المحميات الطبيعية في عُمان.. موارد مستدامة وفرص استثمارية واعدة

كتب – يوسف الحبسي

تصوير: عبدالواحد الحمداني

يشهد قطاع الاستثمار البيئي في سلطنة عُمان مرحلة جديدة من التطور، بعد توقيع تسعة عقود استثمارية في سبع محميات طبيعية بقيمة تجاوزت 44 مليون ريال عُماني، وهو ما يعكس التوجه نحو تنمية مستدامة توازن بين حماية البيئة وتحقيق العائد الاقتصادي. وللوقوف على ملامح هذه المرحلة، والإطار التنظيمي الذي يحكم الاستثمار داخل المحميات الطبيعية، إضافة إلى التعرف على الفرص الاستثمارية المفتوحة أمام القطاع الخاص، والمعايير البيئية والتنموية التي تضمن استدامة المشاريع وتكاملها مع الأهداف الوطنية، حاورت "عُمان" أمل بنت هاشل العزرية، أخصائية استثمار محميات طبيعية بهيئة البيئة، التي تحدثت حول التفاصيل الآتية:

س/ بعد توقيع عقود لـ9 مشاريع استثمارية في 7 محميات بقيمة تجاوزت 44 مليون ريال عُماني، ما هي المحميات التي تحظى حاليًا بأكبر فرص استثمارية ؟

ج/ من بين المحميات التي تحظى حاليًا بفرص استثمارية واعدة محمية "خور طاقة"، التي تقع غرب مدينة صلالة على بعد 30 كيلومترًا، وتبلغ مساحتها (1.

07 كم²)، وتغذيها ينابيع مياه عذبة بمقدار 140 لترًا في الدقيقة مما يجعل اتصال الخور بالبحر مستديمًا، ويمتاز الخور بلسانين بحريين متوازيين بطول كيلومتر لكل منهما، وقد خُصصت المحمية للحفاظ على قيمتها الجمالية وتمكين المجتمع المحلي من استخدام الموارد بشكل مستدام.

وتُعد المحمية ذات طبيعة فيزيائية خاصة، إذ تحيط بها حواف رملية وطينية وصخرية، وتزخر بتنوع إحيائي يشمل نباتات من الفصيلة النجيلية وعشبة البرك والقصب، وسُجل فيها أكثر من (249) نوعًا من الطيور، إلى جانب نحو (20) نوعًا من الأسماك التي تعيش في مياهها العذبة.

أما محمية "خور عوقد"، فتقع داخل حدود مدينة صلالة وتشكل الحزام الأخضر للمدينة بمساحة تبلغ 16 هكتارًا).

وقد واجهت تهديدات بيئية ناتجة عن تصريف المخلفات الزراعية والنفايات، ما استدعى إعلانها محميةً للحفاظ على مواردها الطبيعية والطيور المهاجرة التي ترتادها.

وتعد المحمية من البيئات الساحلية ذات الحواف الرملية والطينية والصخرية، وتضم غطاء نباتيًّا محدودًا من الحشائش المنتشرة في أطراف الخور، فيما يبلغ متوسط أعداد الطيور المسجلة فيها (57) طيرًا، ويصل العدد في بعض المواسم إلى (129) طيرًا.

وفي محمية "القرم الكبير"، التي تقع عند مصب وادي مشتل بمساحة (140 م²)، تسود التربة الرملية والطميية وتغلب عليها أشجار القرم التي تحيط بالمياه وتشكل بيئة مناسبة لأنواع متعددة من الكائنات. كما تحتوي على تسعة أنواع من الأسماك وسرطان البحر، وسُجلت فيها طيور متنوعة مثل دجاجة الماء والزقزاق الرملي والزرزور الأسود.

أما محمية "خور صلالة"، فتقع على مساحة تبلغ (5,652,496) مترًا مربعًا في منطقة صلالة الغربية بمحافظة ظفار، وتُعد من الأراضي الرطبة المنخفضة التي تمثل محطة رئيسية لعشرات الأنواع من الطيور الزائرة خلال فصول السنة.

وتضم المحمية نحو (20) نوعًا من النباتات البرية أبرزها القرم والسمر والعطب (عشار) وهبليم وشرشير، كما سُجل فيها أكثر من (70) نوعًا من الطيور المهاجرة والمستوطنة مثل القطقاط والنحام والنورس والخرشنة والبلاشين.

