون بالعائلة، لتبقى السعادة شعور نسبي ومفهوم يتحدّد بحالة أو طبيعة الفرد، فهو من يقرر سعادته من تعاسته. أو أنّ الأمر منوطٌ به، وبطبيعة تفاعله مع الظروف المحيطة، والمواقف الحياتية التي يمرّ بها.
لكن هذا المفهوم النسبي أسال الكثير من الحبر، وشغال بال العديد من مفكرين وفلاسفة، فمنهم من يربطها بالأخلاق الفاضلة. ومنهم من ذهب لقول أنها هبة من الله تتجلى في عدة أبعاد على غرار الصحة البدنية، سلامة العقل والعقيدة. السمعة الحسنة والسيرة الطيبة بين الناس، والثروة وحسن تدبيرها، وهذا الشائع، فالغالبية يؤمن بأن المال هو الذي يصنع سعادة الإنسان، وهذا بيت القصيد، وسبب حديثنا اليوم، لأن هذا المعتقد وإن ترسخ في أذهان الساعين إليه حتما سيجرفهم إلى طرق غير شرعية، قد تصل إلى اخذ حتى ما ليس من حقه، فقد يؤذي ويستغل ويظلم، وربما إلى أكثر من هذا وساء مصيرا..
وهنا أقول: أي نعم المال قد يصنع شيئاً من السعادة ولكن إن كسبته بطرق غير مرضية هل ستنعم بها.. قرائنا الكرام.. السعادة المقرونة بالمال تبقى ناقصة مهما اكتملت، لأن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحتاج الحب والعائلة والأصدقاء، فما مصير أحبابك إن انتهت متعة المال بما لا يحمد عقباه.
أيها القراء الكرام، قد نرى في هذه الدنيا الغريبة الذي يملك المال غير سعيد والذي لا يملكه أيضا لا يكون سعيد، لذا يمكن القول أن السعادة هي قرار وأنت وحدك قادر على تغيير حياتك وجعلها سعيدة، فالكثير منا لو أخذ ورقة وقلماً وكتب فيها الأشياء التي تسعده لوجدها عديدة بل وأكثرها بعيدة عن المال، لأن السعادة هي منظومة كاملة تتدخل فيها عدة عوامل كالعلاقات الاجتماعية المتميزة، والأسرة المتماسكة، والعطاء الخيري، والشعور بالرضا النفسي، وتقدير الأشياء الجميلة التي تحيط بك، إلى جانب التحلّي بالصحة البدنية وتمام سلامتها، فلا تغرنكم الحياة الدنيا وتداركوها قبل فوات الأوان.
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
متواليات الضحك مع الجميع
من حُسن الحظّ، أن المآسي والمحن، والصراعات التي مرّت بها بلداننا العربيّة، لم تجعل ثقافتنا ثقيلة الدم، ففيها نجد النكتة حاضرة، مثلما نجدها في ثقافات شعوب العالم التي تتبختر بالرفاهيّة، وحتى تلك التي تعيش تحت خطّ الفقر، ومنها الجماعات الإفريقية التي نجد الابتسامة لا تفارق وجوه أفرادها، وربما جاء حضور النكتة لدى بعض الشعوب التي عانت من الويلات والحروب والنكبات من باب السخرية أو «ضحك كالبكا»، ورغم ذلك، فهو في النهاية ضحك، وفيه ترويح عن النفس الأمّارة بالحزن.
وقد حفظتْ لنا الكتب التراثية العديد من النوادر، وكنتُ كلما أشعر بالضيق ألجأ إلى كتاب» المستطرف في كلّ فن مستظرف» لشهاب الدين الأبشيهي(ت 1448م)، والمستظرف تعني الممتع والطريف، ففيه الكثير مما يبهج النفس ويروّح عنها، فقد جمع به الأبشيهي الكثير من القصص والأشعار والنكت الطريفة مازجا بين الجدّ والهزل، ولا يقف كتاب (المستطرف) بمفرده في المكتبة العربية، ففي تراثنا توجد كتب أخرى تحتوي على أخبار طريفة، ومن بينها كتاب (أخبار الحمقى والمغفّلين) لابن الجوزي، و(البخلاء) للجاحظ.
ومما أذكر، فإنّ أوّل كتاب وقعت عيني عليه، بعد أن تعلّمت القراءة والكتابة كان عنوانه (100 نكتة ونكتة)، وقد وضع الناشر تحت العنوان عبارة (اضحكْ تضحك لك الدنيا)، وجاءت صورة الغلاف على هيئة وجه ضاحك في كتاب منشور بطبعة شعبية، وورق أسمر، فالنكتة بضاعة رائجة، ولها جمهور واسع، متعطّش للضحك، والمرح، ومن هنا، فالمسارح التي تعرض مسرحيات هزلية تجد إقبالا كبيرا من الجمهور، ويضطرّ مرتادوها إلى الحجز المسبق، بينما يستهوي المسرح الجاد قلّة من المهتمّين، فهو مسرح نخبوي، يتوجّه للنخب المثقّفة، لذا انحسر هذا النوع من العروض، واقتصر على المهرجانات، وقد رمز الإغريق للكوميديا بالقناع الأبيض الضاحك، فيما رمزوا للتراجيديا بالقناع الأسود، لذا اعتاد مصمّمو الإعلانات المسرحيّة على وضع قناعين؛ الأبيض المبتسم، والأسود المتجهّم، في دلالة إلى عنصري الخير والشر، والفرح والحزن، وهما الدعامتان اللتان تقوم عليهما الدراما، فللحياة وجهان، وجه سعيد ووجه حزين ودراما الحياة فيها السعادة والحزن معا.
وفي عقود مضت كانت تصدر مجلات متخصّصة بنشر النوادر، والقصائد الساخرة، ومن أقدمها، مجلة (التنكيت والتبكيت) التي أصدرها عبدالله النديم في مصر عام 1881م، وجريدة (الكرخ) التي أصدرها الملا عبود الكرخي عام 1927 وهي جريدة هزلية، و(حبزبوز) لصاحبها نوري ثابت الصادرة عام 1931م، ومن المجلات المتخصّصة بالنكت والرسوم الكاريكاتيرية والشعر الهزلي مجلة ( الفكاهة) ويعود تاريخ صدورها إلى عام 1950 م في الكويت، وواصلت صدورها حتى عام 1985م وهناك مجلة (الفكاهة) العراقية التي كانت تصدر في الستينيات، و(المتفرّج) ومجلّات فكاهيّة أخرى.
ولكنّ الكثير من الحكايات الطريفة لم يدوّن، وبقي شفاهيّا، يروى في المجالس، فالضحك يزدهر مع الجماعة، فهو طقس جماعي، ففقدناها بفعل النسيان، وتبدّل الأحوال، ورحيل نجوم الكوميديا.
والنكتة، كما يعرّفها الباحث طالب الأحمد (النكتة في مجتمع حزين) في كتابه الصادر عن دار (السرد للطباعة والنشر) في بغداد 2024م، «سرديّة شفويّة، أو مكتوبة تقترب في الشكل من الأقصوصة، وتطرح مضمونا مثيرا للإضحاك ينطوي على رمزية لا يمكن فهمها خارج سياق الثقافة الشعبية التي تمنحها المعنى»، وهي ليست فقط للتسلية، فلها أهداف وغايات، وتعطي مؤشرا «إلى حيوية المجتمع ونباهته، وحدّة ذكائه وقدرته على الصبر وتحمل الصعاب والأهم من كل ذلك قوة إيمانه وحبه للحياة»، كما يرى الباحث (طالب الأحمد)، ولها أبعاد فكرية، فهي تحمل الكثير من المضامين، فخضعت في النقد الثقافي للتحليل أسوة بالإعلان، والفولكلور، والطقوس الشعبية، مثلما خضعت لدراسات المتخصّصين بعلم النفس، ويذكر (طالب الأحمد) في كتابه أن الدكتور قاسم حسين صالح قام بتحليل النكات من الناحية النفسية، فوجد أن النكت البذيئة «تقلُّ في شعوب البلدان المتطوّرة وتكثر في الشعوب المتخلّفة لاسيّما بين الشرائح الاجتماعية الشعبية» واعتبر أن النكتة البذيئة عنف لفظي لعدوان مكبوت ضد آخر بهدف النيل من مكانته الاعتبارية، ولهذا، فإنها تعدُّ مادة علمية لعلماء النفس والاجتماع يستطيعون الكشف من خلالها عن الأفكار والميول العدوانية لدى الطوائف والمكونات الاجتماعية.
وحين أتذكّر كتاب (100 نكتة ونكتة) أستحضر عبارة بقيت راسخة في ذهني هي «إذا أردت أن تضحك، فاضحكْ مع الناس وإذا أردتَ أن تبكي، فابكِ وحدك» ومن يومها عرفتُ أنّ الضحك حين يخرج من الفرد إلى الجماعة، يكون كفيلا بإشاعة الفرح، والبهجة في المجتمع، ويستطيع الإنسان السيطرة على الحزن عندما لا يجاهر به، فالحزن ينتشر بالعدوى، ضمن متوالية عدديّة، وكذلك الفرح، ومن يومها وأنا أضحك مع الجميع وأحزن وحدي.