لجريدة عمان:
2025-11-07@19:08:43 GMT

إقصاء..

تاريخ النشر: 7th, November 2025 GMT

هل يتصادم الإقصاء مع التنظيم أي كان نوعه: إداري، قانوني، اجتماعي، سياسي، اقتصادي، ثقافي؟ فإن كان كذلك فلما وجد له مساحة يستظل تحتها من وهج التضاد؟ وإن كان بخلاف ذلك، فلماذا ينظر إليه على أنه فعلا ممارسا مزعجا ومربكا، ولا يستسيغه أحد؟ وهل يحتاج من يخلق «محنة» الإقصاء مستوى معينا: وجاهي، إداري، اجتماعي، فئوي؟ أم أنها فقط مجرد «عنترية» يقدم عليها فرد ما في لحظة ما، وبعدها تتشربها الأنفس على أنها واقع له محل من الإعراب؟ بمعنى، أهو صناعة أم فطرة؟

يندر أن تمر فترة عمرية في تجربة الحياة دون أن يشعر أحدنا أنه تم إقصائه من شخص ما أو مجموعة ما، وهذا الشعور الملتبس بحقيقة الإقصاء أو بخلافه، هو الذي يؤزم المواقف، حتى مع أقرب الناس منه، ولذلك هو يعلي من صوت الاستغاثات، والشكوى،

فهل المقصي يشعر بضعف حتى يظهر صراخه نتيجة شعوره بأنه مقصي بلا جدال؟ أم أن الإقصاء في حد ذاته نوع من الفقد، وأن هناك فراغا يحتاج إلى من يسده، وأن الذي يشعر بأنه مقصي هو من يجب أن يسد هذا الفراغ أو ذاك، ولكن لأن شعوره الطاغي بإحساسه بظلم الآخر فيه هو الذي يوسع مساحة الفراغ، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، وأن المسألة تحتاج أيضا إلى النزول من الشجرة، فالمعاينة البعيدة كثيرا ما تعكس صورا مشوهة، تزيد من عتمة المواقف، وربما، تنحي جزءا من الحقيقة عن ماهيتها.

الأمر المهم هنا أيضا، عند استيعابنا لمفهوم الإقصاء، وثقله في التعامل مع الآخر، هل نتعمد تطبيقه على من دوننا؟ ولماذا؟ هل لأننا أكثر وعيا بالواقع، وأن من نمارس عليه الإقصاء لا يزال لم يع الكثير مما حوله؟ أم أن المسألة تتجذر أكثر، وتنتقل من ممارسة عفوية لاعتبارات الفهم والوعي إلى إشباع غريزة فطرية في ذواتنا، مفادها أن لا بد من إقصاء الآخر حتى لا يزاحمنا على أرزاقنا، مواقعنا، سطوتنا، سلطتنا، تشظية مرايانا، خربشة صورنا؟ وانعكاسا لهذه الصورة، أيعقل أن نرتبك إلى هذا الحد عن الاعتزاز بقوة شخصيتنا، وبهيبتنا لأنفسنا، خاصة عندما تترسخ القناعة لدينا أن من نمارس في حقهم الإقصاء هم من دوننا - وهو الغالب -؟ وتذهب الفكرة هنا، أكثر، على أن الإقصاء هو إيجاد مساحة مكانية/ معنوية «مع سبق الإصرار والترصد» تفصلنا عن هذا الذي يقلقنا وجوده بيننا، وبقدر ما نمارس هذه العملية المعقدة تجاه الآخر،

هناك أيضا من يقوم بذات الفعل تجاهنا شعرنا بذلك أو لم نشعر، وقد قيَّمَ البعض أن هذه الممارسة تصل حتى على الأموات عندما يقصي الأحياء الأموات، حيث يمسحونهم من ذاكرتهم بمجرد أن غادروا هذه الحياة، وقد يحدث حتى عند إعلان لحظة الوفاة، ويحدث ذلك بصورة تلقائية دون تكلف، ففلان قد توفي، إذن على الذاكرة أن تمسح أثره، أليس هذا مؤلما؟ ولعل قول القائل ما يدل على هذه الحقيقة، حيث يقول: «يقصي الخليل أخاه عند ميتته، وكل من مات أقصاه الإخلاء» فهل من معتبر! فبعد إعلان حالة الوفاة، تتماهى الألقاب والمناصب، والوجاهات عند وصف الذي كان يحملها حيث تحل محلها كلمة «المرحوم»، «جثمان»، مجرد جسد مسجى «على آلة حدباء محمول» فيتجلى الإقصاء في أنصع صوره، إنها مفارقات الحياة والموت.

تكثر عمليات الإقصاء بصورة أكبر في البيئات الوظيفية، ولا تنعدم في البيئات الاجتماعية كبيئات الأسرة، وبيئات المجتمع الأوسع، وهذا كله من أثر اشتعال مجالات التنافس بين الناس، فكل فرد يحرص أن يوجد له موضع قدم في المساحة المتاحة له، ومع ذلك لا تكفيه المساحات، فيسعى إلى توسعتها على حساب الآخر، ولأن الآخر له نفس الطموحات، هنا تبدأ حالات الإقصاء، كل بقدر ما عنده من أدوات، ووسائل: مادية أو معنوية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السوداني: نتوجه لإيقاف حرق الغاز الذي يكلف العراق 4 مليارات دولار سنويا

السوداني: نتوجه لإيقاف حرق الغاز الذي يكلف العراق 4 مليارات دولار سنويا

مقالات مشابهة

  • د.أمل منصور تكتب: حلاوة البدايات ومرارة الاستمرار... لماذا يفقد الحب مذاقه؟
  • الملل الزوجي.. حين يصمت الود ولا يرحل
  • ما الذي يتمناه المتقاعدون ؟
  • قوات الأمن المركزي في الضالع تحقق إنجازات متميزة خلال شهر ربيع الآخر
  • ليست بديلًا آمناً.. دراسة تكشف الوجه الآخر للسجائر الإلكترونية
  • وحدة مكافحة التهريب في الجوف تحقق إنجازات أمنية بارزة خلال شهر ربيع الآخر
  • إسكندر حبش.. الطائر الذي حلّق بعيدا
  • السوداني: نتوجه لإيقاف حرق الغاز الذي يكلف العراق 4 مليارات دولار سنويا
  • ما الذي يمكن معرفته عن مؤتمر المناخ كوب 30″؟