سواليف:
2025-11-06@22:31:16 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآيات 44-47 من سورة الحاقة: ” وَلَو تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ”.
تعتبر هذه الآيات دليلا من ضمن عشرات الأدلة التي تثبت أن القرآن الكريم هو من عند الله، وأوحى به الى نبيه الكريم، ليبلغه للناس، وهي وحدها كافية لإسقاط الحجج المتهافتة التي يقول بها بعض المكذبين بأن القرآن ليس موحى به من الله بل من عنده أو اكتتبه عن آخرين.


لو تأملنا في ما حوته من تهديد مرعب لرسول الله بعقاب أليم فيما لو جاء بشيء من عنده وقال إنه من الله، سنجد فورا أن هذا التهديد ليس موجها لرسول الله الذي اصطفاه على البشر أجمعين، فائتمنه الله على نقل رسالته الى العالمين جميعا، بل هو لكل من تسول له نفسه أن يتقول على الله، ولدحض حجة البشر المكذبين، فالله القاهر فوق عباده، لايعجزه أحد هربا، فكلهم في قبضته، فإن كان رسوله الأمين لن يمنعه أحد من الله إن أراد ان يوقع به أمراً، فكيف بالعصاة الفاسقين!؟.
تجاوز المفسرون الأوائل عن التفصيل في تفسير هذه الآيات الأربع، فوجدناهم جميغهم يكتفون بعبارة مقتضبة، وهي: لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من عنده ونسبه الى الله لانتقمنا منه.
لقد حض الله تعالى على دوام تلاوة القرآن والتفكر في آياته في كل عصر وزمان، وجعل في ذلك أجرا، لأنه أرادنا أن لا نتوقف عند تفسير السلف الصالح فقط، بل نبحث فيه في كل عصر ومع تقدم معارفنا، لنستخرج من كنوز المعرفة التي حواها بشكل طبقات، فكلما تقدم الإنسان فهما ومعرفة، لم يتوقف في التفسير على ظاهر القول، بل تبحر به أكثر، فاكتشف طبقة أغنى، ووجد تفسيرا أعمق، وشاءت قدرة الله أن تبقى هذه الخاصية الى آخر الزمان وفيها كفاية احتياجات البشر الى يوم الدين.
بناء على ذلك فلا يمكن أن يتوقف مراد الله من هذه الآيات عند حدود إقناع المشركين بأن هذا القرآن من عنده، فليس من حاجة لإنزال هذا العدد الكبير من الآيات المقنعة للعقل، بل كانت آية كونية واحدة يرونها بأعينهم كافية لصدم عقولهم المتشككة.
إن الله يعلم ما سيكون في قادم الأيام، فسيظل هنالك مكذبون، كما سيكون من بين المؤمنين من ينحرف إيمانهم اتباعا للهوى مثلما حدث مع من أنزلت عليهم الرسالات السابقة.
فقد أعلم الله تعالى رسوله الكريم بأن هذا الدين سيبلغ مشارق الأرض ومغاربه، ولن ينال منه الكافرون، لكن الخطر الأكبر عليه سيكون من نفر مؤمنين من أمته سيتنطعون في الدين، ويبالغون في التشدد، لدرجة إفساده، فيتبعون سنن من كان قبلهم الذين أدخلوا على الدين ما ليس فيه، وهم يظنون أنهم يحسنون عملا ويحافظون عليه من التهاون.
هؤلاء المتشددون هم ليسوا أكثر إيمانا من متبعي الدين القويم، لكنهم لطبيعتهم المتشككة في نوايا الآخرين، لا يعتبرون ما شرعه الله رادعا، فيريدون أحكاما متشددة وعقوبات قاسية.
وفعليا ظهر هؤلاء في زمن مبكر، وكانت أول محاولة إدخال آية “والشيخ والشيخة فارجموهما البتة”، لكن أبا بكر والصحابة الذين يحفظون القرآن غيبا ويعلموا أن ذلك ليس منه تصدوا لهم، وبادروا الى تدوينه، لكيلا يضاف عليه.
ولما أغلق الباب على المتشددين، توجهوا الى وضع الأحاديث أو تحويرها، صحيح أن علماء الحديث بذلوا جهودا جبارة في تنقيحها وتصحيحها، لكن لأن المنهج تقديري لأنه مبني على تقييم سلسلة الرواة، ومعتمد على الشهادات بصدقهم، فلا يمكن ان يسلم من الهوى.
ان المنهج في التشريع واضح، فالمشرع هو الله تعالى وحده، وتشريعه كامل لا يحتاج إكمالا ولا تصويبا، وكل ما شرعه الله موجود في القرآن، وأما السنة النبوية فليست تشريعا آخر، ولا خيارا بديلا، إنما هي مُفصّلةٌ للمجمل من التشريع القرآني، ومخصِّصة للمُعمّم منه، ومفسرة بالتطبيق العملي له، لهذا يمكن التفريق بين الصحيح والموضوع في الأحاديث من مدى التزامها بهذه القاعدة.
وهكذا يمكن فهم أن هذا التهديد والوعيد الإلهي قد يكون للمتشددين والتكفيريين، الذين يتقولون على الله، ويسعون لتبديل تشريعاته وفق أهوائهم.

