مفتي القاعدة السابق: لست نادما على شيء وهذا ما أريد إخبار المسلمين به
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
وختم ولد الوالد شهادته، التي أدلى بها لبرنامج "مع تيسير"، بالقول إن دوره في التنظيم كان شرعيا وعلميا صرفا لأنه لم يكن راغبا ولا مؤهلا للعمل العسكري.
ولم يرد ولد الوالد من هذا الحديث غسل يديه من أي عمل قام به التنظيم -كما يقول- بقدر ما أراد توضيح الدور الفعلي الذي لعبه خلال سنوات انضمامه للقاعدة، والذي يقول إنه اختلف خلالها على كثير من الأمور.
وكان مرد خلاف ولد الوالد مع مؤسس التنظيم أسامة بن لادن في كثير من العمليات العسكرية شرعيا وخصوصا أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي نفذها بن لادن في سرية تامة دون الرجوع لأحد رغم ما ترتب عليها من أحداث غيرت وجه المنطقة والعالم.
حرب غير محسوبةولا يزال ولد الوالد مقتنعا بأن ضرر عمليات سبتمبر/أيلول 2001 كان أكبر بكثير من نفعها، لأنها كانت سببا في احتلال أفغانستان ثم العراق بل في تدمير القاعدة نفسها، لأنها دخلت حربا غير محسوبة بكل المقاييس.
وحتى بيان إعلان الجهاد ضد الأميركيين الذي أصدره بن لادن عام 1996، لم يلق قبولا من ولد الوالد، الذي يقول إنه كان بيانا غير واقعي لأنه أعلن خلاله حربا غير متكافئة.
ولعب المفتي السابق للقاعدة دورا كبيرا في الجانب العلمي سواء في السودان أو أفغانستان، وساعد في وضع منهج علمي جديد لمسألة الجهاد بما يتماشى مع مقتضيات العصر وعوامل القوة.
ويعتقد الرجل أن أهم فتواه خلال فترة عمله مفتيا للتنظيم هي عدم إجازة أحداث سبتمبر/أيلول 2001، التي لم يعرف عنها من بن لادن إلا أنها "ستزلزل الولايات المتحدة وتجلب لحرب في جبال أفغانستان لتلقي هزيمة كالتي تلقاها السوفيات على يد المجاهدين".
كما انتقد ولد الوالد هذه العملية لأنها كانت سببا في إسقاط حكم طالبان وغزو بلادها دون استشارتها أو حتى إبلاغها بالهجوم الذي دفعت هي ثمنا كبيرا له دون معرفتها به ولا موافقتها عليه.
إعلانوعن عدم إعلان استقالته من التنظيم في وقتها، والتي كانت قبل أحداث سبتمبر/أيلول 2001، يقول ولد الوالد إنه فعل ذلك استجابة لطلب بن لادن الذي لم يختلف معه شخصيا أبدا، وإنما اختلف معه فكريا.
وأكد المفتي السابق للقاعدة، أنه لم يدلِ بهذه المذكرات إلا لكي تتعلم الأمة من دروسها، ولأنه وجد الوقت مناسبا لذلك حيث لم يكن ممكنا الإدلاء بمثل هذه الأحاديث وهو داخل السجن ولا قبل أن تتحرر أفغانستان.
كما أن شعور ولد الوالد بحريته وعودته إلى حياته الطبيعية، التي يخطط لمرحلة جديدة منها، دفعته لتمحيص ودراسة ما عاشه خلال تلك السنوات قبل الحديث عنها حتى تكون شهادته منصفة وأساسا يمكن للأجيال المقبلة البناء عليها والتعلم منها، كما يقول.
ودوَّن ولد الوالد هذه المذكرات في كتاب لم يصدر حتى الآن لأنه قيد المراجعة، وقد أكد أنه ما أفشى سرا غير معروف ولا يضر أحدا، وإنما أدلى بمعلومات باتت معروفة لكل الأطراف لكن بتفاصيل لا يعرفها كثيرون.
دراسة التاريخ والتعلم منه
وأعطى ولد والد خلال هذه الحلقات كثيرا من التفاصيل التي لم تكن معروفة أبدا عن طريقة إدارة بن لادن للتنظيم وانفراده بالقرار في فترة ما، بل ورغبته في التوقف عن الجهاد وممارسة العمل السياسي، وهي الخطوة التي يقول إن الولايات المتحدة لم تسمح له بها وأصرت على دفعه للحرب، وقد فعل.
