واشنطن – صوّت مجلس الشيوخ الأميركي ليل الأحد 9 نوفمبر/تشرين الثاني على خطوة إجرائية تسمح بالمضي نحو اتفاق تمويلي مؤقت ينهي الشلل الحكومي، في تحرّك يُعدّ أول انفراجة منذ بداية الأزمة.

ويأتي هذا التطور بعد 41 يوماً من الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، نتيجة مواجهة حادة في الكونغرس بين الجمهوريين الساعين إلى خفض كبير في الإنفاق وربط التمويل بتعديلات على التزامات "أوباما كير"، والديمقراطيين المتمسكين بتمويل كامل دون شروط سياسية.

وقد تسبب الإغلاق الذي بدأ في الأول من أكتوبر/تشرين الأول في تعطيل عمل وكالات فدرالية واسعة النطاق وإيقاف رواتب مئات الآلاف من الموظفين، ما كبّد الاقتصاد الأميركي خسائر بمليارات الدولارات.

صدمة الناتج المحلي

تُظهر قراءات الربع الأخير من العام أن حجم الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 55 مليار دولار، مع تباطؤ النمو بنحو 0.2% خلال هذا الربع.

ورغم أن جزءاً كبيراً من الخسائر سيُعوّض بعد استئناف عمل الحكومة، تشير التقديرات إلى خسارة دائمة في الناتج القومي تقارب 11 مليار دولار، إضافة إلى نحو 3 مليارات دولار كلفة مباشرة لعمليات الإغلاق وإعادة التشغيل.

وقد انعكس الشلل الحكومي مباشرة على الأسر، مع تعليق رواتب نحو 800 ألف موظف فدرالي، مما سحب نحو 1.7 مليار دولار أسبوعياً من الدخل، وأدى إلى تراجع حاد في الثقة والإنفاق الاستهلاكي.

قطاع الطيران كان من أبرز المتضررين مع آلاف الرحلات الملغاة (الفرنسية)تضرر السفر والسياحة

فرضت هيئة الطيران الفدرالية خفضاً تدريجياً في وتيرة الرحلات بدأ عند 4% وارتفع إلى 10% لضمان السلامة في ظل نقص المراقبين العاملين بلا أجر.

سجّل يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني إلغاء نحو 2950 رحلة وتأخير 10800 رحلة خلال 24 ساعة، في أسوأ يوم منذ بداية الأزمة، وقبيل ذروة موسم العطلات في البلاد. قدرت خسائر قطاع السفر والسياحة بنحو مليار دولار أسبوعياً في إنفاق السفر، فيما تكبدت المنتزهات الوطنية والمجتمعات المحيطة بها خسائر يومية تقدر بنحو 80 مليون دولار نتيجة تراجع الزوار بنحو 425 ألف زائر يومياً وإغلاق المتاحف الفدرالية. في قطاع الضيافة، قُدّرت خسائر الفنادق بنحو 650 مليون دولار خلال الأسابيع الأولى، وبنحو 31 مليون دولار يومياً من حجوزات مفقودة. شلل الزراعة والتغذية

أدى إغلاق نحو نصف مكاتب وزارة الزراعة وتسريح ثلثي موظفي وكالة خدمات المزارع إلى تجميد القروض والدعم وتعطيل برامج التعويض، إضافة إلى توقف نشر بيانات السوق الزراعية التي يعتمد عليها المزارعون.

إعلان

وعلى الصعيد الاجتماعي، تصاعدت المخاوف بشأن الأمن الغذائي لأكثر من 40 مليون أميركي يعتمدون على برامج التغذية الفدرالية. ورغم صدور أمر قضائي باستمرار صرف الإعانات، فإن تسريح 98% من موظفي إدارة برامج التغذية تسبب في قلق واسع بين الأسر محدودة الدخل، وأثقل كاهل بنوك الطعام والجمعيات الخيرية.

المزارعون الأميركيون فقدوا الدعم والبيانات الرسمية في موسم حرج (غيتي)عرقلة الابتكار والاقتصاد الرقمي

امتدت تداعيات الإغلاق إلى قطاع التكنولوجيا والأبحاث، حيث توقفت عمليات المراجعة والموافقات التنظيمية، ما أدى إلى تأجيل قضايا مكافحة الاحتكار الكبرى (مثل القضية المرفوعة ضد أمازون) وتعطيل مراجعة طلبات الطرح العام الأولي لشركات التكنولوجيا، نتيجة تقليص عمل اللجان المختصة.

كما أوقفت المؤسسة الوطنية للعلوم إصدار مئات المنح البحثية الجديدة، وتوقفت المعاهد الوطنية للصحة عن قبول مرضى جدد في التجارب السريرية الحيوية، مما عطَّل مسيرة الأبحاث الطبية والتقنية وجمّد برنامج تمويل للشركات الناشئة.

وتأثر أيضاً تدفق العقود الفدرالية التي تضخ نحو 13 مليار دولار أسبوعياً، ما أثر على سيولة شركات التقنية الصغيرة، في حين ارتفعت المخاطر السيبرانية مع عمل فرق الأمن بالحد الأدنى وتعطل تحديث الخدمات الحكومية الإلكترونية.

تآكل الثقة في المؤسسات

لا تقتصر كلفة الإغلاق على الأرقام فحسب، إذ يرى خبراء أن آثاره تُضعف معنويات موظفي الخدمة المدنية وتؤثر سلباً على قدرة الدولة على الاحتفاظ بكفاءاتها.

وفي هذا السياق، يرى الباحث دونالد موينهين، خبير السياسات العامة بجامعة ميشيغان، أن الإغلاق ترك "ندبة إضافية داخل الجهاز البيروقراطي"، مؤكداً أن "هذا العام كان الأصعب على العاملين في الحكومة الفدرالية؛ فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تعاقب موظفيها عندما يفشل السياسيون في تمرير الموازنة".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن "استغلال الإغلاق لاستهداف وكالات توصف بأنها ديمقراطية أضعف ثقة الموظفين والمواطنين بمؤسسات الدولة"، محذراً من أن الأبحاث تشير إلى ارتفاع معدلات الاستقالات بعد كل إغلاق، مرجحاً أن تكون الموجة القادمة الأكبر والأسوأ، نظراً لأن الأزمة جاءت بعد عام اتسم بتقلبات حادة وفصل جماعي وخطاب سياسي نزع الشرعية عن مؤسسات الدولة نفسها".

كلفة سياسية

على المستوى السياسي، يرى محللون أن كلفة الإغلاق تمتد إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في واشنطن، ويعتبر ديفيد سوبر، أستاذ القانون الدستوري والموازنة الفدرالية بجامعة جورج تاون، أن التسوية المرتقبة تمثل "انتصاراً واسعاً للرئيس دونالد ترامب والجمهوريين"، بعدما كان الرأي العام يحمّلهم مسؤولية استمرار الشلل.

ويوضح سوبر في تصريحه للجزيرة نت أن "تراجع الديمقراطيين من دون انتزاع ضمانات تُلزم الإدارة باحترام سلطة الكونغرس في الاعتمادات سيشجع الرئيس على متابعة سياسات تحويل الموارد نحو البرامج التي يفضلها ووقف التمويل عن البرامج التي لا يرغب بها"، وهو ما يجعل من الصعب، وفق تقديره، خوض مواجهة مماثلة قريباً.

ويحذر سوبر من أن هذه النتيجة قد تحمل كلفة سياسية لاحقة، خصوصاً إذا ازداد الغضب الشعبي من ارتفاع أقساط التأمين الصحي أو إذا تعرض الاقتصاد لانتكاسة، لكنه يرى أن الواقع الحالي يمنح البيت الأبيض "مساحة نفوذ أكبر بكثير مما كان عليه الحال عند بدء الإغلاق"، في وقت يُتوقع فيه أن تستغرق الانقسامات داخل المعسكر الديمقراطي وقتاً أطول للالتئام.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات ملیار دولار

إقرأ أيضاً:

بسبب الإغلاق الأمريكي الأطول.. إلغاء أكثر من 1500 رحلة لشركات طيران كبرى في يوم واحد

في ظل الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، دخلت أزمة النقل الجوي الأمريكي مرحلة حرجة بعد أن أعلنت شركات الطيران الكبرى إلغاء أكثر من 1500 رحلة داخلية ودولية في يوم واحد، وسط استمرار النقص الحاد في موظفي مراقبة الحركة الجوية وتدهور الأوضاع التشغيلية في المطارات الرئيسية.

ووفقاً لتقرير وكالة رويترز الصادر في 10 نوفمبر 2025، فإن شركات مثل دلتا إيرلاينز وأمريكان إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز كانت من بين الأكثر تضرراً من هذه الإلغاءات التي جاءت نتيجة مباشرة للإغلاق الحكومي الذي دخل يومه الأربعين دون بوادر حل سياسي في الأفق.