وتُشاهد فيها أيضًا بعض الطيور الجارحة النادرة مثل العقاب النساري ومرزة البطائح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما الأنماط الاستثمارية التي تشجعها هيئة البيئة ضمن المحميات؟

ج: تعمل هيئة البيئة في سلطنة عُمان على تعزيز الاستثمار المستدام في المحميات الطبيعية من خلال تشجيع الأنشطة التي تحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة. وتشمل الأنماط الاستثمارية التي تشجعها الهيئة تطوير المنتجعات والنُزل البيئية الصديقة للبيئة، والمخيمات السياحية البيئية التي تقدم تجارب مبيت في الطبيعة، وحدائق النجوم مثل مشروع حديقة النجوم في محمية الجبل الغربي الذي يهدف إلى تعزيز السياحة الفلكية.

كما تشمل الأنشطة الاستثمارية إنشاء مراكز الزوار والمعارض التفاعلية لتعريف الزوار بالتنوع البيئي والثقافي للمحمية، ومسارات المشاهدة ورحلات السفاري لتوفير تجارب استكشافية للطبيعة البرية، بالإضافة إلى بحيرات وحواضن السلاحف البحرية، والمطاعم والمقاهي التي تقدم المأكولات المحلية في بيئات طبيعية. وتأتي هذه المشاريع ضمن رؤية الهيئة لتحقيق التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل، وضمان استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما المعايير والضوابط التي تعتمدها هيئة البيئة عند اختيار الشركات لتنفيذ مشاريع لمحميات الطبيعية؟ وكيف يتم ضمان التزامها بالسياحة المستدامة؟

ج: عندما تقدم الشركات عروضها الاستثمارية، يتم تحليلها فنيًا من قبل فريق متخصص في قسم تنمية واستثمار المحميات الطبيعية وفق استمارة تقييم مخصصة لعطاءات الاستثمار، وتُركز هذه القائمة على معايير بيئية وتنموية دقيقة تهدف إلى الحفاظ على النظام البيئي للمحمية، وتشمل خبرة الشركة وقدرتها على إدارة مشاريع السياحة البيئية، ومدى التزامها بمعايير البناء الأخضر وكفاءة التشغيل والإدارة.

وبعد تقييم العروض تُعرض النتائج على لجنة مختصة لدراسة المشاريع الاستثمارية واعتماد العرض الأفضل. ولضمان التزام الشركات بالسياحة المستدامة، تتابع الهيئة مراحل المشروع كافة، بدءًا من التصميم والإنشاء وحتى التشغيل، مع إلزام الشركات بتقديم تقارير دورية ووجود بنود في العقود تُجبرها على الحفاظ على المحمية والالتزام بالاشتراطات البيئية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما الفرص الاستثمارية المخصصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة في هذا الإطار؟

ج: تولي هيئة البيئة اهتمامًا كبيرًا بإشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة والمجتمع المحلي في مشاريع الاستثمار داخل المحميات الطبيعية، وتمنح هذه الفئات أولوية ضمن معايير التقييم والترسية، وتشترط الهيئة على المستثمرين إشراك أبناء المجتمع المحلي في أنشطة المشروع سواء في التشغيل أو الخدمات المساندة أو توريد المنتجات المحلية.

ويهدف هذا التوجه إلى ضمان استفادة المجتمع المحلي من المشاريع بشكل مباشر ومستدام، وتعزيز مشاركته في حماية الموارد الطبيعية، وترسيخ مفهوم الشراكة المجتمعية في تحقيق التنمية البيئية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما التسهيلات أو المحفزات المقدمة للمستثمرين الذين يتبنون مشاريع سياحية بيئية غير تقليدية أو مبتكرة ؟

ج: تقدم الهيئة عددًا من التسهيلات للمستثمرين، خاصةً في المشاريع المبتكرة وغير التقليدية التي تسهم في إبراز القيمة البيئية والتراثية للمحميات. وتشمل هذه التسهيلات تبسيط إجراءات الحصول على الفرص الاستثمارية، وتسريع عملية الموافقات، وتخفيف الرسوم المالية المرتبطة بالمواقع خلال المراحل الأولى من التنفيذ. ويأتي ذلك ضمن حرص الهيئة على تحفيز الاستثمار في السياحة البيئية المستدامة وتشجيع الأفكار الجديدة التي تجمع بين الأصالة والابتكار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما الإطار الزمني المتوقع لظهور نتائج المشاريع الاستثمارية الأخيرة؟ وهل هناك دليل إرشادي واضح للمستثمرين المهتمين بالفرص المستقبلية في المحميات؟

