تعيش مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، واحدة من أكثر الأيام دموية منذ اندلاع الحرب في السودان، فقد أدت سيطرة قوات الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى مقتل آلاف المدنيين خلال أيام قليلة، ونزوح أكثر من 62 ألف شخص في أقل من 4 أيام، في حين بقي نحو 177 ألفا عالقين تحت الحصار دون ممرات آمنة أو مساعدات.

أكثر من 62 ألف نازح في الفاشر خلال أيام (الجزيرة)

ومع اتساع رقعة العنف، يبرز اسم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، بوصفه الشخصية الأكثر إثارة للجدل في البلاد، إذ يُتهم بقيادة حملة عسكرية واسعة نفذت خلالها قواته مجازر ممنهجة في دارفور وكردفان، ووُصفت بأنها تطهير عرقي بحق قبائل مثل المساليت.

وولد حميدتي عام 1974 في بادية دارفور، وترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة لينضم إلى مليشيات الجنجويد التي برز دورها خلال حرب دارفور مطلع الألفية، حين استعان بها الرئيس السابق عمر البشير لقمع التمرد المسلح.

وفي عام 2013، تحولت تلك المليشيات إلى كيان رسمي تحت اسم "قوات الدعم السريع"، تابعة لجهاز الأمن والمخابرات، وبقيت تحت قيادة حميدتي الذي توسّع نفوذه عبر السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وكردفان، مما جعله واحدا من أغنى وأكثر الرجال تأثيرا في السودان. وبعد سقوط نظام البشير عام 2019، أصبح حميدتي نائبا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، لكنه ظل في حالة توتر مع الجيش، خاصة بعد طرح خطة دمج قوات الدعم السريع في المؤسسة العسكرية.

عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني (يمين) وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (وكالات)

وفي 15 أبريل/نيسان 2023 انفجرت المواجهة بين الجانبين لتتحول إلى حرب مفتوحة امتدت إلى ولايات دارفور وكردفان والخرطوم، وسقط خلالها آلاف القتلى، في حين اتُّهمت قوات الدعم السريع بارتكاب مجازر جماعية وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، استهدفت مدنيين في مدن عدة، خصوصا في إقليم دارفور. وقد وثقت منظمات محلية ودولية عشرات الحوادث التي شملت القتل خارج نطاق القانون والاغتصاب والنهب والتطهير العرقي في بعض المناطق.

المنظمات الدولية تواصل توثيق الانتهاكات وتدعو إلى تحقيقات ومحاسبة المسؤولين عنها في الفاشر إقليم دارفور (أسوشيتد برس)

وتغيّرت خريطة السيطرة الميدانية غرب السودان اليوم، وباتت معظم ولايات دارفور وأجزاء من ولايات إقليم كردفان تحت قبضة قوات الدعم السريع، بينما يتمدد الجيش في باقي الولايات والمدن الشمالية والشرقية والوسط.

مناطق السيطرة في السودان (الجزيرة)إقليم دارفور في السودان (الجزيرة)

ومع استمرار القتال، تتزايد موجات النزوح، إذ تشير بيانات المنظمات الدولية إلى أن أكثر من 14 مليون شخص فروا من منازلهم داخل السودان أو عبروا الحدود، في حين يحتاج أكثر من 30 مليونا إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

خريطة النزوح إلى الدبة هربا من الفاشر وكردفان في السودان (الجزيرة)خط النزوح من الفاشر إلى الدبة هربا من مجازر قوات الدعم السريع (الجزيرة)

وسقوط الفاشر لم يكن مجرد تحوّل عسكري، بل لحظة أعادت رسم خريطة الصراع سياسيا وإنسانيا، ووضعت المجتمع الدولي أمام معادلة شديدة التعقيد: قائد يراه البعض رجل المرحلة، وترى فيه الأمم المتحدة متهما محتملا بارتكاب جرائم حرب، وشعب يهرب من تحت النار نحو مجاهل الصحراء والحدود دون وطن أو أفق واضح.

