هدنة اقتصادية بين واشنطن وبكين.. تجميد الرسوم الجمركية لعام كامل وسط تصاعد حرب التكنولوجيا
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
في تطور لافت على صعيد العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج عن اتفاق مبدئي يقضي بتعليق الرسوم الجمركية العقابية المتبادلة لمدة عام كامل، في محاولة لتهدئة الحرب التجارية التي أثقلت كاهل الأسواق العالمية لسنوات.
جاء الاتفاق خلال لقائهما وجهاً لوجه في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، وسط نقاشات شملت قضايا اقتصادية وتقنية بالغة الحساسية، أبرزها المعادن الأرضية النادرة وقيود تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي من شركة إنفيديا الأمريكية.
اللقاء، الذي وصفه مراقبون بأنه خطوة نحو "هدنة اقتصادية مؤقتة"، تناول واحدة من أكثر النقاط توتراً بين البلدين: السيطرة الصينية شبه الكاملة على المعادن الأرضية النادرة، وهي مواد أساسية تُستخدم في صناعة الهواتف الذكية، والمركبات الكهربائية، والمعدات الدفاعية المتقدمة.
وتشير التقديرات إلى أن الصين تُنتج أكثر من 90% من الإمدادات العالمية من هذه المواد، ما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا هائلًا في أي مواجهة اقتصادية أو تكنولوجية مع الغرب.
من جانبه، كان ترامب قد صعّد لهجته في الأسابيع الماضية مهددًا بفرض رسوم جديدة تصل إلى 100% على السلع الصينية، ردًا على ما وصفه بـ"الابتزاز الصيني" في سوق المعادن النادرة، لكن الاجتماع الأخير غيّر المعادلة، حيث وافقت بكين، بحسب التقارير الأولية، على تعليق أي إجراءات جديدة لمدة 12 شهرًا، مقابل خفض الولايات المتحدة جزءًا من الرسوم الحالية بنسبة 10%.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة التوازن للعلاقات التجارية دون التراجع عن مواقف مبدئية في ملف التكنولوجيا المتقدمة.
وفي ملف أشباه الموصلات، أكد ترامب أنه ناقش مع الزعيم الصيني مستقبل التعاون في هذا المجال الحيوي، مشيرًا إلى أنه "لم يستبعد" السماح لشركة إنفيديا باستئناف مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعي للصين.
وتأتي هذه التصريحات بعد أشهر من القيود الصارمة التي فرضتها واشنطن على تصدير شرائح إنفيديا عالية الأداء، بدعوى مخاوف تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أن إنفيديا كانت قد حصلت في يوليو الماضي على تصريح يسمح لها ببيع شرائح H20 في السوق الصينية، بعد حظر مؤقت في وقت سابق من العام، لكن ردّ بكين لم يتأخر، إذ وجهت كبرى شركاتها التقنية بعدم التعامل مع هذه الشرائح حتى استكمال مراجعة شاملة من قبل لجنة الأمن القومي.
ويبدو أن هذا التجاذب يعكس صراعًا أوسع على السيطرة على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، التي تمثل عصب المنافسة الاقتصادية المستقبلية بين البلدين.
ولم يتطرق اللقاء بشكل حاسم إلى شرائح "بلاكويل" الجديدة من إنفيديا، وهي الجيل الأكثر تقدمًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي والذي ما زال قيد التطوير، وتشير التقديرات إلى أن هذه الشرائح قد تشكل محورًا جديدًا للخلاف، إذ يُعتقد أن الصين تحاول تطوير بدائل محلية لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، في حين تسعى واشنطن لتقييد أي وصول صيني لهذه الابتكارات.
أما بالنسبة لتطبيق تيك توك، أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في العلاقات الأمريكية الصينية، فلم يصدر أي قرار نهائي بشأن مستقبله في الولايات المتحدة، وكانت إدارة ترامب قد أعلنت في وقت سابق أنها بصدد التوصل إلى اتفاق يمنح الشركات الأمريكية حصة الأغلبية في ملكية التطبيق داخل السوق الأمريكي، لكن المفاوضات لم تكتمل بعد، ويرى خبراء أن هذا الملف سيبقى ورقة ضغط سياسية في يد واشنطن خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية.
الاتفاق الحالي لا يعني نهاية الحرب التجارية بين العملاقين، لكنه يشير إلى رغبة متبادلة في التهدئة بعد سنوات من التصعيد. فبينما تسعى واشنطن لحماية تفوقها في مجالات التكنولوجيا والرقائق المتقدمة، تحاول بكين الحفاظ على مصالحها الصناعية دون الدخول في مواجهة اقتصادية مفتوحة قد تضر بنموها.