ج: وفق الجدول الزمني للمشاريع الاستثمارية التي تم توقيعها مؤخرًا، من المتوقع أن تستغرق مرحلة الإنشاء من سنة إلى ثلاث سنوات حسب حجم المشروع وطبيعته. وتعمل هيئة البيئة على إعداد أدلة إرشادية خاصة بكل فرصة استثمارية تُطرح داخل المحميات الطبيعية، بحيث تحتوي على وصف شامل للمحمية والاشتراطات الخاصة بالاستثمار فيها حسب موقعها وطبيعتها، إضافة إلى توضيح معايير التقييم التي ستُستخدم في المفاضلة بين العروض المقدمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما الآلية المتبعة حاليًا للحصول على تصاريح الدخول إلى المحميات ؟ وهل هناك خطة لتبسيط هذه الإجراءات لتعزيز سهولة وصول السياح؟

ج: يتم الحصول على تصاريح دخول محمية جزر الديمانيات عبر الموقع الإلكتروني للهيئة، بينما تصدر تصاريح بقية المحميات من خلال دائرة المحميات الطبيعية. وتعمل الهيئة على تفعيل نظام إلكتروني شامل لتصاريح الدخول في جميع المحميات الطبيعية لتسهيل وصول الزوار والسياح، وضمان تنظيم الحركة داخل هذه المواقع بما يتماشى مع معايير الحماية البيئية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: ما الإجراءات التي تتخذها الهيئة لمراقبة وتقييم الأثر البيئي للأنشطة السياحية في المحميات ؟

ج: تلتزم هيئة البيئة بضمان عدم تجاوز الأنشطة السياحية للقدرة الاستيعابية للمحميات من خلال اشتراط تقديم دراسة تقييم الأثر البيئي (EIA) من قبل الشركات قبل تنفيذ أي مشروع، وذلك لتحديد التأثيرات المحتملة ووضع إجراءات التخفيف المناسبة.

وتقوم الهيئة بمتابعة المشاريع الاستثمارية ميدانيًا من خلال زيارات دورية وتقارير تقييم شهرية، كما تُلزم المستثمرين بتقديم تقارير منتظمة توضح مدى الالتزام بالاشتراطات البيئية المتفق عليها، وذلك لضمان حماية البيئة واستدامة الأنشطة السياحية داخل المحميات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

س: كيف يتم التنسيق مع وزارة التراث والسياحة والجهات الأخرى لربط المحميات الطبيعية ببقية المواقع السياحية والتاريخية والثقافية ؟

ج: يتم التنسيق عبر لجنة شكلتها هيئة البيئة تضم ممثلين من وزارة التراث والسياحة، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة المالية، ووزارة الاقتصاد، وتتولى اللجنة دراسة المشاريع الاستثمارية البيئية ووضع معايير المفاضلة بين العروض المقدمة، ومناقشتها مع المتنافسين قبل التعاقد، إلى جانب الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال.

كما تُعنى اللجنة بإبداء الرأي والمقترحات حول الاستثمار داخل المحميات وخارجها، بما يسهم في ربطها بالمواقع السياحية والثقافية والتاريخية في المحافظات، وخلق تجربة سياحية متكاملة تعزز من مكانة سلطنة عُمان كوجهة للسياحة البيئية المستدامة.

وفي ختام هذا الحوار، يتضح أن الاستثمار في المحميات الطبيعية لم يعد مجرد مشروع اقتصادي أو سياحي فحسب، بل هو ركيزة إستراتيجية تسهم في حماية الإرث البيئي وتعزيز التنوع الإحيائي، إلى جانب دوره في تنشيط المجتمعات المحلية وفتح مجالات عمل جديدة أمام الشباب. وتؤكد هيئة البيئة من خلال هذه المشاريع أن صون الطبيعة يمكن أن يتكامل مع التنمية، وأن الاستثمار القائم على الوعي والمسؤولية هو الطريق الأمثل لضمان استدامة موارد عُمان الطبيعية للأجيال القادمة، بما يعزز مكانة سلطنة عمان بصفتها وجهة رائدة في السياحة البيئية على مستوى المنطقة والعالم.

المصدر: لجريدة عمان