البعض يظن أن السودان حكومةً وشعبًا في ورطة لأن الميليشيا المتمردة أعلنت عن هدنة لمدة ثلاثة أشهر استجابةً لإعلان الرباعية الدولية، وعلى القوات المسلحة أن تفعل الشيء نفسه حتى لا تبدو القيادة العسكرية والسياسية رافضةً للسلام ومؤيدةً لاستمرار الحرب ولا تأبه للمدنيين الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى المساعدات الإنسانية والغذائية وهم في الأساس مناطقُ سيطرةٍ ميليشيا آل دقلو الإرهابية.

إذا نظرنا للتاريخ القريب نجد أن القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أعلن عن هدنة لمدة عشرة أيام استجابةً لطلب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش لإدخال المساعدات إلى المدنيين المحاصرين بواسطة ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وكان رد فعل الميليشيا الإرهابية هو رفض الهدنة وقالت بالحرف الواحد: إن الفاشر ليس بها مدنيون وأن المواد الغذائية سوف تذهب إلى جيش الفلول المحاصر داخل مدينة الفاشر. فهل صارت الفاشر بعد إسقاطها بواسطة ميليشيا الدعم السريع تعجُّ بالسكان من المدنيين وهم ما بين قتيل ونازحٍ مهجر؟ وقد وصلت ست شاحنات صباح السبت من الرهائن من الفاشر إلى نيالا لتقوم الميليشيا بإجبار ذويهم على دفع أموالٍ مقابل إطلاق سراحهم أو قتلهم جميعًا، وكأنهم سلعةٌ تُعرض أحيانًا وتُباد أحيانًا أخرى عندما لا تفي بغرض الميليشيا المجرمة.

الحكومة السودانية لم تهمل النواحي الإنسانية وتوصيل العون للمواطنين. أعلن السودان مرارًا عن فتح كافة الطرق والمعابر، ولم يتم وضع أية قيود على توصيل المواد الغذائية للمحتاجين والذين حسب إحصاءات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بأنهم أكثر من أربعة وعشرين مليون مواطن داخل السودان وخارجه، وهؤلاء المواطنون يتواجدون في العاصمة الخرطوم والولاية الشمالية التي وصلت لها أعدادٌ من النازحين من مدينة الفاشر. وهناك أعدادٌ مهولة من النازحين في مدينة الأبيض شمال كردفان أتوا من النهود وبارا، ونازحون في شمال دارفور وصلوا مناطق طويلة والكومة. ما عدا جنوب كردفان، الطرق سالكةٌ لكل هذه المناطق برًا وجوًا وبحرًا، وهناك لاجئون في دول الجوار مصر وليبيا وتشاد وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى. لا عائق حكومي يمنع توصيل المساعدات الإنسانية إليهم، ولكن في واقع الأمر فإن المساعدات التي تصل الناس في كل هذه المواقع (شحيحة) ولا تغطي حتى النذر اليسير من حاجة النازحين واللاجئين السودانيين. وعليه فإن الهدنة المعلنة من قبل ميليشيا آل دقلو الإرهابية ليست هدنة إنسانية لأن الإنسان هو آخر اهتمامات الميليشيا التي قتلت أكثر من ٤٥٠ مريضًا داخل المستشفى السعودي بالفاشر وقتلت النساء والأطفال والشيوخ وقامت بحرق جثث الضحايا حتى تخفي آثار الجريمة الإنسانية، ولا يعرف الناس المفقودين من ذويهم هل هم في عداد القتلى أو المحروقين! فهي إذن هدنة تخص الميليشيا ولا علاقة لها بالسلام، وعلى الرباعية أن لا تغترَّ بهذا الإعلان من الميليشيا المجرمة التي لا تسرف إلا في القتل والتنكيل بالآبرياء ولها في ذلك رموز مثل أبو لولو المجوسي وآلياتٍ وراياتٍ مرفوعة لقتل الأبرياء بكل جبنٍ وخسة.
الميليشيا المتمردة بإعلانها الهدنة تريد أن تقفز فوق خريطة الطريق والرؤية السودانية لوقف الحرب وتفرض على كل الأطراف بما في ذلك القوات المسلحة الاعتراف بحكومةٍ تأسيس التي أعلنت أن قواتها من المرتزقة (الكولومبيين وجنوب السودانيين والليبيين والتشاديين ومقاتلي أحزاب قحت ولجان المقاومة) هي التي أسقطت مدينة الفاشر. على الرباعية وأعوانها أن لا يتجاهلوا خريطة الطريق السودانية التي قدمها رئيس المجلس السيادي للأمين العام للأمم المتحدة قبل أكثر من عام، وأن لا تهلل مع عناصر قحت وصمود وتأسيس لإعلان الهدنة من قبل ميليشيا إرهابية لا تعرف غير القتل والتدمير والإبادة الجماعية والغدر.