مقالات ذات صلة ظاهرة زهران ممداني : حدث ام اتجاه؟ 2025/11/05

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه من عنده أن هذا

إقرأ أيضاً:

صناعة الكراهية باسم الدين

 

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

من يتأمل وجدان الأمة الإسلامية يجدها تعيش حالة من الحنين الغامر إلى ماضيها، كأنّها تستمد منه هواءها الذي تتنفسه، وترضع من صورِهِ كما يرضع الطفل حليب أمه. وقد تجاوز هذا الحنين حدود الشوق المشروع إلى صورة من الأسر النفسي؛ إذ أضحت الذاكرة الجماعية تحوِّل الماضي إلى معبود صامت، تخلع عليه صفات الكمال وتراه مثلًا أعلى لا يدانى.

قال ابن خلدون: "المغلوب مولع بتقليد الغالب"، غير أن واقعنا المعاصر يشي بعكس ذلك، فالمغلوب عندنا مولع بتقليد الغابر. يقف الناس أمام التراث كما يقف العابد أمام محرابه، يكتفي بالتكرار والاتّباع دون أن يجرؤ على المساءلة أو النقد، حتى غدا التاريخ دائرة مغلقة تدور على نفسها، يبتلع آخرها أولها، فلا حاضر يتجدّد ولا مستقبل يتفتح.

وليس التراث في حقيقته صنمًا من الحجارة؛ بل بناء من الأفكار تشكل في ظروف الزمان والمكان، تفاعل مع السياسة والاقتصاد والمجتمع، وصبغته حوادث الأيام بما فيها من تحولات وصراعات. غير أن فكر الأموات ما زال يحكم الأحياء، وكلماتهم القديمة تسيّر أحوالهم، وكأنّ الحياة توقفت بعدهم. هنا يكمن سر الجمود؛ فالناس يتجنبون مواجهة الواقع بالعودة إلى المقابر الفكرية، ويظنون أن خلاصهم في بعث من مات، بينما الخلاص في أن يولدوا من جديد.

إنّ اللغة الدينيّة، التي يُفترض أن تكون وسيلة للتفاهم، تحولت إلى سلاح للتنافر. يقول الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، مؤسّس منهج التفكيكية وأحد أبرز مفكري القرن العشرين: "اللغة ليست أداة نستعملها؛ بل مادة نحن مكوَّنون منها". ويضيف عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي بيير بورديو، أحد أبرز منظّري البُنى الرمزية في الفكر الحديث، أنَّ "الكلمات تصنع الأشياء إلى حدٍّ كبير، وأنَّ تغيير الكلمات وتغيير التمثيلات هو بالفعل طريقة لتغيير الأشياء، والسياسة جوهريًّا هي مسألة كلمات". لهذا فحين تتسمم الكلمات تمرضُ الأرواح.

لقد أصبحت الألفاظ التي كانت تُستعمل للدعاء تُستعمل اليوم للعن، والتعابير التي وُضعت لتوصيل الفكر أصبحت تُستخدم لترويج التعصُّب. اللغة ليست بريئة، لأنها تحمل ذاكرة الأمم بكل ما فيها من صراعات وموروثات. ومن هنا وجب تهذيب اللسان كما تُهذَّب النفس؛ لأن الكلمة قد تزرع زهرة أو تشعل حربًا. قال سقراط لتلميذه: "تكلّم حتى أراك"، ومن يتحدث اليوم في فضائنا العربي يُرى في الغالب متجهمًا وغاضبًا ومسكونًا بروح النفي والإقصاء.

أما التفسير الديني، فطالما وقع أسير الصيغ الجاهزة التي وُلدت في عصور القوة، ثم تحجَّرت في عصور الضعف. كرَّس المتأخرون من الفقهاء تفسيرات السّلف، فحوّلوها إلى حدودٍ لا يجوز تجاوزها، حتى خبا وهج الاجتهاد الذي كان في بداياته مصدرَ حياةٍ للفكر وتجديدٍ للمعرفة. ومع مرور القرون تحولت كتب الأصول إلى سلاسل تقيّدُ العقول، حتى صار التفكير خارجها مغامرة تُعد خروجًا عن الجماعة. والقرآن الذي وصفه الإمام علي- كرّم الله وجهه- بأنه "ينطق بما في القلوب" لم يعد يُقرأ بعيون القلب؛ بل يُتلى كما تتلى الوثائق الرسمية. كل نص مقدس يتسع لألف معنى، كما أن السماء تتسع لألف نجم، غير أن القراءة الجامدة تطفئ هذا الضوء، وتحوّل الإيمان إلى جدار يفصل بين الإنسان ونور ربه.

