هل يتحول البرلمان العراقي إلى نادٍ للأثرياء مع تفشي شراء البطاقات الانتخابية؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
تعد البطاقات الانتخابية من الركائز الأساسية في العملية الديمقراطية العراقية، إذ تصدر للمواطنين المسجلين لتمكينهم من الإدلاء بأصواتهم خلال الانتخابات.
غير أن ظاهرة شراء وبيع هذه البطاقات تحولت إلى تهديد مباشر لنزاهة الانتخابات ومصداقيتها، وأصبحت تعكس هشاشة المنظومة الانتخابية، فيما يخشى مراقبون أن تؤدي إلى تحويل البرلمان العراقي إلى مؤسسة يتحكم بها أصحاب المال والنفوذ فقط.
وتواصلت في الآونة الأخيرة ظاهرة شراء وبيع بطاقات الناخبين في مختلف المحافظات العراقية، مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ويتسابق بعض المرشحين والأحزاب على شراء أكبر عدد من البطاقات لضمان الأصوات، في ظل ضعف الرقابة، وغياب الثقة بالعملية الانتخابية.
ورغم العقوبات التي تفرضها مفوضية الانتخابات، والتحذيرات المتكررة من الجهات القضائية والأمنية، إلا أن الظاهرة لم تتراجع، بل تصاعدت أسعار البطاقات الانتخابية بشكل ملحوظ.
وعلى سبيل المثل، كشفت تقارير ميدانية وشهادات محلية في محافظة نينوى عن تصاعد أنشطة مشبوهة لشراء الذمم والبطاقات الانتخابية من قبل جهات مسلحة مرتبطة بالحشد الشعبي، في إطار مساعٍ لتوسيع نفوذها في مناطق شمال العراق، ولا سيما في سنجار وسهل نينوى، التي تفتقر إلى حضورها المباشر.
وذكرت المصادر أن ميليشيا بابليون التابعة للحشد الشعبي، والتي يقودها ريان الكلداني، تعمل حاليًا على شراء بطاقات انتخابية من سكان محافظة نينوى، مع ممارسة ضغوط وتهديدات ضد الأهالي في بعض مناطق الموصل. وتشير التقارير إلى أن هذه الممارسات تأتي ضمن خطة تهدف إلى ضمان فوز مرشحين موالين للحشد في الانتخابات المقبلة.
كما أفادت معلومات أمنية بأن قوات وزارة الداخلية ألقت القبض على أحد عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) أثناء قيامه بشراء بطاقات انتخابية لصالح ريان الكلداني، في واحدة من أبرز القضايا التي تربط المال السياسي بالتدخلات المسلحة.
وبحسب المصادر ذاتها، تجاوز سعر البطاقة الانتخابية في بعض المناطق 300 ألف دينار عراقي، وسط اتهامات بوجود علم مسبق لدى مفوضية الانتخابات بهذه الممارسات، التي يستفيد منها بعض المنتسبين بشكل غير مباشر.
#العراق
انتخابات السلاح المنفلت :
⭕ميليشيا بابليون التابعة للحشد تقوم الان بشراء بطاقات الانتخاب وتهجير اهالي الموصل من مناطقهم
⭕ميليشيا الحشد تريد توسعة نفوذها في سنجار وسهل نينوى لانها لاتمتلك نفوذ فيها
⭕الداخلية اعتقلت احد افراد حزب العمال الكردستاني بككا وهو يقوم بشراء… pic.twitter.com/lK8KE9oRMU — Bassim Alkhazraji (@AlKhazraji_75) October 16, 2025
وفي سياق مواز، اتهم الأهالي في الموصل ميليشيا بابليون وزعيمها ريان الكلداني بفرض أتاوات مالية على السكان الراغبين في إعادة بناء منازلهم المدمرة، مشيرين إلى أن عمليات الإعمار تُمنع عنهم ما لم يدفعوا المبالغ المفروضة.
ويرى مراقبون أن هذه الممارسات تمثل نموذجا صارخا لاستخدام النفوذ المسلح والمال السياسي لشراء الولاءات الانتخابية، ما يهدد نزاهة الاستحقاق النيابي ويعمّق نفوذ الجماعات المسلحة في المشهد السياسي العراقي.
أسباب شراء البطاقات الانتخابية
يرجع انتشار ظاهرة شراء البطاقات الانتخابية إلى مجموعة من العوامل، أبرزها سعي بعض المرشحين لتعويض ضعف شعبيتهم عبر أساليب غير نزيهة، مستغلين الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون في مناطق الصراعات كالموصل والأنبار ونينوى.