إعلان

وفي ظل هذا المشهد، تبدو دارفور وكردفان على أعتاب واقع جديد، تُرسم حدوده بالنار والنزوح، وسط سؤال يزداد ثقلا كل يوم: هل يصعد حميدتي إلى قمة السلطة، أم يسقط تحت ثقل الدماء التي تُراق في الفاشر وغيرها من مدن السودان المنسية؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات قوات الدعم السریع دارفور وکردفان فی السودان أکثر من

إقرأ أيضاً:

الجنائية الدولية تحقق فى جرائم الدعم السريع بالفاشر


تواصل مصر جهودها الاقليمية والدولية للحفاظ على وحدة السودان واجهاض مخططات تقسيمه الرامية لفصل اقليم درافور غربا عبر محارق ميليشيا الدعم السريع الإرهابية للسودانيين المحاصرين منذ أكثر من 700 يوما فيما نددت المنظمات الدولية بجرائم التطهير العرقى واغتصاب النساء والأطفال.
أشاد السفير السودانى بالقاهرة «عماد الدين عدوى» بمواقف مصر الداعمة لوحدة بلاده مشيرا إلى أن الدولة المصرية واحدة من القلائل التى تدرك أن هناك جهات تهدف إلى تفتيت الدولة الوطنية وحريصة كل الحرص على وحدة وأمن السودان.
وأشار السفير السودانى إلى عدم ترحيب مصر ورفضها لأى كيان موازى فى السودان. وشدد على موقف القاهرة التاريخى فى مؤتمر لندن، حيث وقفت موقفا قويا بشأن عدم تطرق البيان الختامى للمؤتمر لوحدة السودان، مجددا التأكيد على أن مواقف مصر داعمة لوحدة بلاده
وأكد «عدوى» أن حكومته لن تشارك فى أى اتفاق سلام أو هدنة لا تستوفى المعايير أو ما تم الاتفاق عليه فى منبر جدة. وقال إن القول الفصل هو للشعب السودانى الذى اكتوى بنيران هذه الميليشيا.
واعتبر السفير السودانى أن المساعدات الإنسانية تستخدم الآن كسلاح، مشيرا إلى أن الحكومة السودانية استجابت لمطالب فتح معبر آدرى على الحدود مع تشاد، وكانت المساعدات تصل إلى مدينة طويلة التى تبعد حوالى ١٤ كيلو متر من الفاشر وكانت الميليشيا ترفض دخولها المدينة.
ويشكل إقليم دارفور نحو خمس مساحة السودان، غير أن غالبية السودانيين البالغ عددهم 50 مليونا يسكنون فى مناطق سيطرة الجيش.
وأكدت وزيرة الدولة للرعاية الاجتماعية السودانية، سليمى إسحاق، أن الدعم السريع قتلت نحو 300 امرأة واغتصبت 25 فى مدينة الفاشر ضمن تطهير عرقى ممنهج. وقالت «إسحاق» إن ما حدث فى الفاشر أشبه بأحداث مدينة الجنينة مركز ولاية جنوب دارفور فى 2023.
وأضافت إسحاق: «ما حدث فى الجنينة من جرائم لم يتم توثيقه بكثافة كما حصل فى الفاشر التصوير من قبل الدعم السريع نفسه ما كان بكمية كبيرة فى الفاشر».
وأضافت «إسحاق» أن التصوير من قبل الدعم السريع أصبح جزءا وسلاحا لهزيمة الآخر، متمثلا فى توثيق الجرائم بشكل مباشر والاستمتاع بها. متعة القتل نفسها فيها لذة الانتصار. مؤكدة أن ذلك يعنى المسألة نفسيا بالنسبة لهم تعد لذة انتصار، وهى درجة مرضية، ولكنها فكرة الإخضاع، والإخضاع كان سلاحا أساسيا للدعم السريع.
وأشارت الوزيرة السودانية إلى أن عناصر الدعم السريع الآن تمرسوا أكثر فى مسألة توثيق الجرائم، هم يوثقون منذ كانوا فى الخرطوم وولاية الجزيرة وسنار وحدثت مثل هذه الجرائم.
وشددت «إسحاق» على أن الإخضاع هو منهج الدعم السريع وسلاحهم، وهم يستخدمون العنف الجنسى والتعذيب والقتل، وهذا ما استخدموه ضد النساء فى الفاشر. وقالت إن كل النساء في المدينة المحاصرة معرضات للعنف الجنسى والقتل. وأوضحت أنه لا توجد امرأة عندها مناعة ولا حصانة حتى ولو طفلة.
وقالت: «هم الآن يستخدمون التعذيب والقتل والعنف الجنسى ضد النساء فى الفاشر والأعداد المعروفة التى تعرضت للاغتصاب 25، هناك حديث عن صحفيات تم اغتصابهن وتم نشر هذه الجرائم. وأضافت: «صور جثث مثل بها، ما يعنى أنهن تعرضن لتعذيب. بعض السيدات القتلى من أسر واحدة، وهناك أخوات».
أكد تقرير للأمم المتحدة فى يناير 2024، مقتل ما بين 10 آلاف و15 ألف شخص بالجنينة، بينهم حاكم الولاية؛ جراء أعمال عنف عرقية نفذتها الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها. وأعلنت منظمة الهجرة الدولية، نزوح 1565 شخصا بولايتى شمال وجنوب كردفان، لجنوبى السودان، السبت الماضى، جراء تفاقم انعدام الأمن.
وقالت منظمة الهجرة الدولية، فى بيان لها، إن الفرق الميدانية لتتبع النزوح قدرت نزوح 1205 أشخاص من مدينتى «بارا» و«أم روابة» بولاية شمال كردفان نتيجة لتفاقم انعدام الأمن. وأوضح البيان أن «580 شخصا منهم نزحوا من مدينة بارا و625 من أم روابة». وأشار إلى أنهم نزحوا إلى مواقع داخل ولاية شمال كردفان وعدة مدن بولاية النيل الأبيض.
وجاء النزوح الجديد عقب سلسلة من موجات النزوح فى ولاية شمال كردفان قدرت بـ 36 ألفا و825 شخصا فى الفترة الممتدة بين 26 و31 أكتوبر الماضى.
وقالت المنظمة الدولية فى بيان منفصل، إن 360 شخصا نزحوا السبت الماضى فى ولاية جنوب كردفان، بينهم 180 شخصا من مدينة العباسية، ومثلهم من مدينة دلامى بالولاية.
وأعلن مكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية اتخاذه خطوات فورية بشأن الجرائم المزعومة فى الفاشر لحفظ وجمع الأدلة ذات الصلة لاستخدامها فى الملاحقات القضائية المستقبلية. وأعرب المكتب فى بيان عن قلقه البالغ إزاء التقارير الأخيرة الواردة من الفاشر حول عمليات قتل جماعى واغتصاب وجرائم أخرى يُزعم ارتكابها خلال هجمات قوات الدعم السريع.
وتعد هذه الفظائع جزءا من نمط عنف أوسع نطاقا ابتليت به منطقة دارفور بأكملها منذ أبريل 2023. وقد تشكل هذه الأفعال، إذا ثبتت صحتها، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسى.
وقال المكتب إنه بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1593 (2005)، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالاختصاص القضائى على الجرائم المرتكبة فى النزاع الدائر فى دارفور. ويجرى تحقيقات فى الجرائم المزعومة المرتكبة فى دارفور منذ اندلاع الأعمال العدائية فى أبريل 2023.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: قوات الدعم السريع لا تزال تمارس الانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر
  • هل تدفع سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر إلى تقسيم السودان؟
  • الجنائية الدولية تحقق فى جرائم الدعم السريع بالفاشر
  • “بطل السودان” الذي اغتالته “الدعم السريع”
  • السودان.. توسع المعارك يجبر الآلاف على النزوح من شمال كردفان
  • محمد خميس دودا بطل السودان الذي اغتالته الدعم السريع
  • سفيران سودانيان يتوعدان بطرد الدعم السريع من الفاشر
  • آلاف المدنيين محاصرون بالفاشر واتهامات للدعم السريع بارتكاب تطهير عرقي
  • أطباء السودان تحذر من كارثة إنسانية بالفاشر.. الدعم السريع تحتجز آلاف المدنيين