بل إن بن لادن رفض -حسب ولد الوالد- عرضا من قائد التنظيم في اليمن بالاستيلاء على العاصمة صنعاء، وكان رده أن الأمة لم تعد تتحمل مزيدا من الاقتتال، ونصح بالعمل على إيجاد تفاهمات مع القبائل بدلا من محاربتها.
ويعتقد المفتي السابق للقاعدة أن بن لادن "دُفع دفعا تجاه الحرب ولم يسمح له أبدا بتغيير مساره"، ويرى أن على كل ما يتبنون منهج القاعدة أن يستمعوا لهذه الشهادة حتى يمكنهم فهم ما جرى وما يجب أن يجري حتى لا يخرج الجهاد عن مضمونه.
فالمجاهد ليس قاتلا، ولا يمكن أن يكون سببا لسفك الدماء وهتك الأعراض كما يحدث الآن من بعض الجماعات المحسوبة على الجهاديين، وإنما هو الدفاع عن المسلمين وأرضهم ومقدساتهم، وفق ولد الوالد، الذي يؤكد على ضرورة فهم الإسلام فهما صحيحا قبل الانخراط في العمل الجهادي حتى لا تخرج الأمور عن مسارها كما حدث.
فالواقع، كما يقول ولد الوالد، يكشف أن الجماعات التي تدعي أنها "تجاهد في سبيل الله"، تخوض في أعراض الناس ودمائهم، بل يتحدثون بلغة وألفاظ لا تليق بهم كـ"نخبة" كما يصفون أنفسهم.
ويجزم ولد الوالد بأن الخروج على الأنظمة الحالية بالسلاح ليس في مصلحة الأمة، لأن تجارب العقود الماضية أثبتت أن ضرر هذا الأمر أكبر من نفعه، ويقول إن هذا الموقف ليس دفاعا عنهم، وإنما درءا للمفسدة.
واستند ولد الوالد في هذا الموقف إلى أن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر عندما طلبا من الحسين بن علي (رضي الله عنهم) عدم الخروج ضد يزيد بن معاوية، لم يكونا يفضلان الأخير على الأول وإنما كانا ينظران للمفاسد والمنافع المترتبة على هذه المواجهة.
Published On 30/10/202530/10/2025|آخر تحديث: 11:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 11:04 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2شارِكْ
facebooktwitterwhatsappcopylinkحفظ
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات ولد الوالد بن لادن یقول إن
إقرأ أيضاً:
أوروبا الجانحة لليمين.. تحديات ومسؤوليات المسلمين في صياغة مستقبلهم السياسي
يقدر عدد المسلمين في أوروبا بنحو 55 مليون مواطن. وإذا استبعدنا روسيا من الإحصاءات التقديرية فإن العدد في باقي القارة يتراوح بين 26 و30 مليون مسلم، بنحو 6 في المائة من عدد السكان، معظمهم مواطنون اوروبيون من أصول مهاجرة مع ما بين مليون ومليون ونصف مليون أوربي أبيض أسلموا. وتذهب تقديرات إلى ان العدد الحقيقي للمسلمين في أوروبا اكبر من ذلك بكثير، وان الحكومات لا تعطي الأرقام الحقيقية لأسباب متعددة، تتعلق بدواع سياسية وأخرى تتصل بمنهجيات الإحصاءات السكانية ورفض دول لطرح سؤال الهوية الدينية عند إجراء الإحصاء السكاني.
ويعد الإسلام الدين الأسرع انتشارا في القارة العجوز. وهو الدين الثاني في دول القارة. وتعترف بالإسلام رسميا دول مثل النمسا وإسبانيا واليونان وبعض المقاطعات الألمانية والسويسرية. وتعتبر الجالية المسلمة الأكثر نموا وولادات بين سكان القارة. وتتصدر بعض الأسماء المسلمة مثل أسم نبي الإسلام محمد رأس قائمة المواليد في كل ألمانيا وإنجلترا، في السنوات الأخيرة، بينما حل ثانيا في هولندا عام 2022.