وفي وقت سابق، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو أظهرت شهودا وهم يعثرون على بطاقات انتخابية مرمية في أحد أزقة الأسواق، حيث ذكر أحد الأشخاص أنه وجد بطاقتين تعودان لناخبين، قبل أن يقترب منه شخص محاولاً مساومته لشرائهما بمبلغ مالي.
شخص عثر على بطاقتين للناخب فجاء احدهم يساومه لشراء البطاقتين حيث وصلت المزايده الى
350 ألف سعر البطاقة الانتخابية pic.twitter.com/A0yYyLWqgL — _. suhair Al_jumaili (@75suhair) July 31, 2025
ويستغل بعض السماسرة حاجة الفئات الفقيرة والنازحين، الذين يبيعون بطاقاتهم مقابل مبالغ مالية زهيدة تسد احتياجاتهم اليومية، مما يجعلهم فريسة سهلة للتلاعب السياسي.
أساليب البيع والشراء
تشير تقارير ميدانية إلى أن هناك فرقا منظمة وسماسرة يعملون في المدن والقرى لشراء بطاقات الناخبين مقابل مبالغ تراوح بين 100 و400 دولار، وقد تصل إلى 500 دولار مع اقتراب موعد الاقتراع.
ويُدفع نصف المبلغ عادة قبل الانتخابات، على أن يُسلّم النصف الآخر بعد يوم التصويت، مقابل ضمان تصويت الناخب لصالح المرشح الذي اشترى البطاقة، وفي بعض الحالات، تحتجز البطاقة لدى السماسرة حتى موعد الاقتراع، ما يمنع صاحبها من التصويت لغيرهم.
ولا تقتصر الأساليب على المال فقط، إذ استخدم بعض المرشحين أساليب أخرى لاستمالة الناخبين، مثل تقديم الهدايا العينية والوعود بالمنافع، وقد رُصدت حالات تضمنت إهداء أسلحة خفيفة لشيوخ عشائر، أو ملابس، أو وعودا بوظائف حكومية ورواتب إعانة اجتماعية للفقراء مقابل تسليم بطاقاتهم.
كذلك كشفت هيئة النزاهة عن واقعة تورط فيها أحد المرشحين بشراء بطاقات ناخبين مقابل وعود بالتعيين في دوائر الدولة، أو بتوفير فرص دعم مالي للفئات المحتاجة، في تجاوز واضح للقوانين الانتخابية.
وفي سياق متصل، أفادت مصادر محلية أن قوات الحشد الشعبي، سابقا،كانت تمنع مالكي الأراضي في أطراف مدينة الموصل من البناء على ممتلكاتهم إلا بعد دفع مبالغ مالية تراوح بين 1,500 و4,000 دولار.
وقالت المصادر إن أسلوب الابتزاز تغير مؤخرا، فبدلا من قبول الدفع النقدي فقط، تشترط الجماعات المسلحة الموالية للحشد جلب ما يصل إلى 30 بطاقة ناخب لكل طلب ترخيص بناء، كشرط للسماح ببدء الأعمال الإنشائية.
الانعكاسات على العملية الديمقراطية
تؤدي هذه الممارسات إلى إضعاف القرارات الشعبية وعرقلة العملية الديمقراطية برمتها، حيث يصبح المقعد النيابي سلعة تُشترى بالمال بدل أن يكون تعبيرا عن رأي المواطنين.
ويحذر مراقبون من أن انتشار المال السياسي بهذه الصورة يهدد بتحويل البرلمان العراقي إلى ساحة مغلقة على الأثرياء وأصحاب النفوذ، ما يعني تغييب الكفاءات والوجوه المستقلة التي لا تمتلك موارد مالية ضخمة.
وتؤكد تقارير رقابية أن شراء البطاقات يُضعف تمثيل الإرادة الحقيقية للناخبين، ويقوض الثقة في مؤسسات الدولة، ويساهم في ترسيخ الفساد السياسي، إذ يفقد المرشح النزيه محدود الموارد القدرة على منافسة من يمتلك المال والنفوذ.
الإجراءات القانونية ووسائل التصدي
اعتمدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نظام التسجيل البيومتري لربط البطاقات ببصمات وأصوات الناخبين بشكل فردي، في محاولة لمنع استخدامها من قبل أشخاص آخرين.
