أتت إقالة المدعية العامة العسكرية للكيان الصهيوني يفعات تومر يروشالمي من منصبها قبل عدة أيام؛ نتيجة سماحها بتسريب مقاطع مصورة من قاعدة سدي تيمان سيئة السمعة في صحراء النقب ـ دفاعًا عن مؤسستها ـ، تظهر اعتداء غير أخلاقي وتعذيبًا وحشيًا بحق أسير فلسطيني، لتؤكد للرأي العام العالمي حقيقة ممارسات وجرائم جيش الكيان الصهيوني المجرم، وأجهزته الأمنية تجاه الأسرى الفلسطينيين.

وهذا ما ذكرته المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وبعض المؤسسات الحقوقية الدولية والإسرائيلية النزيهة، وروايات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من تعرضهم لأبشع أشكال التعذيب.

فمنذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م تعرض الأسرى الفلسطينيون لكل ما يمكن أن يتخيله العقل البشري من طرق التعذيب، كالضرب العنيف المستمر، وصب الماء المغلي على الوجوه، وتكسير الأضلاع، وأنواع أخرى من التعذيب غير الأخلاقي -والتي لا يسمح المقام هنا بذكرها- إضافة إلى انتشار الأوبئة والجرائم الطبية، والتجويع وإهانة المعتقلين بشكل منهجي، والضرب حتى الموت ما أدى إلى استشهاد العشرات من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين. وهذا ما أكدته مظاهر المعتقلين المفرج عنهم؛ حيث كانت آثار الضرب والتعذيب واضحة على أجسادهم، كالكسور والجروح وآثار السحل على الأرض، وآثار القيود وبتر الأطراف إضافة إلى فقدانهم لنصف أوزانهم تقريبًا، وعدم قدرة الكثير منهم حتى على المشي من آثار هذا التعذيب الوحشي الذي يدل على حقد عميق وانعدام الأخلاق كليًا لدى سجانيهم وكبار مسؤولي هذا الكيان المجرم.

وقد ظهرت هذه المناظر المروعة لجثث الأسرى الفلسطينيين التي تم استلامها مشوهة من آثار التعذيب، والتي كان عدد كبير منها مقطوع الرأس والأطراف ومكسور الأضلاع. وبالعودة قليلًا إلى تاريخ اعتقال الكيان الصهيوني المحتل للفلسطينيين، ووفق معطيات مؤسسات الأسرى الفلسطينية؛ فإن عدد حالات الاعتقال بين الفلسطينيين منذ عام ١٩٦٧م حتى نهاية العام ٢٠٢٤م بلغ نحو مليون فلسطيني بينهم أكثر من ٥٠ ألف حالة اعتقال سُجلت في صفوف الأطفال دون سن ١٨ عامًا، وأكثر من ١٧ ألف حالة اعتقال لفتيات ونساء بينهم أمهات.

واستنادًا إلى بيانات هذه المؤسسات حول الاعتقال الإداري منذ العام ١٩٦٧م؛ فقد صدر أكثر من ٦٠ ألف أمر اعتقال إداري بحق أسرى فلسطينيين، وهو اعتقال لعدة أشهر قابل للتمديد بدون تهمة أو سقف زمني لمعتقلين أغلبهم مدنيون. ويقبع حاليًا في سجون الكيان الصهيوني أكثر من ١٠ آلاف أسير يتعرضون لأشكال مروعة من التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي، والمعاملة الحاطة بالكرامة، وبشكل منهجي، وعلى مرأى ومسمع العالم كله، وفي مقدمة دول العالم هذه الدول العربية والإسلامية، وكذلك الغربية التي كشفت أحداث السابع من أكتوبر مدى ازدواجية المعايير لديها، وخاصة في ملف حقوق الإنسان الذي كانت تدعي زورًا أنها حامية له.

لقد غابت التعليقات الرسمية الغربية على مشاهد التنكيل والتعذيب الوحشي للفلسطينيين الأسرى، والتي تسربت من سجون ومراكز اعتقال الكيان الصهيوني المجرم. فلم تجرؤ الحكومات الغربية ـ التي طالما تشدقت بحقوق الإنسان ـ على التعليق على هذه المشاهد المروعة، وتجاهلتها عمدًا ما يدل على ازدواجية في المعايير والأخلاق. لكنها بالمقابل أقامت الدنيا ولم تقعدها على عشرات من الأسرى الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس؛ بهدف مقايضتهم بالأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة.

وكانت حريصة ـ بشهادة الأسرى أنفسهم ـ على معاملتهم معاملة حسنة والحفاظ على أرواحهم بالرغم من الظروف الوحشية القاسية التي فرضتها آلة الحرب الصهيونية على قطاع غزة، والإبادة الجماعية التي تعرض لها القطاع ما تسبب في وفاة عدد منهم تحت الأنقاض؛ نتيجة للقصف الإجرامي العنيف الذي تعرض له القطاع، وشمل البشر والحجر.

لقد جرم القانون الدولي في كل أدبياته ونصوصه التعذيب؛ حيث يعد التعذيب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وهي محظورة تمامًا، ولا يمكن تبريرها تحت أي ظرف. فقد فرض كل من القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان حظرًا مطلقًا على التعذيب، وغيره من أشكال المعاملة القاسية أو المهينة أو الاعتداء على الكرامة الشخصية، وذلك وفق نص المادة (١٧) من اتفاقية جنيف الثالثة للعام ١٩٤٩م، والبروتوكول الإضافي الثاني للعام ١٩٧٧م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة لعام ١٩٨٤م، وكذلك ما نصت عليه المادة (٧) المعنية بالجرائم ضد الإنسانية، والمادة (٨) المعنية بجرائم الحرب من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الصكوك الدولية.