وتساهم نسبة ولادة المسلمين في أوروبا في تحسين نسب الولادات في القارة. ومن دون الهجرات الجديدة، وأكثرها من مسلمين، تعتبر القارة في حالة تناقص سكاني مستمر، بالنظر لكون نسب الولادات تقل عن 2.1 طفل لكل امرأة، وهي النسبة الضرورية لتجدد السكان. والواقع ان النسب الحقيقية تتراوح بين 1.18 في إيطاليا و1.35 في ألمانيا و1.66 في فرنسا، وهي نسب تهدد بتراجع كبير لعدد السكان سنويا، بزيادة عدد المتوفين عن عدد المواليد الجدد كل سنة.
سيناريوهات المستقبل
يتزامن نمو أعداد المسلمين في القارة عبر الهجرات الجديدة وارتفاع نسب الولادات ودخول أوروبيين بيض في الإسلام، يتزامن ذلك مع جنوح القارة نحو اليمين، عبر تزايد نفوذ أحزاب اليمين المتطرف ونمو حضورها في البرلمانات في دول القارة، وصعودها في استطلاعات الرأي، وتأثيرها القوي في الاجندات السياسية الاجتماعية، وخاصة موضوع الهجرة، وارتفاع منسوب الاسلاموفوبيا وعداء الأجانب، الأمر الذي يطرح السؤال عن مستقبل الوجود المسلم في القارة.
تتراوح السيناريوهات المستقبلية للوجود المسلم بين سيناريوهات متشائمة وأخرى متفائلة.
ـ فالسيناريوهات المتشائمة تتوقع تراجع الديمقراطيات في أوروبا وانحسار حقوق الإنسان بفعل انتشار الأحزاب الشعبوية والعنصرية، ما يؤدي في النهاية لاضطهاد واسع للسكان المسلمين، وعودة محاكم التفتيش واستشراء الاضطهاد الديني بشكل واسع، كما حصل في الأندلس في القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي. ويرى أصحاب هذا السيناريو أن سجل أوروبا التاريخيّ في اضطهاد اليهود وسائر الأجانب يرشحها مجددا لاضطهاد المسلمين، خاصة مع تنامي الأصوات المتطرفة التي تعتبر وجودهم غزوا دينيا وحضاريا لأوروبا.
تطبخ السياسات العامة، بما فيها تلك المتعلقة بمصير المسلمين في القارة في البرلمانات ومجالس الحكم. ومن المسلم به أن نسبة اهتمام المسلمين في أوروبا بما يخطط لمستقبلهم اهتمام ضعيف، بل في غاية الضعف. فالمشاركة السياسية للمسلمين في القارة في حدودها الدنيا. ورغم أن مدينة أوربية كبيرة هي لندن يترأسها مسلم منذ سنوات، إلا أن حضور المسلمين في برلمان بريطانيا محدود جدا، ولا يمثل تمثيلا عادلا نسبتهم من السكان.ـ أما السيناريوهات المتفائلة فتستبعد ذلك، وتتوقع تواصل نمو أعداد المسلمين وتزايد تأثيرهم في الحياة الاجتماعية والسياسية في بلدان إقامتهم، مدعومين بحاجة مؤسسات الاقتصاد وصناديق الرعاية والضمان الاجتماعي لهم ولهجرة الكفاءات الجديدة، وكثير منها يأتي من دول عربية ومسلمة. فالمؤسسات الاقتصادية وصناديق الرعاية والضمان الاجتماعي في حاجة لليد العاملة الشابة، لتواصل دوران عجلة الاقتصاد واستمرار الإنفاق على المتقاعدين من كبار السن. وتحرص الكثير من الحكومات الغربية على الهجرة الانتقائية للكفاءات واليد العاملة الماهرة، ما يجعلها تستقبل سنويا مئات آلاف المهاجرين الجدد رغم الصوت العالي ضد الهجرة والمهاجرين.
ـ بين التشاؤم والتفاؤل قد يكون السيناريو الواقعي خليط من هذا وذلك. خليط من التضييق والخنق والانفتاح وقبول مهاجرين مسلمين إضافيين. فبينما نرى التضييق يتزايد على المسلمين في فرنسا (البلد الذي انطلقت منه الحروب الصليبية قبل قرون) وتتصاعد الحملات الإعلامية والسياسية ضد الإسلام بما في ذلك غلق مدارس تعليم اللغة العربية والتضييق على حجاب النساء المسلمات، فضلا عن منع النقاب في الأماكن العامة..