مصرع ثمانية أشخاص في انفجار سيارة قرب الحصن الأحمر في نيودلهيالنمسا: الاتحاد الأوروبي استثمر 50 مليار يورو بأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي

بدأت الأزمة مطلع أكتوبر الماضي بعد فشل الكونغرس الأمريكي في تمرير قانون تمويل مؤقت يضمن استمرار عمل المؤسسات الفيدرالية، ما أدى إلى توقف مئات الآلاف من الموظفين عن العمل أو استمرارهم من دون أجر، وبينهم العاملون في إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية (FAA)، الجهة المسؤولة عن تنظيم ومراقبة الحركة الجوية في البلاد. هذا النقص في الكوادر أجبر الإدارة على اتخاذ قرار بخفض عدد الرحلات في عشرات المطارات الكبرى بنسبة وصلت إلى 10 %، حفاظاً على السلامة الجوية وتقليل الضغط التشغيلي على المراقبين العاملين.

وتشير بيانات الرحلات إلى أن يوم الأحد السابق شهد إلغاء أكثر من 2900 رحلة وتأخير ما يزيد على 10 آلاف رحلة، وهو أسوأ يوم منذ بدء الإغلاق. بينما تواصلت الإلغاءات يوم الاثنين، متجاوزة 1500 رحلة إضافية، ما تسبب في تكدس آلاف المسافرين في مطارات شيكاغو أوهير ورونالد ريغان واشنطن وأتلانتا هارتسفيلد، وفقاً لما نقلته رويترز.

وتتصاعد الآثار الاقتصادية للأزمة بدورها، فقد قدّرت شركات الطيران خسائرها بالملايين نتيجة تكاليف إعادة الحجز وتعويض الركاب، فضلاً عن تراجع الثقة العامة في انتظام الرحلات. 

أما على الصعيد الأمني، فقد حذر خبراء الطيران من أن استمرار العمل في ظل نقص المراقبين الجويين يشكّل ضغطاً نفسياً ومهنياً قد يؤثر على معايير السلامة، وهو ما أكدته إدارة الطيران الفيدرالية في بيانها الأخير.

وفي الجانب السياسي، يسعى مجلس الشيوخ إلى تمرير مشروع قانون مؤقت لتمويل الحكومة حتى نهاية يناير 2026، لكن المفاوضات ما زالت متعثرة وسط خلافات حادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وزير النقل الأميركي شون دافي حذر من أن استمرار الإغلاق حتى موسم عطلة عيد الشكر سيحوّل السفر الجوي إلى «فوضى شبه كاملة»، داعياً إلى تدخل عاجل لإعادة فتح مؤسسات الدولة الأساسية.

يؤكد مراقبون أن ما بدأ كأزمة تمويل حكومي تحول الآن إلى شلل فعلي في قطاع حيوي يمثل شرياناً رئيسياً للاقتصاد الأميركي. ومع تزايد الخسائر وتشابك الأبعاد التشغيلية والسياسية، يبقى مستقبل النقل الجوي في الولايات المتحدة رهناً بقدرة الساسة على التوصل إلى اتفاق ينهي الإغلاق ويعيد الثقة إلى سماء البلاد.

طباعة شارك الإغلاق الحكومي الولايات المتحدة شركات الطيران الكبرى مرحلة حرجة المطارات الرئيسية

مقالات مشابهة

  • الين الياباني يتراجع لأدنى مستوى منذ فبراير مع تفاؤل الأسواق بنهاية الإغلاق الحكومي الأمريكي
  • بسبب الإغلاق الأمريكي الأطول.. إلغاء أكثر من 1500 رحلة لشركات طيران كبرى في يوم واحد
  • العملات الرقمية تنتعش مع قرب انتهاء الإغلاق الحكومي بأمريكا.. وبيتكوين تتجاوز 106 آلاف دولار
  • يعتبر الأطول في تاريخ البلاد بوصوله لـ40 يومًا.. مجلس الشيوخ الأمريكي يتوصل إلى اتفاق لإنهاء الإغلاق الحكومي
  • الذهب يتخطى 4 آلاف دولار للأوقية مع ترقب إنهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي
  • 5000 دولار.. خبراء يتوقعون مواصلة الذهب مساره التصاعدي بفعل الإغلاق الحكومي الأمريكي
  • استطلاع: الأمريكيون منقسمون حول المسئول عن الإغلاق الحكومي الأطول في التاريخ الحديث
  • فشل مشروع جديد لإنهاء الإغلاق الحكومي في أميركا
  • «آي صاغة»: الذهب يستقر محليًا رغم ضغوط الإغلاق الحكومي الأمريكي وتذبذب الأسواق العالمية