من داخل سيارة عالقة بين دبابات إسرائيلية في حي تل الهوا جنوب غربي مدينة غزة، ظل صوت الطفلة هند رجب ذات الست سنوات يتردد عبر سماعة الهاتف وهي تقول بصوت مرتجف "أنا خايفة.. حدا يجي ينقذني".

كانت تلك الكلمات آخر ما سمعته والدتها قبل أن ينقطع الصوت وتغيب هند إلى الأبد، لتتحول قصة الطفلة إلى رمز عالمي للبراءة المهدورة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من "السادة الأفاضل" إلى "السلم والثعبان 2".. موسم متنوع رغم غياب نجوم الصف الأولlist 2 of 2مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يروي قصص الصمود في وجه الإبادةend of list

وأعاد فيلم "أغمضي عينيك يا هند" -الذي أنتجته منصة "الجزيرة 360"- إحياء قصة الطفلة الغزية بمشاهد واقعية مؤلمة توثق الساعات الأخيرة من حياتها قبل أن تعدمها رصاصات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد هي وأهلها داخل السيارة.

ففي صباح 29 يناير/كانون الثاني 2024، استيقظت هند داخل خيمة نزوح أقامت فيها عائلتها شهورا بسبب حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقرر بعض أفراد العائلة الانتقال إلى منزلهم بغزة للاحتماء مؤقتا من القصف، فانطلقت هند بسيارة مدنية تقل عددا من أقاربها وأطفالهم، لكن الرحلة القصيرة انتهت بمأساة، حين حاصرتهم دبابات الاحتلال وفتحت نيران رشاشاتها نحو السيارة مباشرة لتصيبها بأكثر من 335 رصاصة، وفق تحقيقات الهلال الأحمر الفلسطيني.

وفي ضوء ذلك، قُتل جميع من في السيارة في الاستهداف الأول من دبابات الاحتلال باستثناء هند وابنة خالها ليان حمادة (14 عاما) اللتين بقيتا على قيد الحياة داخل المركبة المحطمة لوقت قصير.

وتمكنت ليان من الاتصال بطواقم الهلال الأحمر الفلسطيني باكية وتستغيث لإنقاذهما، لكن الاتصال انقطع بعدما استهدفت الدبابات الإسرائيلية السيارة مجددا لتُقتل ليان على الفور.

وبعد ذلك، بقيت هند وحدها محاطة بجثث عائلتها تتشبث بصوت أمها في الهاتف، وقالت لوالدتها "يا ماما الكل مات ما تسكري الخط خليكي معي"، مما دفع الأم لمحاولة تهدئتها ووعدتها بأن فرق الإنقاذ قادمة، حيث استمرت المكالمة نحو 70 دقيقة، حتى انقطع صوت هند فجأة تاركة والدتها تغرق في صمت الفقد.

إعلان

وانتشرت مكالمة هند المسجلة على نطاق واسع وتحول وسم (#انقذوا_هند_رجب) إلى نداء عالمي لإنقاذها، وفي حين كانت فرق الإسعاف تستعد للوصول إليها بتنسيق مع الارتباط الفلسطيني تعرض طاقم الهلال الأحمر الذي تحرك لإنقاذها لهجوم مباشر من جيش الاحتلال، مما أدى إلى مقتل مسعفين كانوا على بعد أمتار من موقع السيارة ليجهض آخر خيط أمل في إنقاذ الطفلة.

أما والدة هند رجب، فقالت إنها ظلت تحلم -بدموع القلق والحسرة- بابنتها هند وهي عائدة إلى المنزل تأكل "البيتزا" مع أسرتها على مدار أيام انقطاع الاتصال بها.

وكشفت والدة الطفل أن آخر ما توسلت به هند في مكالمتها لها أثناء وجودها بالسيارة أن ينقذها أحد.

هوية القاتل

وبعد أسابيع من الجريمة نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحقيقا استقصائيا بالاستعانة بصور الأقمار الصناعية وشهادات ميدانية أكد وجود 4 مركبات عسكرية إسرائيلية على بعد أقل من 300 متر من موقع سيارة هند أثناء الهجوم.