يحدث ذلك رغم أن فرنسا لا يحكمها اليمين المتطرف، ولكنه يضغط بقوة سياسيا واجتماعيا على حكامها، في المقابل نرى إيطاليا التي يحكمها حزب يصنف ضمن اليمين المتطرف يرفع خطابا عاليا معاديا للهجرة، من دون وقف عملي للهجرة النوعية ولا شن حملات طرد واسعة ضد المهاجرين. ففي عام 2022 دخل إيطاليا أكثر من 105 ألف مهاجر غير نظامي، ودخلها عام 2023 اكثر من 150 ألفا، وتراجعت الأعداد لنحو 66 ألفا عام 2024،. بينما تراوحت الهجرة النظامية وتصاريح دخول الأجانب من غير الأوربيين بين 250 و450 ألف سنويا، نحو 230 ألفا منهم إقامات طويلة الأمد، جزء كبير منهم ضمن قوانين الالتحاق العائلي.. وكثير من هؤلاء المهاجرون النظاميون الجدد مسلمون.
أين المسلمين من سيناريوهات مستقبلهم؟
تطبخ السياسات العامة، بما فيها تلك المتعلقة بمصير المسلمين في القارة في البرلمانات ومجالس الحكم. ومن المسلم به أن نسبة اهتمام المسلمين في أوروبا بما يخطط لمستقبلهم اهتمام ضعيف، بل في غاية الضعف. فالمشاركة السياسية للمسلمين في القارة في حدودها الدنيا. ورغم أن مدينة أوربية كبيرة هي لندن يترأسها مسلم منذ سنوات، إلا أن حضور المسلمين في برلمان بريطانيا محدود جدا، ولا يمثل تمثيلا عادلا نسبتهم من السكان.
فمن 650 نائباً في البرلمان البريطاني يوجد نحو عشرين مسلما فقط أو أكثر قليلا في برلمان المملكة. فرغم ان المسلمين يمثلون 6.5% من سكان بريطانيا إلا أن حضورهم البرلماني لا يتجاوز 3% من النواب. أما في البرلمان الأوروبي فالتمثيل المسلم كانّه غير موجود. فنسبة النواب من أصول غير بيضاء، مسلمين وغير مسلمين، يتراوح بين 4 و5% من أعضاء البرلمان ال720 نائبا، أغلبيتهم غير مسلمين. وتذهب بعض التقديرات إلى أن تمثيل المسلمين في برلمان القارة لا يتجاوز 1%، بينما تفوق نسبة المسلمين من السكان 6%.
غياب المساجد عن السياسة وغياب السياسة عن المساجد
تعتبر المساجد أبرز نقاط لقاء المسلمين وتجمعهم. وتتيح صلاة الجمعة فرصة للقاء أسبوعي للمسلمين، يفترض أن يتدارسوا فيها واقعهم ومصيرهم. لكن هذه الفرص التي تتكرر 52 مرة في العام تمر دون ان تترك أي اثر على حضور المسلمين وتأثيرهم في الشأن السياسي، الذي يعنيهم ويتعلق به مصيرهم ومستقبلهم. وهو مصير تتراوح السيناريوهات بشأنه بين الاضطهاد والتضييق والقبول الفاتر. وبما أن المساجد غائبة أو مغيبة عن السياسة وقضاياها، فهي لا تكاد تحفل بما يعد لمستقبل المسلمين من سيناريوهات.
لا يمكن أن نجحد دور المساجد في ترقية المسلمين اخلاقيا ودينيا، وفي الحفاظ على هوية الأجيال المسلمة الناشئة وتعارفها وتماسكها، من خلال التربية الروحية وتحفيظ القرآن الكريم وتوريث الدين الحنيف للأجيال الجديدة. لكن المساجد تفعل ذلك كما لو أنها تعيش في دول عربية أو مسلمة، أو كما لو أنها تعيش في القرن الرابع او الخامس الهجري، لا في زمننا هذا وفي قارة يتنامى فيها العداء للمسلمين وتنتشر فيها كراهية المسلمين انتشار النار في الحطب المجفف.