كما شدد القانون العراقي على تجريم بيع وشراء البطاقات الانتخابية، وفرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة 15 عامًا على كل من يشارك في هذه الجريمة.
وأعلنت اللجنة الأمنية العليا للانتخابات، قبل أيام، إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص المتورطين بشراء بطاقات انتخابية وتمزيق صور المرشحين، وقالت اللجنة في بيان إن "مفارز جهاز الأمن الوطني والتشكيلات الأمنية نفذت عمليات متابعة ميدانية مكثفة خلال الأيام الماضية، أسفرت عن اعتقال عدد من المتورطين في ارتكاب مخالفات انتخابية".
من جانبه، أوضح المستشار القانوني في مفوضية الانتخابات، حسن سلمان، لوكالة الأنباء العراقية، أن "شراء أو إتلاف بطاقات الناخبين جريمة انتخابية خطيرة"، مشيرا إلى أن المفوضية حركت شكاوى جزائية بالتعاون مع مجلس القضاء الأعلى ضد المتورطين الذين يخضعون حاليًا لتحقيقات قانونية.
أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الثلاثاء، منع إدخال الهواتف أو الكاميرات إلى مراكز الاقتراع، للحد من محاولات تصوير ورقة التصويت وضمان سرية الاقتراع.
وقال عضو الفريق الإعلامي للمفوضية، حسن هادي، إن "الإجراءات التقنية الخاصة بالبطاقة البايومترية تجعل من المستحيل استغلالها أو تزويرها"، موضحا أن "القانون رقم (4) لسنة 2023 المعدل حصر حق التصويت بمن يمتلك البطاقة البايومترية فقط".
وأضاف أن "عملية التحقق تمر بعلاقة ثلاثية بين البطاقة والمعلومات المسجلة فيها ومعلومات الناخب البيومترية مثل البصمة والصورة"، مشيرًا إلى أن "المفوضية أضافت كاميرات إلى أجهزة التحقق لمعالجة حالات عدم تطابق البصمات لدى كبار السن أو أصحاب المهن اليدوية".
وأوضح أن "استخدام البطاقة في مركز الاقتراع يؤدي إلى قفلها تلقائيًا لمدة 72 ساعة، ما يجعلها بلا قيمة لأي شخص آخر".
عوائق أمام مكافحة الظاهرة
رغم وجود التشريعات الصارمة، لا تزال عمليات شراء الأصوات تُجرى في الخفاء داخل الأحياء والقرى، ما يصعب رصدها من قبل الجهات الرسمية ذات الإمكانيات المحدودة، كما تتردد بعض الأجهزة المحلية في ملاحقة المتورطين إذا كانوا من أصحاب النفوذ السياسي أو العشائري في مناطقهم، مما يزيد من ضعف تطبيق القانون.
وتفقد هذه الممارسات الانتخابات معناها الحقيقي، إذ تتحول المنافسة من برامج انتخابية إلى مزادات مالية، وتصبح النتيجة انعكاسا لقوة المال لا لإرادة الناخبين الحرة.
المال السياسي وهيمنة الطبقة الثرية
تثير ظاهرة شراء البطاقات الانتخابية مخاوف من أن يتحول البرلمان العراقي تدريجيا إلى ناد للأثرياء، بعدما بات المال عاملا حاسما في الفوز بالمقاعد النيابية.
ويرى خبراء أن هذه الظاهرة تُبرز هيمنة الطبقة الممولة على المشهد السياسي، حيث أصبح امتلاك المال شرطا ضمنيا للفوز، بغض النظر عن الكفاءة أو البرنامج الانتخابي، كما تشير التحليلات إلى أن دخول المرشحين الممولين إلى البرلمان يجعلهم مدينين لفوزهم بشبكات مصالح مالية، ما ينعكس على أدائهم التشريعي ويحدّ من استقلاليتهم تحت قبة المجلس.
ولا تقتصر أضرار شراء البطاقات على الجانب السياسي، بل تمتد إلى البيئة الاجتماعية ووعي الناخبين، فهي تستهدف في الغالب الشرائح الأكثر فقرا، وتستغل حاجتها المادية لإغرائها بمبالغ زهيدة مقابل التصويت، ما يكرّس ثقافة الاتجار بالصوت الانتخابي ويضعف الحس الوطني لدى الناخبين.
وتواجه العملية الانتخابية في العراق خطرًا حقيقيا بسبب تفشي ظاهرة شراء وبيع البطاقات الانتخابية، رغم الإجراءات التقنية والقانونية المعتمدة، كما تشير تقديرات إلى أن استمرار هذه الممارسات سيحوّل البرلمان إلى مؤسسة يتحكم فيها الأثرياء، ويقضي على مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية الديمقراطية العراقية الانتخابات العراق الديمقراطية الانتخابات المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شراء البطاقات الانتخابیة البرلمان العراقی بطاقات انتخابیة هذه الممارسات المال السیاسی شراء بطاقات ظاهرة شراء إلى أن
إقرأ أيضاً:
اختبار حقيقي.. هل يُبعد القضاء العراقي الفصائل من الانتخابات؟
مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية، عادت إلى الواجهة مجددا قضية مشاركة الفصائل المسلحة، وذلك بعد رفع جهات سياسية دعاوى قانونية، تطالب فيها السلطة القضائية والمفوضية العليا للانتخابات باستبعاد هذه التشكيلات من العملية الانتخابية بدعوى مخالفتها لأحكام الدستور.
ومنذ نحو أسبوع، تحظى القضية بتغطية واسعة في وسائل الإعلام المحلية، وسط تصاعد الضغط على المفوضية والسلطة القضائية للبت في هذه الشكاوى قبل موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إذ يُستبعد بشكل شبه يومي عددا من المرشحين لأسباب مختلفة.
سابقة فريدة
رفع شكوى بهذا الحجم، تُعد سابقة تحدث لأول مرة منذ عام 2003، كونها شملت فصائل بارزة من بينها: منظمة بدر، عصائب أهل الحق، كتائب الإمام علي، كتائب سيد الشهداء، والتي تشكل كل واحدة منها تحالفات انتخابية، فضلا عن أنها تمتلك مناصب في الحكومة الحالية.
وفي مقابلة تلفزيونية، الجمعة، صرّح عباس الفتلاوي رئيس "تجمع الاستقلال العراقي" صحاب الشكوى المقامة ضد الفصائل، بأن "هذه الحملة القانونية هدفها الأساس حل الأحزاب المسلحة لحماية العملية الديمقراطية، وذلك لأن وجودها مخالفتها للدستور".
وأكد الفتلاوي أنهم قدموا إلى المفوضية ودائرة الأحزاب فيها والمحكمة الاتحادية شكوى من 62 صفحة مدعمة بنحو 30 جيجا بايت من فيديوهات تتضمن اعترافات صريحة لأعضاء في الفصائل المسلحة بأنهم مرتبطون بجهات وحركات سياسية وكيانات برلمانية.
وأشار إلى أن الشكوى تستند لمواد في الدستور العراقي تنص على أن "القوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنها العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أي دوائر أو منظمات تابعة لها، لا يحق لهم الترشيح في الانتخابات لشغل مراكز سياسية"، والتي تحظر تكوين ميليشيات خارج إطار القوات المسلحة.
لم تصدر المفوضية العليا للانتخابات موقفا رسميا من هذه الدعاوى، مكتفية بالقول إن كل الطعون ستُحال إلى الجهات القضائية المختصة وفق المدد القانونية.
أما المحكمة الاتحادية العليا، فهي الجهة التي يمكن أن تبت في شرعية مشاركة تلك القوى، لكن مراقبين يشيرون إلى أن البتّ في القضية خلال فترة قصيرة قبل الانتخابات سيكون معقدا، وقد يفتح الباب أمام أزمة سياسية إذا تقرر استبعاد قوى مؤثرة.
في المقابل، ترى أطراف قريبة من الإطار التنسيقي الحاكم والفصائل المسلحة أن تطبيق القانون يجب أن يشمل الجميع حتى قوات البيشمركة الكردية، بزعم أنها "تشكيلات حزبية تنتمي إلى الحزبين الرئيسيين في الإقليم الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني".
"ازدواجية التعامل"
وبخصوص مدى قبول الشكوى، قال المحلل السياسي العراقي، معتز النجم، لـ"عربي21" إن "إشكالية العملية السياسية في العراق هو أنها بنيت على أساس التوافق، وهذا أنتج تخادما بين السلطة والسلاح، وأن تمثيل هذه الجهات في السلطة وفق ترتيب سياسي، أدى إلى شرعنة سلاحها".
وأكد النجم أن مفوضية تتعامل بازدواجية مع الشكاوى، لأنه اليوم أمامها الكثير من الدعوات لإبعاد شخصيات تستخدم الخطاب الطائفي في دعايتها الانتخابية، لكنها صامته تجاههم، رغم تأملنا خيرا بها عندما بدأت في تفعيل قانون حسن السيرة والسلوك والنزاهة، واستبعدت بعض المرشحين.
