التجربة التي لا تُثمر حكمة تكرّر نفسها
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
حسن عبد الرضي
التجارب التي لا تُثمر وعياً تُعيد نفسها في شكل مأساة، ثم في شكل ملهاة. وما نراه اليوم في السودان ليس إلا تكراراً لتجربة قديمة — تجربة جُرِّبت ألف مرة، وأثمرت خراباً كل مرة، ومع ذلك لا يزال البعض مصرّاً على خوضها من جديد وكأنهم ينتظرون نتائج مختلفة.
لنبدأ من النقطة التي يهرب منها الكثيرون: طالب المناضلون والثوار بحلّ قوات الدعم السريع منذ عام ٢٠١٣، وما زالوا يطالبون بذلك.
ثم لم يتعلموا شيئاً بعد اتفاقية السلام الشامل عام ٢٠٠٥. بل فصلوا، بقوة عين، ثلثا عزيزا اخضر من سوداننا. وبدلاً من أن يعتذروا للشعب ويكفّروا عن جرائمهم، اتجهوا غرباً وصنعوا المليشيا الأولى (خليل إبراهيم)، ثم الثانية (موسى هلال)، ثم الثالثة (الدعم السريع). وهكذا ظلّ الغرب السوداني ساحة تجارب لجنون الإسلاميين: قتال فَهْدنة، تمرد فمصالحة، وزير سابق يصبح زعيم مليشيا، وقائد مليشيا يصبح مساعداً للرئيس، ثم والٍ ولاية! فتأملوا هذا العبث.
قاتلوا خليل إبراهيم ثم استعانوا به. قاتلوا مناوي ثم عيّنوه مستشاراً. قاتلوا مالك عقار ثم تحالفوا معه فأصبح والياً ثم نائباً لرئيس مجلس السيادة. قاتلوا موسى هلال ثم أخرجوه ليقاتل معهم.
واليوم يقاتلون الدعم السريع بنفس المنهج، بنفس الخطاب، بنفس الكذب. فهل نحتاج إلى نبوءة جديدة لنفهم أن هؤلاء سيعيدون إنتاج مليشيا جديدة بعد سنوات، باسم جديد، وراية جديدة، ولكن بنفس الفكرة القديمة؟
إنهم العدو الحقيقي. ولنكن واضحين بلا مواربة: الدعم السريع. العدو ليس هو العدو، العدو الحقيقي هو الذي صنع الدعم السريع. هو الذي شرّع له قانوناً، ومكّنه، واستخدمه في حروب الإبادة. هو الذي صنع موسى هلال وخليل إبراهيم وكيكل وحميدتي وغيرهم.
العدو الحقيقي هو الحركة اللا إسلامية — مفرخة المليشيات ومصنع الخراب. والمعركة الحقيقية هي المعركة معها، لا مع أدواتها. فما الدعم والمليشيات إلا ظلّ، والظل يزول بزوال الجسد الذي أوجده. وها هو جيش السودان العظيم يصبح ضحية أخرى.
المأساة الأكبر أن الكيزان لم يكتفوا بتفريخ المليشيات، بل حوّلوا حتى الجيش الوطني نفسه إلى مليشيا حزبية، مسخوه وأفرغوه من عقيدته الوطنية. الجيش الذي كان يوماً مدرسة للانضباط والشرف، صار اليوم أداة بيد فئة متسلطة، ترفع شعار “الكرامة” بينما تبيع كرامة الوطن في سوق التحالفات والمصالح.
والمصيبة الحقيقية، اليوم، وتحت صدمة ما جرى في الفاشر، رأينا بعض البلابسة يطلقون دعوات مقاطعة اجتماعية لدعاة السلام! أي عبث هذا؟ هل تركتم للسلام موطئ قدم أصلاً؟ ألستم أنتم من خوّن دعاة وقف الحرب؟ ألستم من يطاردهم ويهددهم بالويل والثبور لأنهم تجرأوا على قول “كفى حرباً”؟
ومشكلتكم أيها السودانيون المغرر بكم أنكم حين تُتألمون، تهيجون في الاتجاه الخطأ، فبدلاً من مواجهة من غشّكم، تصبّون غضبكم على من يختلف معكم في الرأي. فلا بد من كلمة للمواطن المغلوب: أيها المواطن المسكين، وجّه غضبك حيث يجب: على من خدعك وسوّق لك أن هذه حرب “كرامة”. أين الكرامة الآن؟ كل يوم الكرامة في النازل، وأسباب الحياة في الطالع، والصحة في النازل، والمرض في الطالع، والإنسانية في النازل، والجوع في الطالع. فأنكم حين تبكون على الفاشر اليوم — فذلك مشهد من الكوميديا السوداء. الفاشر محاصرة منذ عامين، وإنسانها يموت بالجوع والمرض والقصف، ولم تتحرك فيكم نخوة ولا إنسانية. وكنتم تأكلون وتشربون وتغنون، ومخادعوكم يسافرون إلى تركيا والقاهرة ويشترون الفلل والقصور ويتزوج ابناؤهم ويقيمون الحفلات الصاخبة بالمناضلة “ندى القلعة” بينما يموت الناس بصمت، والآن تبكون بعد أن وصل الخراب إلى أبوابكم.
وفي خاتمة المقال يجدر أن نقول: الدعم السريع سيزول — لأنه ظاهرة استثنائية في دولة مأزومة. لكن ما لم نُواجه أصل الأزمة، الحركة اللا إسلامية، فسنظل ندور في ذات الحلقة الجهنمية. والحكمة التي لم نتعلمها بعد هي أن التجربة التي لا تثمر وعياً ستتكرر حتى تفنينا جميعاً.
فلنبدأ المعركة الحقيقية: ضد الكذب باسم الدين، وضد صناعة المليشيات باسم الوطن، وضد الحرب باسم الكرامة. أما الذين يهربون من مواجهة الحقيقة، فسيجدون أنفسهم — كما في كل مرة — يلعنون نتائج أفعالهم، دون أن يجرؤوا على النظر في أصل الخطيئة.
الوسومحسن عبد الرضيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
التَّجمُّع الإعلامي الفلسطيني ينعي الصحفي المنيراوي الذي استشهد بغارات صهيونية
الثورة نت /..
نعى التجمع الإعلامي الفلسطيني، اليوم الأربعاء، الصحفي في صحيفة فلسطين المحليَّة محمد المنيراوي، الذي استشهد جرَّاء قصف العدو إسرائيليّ الغادِر الذي استهدف خيمة نزوحه القسريّ يوم امس بمخيم النصيرات، وسط قطاع غَزَّة.
وقال التجمع في بيان نقلته وكالة “صفا” الفلسطينية أنه “باسْتشهاد الزَّميل المنيراوي يرتفع عدد شُهداء الحركة الإعلامية في قطاع غزَّة لـ (256) صحفيًّا وصحفيَّة، منذ بدء حرب الإبادة التي يرتكبها العدو الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023”.
وأضاف “هذا إلى جانب جَرح واعْتقال المئات من الصحفيين، وقَصف وتَدمير المُؤسَّسات والمَقار الإِعلاميَّة”.
وجدِّد التَّجمُّع الإعلامي الفلسطيني، “إدانته الشديدة لجرائم الحرب الوَحشيَّة والانْتهاكات الجَسِيمة التي يَنْتهجها العدو الإسرائيلي ضد الصّحفيين والإعلاميِّين الفلسطينيِّين في قِطاع غَزَّة، وفلسطين المُحتلَّة عمومًا، والرَّامية إلى إخفاء الحَقيقة، وطَمسْ السَّرديَّة الفلسطينيَّة.
ودعا التَّجمُّع مُختلف الاتّحادات والأجسام والمؤسَّسات الإعلاميَّة والحقوقيَّة حول العالم إلى الخروجِ عن صَمْتها المُخْزي حِيَال جرائم العدو الإسرائيلي ومَجازره المُتوالية ضدّ الصّحفيِّين والإعلاميِّين الفلسطينيِّين.
كما دعا الى التَّدخل العَاجل لوقف تلك الجرائم واتِّخاذ كل التَّدابير الفعليَّة لحماية الصحفيين في قطاع غزة وضَمان سَلامتهم ، اسْتنادًا للقوانين الدوليَّة ومَواثيق حُقوق الإنسان.
وطالب التَّجمُّع بالتَّحرك الفوريّ والفَعَّال لوقف حرب الإبادة الجماعيَّة والتَّطهير العرقيّ ضد الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزة.
كما طالب بالعمل الجادّ على “مُلاحقة كيان العدو النَّازيّ وتقديم مسؤوليه للمحاكمة أمام المَحاكم الدوليَّة بصفتهم مُجرمي حَرْب، ومحاسبتهم على إرهابهم المُنظَّم ضد شُهود الحَقيقة، وحُرَّاس الكَلمة والصُّورة”.