لقد أكدت مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيز، ومنظمة هيومن رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية، والعديد من المنظمات الدولية والإسرائيلية غير الربحية إدانتها لهذا التعذيب المنهجي للفلسطينيين الذي يعد وصمة عار على جبين الإنسانية. ولكن ما شجع الكيان الصهيوني المجرم على الاستمرار في جرائمه هذه هو السكوت المشين للولايات المتحدة والحكومات الغربية عن الإشارة لهذه الجرائم، وكأنها لم تحدث، والدفاع المستميت الظالم لهذه الحكومات عن كل ما يصدر عن الكيان المجرم، ومعاملته ككيان فوق القانون الدولي محصن ضد أية مساءلة.

ولكن ما يثير الأسى والحزن حقًا أن النظام الرسمي العربي نفسه تجاهل هذه الجرائم البشعة، ولم يكلف نفسه حتى عناء الشجب والتنديد المعتاد. فهل بعد هذا يمكن أن نعتقد أن هناك من يضع وزنًا لهذا النظام الرسمي العربي الذي لم يملك حتى الجرأة على التنديد بهذه الجرائم؟

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأسرى الفلسطینیین الکیان الصهیونی القانون الدولی

إقرأ أيضاً:

حماس: قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين هو امتداد لعنصرية الاحتلال

قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، اليوم الثلاثاء، إن تصديق الكنيست على قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين هو امتداد لنهج الحكومة الإسرائيلية العنصري والإجرامي.

وتابعت قائلةً :"هذا القانون يُعد مُحاولةً لتشريع القتل الدماعي المنظم ضد أبناء شعبنا الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال".

وأقدم مستوطنون يهود مسلحون، اليوم الثلاثاء، مسكنًا في مسافر يطا جنوب الخليل، ونفذوا أعمالًا استفزازية بحق الأهالي.

اقرأ أيضاً.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا

مستوطنون يقتحمون منزلاً فلسطينياً ويستفزون أهله روسيا تُعلن اعتراض عدة مسيرات أوكرانية

وأشارت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" إلى أن مستوطنين من مستوطنة "أفيغال" اقتحموا مسكن المواطن محمد عبد الرحمن جبارين شرق تجمع شعب البطم، وفتشوا المنزل وعددًا من الكهوف المحيطة به، وسط حالة من التوتر في المنطقة.

وقال جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، إن إيران حاولت اغتيال سفراء إسرائيليين في عدد من الدول.

وقال الرئيس اللبناني جوزيف عون، اليوم الثلاثاء، إنه يجب الضغط على إسرائيل للالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.

ويأتي ذلك في إطار استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وفي وقت سابق، أكدت مصادر إعلامية لبنانية ارتقاء شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة ببلدة خربة سلم جنوبي لبنان.

ويأتي ذلك في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وقالت كتائب عز الدين القسام "الجناح العسكري لحركة حماس"، وفي وقت سابق، إنها التزمت بعملية استخراج الجثث رغم أنها جرت خلال المرحلة الماضية في ظروف معقدة وبالغة الصعوبة.

وقالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وفي وقت سابق، إن الاحتلال يتحمل مسؤولية الاشتباك مع عناصرها المحاصرين في رفح الفلسطينية.

وأضافت :"لا نعرف مبدأ الاستسلام أو تسليم نفسنا للعدو".

وقالت إيفيت كوبر، وزيرة الخارجية البريطانية، إنه يجب فتح جميع طرق إيصال المساعدات إلى غزة ورفع القيود المفروضة عليها فوراً.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، وفي وقت سابق، إن إسرائيل حذرت الجيش اللبناني من أنه إذا لم يعمل ضد حزب الله فإن الهجمات سوف تتعاظم.

وأضافت :"إسرائيل حذرت من تداعيات تهريب حزب الله لمئات الصواريخ من سوريا".

وأشارت هيئة البث إلى أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأن حزب الله جند في الأشهر الماضية آلاف المقاتلين الجدد.

وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، امس السبت، إن 4% فقط من الأراضي الزراعية في قطاع غزة غير متضررة ويمكن الوصول إليها.

وأضاف :"مئات الآلاف من العائلات في قطاع غزة تواجه بداية الشتاء دون وسائل حماية".

مقالات مشابهة

  • مدير الصحة بالمعهد الدانماركي لمناهضة التعذيب: إعدام السجناء الفلسطينيين انتهاك صارخ للقانون
  • حملة “أطلقوا الرهائن الفلسطينيين” تكتسح شوارع لندن.. ما قصتها؟
  • إعلام الأسرى الفلسطينيين: الإهمال الطبي والتعذيب يهددان حياة الأسير الرجبي في سجون العدو
  • أعلام الأسرى الفلسطينيين: الإهمال الطبي والتعذيب يهددان حياة الأسير الرجبي في سجون العدو
  • حماس: قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين هو امتداد لعنصرية الاحتلال
  • سؤال وجواب.. كيف يحاكم الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال؟
  • حملة إطلاق الرهائن الفلسطينيين تنشر اللون الأحمر بشوارع لندن (شاهد)
  • الاحتلال يرفض الاستئناف على قرار اعتقال 21 أسيرا إداريا
  • مقررة أممية: الأدلة تظهر تعذيب أسرى من قطاع غزة منذ فبراير عام 2024