الفاشر.. هل تُغير خارطة الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، على صفيح ساخن منذ أيام، بعد أن تصدرت واجهات الأحداث ومحركات البحث العالمية، إثر إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في المدينة، التي وقفت شاهدا على أعنف المعارك في السودان.
التغيير _ وكالات
فعلى مدار أكثر من 550 يوماً من الصراع الدموي، لم تهدأ رحى القتال بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة، من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، في محاولة للسيطرة على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور.
وتُعد الفاشر المعقل الأخير للجيش وحلفائه في دارفور، بعد أن بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على أربع من ولايات الإقليم الخمس.
أما أهميتها فتكمن في كونها عقدة وصل بين شمال ووسط وغرب دارفور، إضافة إلى كونها مركزاً تجارياً تاريخياً ومعبراً رئيسياً نحو ليبيا وتشاد ومصر.
وتبلغ مساحة ولاية شمال دارفور وحدها نحو 296 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 12% من مساحة السودان، وتشكل أكثر من نصف مساحة إقليم دارفور، ما يجعل السيطرة على المدينة ذات بعد استراتيجي كبير. علماً أن مساحة إقليم دارفور بأكمله تساوي مساحة فرنسا بالكامل.
كما تقع الفاشر على ارتفاع يقارب 800 متر فوق سطح البحر، وعلى بعد نحو 800 كيلومتر غرباً من الخرطوم . ونشأت في القرن السابع عشر كعاصمة سلطنة دارفور التاريخية التي أسسها السلطان سليمان صولونج، ما جعلها مركزاً سياسياً وثقافياً بارزاً في المنطقة حتى ضم الإقليم إلى السودان عام 1916، إبان الحقبة الاستعمارية.
أما اليوم، فتضم المدينة مزيجاً إثنياً فريداً من قبائل وأعراق شتى، ويقطنها نحو مليون نسمة، عاشوا لعقود في تنوع اجتماعي وثقافي نادر، قبل أن تشتعل الصراعات حولهم مجدداً.
الأهمية العسكريةإلى ذلك، تعتبر الفاشر قاعدة عسكرية مركزية للجيش في الغرب، ومقراً لقيادة الفرقة السادسة مشاة الشهيرة.
ويُعد مطار الفاشر من أبرز المرافق الحيوية في الإقليم، إذ استخدم كقاعدة لوجستية لإمداد القوات الحكومية ومركزاً لتنسيق العمليات الجوية والبرية. كما أن مخازن السلاح والذخيرة داخل المدينة تزيد من وزنها العسكري في المعادلة الميدانية.
وعلى الصعيد الإنساني، ظلت الفاشر لعقود مركزاً رئيسياً للمنظمات الإغاثية وبعثة “اليوناميد”، لقربها من معسكرات النازحين الكبرى مثل أبو شوك وزمزم. لكن اليوم، تواجه المدينة أزمة إنسانية خانقة، إذ تزايدت أعداد النازحين مع تصاعد المعارك، وتراجعت الإمدادات الطبية والغذائية بشكل خطير. وقد وصلت أسعار السلع الضرورية جراء الحصار الخانق، إلى مستويات خرافية غير مسبوقة وسط ندرة خانقة، اضطرت السكان لتناول علف الماشية ليظلوا على قيد الحياة.
هيمنة شبه كاملة في إقليم دارفوروفي السايق، أوضح اللواء المتقاعد د. عصام عباس، مستشار تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات بحسب “العربية.نت” أن سقوط مدينة الفاشر يمثل تطوراً محورياً في مسار الصراع السوداني لما ترتب عليه من تداعيات عسكرية وإنسانية واسعة. فقد أدى هذا الحدث إلى اكتمال سيطرة قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور، الأمر الذي وفر لها عمقاً جغرافياً واستراتيجياً يمتد عبر حدود ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ومكنها من إنشاء قاعدة عمليات مركزية لإدارة التحركات العسكرية غرب البلاد والتوسع نحو الوسط.
كما أشار إلى أن هذا التطور أسهم في رفع الروح المعنوية لقوات الدعم السريع وتعزيز سرديتها الإعلامية كقوة منتصرة، مما قد يؤدي إلى استقطاب عناصر جديدة ودعم قبلي متزايد.
ضربة قاسية للقوات المشتركةفي المقابل، شكل سقوط المدينة -حسب عباس- ضربة قاسية للقوات المشتركة من الحركات الدارفورية المسلحة، التي فقدت مركزها الرمزي والسياسي والعسكري الأبرز، وهو ما يُضعف من تماسكها وقدرتها على التأثير الميداني.
