بانر من واشنطن (الجزيرة)

بيد أن هذا لا يعني في الوقت نفسه، أن المنطقة سيعاد رسمها على النحو الذي يريده بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدوية، لأن دولا أخرى لن تسمح بهيمنة إسرائيل على الشرق الأوسط.

ففي تطور لافت، أبلغت إيران الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي انتهاء اتفاق 2015 النووي رسميا، وقالت إن القيود التي كانت مفروضة على برنامجها النووي بموجبه أصبحت لاغية.

وحظيت الرسالة الإيرانية بدعم روسيا والصين اللتين اعتبرتا، أن تفعيل الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) آلية الزناد الخاصة بالعقوبات، غير قانوني، لأن هذه الدول لم تلتزم بما تعهدت به في القرار 2132، الخاص ببرنامج طهران النووي.

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قال في كلمة في الكنيست الإسرائيلي في وقت سابق من الشهر الجاري، إنه يأمل في إبرام اتفاق سلام مع إيران بعد تدمير برنامجها النووي، مهددا بضرب أي منشآت نووية إيرانية جديدة.

واعتبر ترامب، أن ما وصفه بتدمير برنامج إيران النووي ساهم في التوصل لاتفاق وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وأنه غير خريطة الشرق الأوسط السياسية.

لكن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، رد على هذا الكلام باستخفاف، وقال إن حديث ترامب عن تدمير المنشآت النووية لبلاده مجرد حلم عليه مواصلته.

كما قال خامنئي أيضا، إنه ليس من حق أميركا التدخل في شؤون الدول وتحديد ما يجب وما لا يجب، واصفا ما تقوم به الولايات المتحدة بالعجرفة.

واشنطن لن تكترث

وتأتي هذه التطورات بعدما وصلت الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات الإيرانية الأميركية إلى طريق مسدود، حيث بدت الولايات المتحدة راغبة في جر إيران لاستسلام غير مشروط، وهو ما قال الإيرانيون مرارا، إنهم لن يقبلوه.

غير أن الولايات المتحدة لن تكترث كثيرا بهذا الموقف الإيراني الجديد المدعوم من روسيا والصين، لأن هذه النزاعات لا تحل مجلس الأمن والأمم المتحدة، كما يقول الدبلوماسي الأميركي السابق في موسكو، دونالد جنسين.

إعلان

فالولايات المتحدة سترد على هذه التطورات بطريقتها، فضلا عن أن تركيا ودول الخليج العربي أصبحت تمتلك نفوذا أكبر من روسيا والصين في المنطقة، بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، حسب ما قاله جنسين في حلقة 2025/10/23 من برنامج "من واشنطن".

ورغم أن هذه الرسالة لها ما يقويها، في رأي جنسين، إلا أن السياسة الواضحة التي تنتهجها الولايات المتحدة تتبع سياسة محددة تجاه إيران، واتفاق 2015، سيجعل من الصعب على موسكو وبكين مساعدة طهران على نحو يجعلها قادرة على التصدي لهذه السياسة.

وهناك فارق كبير بين ما يحدث في مجلس الأمن وما تفعله واشنطن على الأرض، حسب الدبلوماسي الأميركي السابق، الذي يعتقد أن ترامب سيلجأ إلى حلفائه في المنطقة لضمان الحد من أنشطة طهران النووية مستقبلا.

فالولايات المتحدة، كما يقول جنسين، لا تسعى لإدارة المنطقة مع إسرائيل، بقدر ما تعارض برنامج إيران النووي وتعتقد أن طهران كانت تخادع في الاتفاق السابق، وأن نسخة من هذا الاتفاق لن تكون مفيدة لوقف طموحاتها.

وعلى هذا الأساس، يعتقد المتحدث، أن تركيا ودول الخليج "سيكون لها دور محوري في رسم الشكل الجديد للمنطقة وكبح جماح إيران، حيث تراجعت قوة إسرائيل الدبلوماسية بسبب الحرب رغم أنها الأقوى عسكريا"، حسب تعبيره.

ما يريده نتنياهو لن يحدث

في المقابل، يرى أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران حسن أحمديان، أن إيران تتعامل مع الاتفاق النووي المبرم في 2015 على أنه منته منذ فترة وليس من اليوم.

وقد أقدمت إيران على خطوة استثنائية -حسب وصف أحمديان- عندما حاولت التوصل لاتفاق جديد مع الولايات المتحدة التي لم تتعامل بجدية مع هذه الخطوة، وسمحت بضرب منشآت إيران وشاركت في ضربها.