خلاصة الأمر فإن إعلان الهدنة من قبل ميليشيا آل دقلو الإرهابية لا يعني الشعب السوداني وجيشه من قريب أو بعيد، وسوف تستمر عمليات التعبئة العامة والاستغفار للمواطنين للدفاع عن الأرض والعرض لتحرير كل المناطق التي دُنِّستْ بالتمرد، وليس من حق الميليشيا أن تعلن هدنة أو أن يحفل بأمرها من قبل المجتمع الدولي لكونها ميليشيا تمردت على الجيش والشعب وتم حلها من قبل القائد العام للقوات المسلحة، والمطلوب من الدول والحكومات مساعدة السودان في القضاء عليها وليس مساواتها مع الجيش الوطني المناط به تأمين البلاد والشعب من كل أنواع المخاطر الأمنية والإرهاب التي تُمارَس ضده من الميليشيا وداعميها من الدول الأعضاء في الرباعية نفسها مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.

د. حسن محمد صالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مدینة الفاشر من قبل

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يعترض هجوما لقوات الدعم السريع

بورت سودان (السودان)"أ ف ب":اعترض الجيش السوداني اليوم هجوما بطائرة مسيّرة شنّته قوات الدعم السريع على مدينة الأُبيّض الإستراتيجية في جنوب البلاد، بحسب ما قال مصدر عسكري ، بعد يومين من إعلان تلك القوات موافقتها على مقترح هدنة تدعمه الولايات المتحدة.

وتخوض قوات الدعم السريع حربا ضد الجيش منذ أبريل 2023، ويبدو أنها تستعد لهجوم جديد للسيطرة على المدينة الخاضعة لسيطرة الجيش، بعد أقل من أسبوعين على استيلائها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور بغرب البلاد.

وقال المصدر العسكري الذي طلب عدم كشف اسمه لأنه غير مخوّل التحدث إلى الإعلام "أسقطت منظومة الدفاع الجوي اليوم في الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان مسيرة أطلقتها ميليشيا الدعم على المدينة".

وتُعدّ الأُبيّض، عاصمة ولاية شمال كردفان، نقطة إمداد رئيسية تربط العاصمة الخرطوم بإقليم دارفور.

ومع سقوط الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع، تكون قد سيطرت على جميع عواصم الولايات الخمس في دارفور، ما يثير مخاوف من تقسيم السودان بين شرق وغرب.

ويسيطر الجيش على غالبية المناطق الواقعة في الشمال والشرق والوسط.

وترافقت سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر مع تقارير عن عمليات قتل جماعي وعنف جنسي ونهب، ما أثار إدانات دولية.

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت الخميس موافقتها على مقترح هدنة قدّمته الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، لكن الأمم المتحدة حذّرت اليوم من "استعدادات واضحة لتكثيف الأعمال العدائية، بكل ما يعنيه ذلك للسكان الذين يعانون منذ فترة طويلة".

وأدّت الحرب في السودان إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 12 مليونا، وتسببت بأزمة جوع حادّة.

مقالات مشابهة

  • “الرباعية” قدمت هدنة في السودان.. وتحذير أممي من تكثيف الأعمال العدائية
  • حاكم دارفور: لا هدنة مع قتلة الشعب السوداني وجرائم الفاشر لن تُنسى
  • الجيش السوداني يتصدى لهجمات ميليشيا الدعم السريع في كردفان
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (قال الزمان)
  • عضو حزب الاتحاد الديمقراطي السوداني: أكثر من 100 ألف شخص قتيل ومفقود خلال الحرب
  • عضو حزب الاتحاد الديمقراطي السوداني: أكثر من 100 ألف قتيل ومفقود خلال الحرب
  • الجيش السوداني يعترض هجوما لقوات الدعم السريع
  • مبعوث الأمم المتحدة: الهدنة في السودان فرصة لوقف القتال
  • حاكم دارفور: أي هدنة دون انسحاب "الدعم السريع" تعني تقسيم السودان