أما الجيش السوداني، فرغم احتفاظه بقدرات قيادة وسيطرة عالية، إلا أن خسارته للفاشر تمثل انتكاسة معنوية كبيرة كونه فقد آخر معقل رئيسي له في دارفور.
مع ذلك، اعتبر عباس أن “الجيش ما زال يحتفظ بعوامل تمكنه من استعادة زمام المبادرة في المدى القريب، لاسيما مع تفوقه الجوي وتماسكه في شمال البلاد، حيث يُستبعد أن تتمكن قوات الدعم السريع من التقدم عبر الصحراء المفتوحة نحو تلك المناطق “.
كارثة إنسانيةإلى ذلك، رأى اللواء المتقاعد أن سقوط الفاشر أدى “على الصعيد الإنساني، إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية والأمنية داخل المدينة ومحيطها، حيث شهدت المنطقة أعمال نهب وانتهاكات واسعة ضد المدنيين، إضافة إلى موجات نزوح كبيرة باتجاه الشمال الغربي في ظل نقص حاد في الغذاء والمياه والرعاية الطبية، وانتشار الأوبئة وارتفاع معدلات الوفيات”.
كما لفت إلى “تصاعد أعمال العنف ذات الطابع القبلي والانتقامي، ما ينذر بإعادة إنتاج دوامة الصراع الأهلي التي عرفتها دارفور مطلع الألفية الجديدة.”
وأضاف أن “قوات الدعم السريع وجدت نفسها أمام اختبار حقيقي في هذا السياق، إذ يتعين عليها إثبات قدرتها على التصرف كقوة مسؤولة من خلال تحمل مسؤولياتها الإنسانية الكاملة، وحماية المدنيين والمرافق الحيوية، والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول الآمن دون قيود، وضمان مرور القوافل الإغاثية وفتح ممرات إنسانية آمنة. ”
وتابع قائلا إن “فلفشل في إدارة هذا الملف سيؤدي إلى تآكل شرعية الدعم السريع السياسية والعسكرية، ويضعف موقعها داخلياً ودولياً، وقد يحول انتصارها الميداني إلى عبء سياسي وإنساني ثقيل.”
استنزاف طويلمن جهته، وصف اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، القائد السابق للفرقة السادسة مشاة، ” ما يجري في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بقتال في مواقع تبادلية، يأتي بعد نحو 266 محاولة هجوم فاشلة على المدينة من قبل قوات الدعم السريع.”
وأضاف في تصريحات بحسب “العربية نت” إن الدعم السريع يعتمد على أسلوب الحصار لإضعاف المدينة.
كردفان والخرطوموأكد اللواء مجذوب أن الدعم السريع لن يتجه نحو ولايات كردفان أو العاصمة الخرطوم أو الولاية الشمالية، بسبب ضعف القوة البشرية واللوجستية. وأضاف أن ما يُعرف بـ”حكومة تأسيس” في نيالا لن تحظى بأي اعتراف محلي أو دولي، في ظل رفض الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
إلى ذلك، اعتبر أن السودان لن يسير نحو سيناريو ليبيا، مرجعاً ذلك إلى اختلاف طبيعة الشعب السوداني وتماسك مؤسساته، لكنه حذر من انعكاس التطورات الأخيرة سلباً على مسار التفاوض.
في المقابل، رأى الخبير العسكري د. أسامة عثمان مساعد أن “غياب القوات المسلحة في الفاشر يمثل حافزاً للدعم السريع للتقدّم والهجوم على مواقع الجيش، فهذا الفراغ يسهل تأمين خطوط الإمداد للدعم السريع. ”
لكنه أوضح في الوقت عينه “أن الجيش يمكنه مع ذلك، وبحكم خبرة قواته المسلحة المكتسبة طيلة فترة الحرب في الجنوب، امتصاص هذه الصدمة باستخدام الأسلحة النوعية وسلاح الطيران، ما يعيق تقدم قوات الدعم السريع.”
من جانبه، وصف الخبير العسكري السوداني العميد المتقاعد جمال الشهيد الأحداث الأخيرة في الفاشر بأنها نقطة تحوّل استراتيجية في مسار الحرب، مؤكداً أن المعركة لم تكن مجرد اشتباك ميداني محدود، بل مواجهة فاصلة أعادت رسم معادلة القوة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع. وأضاف في حديثه “للعربية.نت” أنه “رغم التفوق العددي والناري للمهاجمين، فإن القدرة القتالية العالية والانضباط الميداني لقوات الجيش جعلت من المعركة نموذجاً في الصمود والقتال حتى آخر طلقة.” وأشار إلى أن قرار إعادة التموضع المؤقت خارج المدينة خطوة احترافية تهدف للحفاظ على القوة البشرية وإعادة التنظيم، تمهيداً لاستعادة المبادرة الهجومية في الوقت المناسب، ما يعكس نضج القيادة الميدانية ومرونتها في إدارة القتال ضمن بيئة معقدة ومتغيرة.
بين هذا وذاك، يبقى الأكيد أن السودان عامة يعيش بعد أكثر من سنتين على الحرب الدامية، أحد أكبر المآسي والتحديات الإنسانية.
الوسومالجيش الدعم السريع الفرقة السادسة مشاة تحوّل مسار في السودان معركة الفاشرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع الفرقة السادسة مشاة تحو ل مسار في السودان معركة الفاشر
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تعلن سيطرتها على مقر الجيش السوداني في الفاشر بشمال دارفور
الخرطوم- أعلنت قوات الدعم السريع الأحد سيطرتها على مقر الجيش السوداني في الفاشر عاصمة شمال دارفور الاستراتيجية، والمدينة الوحيدة التي ما زالت تحت سيطرة الجيش في الإقليم.
واشار بيان للدعم السريع إلى "تحرير الفرقة السادسة (في) الفاشر بشكل كامل"، الأمر الذي "يمثل محطة مفصلية في مسار المعارك التي تخوضها قواتنا الباسلة".
من جانبها أكدت "المقاومة الشعبية" وهي مجموعة مسلحة متحالفة مع الجيش، سيطرة الدعم السريع على المقر العسكري، نافية أن يعني ذلك السيطرة على الفاشر بأكملها.
وأفاد بيان "المقاومة الشعبية" باستمرار القتال، مضيفا "لم يبقَ لأهل الفاشر حصن وملاذ أخير.. سوى السلاح والمقاومة في مواجهة الميليشيات الإرهابية".
ولم تتمكن وكالة فرانس برس من التحقق فورا من الجهة التي تسيطر على المقر العسكري، بسبب صعوبة الحركة في المدينة وانقطاع الاتصالات، فيما لم يرد الجيش السوداني على طلب فرانس برس التعليق.
وأظهرت مقاطع مصورة نشرتها الدعم السريع وحصلت عليها فرانس برس مقاتليها يحتفلون إلى جانب لافتة كُتب عليها "مقر الفرقة السادسة"، فيما أظهرت مقاطع أخرى مركبات للجيش تغادر المقر.
وتحاصر قوات الدعم السريع الفاشر منذ أيار/مايو 2024 في محاولة لانتزاع السيطرة على المدينة، لتحكم سيطرتها على غرب السودان بعدما أخرج الجيش مقاتليها من شمال وشرق البلاد.
وكثفت الدعم السريع هجماتها على الفاشر ومخيمات اللاجئين المحيطة بها منذ آب/أغسطس الماضي، حيث أودى القصف المدفعي والطائرات المسيرة بالمئات.
وبحسب الأمم المتحدة، تحاصر الدعم السريع نحو 260 ألف مدني داخل الفاشر، يعانون المجاعة وانعدام الرعاية الصحية وانقطاع الاتصالات.
وأظهرت صور بالأقمار الاصطناعية حللها مختبر البحوث الإنسانية (هيومانيتاريان ريسيرتش لاب) في جامعة ييل الأميركية أن قوات الدعم السريع أقامت سواتر على امتداد 68 كيلومترا حول الفاشر، تاركة مخرجا وحيدا من المدينة هو عبارة عن ممر يراوح طوله بين ثلاثة وأربعة كيلومترات، يتعرض فيه المدنيون للابتزاز مقابل العبور.
وأفادت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان دنيز براون وشهود عيان بتعرض المدنيين للقتل أو الخطف أو العنف الجنسي أثناء محاولتهم الفرار من الفاشر.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك الشهر الجاري "أشعر بالفزع من استخفاف قوات الدعم السريع المتعمد بحياة المدنيين وبلا أي رادع، رغم الدعوات المتكررة، بما في ذلك دعوتيالى إيلاء عناية خاصة بحماية المدنيين".
وفي حال سقوط الفاشر، سيعني ذلك سيطرة الدعم السريع على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس، وتقسيم البلاد بين شرق يسيطر عليه الجيش وغرب تحت سيطرة الدعم السريع.