كما أن إيران "لم ولن تطلب من روسيا والصين مساعدتهما في الدفاع عن نفسها، فقد فعلت هذا منفردة ضد إسرائيل وضد الولايات المتحدة، لكن دعم هذين البلدين فكرة انتهاء مفعول الاتفاق وعدم شرعية آلية الزناد المترتبة عليه، يعني أنهما سيواصلان العمل الاقتصادي مع طهران المثقلة بسبب العقوبات المفروضة عليها"، وفق أحمديان.

ليس هذا وحسب، إن اعتراف روسيا والصين بانتهاء فعالية كل ما ترتب على اتفاق 2015، يعني -في رأي المتحدث- أنهما لن تقبلا بإصدار مجلس الأمن أي عقوبات جديدة بناء عليه، وسيجعل الصين غير معنية بحظر التسليح الذي كان مفروضا على إيران.

وحتى لو لم تتدخل هذه الدول في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدث عنه نتنياهو، فإن إيران ودولا أخرى بالمنطقة "لن تقبل بهيمنة إسرائيل على المنطقة، حتى لو كان بعضها يجاري ترامب خشية مواجهته"، حسب أحمديان.

ولا يختلف المحلل الروسي يفغيني سيدروف، مع فكرة أن روسيا والصين لن تنخرطا في أي نزاع عسكري محتمل بين الولايات المتحدة أو إسرائيل وإيران، لكنه يرى أن الرسالة الثلاثية الأخيرة لمجلس الأمن تخص ملفات دولية أوسع وأكثر تعقيدا وليس برنامج طهران النووي.

وينظر المحلل الروسي لهذه الرسالة على أنها بداية "تحالف ثلاثي مرحلي" لا يعني تدخل بكين وموسكو في نزاع عسكري مع الولايات المتحدة دفاعا عن إيران، لأنهما لن يغيرا موقفيهما السابقين اللذين توقفا عند حد الإدانة.

إعلان

والأمر الذي يمكن القيام به عمليا -في رأي يفغيني، هو أن تتوصل روسيا لتفاهمات مؤقتة مع واشنطن بشأن إيران، إذا حدث تقدم في المفاوضات الرامية لوقف الحرب الأوكرانية، حتى يثبت البلدان قدرتيهما على التعامل مع ملفات دولية شديدة التعقيد.

فروسيا -كما يقول المتحدث- تحدد مواقفها العسكرية حسب التفاهمات التي يمكن إنجازها مع الولايات المتحدة في أوكرانيا، ومن ثم هي لا تريد تعقيد العلاقات مع واشنطن حتى لو تكرر استهداف إيران، وهو موقف ستتبعه الصين غالبا.

وتضع هذه التعقيدات روسيا في مفترق طرق، وفق يفغيني، الذي قال، إن على بلاده تحديد موقفها بوضوح من برنامج إيران النووي، مضيفا "أعتقد أن موسكو عازمة على استخدام كل نفوذها وإمكاناتها لإبرام اتفاق نووي جديد".

Published On 23/10/202523/10/2025|آخر تحديث: 20:24 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:24 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الولایات المتحدة الشرق الأوسط روسیا والصین

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة والسعودية تُفشلان اتفاقية خفض انبعاثات الشحن العالمية

في تطور مثير أعاد ملف المناخ العالمي إلى الواجهة، فشلت المفاوضات الدولية الهادفة لإقرار اتفاقية تاريخية لخفض انبعاثات قطاع الشحن البحري، بعدما نجحت كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في تعطيل تمرير الاتفاق خلال الاجتماعات الأخيرة التي عُقدت في لندن، بمشاركة ممثلين من أكثر من 100 دولة حول العالم.

ووفقًا لتقرير صادر عن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كانت هذه الاتفاقية ستُعد الأولى من نوعها في التاريخ، إذ تهدف إلى تحويل قطاع الشحن العالمي إلى أول قطاع صناعي يعتمد إرشادات دولية ملزمة لتقليل انبعاثات الكربون، من خلال ما أطلق عليه ضريبة الكربون العالمية، إلا أن الخطة واجهت معارضة شديدة من واشنطن والرياض، ما أدى إلى إفشال التصويت عليها في اللحظات الأخيرة.

وتشير المصادر إلى أن الحكومة الأمريكية مارست ضغوطًا مكثفة على عدد من الدول للتصويت ضد الاتفاق، مهددة بفرض رسوم جمركية إضافية على الدول غير المتوافقة مع موقفها، بالإضافة إلى التلويح بعقوبات أخرى تشمل منع بعض السفن من دخول الموانئ الأمريكية وفرض قيود على منح التأشيرات. 

واعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق خدعة بيئية عالمية جديدة تهدف، على حد وصفه، إلى إضعاف الاقتصاد الأمريكي عبر فرض ضرائب خفية باسم البيئة.

أما المملكة العربية السعودية، فقد تبنّت خطة بديلة لإفشال التصويت، عبر اقتراح تأجيل المفاوضات لمدة عام إضافي، وهو ما تم تمريره بأغلبية ضئيلة بفضل دعم كل من الولايات المتحدة وروسيا. 

ورغم أن القرار من الناحية الفنية لا يُلغي الاتفاق، فإنه يجمّده فعليًا ويفرض إعادة التفاوض على الجداول الزمنية والأهداف البيئية من جديد، ما يُفقد المفاوضات زخمها الذي استمر لعقد كامل.

وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عقب التصويت بأن النتيجة تمثل انتصارًا كبيرًا للرئيس ترامب، معتبرًا أن الولايات المتحدة لن تسمح بفرض سياسات مناخية تقوّض مصالحها التجارية، أما في المقابل، فقد أعربت منظمات بيئية واقتصادية عن استيائها من القرار، معتبرة أنه يبدد فرصة تاريخية لتنظيم واحد من أكثر القطاعات تلويثًا في العالم.

وقال توماس كازاكوس، الأمين العام للغرفة الدولية للشحن البحري، إن القطاع يشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب فشل الدول الأعضاء في الاتفاق على مسار واضح للمضي قدمًا، مضيفًا أن الشركات كانت بحاجة ماسة إلى معايير عالمية ثابتة لتوجيه استثماراتها في التقنيات النظيفة، وأضاف أن غياب الوضوح يُربك خطط الشركات ويُعرقل الجهود الرامية لتقليل الانبعاثات.

وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه مستويات ثاني أكسيد الكربون حول العالم ارتفاعًا قياسيًا، حيث سجل عام 2024 أعلى معدل انبعاثات منذ بدء التسجيلات الحديثة. وكان من المفترض أن تُجبر الاتفاقية المقترحة مالكي السفن على التحول إلى وقود أنظف وأكثر استدامة بدءًا من عام 2028، مع فرض غرامات على من يخالف المعايير الجديدة.

ويُعد قطاع الشحن البحري مسؤولًا عن نحو 3% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، إلا أن تقارير الهيئة الدولية للطاقة تتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى ما بين 10% و50% بحلول عام 2050 إذا استمر غياب التنظيم الصارم. وتُعد السفن التجارية من أكبر مصادر الانبعاثات التي يصعب السيطرة عليها، نظرًا لاعتمادها الكبير على الوقود الثقيل منخفض الكفاءة.

وبينما يُتوقع أن تجتمع الدول مجددًا في أبريل المقبل لإعادة مناقشة خطة الاتفاق، يرى مراقبون أن فرص تمريره باتت ضعيفة للغاية، خصوصًا بعد الانقسام الحاد الذي أظهرته جلسات التصويت الأخيرة، ما يعني أن العالم سيضطر إلى بدء مفاوضات جديدة من الصفر وسط أجواء من التوتر بين الدول الصناعية والدول النامية.

بهذا الفشل، يتأجل حلم كان من شأنه أن يجعل من قطاع الشحن نموذجًا في التحول البيئي، ويُظهر أن الخلافات السياسية لا تزال حجر عثرة أمام أي تقدم ملموس في مواجهة التغير المناخي، حتى حين يتفق الجميع على خطورة الأزمة.
 

مقالات مشابهة

  • إيران: كان هناك مجال للتوصل لاتفاق مع واشنطن لكن أطماعها حالت دون ذلك
  • ماذا نعرف عن جون بريسلو الذي رشحه ترامب ليكون سفير الولايات المتحدة لدى قبرص؟
  • أعلنت إلغاء اتفاق التعاون مع الوكالة الذرية.. إيران ترفض استئناف المفاوضات مع واشنطن
  • إيران: لا مفاوضات مع واشنطن بسبب مطالبها "غير المعقولة"
  • روسيا: التهديد النووي سيزداد في حال رفضت واشنطن مبادرة “ستارت”
  • إيران: لن نعود للمفاوضات مع أمريكا ما دامت تقدم مطالب غير معقولة
  • طهران تلوّح بوقف التفاوض مع واشنطن وتكشف الأسباب
  • أستاذ دراسات إيرانية: طهران أنهت الاتفاق النووي وتستند إلى دعم روسي صيني
  • الولايات المتحدة والسعودية تُفشلان اتفاقية خفض انبعاثات الشحن العالمية