في بريطانيا مثلا، حيث يطرق حزب الإصلاح اليميني المتطرف المعادي بشدة للمسلمين أبواب الحكم، فإن أغلب المسلمين أحناف من شبه القارة الهندية. وهؤلاء لا تجوز خطبة الجمعة عندهم إلا باللغة العربية، تقديسا لها باعتبارها لغة القرآن الكريم. لكن المشكل أن الأغلبية الساحقة ممن يحضرون الجمعة لا يفهمون العربية. وقد رأيت شبابا في العديد من المساجد، التي صليت فيها الجمعة خلال السنوات الماضية، ينشغلون بهواتفهم خلال الخطبة. وقد يكونون معذورين، لأن الإمام يخاطبهم بلغة لا يفقهونها، ما يجعل الخطبة مناسبة مهدورة لا تقدم لأغلب الحاضرين شيئا.
قد يقول القائل إن الدرس الذي يسبق الجمعة يمكن ان يعوض النقص الذي تتركه الخطبة الرسمية. لكن حتى الدروس يقدم اكثرها محتوى دينيا تقليديا، صيغت مضامينه قبل قرون، ولا تحضر فيه السياسة وتحدياتها، وهو محتوى ديني عام يصلح لهذه السنة أو للتي قبلها أو لقرن سابق أو لاحق، أو حتى أكثر، ما يعني غربته التامة عن المكان والزمان وتحدياتهما الواقعية. ويصدمك في فترات الانتخاب الدورية للبرلمان او المجالس البلدية أن لا تسمع كلمة ولا توجيها ولا حتى دعوة للانتخاب والمشاركة في السياسة والشأن العام، لا في الدروس ولا خطب الجمعة، ولا حتى في الأحاديث الهامشية الجانبية في المساجد.. وإذا كانت مساجد المسلمين، مصدر قوتهم واجتماعهم، تغرق في الاغتراب عن محيطها فلك أن تتخيل حالة الاغتراب التي يعيشها المسلمون في أوروبا عن مشاغل بيئتهم واهتماماتها، وحتى عن الأخطار التي تهدد وجودهم.
المسيسون المسلمون ومرض الارتجال والمناسباتية
المسيسون من المسلمين والنشطاء الساعون لزيادة تمثيل المسلمين في البرلمانات والمجالس البلدية في دول القارة، لا يرى لهم تأثير في رواد المساجد، محط لقاء المسلمين وتجمعهم. وحضورهم الاتصالي بعامة المسلمين معدوم أو ارتجالي وفردي ومناسباتي لا غير. ففي دول للسياسة فيها مراكز بحث وأخرى لاستطلاعات الرأي بشكل دوري، والعمل السياسي فيها عمل مؤسسي يومي دؤوب يقوم على التخطيط والعمل الاتصالي المستمر، لا يرى نشاط للمسيسين المسلمين إلا قبيل وقت قصير من المناسبة الانتخابية، يتجمع أنفار منهم على عجل ويغرقون في محاولات اتصالية وتوعوية بأهمية المشاركة السياسية، في الوقت الضائع، فلا يكون لهم إلا تأثير محدود. ولذلك يفشلون في تعبئة المسلمين لانتخاب مسلمين مثلهم للبرلمانات أو للمجالس البلدية.
تعتبر المساجد أبرز نقاط لقاء المسلمين وتجمعهم. وتتيح صلاة الجمعة فرصة للقاء أسبوعي للمسلمين، يفترض أن يتدارسوا فيها واقعهم ومصيرهم. لكن هذه الفرص التي تتكرر 52 مرة في العام تمر دون ان تترك أي اثر على حضور المسلمين وتأثيرهم في الشأن السياسي، الذي يعنيهم ويتعلق به مصيرهم ومستقبلهم. وهو مصير تتراوح السيناريوهات بشأنه بين الاضطهاد والتضييق والقبول الفاتر. وبما أن المساجد غائبة أو مغيبة عن السياسة وقضاياها، فهي لا تكاد تحفل بما يعد لمستقبل المسلمين من سيناريوهات.زيادة على ارتجاليتهم وعجزهم عن اجتراح عمل مخطط طويل الأمد يصل للمسلمين أوقات الرخاء السياسي ليجدوهم في أوقات الشدة، فهؤلاء النشطاء تكاد صلتهم بأثرياء المسلمين في دول القارة معدومة. وفي دول يلعب فيها المال دورا حاسما في الانتخابات فإن الفصام بين النشطاء ورجال الأعمال سيحكم باستمرار على الوجود المسلم بالهامشية، فلا سياسة ولا إعلام، وهو روح السياسة والاتصال، ولا عمل مؤسسي منظم ومؤثر في الواقع دون مال وفير. وستستمر هامشية تاثير المسلمين في السياسة في دول القارة ما استمرّ التباعد بين المسيسين منهم ورجال الأعمال المسلمين.
