العنف الأسري بين الثقافة والفقر.. جريمة لا تبررها الحاجة
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
انتشر منذ عدة ايام، على مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، فيديو لرجل يعنف زوجته بطريقة وحشية، وفي الإطار الاكثر دقة، اطفال (أطفاله من زوجته المعنفة) يبكون في زاوية من زوايا البيت، وينظرون بحرقة إلى ما يحدث أمامهم. ويبدو في المشهد طفلة ذات سنتين ربما، تحتضنها اختها الكبيرة وتغطي وجهها حتى لا ترى المشهد المؤسف والمرعب.
في الوصف الذي نُشر مع الفيديو يقولون إنه صوّر في احدى مناطق ضاحية بيروت الجنوبية، وهي تعتبر من المناطق الفقيرة حيث تجد ما يشبه أحزمة البؤس والأبنية متلاصقة. لكن اللافت ليس كل ما سبق، بل التعليقات التي كانت على المنشور، منهم من عتب عتبًا شديدًا على المصوّر الذي بقي صامدًا يتفرّج على حال هؤلاء الأطفال، ليصوّر مادة دسمة ل"السوشيال ميديا" يحصد من خلالها الإعجابات ويثير الجدل، ومنهم من اعتبر أن الفقر يولّد "النقار" ويؤدي إلى مشاكل يمكن وصفها بالمستعصية، والنتيجة عنف أسري.
في كل مرة يُطرح فيها ملف العنف الأسري، يوجَّه الاتهام سريعًا إلى الفقر. وكأن الحاجة المادية وحدها قادرة على تحويل الأزواج إلى جناة، والأمهات إلى ضحايا، والأطفال إلى شهود صامتين. لكن هل الفقر فعلاً السبب الجذري؟ أم أن العنف نتاج ثقافة وتربية وخلل نفسي واجتماعي أعمق من أي ظرف اقتصادي؟
تقول نغم هزيمة وهي متخصصة في علم اجتماع العائلة ومرشدة اجتماعية، أن العنف الأسري لا يرتبط حصراً بالفقر، بل هو سلوك عدواني متجذّر في الطبيعة الإنسانية، قد يتفاقم بفعل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. صحيح أن البيئات الفقيرة غالباً ما تعاني من ضعف في التعليم والثقافة، ما يزيد احتمالات العنف، لكنّ العنف لا يعني بالضرورة الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل قد يتجلى في الصراخ والكلمات المسيئة فيكون عنفًا لفظيًا ومعنويًا.
وتشير هزيمة إلى أن من "يمارس العنف يكون غالباً قد تعرّض له في السابق، ويواجه ضغوطات حياتية أو خلافات زوجية، لكنه لا يلجأ عادة إلى متخصص لحل مشاكله، بل يعتبر الأمر ردّة فعل طبيعية أو عادة يومية".
وتؤكد أن "العقوبات القانونية في لبنان تبقى غير كافية وغير مطبّقة بالشكل الصحيح، فيما يعيش الضحايا في خوف يمنعهم من التبليغ أو طلب المساعدة".
القانون اللبناني، رغم تطوره النسبي في السنوات الأخيرة، لا يزال عاجزًا عن حماية جميع الضحايا، خصوصًا النساء اللواتي يعتمدن ماديًا على أزواجهن. كثيرات لا يبلّغن عن العنف خوفًا من خسارة المأوى أو الأطفال أو المعيشة. وهنا يظهر مجددًا دور الفقر كقيد، لا كسبب. وهنا تشير هزيمة إلى "ضرورة نشر الوعي حول آثار العنف وسبل الحماية القانونية، وتعريف النساء بالجمعيات والجهات القادرة على دعمهنّ ومرافقتهنّ في مسار الشكوى".
العنف الأسري، ليس ظاهرة "طبقية"، بل إنسانية. يُمارس في القرى كما في المدن، في بيوت ميسورة كما في منازل فقيرة.
الاختلاف ليس في مستوى الدخل بل في مستوى الوعي، وفي مدى قدرة المجتمع على مواجهة أخطائه وتصحيحها.
قد يكون الفقر بابًا للتوتر، لكنه ليس طريقًا إلى العنف.
والعنف لا يبرَّر بحجة "الضغوط"، لأن كل ضربة أو إهانة تترك أثرًا لا يُشفى بالاعتذار أو المال.
المشكلة ليست في الجيب الفارغ بل في الوعي الغائب، والحل يبدأ من التربية، من المدارس، ومن الخطاب العام الذي يجب أن يعيد تعريف مفاهيم "الأسرة" و"القوة".
المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة الخارجية الإيرانية: الادعاءات الكاذبة حول برنامج إيران النووي لا تبرر الجريمة الأميركية الإسرائيلية بالاعتداء على أراضينا Lebanon 24 الخارجية الإيرانية: الادعاءات الكاذبة حول برنامج إيران النووي لا تبرر الجريمة الأميركية الإسرائيلية بالاعتداء على أراضينا
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: العنف الأسری
إقرأ أيضاً:
الفنون تكتب مقاومة جديدة للعنف الإلكتروني ضد المرأة
في إطار حملة الـ16 يومًا من الأنشطة لمناهضة العنف ضد المرأة، نظّمت لجنة الفنون والثقافة بالمجلس القومي للمرأة ندوة بعنوان «العنف الإلكتروني ضد المرأة ومهارات النجاة – جروح بلا ندبات»، وذلك بحضور المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس، والدكتورة إيناس عبد الدايم عضو المجلس ومقررة اللجنة ووزيرة الثقافة الأسبق، والدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الأسبق، وعدد من عضوات وأعضاء اللجنة، إلى جانب طالبات وطلاب من جامعات عين شمس وحلوان والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، و أدارتها مها شهبة - عضو لجنة الثقافة والفنون بالمجلس.
في كلمتها، أكدت المستشارة أمل عمار أن هذه الحملة العالمية ليست مجرد نشاط توعوي، وإنما هي تجديد سنوي للالتزام بحماية كل امرأة وفتاة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، وبخاصة العنف الإلكتروني الذي بات يمثل أحد أخطر التحديات المعاصرة.
وأشارت إلى أن العنف الإلكتروني لا يقتصر على الرسائل المسيئة أو التنمر أو انتهاك الخصوصية، حيث يمتد أثره ليصيب نفسية المرأة وأسرتها ومحيطها الاجتماعي، ويقوّض شعورها بالأمان في الفضاء الرقمي.
كما أكدت أن الدولة المصرية، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولت قضايا حماية وتمكين المرأة أولوية متقدمة، ومن ضمنها مواجهة العنف الإلكتروني. وشدّدت على أن الفنون والثقافة ليست ترفًا، بل قوة ناعمة قادرة على تشكيل الوعي المجتمعي ومواجهة خطاب الكراهية والتحرش والتنمر الرقمي، عبر تأثيرها الممتد في السينما والمسرح والموسيقى والأدب والفنون البصرية.
وأعربت المستشارة أمل عمار عن سعادتها بمشاركة قامات رفيعة من المبدعات والرموز الثقافية، مؤكدة أن وجودهن رسالة دعم قوية تُعزّز دور الثقافة والفن في حماية الفتيات وتعزيز وعي المجتمع بمخاطر الفضاء الإلكتروني.
كما شدّدت على أهمية بناء شراكات واسعة تشمل المؤسسات الثقافية والفنية، والجامعات، ووسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والأسرة والمدرسة، لمواجهة هذا النوع من العنف.
واختتمت كلمتها بتقديم الشكر لكل فنانة ومثقفة ومبدعة جعلت من فنها صوتًا للمرأة، ومن ثقافتها جسرًا للدعم والحماية. وباسم المجلس القومي للمرأة، جدّدت الالتزام بمواصلة العمل على حماية نساء مصر وفتياتها، في الواقع وفي الفضاء الإلكتروني، حتى تنعم كل امرأة بالأمان والكرامة والاحترام.
شهدت الندوة جلسة حوارية تناولت دور الأدب والسينما والدراما في مكافحة العنف الإلكتروني، أدارتها الدكتورة جهاد محمود عواض أستاذ الأدب المقارن والنقد الأدبى الحديث المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس ، وعضوة اللجنة ، وتناولت الدكتورة جهاد محمود عواض فى كلمتها عرضا متمثلا فى مقارنة بين كاتبة مصرية وكاتبة صربية وتناولهما للعنف ضد المرأة مؤكدة أن ثقافة العنف لا تقتصر على ثقافة بعينها وإنما منتشرة فى كل الثقافات حتى الثقافة الصربية وفرقت بيت مصطلح " المجتمع " و" الدولة".
فيما أكدت الدكتورة ميرفت أبو عوف عضوة اللجنة وعميدة كلية الفنون البصرية و الإبداع بجامعة إسلسكا ضرورة إدماج الوعي الأكاديمي بمخاطر الذكاء الاصطناعي - والذي قذ يوظف في العنف الإليكتروني - في التعليم منذ المراحل المبكرة، مشيرة إلى أن التكنولوجيا الحديثة تنطوي على مخاطر حقيقية تستدعي استعدادًا أكاديميًا وإعلاميًا وأسريًا متكاملًا لمواكبة سرعة التطور التقني.
وتناولـت الفنانة وفاء الحكيم في كلمتها الدور المحوري للدراما باعتبارها فنًا مرئيًا يعكس الواقع ويؤثر فيه، مشيرة إلى أن المجتمع يشهد حالة من الازدواجية الثقافية رغم ما تحققه الدولة من تقدم وإنجازات، وأكدت على أن تعزيز ثقافة احترام الاختلاف ضرورة لحماية فئات ذوي الهمم من العنف والتنمر، داعية إلى إعادة المجتمع إلى قيم تقبّل التنوع والاختلاف.
واستعرضت الدكتورة ثناء هاشم الأستاذة بالمعهد العالي للسينما تأثير الفن عبر التاريخ، موضحة أن الفن يؤثر على المجتمع بالتراكم، وأن السينما المصرية شهدت ريادة نسائية منذ بداياتها. وأكدت أن التحديات الحالية تتطلب أعمالًا فنية تُصنع بحب وإيمان بدور الفن الوطني، خاصة في ظل قوة العادات والتقاليد.
وتناولت الروائية والكاتبة المصرية الأستاذة هالة البدرى دور الأدب فى توثيق ومقاومة العنف ضد المرأة .
تضمنت الندوة فقرة لتكريم رائدتين أسهمتا في تشكيل وتغيير وعي المجتمع بقضايا المرأة حيث قامت المستشارة أمل عمار بتكريم الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسي ، واسم الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، وتسلمت درع التكريم الفنانة صفاء الطوخي، ابنة الكاتبة الراحلة.
كما شملت الندوة دائرة حكي بعنوان «كيف نفذن من الحائط الشفاف» ، حيث أكدت الكاتبة رشا عبد المنعم على أن العنف ضد المرأة قضية معقدة ذات أسباب متداخلة، تتطلب تكاتف المجتمع المدني والدولة، إلى جانب تعزيز الوعي وإحياء روح الفن والجمال للارتقاء بالإنسان والابتعاد عن مظاهر القسوة،كما تطرقت إلى تجربتها الشخصية داخل أسرتها، وسعيها لإقناع والدها بقدرتها على أن تصبح كاتبة مسرح، مؤكدة أن الحوار الهادئ وبناء الثقة كان لهما دور في تغيير الصورة الذهنية.
وتحدثت المخرجة عبير علي عن تجربتها الفنية، مشيرة إلى تأسيسها فرقة مستقلة تهتم بإعادة قراءة التاريخ غير المدوّن، وتغيير الصورة الذهنية للتاريخ الاجتماعي عبر الحكايات. وأوضحت أن التضييق في المساحات الثقافية والتعليمية يُضاعف من التحديات أمام المبدعات، لافتة إلى محدودية القيادات النسائية في المؤسسات الثقافية عالميًا، ومؤكدة أن «الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالجدارة والتميز»، وأن الاستثمار في تدريب الشباب بالمحافظات كان أحد أنجح مشروعاتها.
و عبّرت المخرجة والممثلة عبير لطفي، مؤسسة ورئيسة مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، عن انزعاجها من استمرار مناقشة قضايا العنف ضد المرأة حتى عام 2026، موضحة أن شغفها بالإخراج وتدريب الشباب كان دافعًا رئيسيًا في رحلتها الفنية، ومؤكدة أن فكرة المهرجان انطلقت من ضرورة وجود منصة مسرحية تُبرز إسهامات المرأة. وأشارت إلى أن التحدي المالي كان الأبرز في بداية عمل المهرجان، بالإضافة إلى تحديات جائحة كورونا، معربة عن تقديرها لدعم أسرتها وزوجها لمسيرتها.
وحول إبداعات المرأة في المسرح، تحدّثت الفنانة سلوى محمد علي عن حضور المرأة الراسخ في المسرح المصري، مؤكدة أن هناك أعمالًا مسرحية عظيمة جسدت قضايا المرأة بعمق، وأن المرأة – مؤلفة ومخرجة وممثلة – أثبتت حضورًا قويًا، وأن طبيعة المرأة الثرية بالحساسية والجمال تجعلها أكثر قدرة على الإبداع، مشيرة إلى أن المسرح الأوروبي يرى أن المرأة المصرية على الخشبة أقوى من الرجل لاضطرارها إلى التعبير «بحيلة وذكاء» في مختلف أدوارها في الحياة، خصوصا كزوجة.
و قدمت الكاتبة الصحفية أمل فوزي ورشة عن «التعافي بالكتابة التعبيرية»، كتابةٌ تُرتِّب الداخل وتمنح الجُرح لغةً تمشي إلى الأمام، والتي أكدت أنها ليست رفاهية، بل ضرورة للتنفيس عن المشاعر وتعزيز التعافي النفسي، موضحة شروطها وأساليبها. وقدمت تدريبا عمليا للحاضرات من الفتيات والشباب على كيفية ممارستها للتعافي من الصدمات التي قد تنتج عن العنف
وفي مداخلة الدكتور اللواء محمد رضا الفقي – رئيس قسم الطب النفسي والأعصاب بالأكاديمية الطبية العسكرية ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني الأسبق – عبرعن سعادته بتواجده بالمجلس وتحدث عن التنمر والعنف الالكتروني ضد المرأة وتناول قضية التشافي بالكتابة بشكل منهجي وعلمي .
وفي الختام، وجّهت الفنانات المشاركات الشكر للدكتورة إيناس عبد الدايم لدعمها الثقافة المصرية ولدورها في «اختراق الحائط الشفاف» وتقديم نموذج لوزارة ثقافة منفتحة ومتحررة.