كما لم يكن في المنطقة أي اشتباك مسلح أو تهديد يبرر إطلاق النار، مما يثبت أن الاستهداف كان متعمدا ومباشرا، حسب الصحيفة.

وفي مايو/أيار 2025، أعلنت مؤسسة "هند رجب" تقديم شكوى جريمة حرب إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بعد تحديد الوحدة العسكرية المسؤولة والقائد الذي قاد عملية قتل هند.

وقالت المؤسسة إنها توصلت إلى أن المسؤول المباشر هو المقدم بني أهارون، قائد اللواء المدرع 401 في جيش الاحتلال خلال تلك الفترة، مطالبة بإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق الضباط المنفذين وفق مبدأ الاختصاص العالمي.

ووفق تحقيق استقصائي للجزيرة بثه برنامج "ما خفي أعظم"، فإن الكتيبة 52 ضمن اللواء 401 هي المنفذ المباشر للجريمة، بقيادة الكولونيل دانييل إيلا، لكن المفاجأة الكبرى كانت في تحديد السرية المسؤولة ميدانيا عن إطلاق النار، والتي حملت اسما صادما: "إمبراطورية مصاصي الدماء" (Vampire Empire).

ويقود هذه السرية الضابط شون جلاس، وهو رجل يتباهى -كما تكشف مقاطع داخلية- بأنه يقود جنوده "من دون انتظار الأوامر"، ويصفهم بأنهم "وحوش لا تعرف التراجع".

وتحولت قصة هند من مأساة محلية إلى رمز إنساني عالمي يجسد معاناة الأطفال في الحروب وأثارت المشاهد الحقيقية من فيلم "أغمضي عينيك يا هند" تفاعلا واسعا في العالم العربي والغربي.

وقصة هند ليست استثناء في غزة، لكنها تظل علامة فارقة في الذاكرة الفلسطينية والعالمية، إذ سجلت بالصوت والصورة لحظة التلاشي بين الحياة والموت حين قالت الطفلة للعالم كله "حدا يجي ينقذني" ولم يأت أحد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات هند رجب

إقرأ أيضاً:

أبو لولو سفاح الفاشر.. أيقونة الرعب الدموي في السودان

برز اسم القيادي في "الدعم السريع" الملقب بـ"أبو لولو" في الآونة الأخيرة إلى صدارة المشهد السوداني، عقب انتشار مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهره يتفذ إعدامات في شوارع مدينة الفاشر، ما جعله محوراً للجدل وأحد أبرز الأسماء المتداولة في البلاد.

وتحول "أبو لولو" من مقاتل مجهول في إقليم دارفور إلى أحد أبرز الرموز في مشاهد العنف المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد انخراطه في صفوف قوات الدعم السريع، واكتسابه سمعة كمقاتل دموي مهدت لظهوره لاحقا كقائد ميداني ومجرم معروف.

وأسهمت المقاطع المصورة المنتشرة له في تكريس صورته كمقاتل دموي، إذ أظهرت لقطات مزعومة الرجل وهو يوجه أوامر لأسرى ومدنيين قبل أن يطلق النار عليهم.

هذا المجرم الخبيث "أبو لولو" قتل الآلاف من السودانيين حتى الآن من الأطفال والنساء والعُزّل الفارين من الحرب لا لذنب ارتكبوه فقط لأنهم رفضوا ترك ديارهم ومنازلهم في الفاشر خلال حصارها الممتد.. pic.twitter.com/ZBx9MunpY3 — نحو الحرية (@hureyaksa) October 30, 2025

وفي آب/أغسطس الماضي، انتشر مقطع له أثناء إطلاق النار على رجل أعزل في مدينة الفاشر، ما أثار موجة غضب واسعة، دفعت قيادة الدعم السريع حينها إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق، مع وعود بمحاسبة الجاني إن ثبت انتماؤه إلى القوة.

لكن الرجل عاد للظهور مجددا عقب سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، في تسجيلات جديدة قيل إنها توثق عمليات إعدام ميدانية بحق مدنيين وأسرى.

