التعليم وفيروس المتملقين
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي
في كل عامٍ أكاديميٍّ جديد، تتجدد ظاهرةٌ قديمةٌ تتخفّى خلف ابتساماتٍ زائفةٍ وكلماتٍ منمقة، هي ظاهرةُ تملقِ الطلابِ لأساتذتهم أملًا في كسب الدرجات لا المعرفة، ونيلِ الحظوة لا الاستفادة. يُتقن بعضُ الطلبةِ فنَّ كيلِ المديحِ والتملق، والقيامَ بالزياراتِ اليوميةِ لمكاتبِ أساتذتهم بغيةَ الظهورِ بمظهرِ الطالبِ المثاليِّ المجتهد، بينما هم في الواقعِ يبتعدون كلَّ البعدِ عن جوهرِ العمليةِ التعليميةِ القائمِ على الجهدِ والاجتهادِ والاعتمادِ على النفس.
المؤسفُ في هذه الظاهرةِ أنها لم تعد مقتصرةً على فئةٍ قليلةٍ من طلبةِ العلم، بل بدأت تنتشر في بعضِ المؤسساتِ الأكاديمية حتى غدت سلوكًا مألوفًا، تجد أصحابَها لا يكادون يغادرون مكاتبَ أساتذتهم متملقين ومنافقين، وفي أحيانٍ كثيرةٍ ناقلين للوشايةِ والنميمة. غير أن الحقيقةَ التي يغفل عنها هؤلاء أن التعليمَ الحقيقيَّ لا يحمي المتملقين، وأن التملقَ قد يمنحُ صاحبَه علامةً مؤقتةً غيرَ مستحقة، لكنه يسلبه مستقبلًا كاملًا. فالعلمُ لا يُقاس بالدرجات؛ بل بالقدرةِ على الفهم، والإبداع، وتطبيقِ المعرفةِ في الحياةِ العملية.
الأستاذُ الجامعيُّ الواعي لا تخدعه الكلماتُ المنمقةُ ولا التصنعُ الزائفُ الذي يُبديه طلابُه له، لأنه يُدرك أن هدفَه الأسمى هو بناءُ العقول، لا السقوطُ في فخِّ الفرحِ بالمجاملاتِ العابرة أو الطربِ لسماعِ الإطراءِ والمديحِ الزائف. أمّا الطالبُ الذي يسلك طريقَ التملقِ ومحاولةَ التسلقِ على أكتافِ الآخرين، فهو كمن يُدمّرُ مستقبلَه بيدِه؛ حيثُ سيكتشف لاحقًا أن درجاتِه العاليةَ ستسقط عند أولِ مقابلةٍ وظيفيةٍ يتقدّمُ لها أو عند إجراءِ أيِّ اختبارِ توظيفٍ تحريريٍّ حقيقيٍّ.
إن أخطرَ ما في التملقِ أنه يُفسد علاقةَ الطالبِ بأستاذه، ويشوّه معنى الجهدِ والمثابرة، ويقتل روحَ المنافسةِ الشريفة، ويخلق إنسانًا متملقًا غيرَ سويٍّ نفسيًا واجتماعيًا؛ حيثُ سيُمارس نفسَ هذه الأساليبِ المذمومةِ والسلوكياتِ المرفوضةِ في بيئةِ العمل مستقبلًا. التعليمُ يجب أن يظلَّ مساحةً خالصةً للبحثِ والاجتهادِ والصدق، لا ميدانًا للنفاقِ والتملقِ والمصالحِ الذاتيةِ الصغيرة. فحين يتحول التملقُ إلى وسيلةٍ للحصول على الدرجةِ والتقديرِ العالي، تفقد المعرفةُ قوتَها وبريقَها، ويتراجع الإبداعُ والتميّزُ والجهدُ أمام النفاقِ والتملقِ المذموم.
فلنقلْها بوضوحٍ وبلا مواربة: من يتملق اليومَ لينجحَ في امتحانٍ أو ليحصلَ على مرتبةٍ غيرِ مستحقة، سيفشل غدًا في امتحانِ الحياة. وحده الإخلاصُ في طلبِ العلم، والاحترامُ الصادقُ للنفس، هما الطريقان اللذان يصنعان إنسانًا متعلمًا بحقٍّ، لا متعلمًا بالتملقِ والنفاقِ والزيف.
** باحث أكاديمي
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما حكم تشكيل الأشجار على هيئة إنسان أو حيوان؟.. الإفتاء تجيب
قالت دار الإفتاء المصرية إن تهذيب أشجار الزينة على أشكال تحاكي صور الحيوانات أو الشخصيات الكرتونية، ليس من التصوير المنهي عنه في شيء؛ بل هو جائز شرعًا؛ لانتفاء علة عبادتها وتقديسها، مع تحقق المصلحة؛ فإن في تزين الحدائق بهذه الأشكال ما يُسعد الأطفال ويُدخل السرور عليهم وعلى أسرهم، ولأجل ذلك جعلت الحدائق العامة.
تكوين الأشجار على هيئة إنسان أو حيوان:وأوضحت أن تهذيب أشجار الزينة على صورة تحاكي بعض صور الحيوانات أو بعض الشخصيات الكرتونية بحيث تبدو وكأنها جسمٌ لما مثلت به، ليست من قبيل التجسيم والتمثيل المنهي عنه شرعًا.
فالتماثيل: جمع تمثال، والتمثال في اللغة: هو ما جُعِل على نظير مثال سابق، يقال: مثلت الشيء؛ أي: جعلت له مثالًا أو تمثالًا.
قال الإمام أبو منصور الأزهري في "تهذيب اللغة" (15/ 72، ط. دار إحياء التراث العربي): [والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبَّهًا بخلق من خلق الله، وجمعه: التماثيل، وأصله من: مثّلت الشيء بالشيء، إذا قدَّرته على قدره، ويكون تمثيل الشيء بالشيء تشبيها له، واسم ذلك الممثل: تمثال] اهـ.
الأشجار:
وقال العلامة ابن منظور في "لسان العرب" (11/ 610، ط. دار صادر): [والتِّمْثالُ: الصُّورةُ، والجمع: التَّماثيل، ومَثَّل له الشيءَ: صوَّره حتى كأَنه ينظر إِليه] اهـ.
وأضاقت أن التمثال المجسم الذي يصح عليه لفظ تمثال هو ما لا وجود لمحله بدونه، والممتد في الأبعاد الثلاثة، المصنوع من مادة صلبة؛ كالحجر، أو الخشب، أو الذهب، أو الفضة.
قال العلامة السيد الشريف الجرجاني في " التعريفات" (ص: 135، ط. دار الكتب العلمية): [الصورة الجسمية: جوهر متصل بسيط لا وجود لمحله دونه، قابل للأبعاد الثلاثة المدركة من الجسم في بادئ النظر. الصورة الجسيمة: الجوهر الممتد في الأبعاد كلها، المدرك في بادئ النظر بالحس] اهـ.
وقال العلامة ابن منظور في "لسان العرب" (13/ 443، ط. دار صادر): [الأزهري: قال شمر فيما قرأت بخطه: أصل الأوثان عند العرب كل تمثال من خشب، أو حجارة، أو ذهب، أو فضة، أو نحاس، أو نحوها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "تحرير ألفاظ التنبيه" (ص: 163، ط. دار القلم): [وقيل: مَا كَانَ لَهُ جثة من خشب، أَو حجر، أَو فضَّة، أَو جَوْهَر، أَو غَيره سَوَاء المصور وَغَيره] اهـ.
وجعل الأشجار كهيئة الصور المجسمة لا يخرجها عن كونها أشجارًا تحتاج للرعاية والسقاية ومداومة التهذيب، لتظل مخضرة مورقة، كما أنه لا يدخلها في التجسيم والتمثيل المنهي عنه: فإن التمثال حقيقةً: هو ما يصنع من مادةٍ صلبةٍ، ويشغل حيزًا من الفراغ، وتصوير الأشجار بهذه الصور وإن استُخدم فيه بعضُ الأخشاب أو المواد الصلبة إلا أنه لا يخلو من التجويف والفراغ بين أركانها، ولا يخرجها عن الهيئة الشجرية لها، فلا تكون تمثالًا في هيئتها ولا في مادتها.