“بطل السودان” الذي اغتالته “الدعم السريع”
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
منذ سقوط مدينة الفاشر في السودان بيد الدعم السريع الأسبوع الماضي، تكاثرت الشهادات الموثقة والصور التي تشير إلى أن مذبحة تتكشف مجددا في دارفور، حيث قتل السكان أثناء محاولاتهم الفرار، وانتشرت مقاطع تُظهر إعدامات ميدانية بدم بارد، في حين روى الناجون رحلة هروب محفوفة بالخوف والجوع والموت.
وفي تقرير تناول المأساة المتجددة في دارفور، قالت نيويورك تايمز إن “المجزرة” في الفاشر تعيد للأذهان رعب صراع دارفور قبل عقدين، بيد أن الفرق الآن هو أن العالم لا يكترث.
ووصف مراسل الصحيفة الأميركية في أفريقيا ديكلان والش المجزرة بأنها “صراع جديد في ساحة معركة قديمة”، ولفت إلى أنه على عكس الصراع قبل 20 عاما -عندما حوّل الممثل الأميركي جورج كلوني وشخصيات أخرى دارفور إلى قضية عالمية وأولوية في السياسة الخارجية الأميركية- لا يوجد اليوم سوى القليل من الاهتمام السياسي والنشاط الإنساني بهذا الصراع.
وصاحب ذلك، حسب الكاتب، إفلات من العقاب على الفظائع، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “جرائم حرب” ووصفها البيت الأبيض بأنها “إبادة جماعية”.
وشجب الكاتب رفض المسؤولين الأميركيين انتقاد دور دولة إقليمية علنا، أتاحت أموالها لمليشيات الدعم السريع للانتقال من استخدام الأحصنة والجمال إلى العربات المدرعة والمسيرات والمدافع الثقيلة، ضد الجيش السوداني والمدنيين.
وسلط التقرير الضوء على ما عاناه ربع مليون سوداني من حصار خانق استمر أكثر من عام ونصف، شهدت فيه الفاشر عزلا تاما عن الإمدادات، حيث قتل كل من حاول إدخال الغذاء أو الدواء، واضطر الأطباء إلى إطعام الأطفال المجوعين العلف.
صوت الحقيقة
ووسط هذا الخذلان والصمت الدولي، برز صوت المتحدث الرسمي لمخيم زمزم للنازحين محمد خميس دودا، الذي نقل لصحيفة غارديان البريطانية وللعالم وقائع الحياة تحت الحصار في الفاشر دون كلل أو ملل.
وحسب غارديان، بدأ دودا مهمته منذ أبريل/نيسان الماضي، بعد أن أصيب في مذبحة أخرى وحُمل إلى الفاشر جريحا، فكان ينقل الروايات ويوثق الانتهاكات تارة، ويحاول البحث عن حفنة ذرة أو طحين تسد الرمق تارة أخرى، حتى انتهى به الأمر -مثل غيره- إلى أكل العلف وجلد الأبقار.
ومع نقله المستمر لمعاناة شعبه لأشهر -تتابع غارديان- بدأ الناشط يشعر بأن هناك مسيرات وعيونا تتبعه، فقضى الكثير من الليالي في ظلمة ملجأ بدائي مصنوعٍ من حاوية معدنية مدفونة في الأرض، والصمت والخوف يلازمانه.
رحيل دودا يمثّل خسارة جيل كامل من الشباب والناشطين السودانيين الذين قادوا ثورة 2019 وحملوا قيم السلام والعدالة والحرية.
وقال ذات صباح في أغسطس/آب: “نستيقظ اليوم منهكين من يوم آخر تحت وطأة الجوع والقصف، فأي صوت أو حركة يمكنه أن ينبه المسيرات. نأكل في صمت ثم ننصت فقط لصوت الطائرات والقذائف، ونأمل أن ينتهي هذا الكابوس يوما ما”، وفق ما نقله التقرير.
وكان دودا -طبقا لغارديان التي كانت على تواصل مستمر معه- يختفي لفترات كلما اشتدت الهجمات، ولكنه كان يعود كل مرة وينقل معاناة الناس بشجاعة حتى لا يختفي أثر الضحايا بصمت.
ونقلت الصحيفة قوله في الشهر ذاته: “استيقظت على أصوات الانفجارات شمالي المدينة، قرب مخيم أبو شوك للنازحين. ثم سمعت هديرا قادما من الجنوب الشرقي، وعندما نظرت، رأيت طائرتين مسيرتين”.
وتابع: “اندفعت مسرعا إلى المنازل المجاورة وحثثت السكان على الاحتماء، ثم قضينا اليوم بأكمله في صمت نستمع إلى القصف ونيران المدافع لأكثر من 6 ساعات. وأخيرا، جاء الخبر السار بطرد قوات الدعم السريع، بعد أن سقط 60 شهيدا وأصيب 100 أغلبهم نساء وأطفال”.
طريق مسدود
واقترح دودا على صديقه حينها أن يغادرا المدينة -حسب التقرير- غير أن الأخير أشار إلى مقاطع تظهر تعذيب من حاولوا الهرب، فما كان للناشط إلا أن قال: “إذن سنبقى هنا حتى النهاية”.
وبدا أن الأمور بدأت تسوء في 24 سبتمبر/أيلول، مع ظهور بوادر سقوط المدينة في يد الدعم السريع، وكتب دودا حينها: “لا أستطيع مغادرة البيت، فطائرات الدعم السريع تهاجم كل ما يتحرك. أقضي أيامي أحاول إيجاد وسيلة للهرب، لكن لا سبيل لذلك. هم يبحثون عني، ويظهرون صورتي لكل من يتجرأ على مغادرة المخيم ويسألونهم إن كنت لا أزال هنا”.
وحث دودا العالم على التحرك، بيد أن شيئا لم يحصل، واستمرت هجمات الدعم السريع، حتى سقطت الفاشر في 26 أكتوبر/تشرين الأول، وأكدت أسرة وأصدقاء دودا للغارديان أنه قُتل.
ونقلت غارديان قول شاينا لويس، من مبادرة “منع وإنهاء الفظائع الجماعية”، إن رحيل دودا يمثّل خسارة جيل كامل من الشباب والناشطين السودانيين الذين قادوا ثورة 2019 وحملوا قيم السلام والعدالة والحرية.
وأكدت أن هذا الجيل يُستهدف بشكل منهجي، مشيرة إلى تقارير عن قوائم تُعدّها قوات الدعم السريع لملاحقة رموز المجتمع المدني.
ووصفت لويس دودا بأنه بطل قدّم حياته ليكشف فظائع زمزم والفاشر، مؤكدة أنه “لا يمكن وصف حجم الخسارة التي يمثّلها رحيله على المجتمع المدني، وعلى السودان بأسره. لقد فقدت البلاد أحد أصدق أبطال هذه الحرب”.
الجزيرة
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
“أطباء بلا حدود”: آلاف السودانيين يواجهون “خطراً وشيكاً” في الفاشر
الثورة نت /..
أعربت منظمة “أطباء بلا حدود”، اليوم، عن خشيتها من أن آلاف المدنيين العالقين في مدينة الفاشر السودانية يواجهون خطراً وشيكاً إثر سيطرة مليشيات “الدعم السريع” عليها.
وأوضحت المنظمة، في بيان، أن “أعداداً كبيرة من المدنيين ما زالت تواجه خطراً شديداً وتُمنع من الوصول إلى مناطق أكثر أماناً من جانب قوات الدعم السريع وحلفائها”.
كما أشارت إلى أن نحو خمسة آلاف شخص فقط تمكنوا من الوصول إلى بلدة طويلة الواقعة على بُعد نحو 70 كيلومتراً غرب المدينة.
بدوره، قال رئيس قسم الطوارئ في المنظمة، ميشال أوليفييه لاشاريتيه، إن “عدد الوافدين إلى طويلة لا يتناسب مع حجم الكارثة، في وقت تتزايد فيه الشهادات عن فظائع واسعة النطاق”.
وتساءل: “أين كل المفقودين الذين نجوا من شهور من الجوع والعنف في الفاشر؟”، مبيّناً أن “الاحتمال الأكثر ترجيحاً، والمروّع في الوقت نفسه، هو أنهم يُقتلون أو يُطاردون أثناء محاولتهم الفرار”.
وأفاد شهود عيان المنظمة بأن نحو 500 مدني، بينهم جنود من الجيش وقوات حليفة له، حاولوا الفرار الأسبوع الفائت، لكنّ معظمهم قُتل أو أُسر على أيدي مليشيات الدعم السريع ومجموعات موالية لها.
وفي السياق، حذّر وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، من أن “السودان في وضع كارثي تماماً”، معتبراً أنها “أكبر أزمة إنسانية في العالم”.
وأضاف، خلال مشاركته في مؤتمر “حوار المنامة” في العاصمة البحرينية، أن “قوات الدعم السريع تعهّدت علناً حماية المدنيين وستُحاسَب على هذه الأفعال”.
وفي المؤتمر نفسه، نددت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، بالظروف “المروّعة” في السودان.
وتابعت: “التقارير الواردة من دارفور خلال الأيام الأخيرة مروّعة حقاً… فظاعات وإعدامات جماعية وتجويع واستخدام مدمّر للاغتصاب كسلاح في الحرب، فيما يتحمّل الأطفال والنساء وطأة أكبر أزمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”.
وكانت الأمم المتحدة قد حذّرت، أمس، من أن رقعة العنف بدأت تمتد إلى ولاية كردفان المجاورة، وسط تقارير عن “فظائع واسعة النطاق” ترتكبها قوات الدعم السريع.
وسيـطرت مليشيات الدعم السريع، الأحد الفائت، على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور الذي يغطي ثلث مساحة السودان، بعد حصار دام 18 شهراً.