وحين يضيق الأفق وتُختزل الروح، ينشأ التديّن الذي يمجّد الموت ويزدري الحياة. يُقال للناس إن طريق الجنة يمر عبر كراهية الدنيا، فيتحول الدين إلى نشيد جنائزي يعلّم الناس كيف يموتون ولا يعلّمهم كيف يعيشون. إن الحياة، في جوهرها، أمانة إلهية تستحق أن تُصان وتُنمَّى. يقول الشاعر والفيلسوف الهندي رابندرانات طاغور: "إذا أغلقتم كل أبواب الخطأ، فلن يدخل إليكم الحق". إنّ الإيمان الواعي يفتح نوافذ الفكر، ويجعل من التأمل طريقًا لمعرفة الله، ومن العقل نورًا يهدي الإنسان إلى أسرار الكون.

إنَّ الكراهية لا تولد من فراغ؛ إنها ثمرة فهم ضيق للوجود وللنص، حين يتحول الدين إلى هوية سياسية، والإله إلى راية حزبية. عندئذٍ يغيب المعنى الروحي، وتُستبدل الرحمة بالشعارات، وينقلب الإيمان إلى سلاح في وجه المختلف. وقديمًا قال المسيح عليه السلام: "من لم يُحب أخاه الذي يراه، كيف يُحبّ الله الذي لا يراه؟". من هذه الزاوية يمكن القول إنّ الكراهية هي مرض في البصائر قبل أن تكون في الضمائر.

ولا سبيل إلى الشفاء إلّا بالموقف النقدي الذي يوقظ العقول من سباتها. الفكر الديني لا يتجدد إلا حين يعترف بإنسانيته، ويدرك أن فهم النصوص عمل بشري متغير، وأن الله أكبر من كل تأويل. لقد حان الوقت للاقتراب من التراث لا كعبء نُجرّه خلفنا؛ بل كمنجم ننتقي منه ما ينفع الحياة. فكما يفتش الكيميائي في المعادن ليصنع الذهب، ينبغي أن نفتش نحن في الموروث لنستخلص جوهره الإنساني. كتب المفكر المصري الإمام محمد عبده: "إن الدين في جوهره روح الحياة، لا وثائق الموت"، وهي كلمة صادقة في زمن اختلط فيه الإيمان بالتعصب.

يظهر الإسلام في معناه القرآني دعوةً مفتوحة للعقل والوجدان، ومسارًا يوسّع آفاق الحرية ويُضيء مسالك القلب. قال الله تعالى: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة: 256)، وهي آية تُرسّخ مبدأ الاختيار، وتدعو إلى نبذ العنف في كل صوره. ويصف القرآن الكريم وظيفة النبي بأنها التذكير والتبشير والرحمة، فهو صوت الهداية لا أداة القهر، كما جاء في قوله تعالى: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ" (الغاشية: 21-22). والحرية التي نادى بها الوحي هي حرية القلب من الخوف، وحرية العقل من التبعية، وحرية الإنسان من الكراهية.

وحين يُدرك الإنسان جوهر هذا المعنى، يغدو الدين طاقة حبٍّ تبعث الحياة في القلوب، ويصبح التراث ذاكرة تفتح الطريق أمام النور والتجدد. والقدرة على نقد الماضي هي الخطوة الأولى نحو بناء المستقبل. فالكراهية نتاج فكرٍ معطَّل يمكن تجاوزه بالعقل الواعي وبالعودة إلى الجوهر الإنساني للإيمان. قال العقاد: "العقل كالسيف، يصدأ بالركود ويضيء بالاحتكاك"، والعقل العربي اليوم أحوج ما يكون إلى ذلك الاحتكاك ليُشفى من صدأ القرون، ويستعيد صفاءه في مواجهة عتمة الكراهية.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • من هدي القرآن الكريم: ثق بمن هو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير
  • ماذا قال القرآن الكريم عن الخيانة؟
  • علي جمعة: القرآن يربّي النفس على الصدق مع الله تعالى ومع الذات
  • ماذا يتعلم المسلم من قصة البقرة فى القرآن؟..علي جمعة يوضح
  • في ذمة الله.. ابن الزميل عز الدين الطيب
  • آيات قرآنية تمنع السحر من المنزل
  • هل يحاسَب الإنسان على عدم حفظ القرآن الكريم؟.. الإفتاء تجيب
  • صناعة الكراهية باسم الدين
  • دعاء رقية المريض