من الناحية الواقعية، يرى النجم أنه "إذا اتخذ قرار ضد هذه الفصائل فإنها ستسبب في الوقت الحالي خلالا كبيرا في العملية السياسية والانتخابية، لكن من جانب قانوني فإن الدستور يرفض الأحزاب التي تمتلك أجنحة عسكرية من الانخراط في الانتخابات".
وتابع: رغم أن تقديم الشكاوى مضى عليها أكثر من شهر، ولكن لا أعتقد أن يصدر قرارا لإبعاد الفصائل من الانتخابات، وربما يؤجل النظر في القضية، خصوصا أن البعض يزعم أن "استبعادهم لا يصب بالعملية السياسية، لأن سلاحهم يخدم العملية الديمقراطية ويحمي الدستور".
وتوقع النجم أن الشكوى إذا قبلت من المفوضية وأبعد الفصائل المسلحة عن الانتخابات، فإن السيناريو المحتمل هو تأجيج الوضع في العراق، لذلك أعتقد أن تبقى الأمور على حالها، رغم أن الدعوى خطوة جريئة وتحسب للجهات التي قدمتها إلى المحكمة الاتحادية مدعمة بأدلة وبراهين.
ورأى المحلل السياسي أن "ربط البعض القضية بحل قوات البيشمركة، أمر بعيد ومختلف تماما، لأن الأخيرة قوات رسمية مثبتة بالدستور تحت عنوان حرس الإقليم، وليس عليها مآخذ بتنفيذ باعتقالات ومغيبين، والاعتداء على المدن بشن الهجمات وغيرها".
وبيّن النجم أن "البيشمركة قوات مرتبطة بقيادة في وزارة الدفاع بإقليم كردستان، أما الفصائل المسلحة فإنها ليس لديها قائد، وإنما كل جناح تتزعمه شخصية، لذلك فإن محاولة البعض توظيف الموضوع ليس له أي سند قانوني".
"اختبار حقيقي"
وعلى الصعيد ذاته، أكد أحمد العلواني المحلل السياسي العراقي المقيم في برلين، لـ"عربي21" أن "الدعوى تستهدف: كتلة منتصرون، حركة العراق الإسلامية، تحالف خدمات، حزب المحافظون، حركة الجهاد والبناء، تحالفات الصفوة، الحدباء، العقد الوطني، حركة بابليون، منظمة بدر، عصائب أهل الحق، وحركة الصادقون".
وقال العلواني إن الهدف من تقديم الدعوى القضائية بتطبيق القانون بحيادية وفصل العمل الحزبي عن النشاطات المسلحة، وأنها تهدف أيضا حماية الديمقراطية والسلم الأهلي، وليس الاستهداف السياسي.
وشدد على أن المفوضية اليوم تواجه ضغطا كبيرا واختبارا حقيقيا لحيادها وفاعليتها، خاصة أن الأحزاب المستهدفة تعتمد على القوة المسلحة وليس على قاعدة شعبية، ما يجعل مراقبة قراراتها أمرا بالغ الأهمية.
ووصف العلواني الدعوى القانونية بأنه "قوية ومدعومة بأدلة واضحة، ورفضها قد يسبب إحراجا داخليا ودوليا، رغم أن الوقت القصير قد يحد من إمكانية التنفيذ الفوري، ومع وجود ضغط سياسي وقانوني متزايد".
وبرأي الخبير العراقي، فإن "قبول الدعوى، قد يؤدي إلى وقع سياسي كبير وربما صراع داخلي، إذ أن الأحزاب المسلحة عادة لا تلتزم بالقانون إذا تعارض مع مصالحها، ما يستدعي متابعة تنفيذية دقيقة لتجنب أي تصعيد مسلح".
في المقابل، يؤكد العلواني، أن "نجاح الدعوى سيعيد العراق إلى مسار ديمقراطي مستقر، ويمثل خطوة جدية نحو فصل العمل الحزبي عن النشاطات المسلحة، مؤسسا لسابقة تاريخية في المشهد السياسي العراقي".
وختم العلواني حديثه بالقول إن "رفض هذه الدعوى من الجهات الرسمية في البلاد سيشكل فشلا كبيرا للنظام السياسي العراقي، إضافة إلى أنه يعزز هيمنة السلاح وغياب الديمقراطية".