كما ظهرت مقاطع أخرى من مواقع مختلفة داخل المدينة، أظهرت رجلا يعتقد أنه "أبو لولو" وهو يطلق النار على مجموعة من الرجال الجالسين على الأرض تباعا، بينما بدا في تسجيلات أخرى محاطا بمسلحين يحتفون به بوصفه قائدا منتصرا وسط جثث متناثرة.

توثيق للسفاح المدعو أبو لولو رفقة مجموعة من عناصر مليشيا الجنجويد يوقفون ثلاثة شباب هاربين من الفاشر يستهزئون بهم ويوجهون إليهم وابلاً من الشتائم رغم رجاءاتهم يقوم أبو لولو بقتـ.ـلهم بدم بارد
(23) pic.twitter.com/gygo6DT5sE — أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) October 28, 2025

ومع تصاعد الغضب الشعبي والرسمي من تلك الأفعال، حاولت قيادة الدعم السريع التبرؤ منه، إذ كتب فارس النور، المعيّن حاكما للخرطوم في "حكومة التأسيس" المدعومة من الدعم السريع، منشورا قال فيه إن "يد العدالة ستطال كل من أجرم في حق أهلنا في الفاشر"، وأرفق صورة لـ"أبو لولو".

في المقابل، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جيم ريتش في تغريدة على منصة "إكس" إن "الفظائع التي وقعت في الفاشر بدارفور لم تكن صدفة، بل كانت جزءاً من خطة قوات الدعم السريع منذ البداية".

وتعد الفاشر آخر مركز إداري رئيسي في منطقة دارفور كان تحت سيطرة الجيش السوداني، قبل أن تخضع لحصار مكثف من قبل قوات الدعم السريع لعدة أشهر، ما تسبب في سقوط العديد من الضحايا وتفاقم الأزمة الإنسانية.

ويشهد السودان منذ نيسان/أبريل 2023 صراعا دمويا على السلطة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع.

وفي تطور جديد، أعلنت قوات الدعم السريع، الخميس، إلقاء القبض على عدد من المتهمين بارتكاب تجاوزات في مدينة الفاشر، بينهم المتهم المعروف بـ"أبو لولو"، وقالت في بيان إنها نفذت العملية "تنفيذا لتوجيهات القيادة والتزاما بالقانون والانضباط العسكري أثناء الحرب"، مؤكدة أن "اللجان القانونية المختصة باشرت التحقيق مع الموقوفين تمهيداً لتقديمهم للعدالة".



وأضاف البيان أن هذه الخطوة تأتي "منعا لأي انتهاكات تمس الكرامة الإنسانية أو تتعارض مع الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف"، مشددا على حرص القوات على احترام القانون وضبط السلوك العسكري في مناطق العمليات.

وفي السياق نفسه، أعرب مجلس الأمن الدولي، الخميس، عن "قلقه العميق" إزاء التصعيد في السودان، فيما دعت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، مارثا بوبي، خلال جلسة طارئة للمجلس، جميع الأطراف المتحاربة إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف الحرب وتجنيب المدنيين ويلات التصعيد العسكري، قائلة: "آن الأوان لاتخاذ الخطوة الأولى نحو السلام في السودان".

مقالات مشابهة

  • أبو لولو سفاح الفاشر.. أيقونة الرعب الدموي في السودان
  • هل شعرت يوما بارتعاش في جفن عينيك؟.. كل ما تود معرفته
  • أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صناع أفلام إسرائيليين
  • مواصفات السيارة HAVAL H7 HEV الجديدة
  • أسرار من داخل الزمالك .. تامر عبد الحميد يروي قصة تصفية الحسابات
  • رئيس المتحف المصري الكبير: نضع اللمسات الأخيرة لأكبر حدث ثقافي.. سنبهر العالم
  • الأردن يعرب عن قلقه إزاء التطورات الأخيرة في السودان
  • رئيس المتحف المصري الكبير: نضع اللمسات الأخيرة لأكبر حدث ثقافي وسنبهر العالم
  • أسرار من داخل الهرم.. زاهي حواس يروي لحظات الرهبة والخوف في ظلام الفراعنة