ولا ننسى أيضا غربة هؤلاء النشطاء وانفصالهم عن مشاهير المسلمين في الفن والرياضة وغيرها من مصادر القوة والتأثير. وهو للأسف ما يحكم باستمرار نقص الفاعلية وضعف تأثير المسلمين في الشأن العام ومؤسسات صناعة السياسة والقرار، حيث تتقرر المصائر الكبرى لدول القارة ولمسلميها وهم عنها غافلون غائبون.
أفكار للمستقبل
ـ يحتاج المسلمون في أوروبا أول ما يحتاجون وعيا عميقا بقوانين دول القارة الأوروبية ومداخل العمل السياسي فيها، حتى يكون عملهم ضمن القوانين وما تتيحه من مجالات للحركة والعمل السياسي.
ـ كما يحتاجون للمال الوفير، ويمكن أن يكون ذلك عبر إقامة مؤسسات وقفية، تجمع المال وتستثمره وتنمّيه، وتوجّهه لمصارفه في العمل السياسي المخطط طويل الأجل، ضمن الشفافية وما يسمح به القانون وتغطيه مؤسسات الضرائب والرقابة.
ـ تكوين مراكز بحث قانونية وفرق عمل من الخبراء والإعلاميين ومن الشباب الجامعي المتخصص في علوم السياسة والإعلام وكل ما يتعلق بعمل الأحزاب وسائر النشاط السياسي.
ـ تكون مهمة هذه المراكز والفرق الاتصال الدائم والفعال بالمسلمين في أماكن تجمعهم وفي مساجدهم، وإقناع الأئمة والقائمين على المساجد، عبر جلسات دورية وحوارات معمقة قد تستغرق سنوات، بأن يكون لهم تفاعل مع واقعهم وتأثيرهم فيه، عبر تشجيع المسلمين على المشاركة السياسية والانفتاح على المحيط والعيش بإيجابية في مجتمعاتهم، وأن لا يكونوا سلبيين ينتظرون ما يمكن أن يفعله فيهم اليمين المتطرف وكانهم خرفان بلا حول ولا قوة تنتظر الذبح.
ـ تقوم تلك المراكز والفرق لاحقا بالتواصل مع الأحزاب القائمة وتتفاوض معها حول تنمية حضور المسلمين في تلك الأحزاب انتماء وتمثيلا في البرلمانات والمجالس الجهوية والمحلية، مقابل توجيه أصوات المسلمين لحزب أو أكثر من تلك الأحزاب في العمليات الانتخابية، بما يعود بالفائدة على الجميع.
ـ في دول لها أحزاب عريقة يعود عمر الكثير منها لقرن من الزمان أو أكثر، والمسلمون فيها مجرد أقلية صغيرة، فإن تأسيس أحزاب للمسلمين أو ترشيح عناصر منهم كمستقلّين نعتبره نوعا من العبث وهدر للطاقات دون فوائد تذكر، وأن الحل يكمن في البحث عن الأحزاب المنفتحة على المسلمين، والتفاوض معها على السبل الأمثل للتصويت لها، مقابل ترشيح مسلمين على قوائمها، وأخذ مشاغل المسلمين في دوائرها مأخذ الجد.
ـ عادة ما تكون الأحزاب الراسخة في دولها متقاربة من حيث أعداد منخرطيها وناخبيها. وهنا يكون لصوت الأقلية المسلمة إذا كان منظما وموحدا تأثير المرجح، وخاصة في الدوائر المتأرجحة، التي قد يكون الفوز فيها ببضع عشرات أو مئات من الأصوات. وهنا يعتبر انضمام المسلمين لهذا الحزب أو ذاك وتصويتهم له هو الكتلة المرجحة التي تسمح بفوزه بفارق كبير عن منافسيه.