ويرى محللون أن هذه الهدنة لمدة عام قد تمنح الجانبين فرصة لإعادة صياغة العلاقات التجارية على أسس أكثر توازناً، لكنها أيضًا فترة اختبار حقيقية لمعرفة ما إذا كانت واشنطن وبكين قادرتين على كبح جماح سباق الهيمنة التكنولوجية الذي يزداد اشتعالًا يومًا بعد يوم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی إلى أن
إقرأ أيضاً:
رئيس وزراء كندا يعتذر لترامب بسبب إعلان ضد الرسوم الجمركية
قال رئيس وزراء كندا مارك كارني، اليوم السبت، إنه قدم اعتذارا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إعلان تلفزيوني يظهر الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان وهو ينتقد الرسوم الجمركية.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن كارني قوله للصحفيين في كوريا الجنوبية إن ترامب شعر بالانزعاج من الإعلان، مؤكدًا أنه تحدث معه على انفراد خلال عشاء أُقيم في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
وأضاف: "قرار عرض الإعلان ليس شيئًا كنت سأفعله، ولذلك اعتذرت له"، مشيرًا إلى مسئوليته كرئيس وزراء عن العلاقة مع الرئيس الأمريكي.
وأكد كارني أنه استعرض الإعلان مع رئيس وزراء أونتاريو دوج فورد، المحافظ الشعبوي والناقد الصريح لترامب، والذي موّل الإعلان، قبل بثه، وقال له إنه معارض للإعلان، مضيفًا: “حان الوقت للتحدث، للنقاش، والتفاوض مع الأمريكيين”.
وأشار إلى أن فورد اتخذ قراره، وهو مستقل، ويمكنه القيام بذلك، لكنه ليس مفيدًا تمامًا للعلاقة بين البلدين.
وأدى الإعلان، الذي تم تمويله من قبل حكومة أونتاريو، إلى تعطيل المفاوضات التجارية بين كندا والولايات المتحدة، بعدما رد ترامب بإيقاف المحادثات وفرض رسوم جمركية على المنتجات الكندية، واصفًا الإعلان بأنه "مزيف".
وتضمن الإعلان مقتطفًا من خطاب إذاعي ألقاه ريجان عام 1987، قال فيه إن الرسوم الجمركية تضر كل عامل ومستهلك أمريكي على المدى الطويل وتؤدي إلى حروب تجارية ضارية.
وقام فورد، الذي أوقف لاحقًا الحملة، بنشر تغريدة يوم الاثنين الماضي قال فيها إن الإعلان كان الهدف منه بدء نقاش حول تأثير الرسوم الجمركية على العمال الأمريكيين.
وقال ترامب، أمس الجمعة، إن كارني قد اعتذر وتحدث عن علاقة جيدة جدًا مع رئيس الوزراء الكندي، لكنه أشار إلى أن المحادثات التجارية بين البلدين لن تستأنف في الوقت الحالي.
بينما أكد كارني اليوم، السبت، أن كندا جاهزة لإعادة إطلاق المفاوضات التجارية بمجرد استعداد الولايات المتحدة لذلك.
وشهدت العلاقات بين واشنطن وأوتاوا توترًا متزايدًا منذ عودة ترامب إلى السلطة في يناير، حيث فرض الرئيس الأمريكي رسومًا على المنتجات الكندية وكرر الدعوات لجعل كندا الولاية الأمريكية 51.
يذكر أن كارني، المصرفي المركزي السابق والذي فاز بالانتخابات في أبريل، قدم نفسه كأفضل شخصية لإدارة العلاقة الثنائية مع ترامب، وقد أكد عدة مرات أن كندا "ليست للبيع أو الضم"، لكنه خفف بعض الرسوم الانتقامية الكندية، ما أثار انتقادات بتهمة التنازل أمام الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن الأسبوع الماضي عن فرض زيادة بنسبة 10 في المائة على الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الكندية، بعد بث الإعلان التلفزيوني.
وقال ترامب في منشور على منصة تروث سوشال: "بسبب تحريفهم الجسيم للحقائق وتصرفهم العدائي، أرفع الرسوم على كندا بنسبة 10% فوق ما يدفعونه حاليًا".
وقال ترامب إن بث الإعلان يمثل محاولة كندية للتأثير على المحكمة العليا الأمريكية، التي ستنظر في الخامس من نوفمبر المقبل في قانونية الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها ترامب استنادًا إلى قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA).