أطياف
صباح محمد الحسن
طيف أول
أيها الوطن السكن أنت موئل الأرواح المسالمة، تملك مدىً حتى الأعماق السابعة..
في مطلع نوفمبر الجاري، وتعقيبًا على تصريح مندوب دولة الإمارات، في جلسة مجلس الأمن، وفي قراءة لما بين السطور من قوله.
“إن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد أقصتا نفسيهما من تشكيل مستقبل السودان”، داعيًا المجتمع الدولي إلى تقبّل هذه الحقيقة.
ذكرنا أن كلمة أبوظبي تعني رفع يدها السياسية والدبلوماسية عن الدعم السريع، بإشارة تُفهم جيدًا. هذا التحول كفيل بأن يُعيد توجيه بوصلة الهجوم الكيزاني نحو تحالف “صمود” وقياداتها ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إذ أدركت فلول النظام البائد أن الدعم السريع لم يعد حصانا رابحا، وباتوا يرون في المدنية خطرًا حقيقيًا، وفي الديمقراطية تهديدًا وجوديًا.
وبالأمس، فعليًا، بدأت المنابر الكيزانية التي لا تنطق إلا بما يُملى عليها، حملة منظمة ضد القوى المدنية. منصات مدفوعة الأجر، حيث صار الهجوم على المدنيين وظيفة ومصدر رزق وموسم حصاد لمن اعتادوا بيع الكلام والذمم.
تزامنت معه أمس، وفي مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء، نشرة من النيابة العامة لحكومة بورتسودان لقائمة المطلوبين السياسيين والصحفيين، وطالبتهم النيابة بتسليم أنفسهم في موعد محدد، وفي حال عدم حضورهم ستحاكمهم غيابيًا. وبهذا تُجسّد النيابة العامة الكيد السياسي الواضح حيث يجد المستمع لقائمة أسماء المطلوبين السياسيين عبر التلفزيون القومي أن اسم الدكتور عبد الله حمدوك يُتلى مباشرة بعد اسم “أبو لولو” القاتل، وكأن النيابة تُمارس التلميح المسموم بتقنية ترتيب الأسماء. أي هوان هذا الذي بلغه الكيزان!! وما هذا العجز في النزال السياسي الذي جعلهم يبحثون في الدفاتر القديمة يستخدمون هذه الأساليب الفقيرة
التي تكشف أنهم يعانون فوبيا الحكم المدني، وإفلاس تام عن إنتاج فكرة جديدة، حتى تعود إلى مؤامراتها المكشوفة، وتُعيد تدويرها بنفس الأدوات، والسيناريو، وبذات الإخراج الرديء. إنهم لا يخشون الدعم السريع، بل يخشون أن يُصبح السودان دولة مدنية، تحكمها المؤسسات لا المليشيات، وتُدار بالعقل لا بالهتاف. وهذا هو الرعب الحقيقي الذي يُسكنهم، ويُحرّكهم، ويُفضحهم.
الأيام القادمة
لن تقف عند حدود التشهير بسمعة المدنيين، بل ستكشف عن سوء النهايات، على شاكلة غِلّ المغلوب الذي ينهض مهزوما ً، لكنه لا يغادر قبل أن يقلب الطاولة. لن يقف الأمر عند التشهير، بل سيتجاوزه إلى ما هو أخطر. فربما تُفتح الحراسات السيئة من جديد لتزج بالنساء، ويُرغم الشباب على الاستنفار بالقوة، وتعود حوادث النهب والسلب والسرقات، وقد تعود “9 طويلة” من جديد.
فما وصلت إليه الفلول هو أن أيامها انتهت برفض وعزل وعداوة دولية، وما زال المجتمع الدولي يمسك لسانه عن رد الفعل لمحاولات عرقلة الاتفاق الذي يجري كما خطط له وهم يعلمون ذلك؛ ولهذا يستخدمون هذه الحيل الفاشلة.
والسؤال: منذ بداية الحرب وما قبلها من خيبات سياسية، ماذا حصدت فلول النظام البائد؟ فحربها خاسرة، وعودتها مستحيلة، ونهايتها الأبدية مسألة وقت.
والقوى المدنية تراقب هذا التخبط السياسي والحالة المتأخرة التي يعاني منها جسد التنظيم، ودليل الوعي بين الناس يتجلى في أن غالبية الشعب السوداني الآن ينشد وقف الحرب ويطالب بالسلام.
ونجحت دعوات السلام ومنابرها بعد أن أفشلت حملات الاستنفار، فالقيادات العسكرية، بعظمة لسانها، قالت إن دعوات الاستنفار فشلت ولم تحقق أهدافها، وطالبت القيادة العسكرية دعاة الحرب أن يتركوا منصات السوشيال ميديا، ويأتوا إلى الميدان. ففشل دعوات الحرب يعود فضله لهذا الشعب المدرك، الذي كشف أكاذيب الحرب وزيفها. لذلك، آن أوان أن يقود الشعب بلاده نحو السلام، ويدعم بقوة وقف هذه الحرب اللعينة.
طيف أخير
وقعت بعض القنوات الفضائية أمس في خطأ فادح، عندما ناقشت مع ضيوفها هجوم المسيرات على عطبرة باعتباره خرقًا من الدعم السريع للهدنة التي وافق عليها، وذهب المحللون في هذا الاتجاه الخاطئ.
ومعلوم أنه لا توجد هدنة حتى يُقال إنها خُرقت، فموافقة الدعم السريع على الهدنة تعني أنه يوافق عليها كطرف، وينتظر موافقة الجيش. ولا تسري الهدنة إلا بتوقيع الطرفين، ومن بعدها، إن مارس أيٌّ منهما الهجوم، يكون هو المخترق.
الوسومصباح محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صباح محمد الحسن الدعم السریع
إقرأ أيضاً: