تجربة العملة المشفرة في السلفادور
تاريخ النشر: 11th, November 2025 GMT
ترجمة قاسم مكي
يترنح ملايين المستثمرين الذين يحتفظون بأصول رقمية مشفرة بعد ستة أشهر قاسية شهدت مَحْوَ تريليون دولار من قيمتها. بعض الخاسرين أسماء كبيرة مثل فيتاليك بوترين مؤسس منصة البلوكتشين«ايثيريوم» ومايك نوفوجراتس نجم صناديق التحوط الذي دعم العملة الرقمية «لونا». وهناك آخرون صغار؟
لكن من بين أهم الخاسرين المثيرين للاهتمام حكومة السلفادور.
لم يخدم بوكيله قضيته عندما كتب التغريدة التالية: «الرسملة السوقية لعملة البتكوين تبلغ 680 بليون دولار. إذا استُثمِر 1% منها في السلفادور سيزيد ذلك ناتجنا المحلي الإجمالي بنسبة 25%.» فهذا كما يبدو سوء فهم جذري لكيفية عمل البتكوين والناتج المحلي الإجمالي. (البتكوين أصل مالي يمكن استثماره في إنتاج سلع وخدمات تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي ولا يُحسب كأصل استثماري بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي- المترجم).
رغما عن هذه الانتقادات اشتري بوكيله كمية من البتكوين وأنفق في شرائها ما يزيد على 100 مليون دولار أو نحو ذلك حتى الآن؛ حسب زميلي روبن ويجلزورث. كما طلب من مواطنيه تنزيل تطبيق محافظ رقمية في هواتفهم. وفعل ذلك نصف السكان الذين يبلغ عددهم 6.5 مليون نسمة.
لكن منذ تنفيذ هذه الفكرة فقد مخزون (رصيد) السلفادور من العملة الرقمية المشفرة (البتكوين) حوالي ثلث قيمته وسجل خسارة ورقية بلغت 40 مليون دولار. وهذه ضربة مؤلمة لبلد في وضع مالي هش أصلا.
هل السلفادور مستعدة للتخلي عن تبنيها للعملات المشفرة؟
في الأسبوع الماضي تحدثت الى سوسي كايَيَخَاس راقصة الباليه والمحامية ووزيرة الثقافة سابقا ونائبة رئيس الجمعية التشريعية حاليا. وكانت إجابتها المتحدية عن هذا السؤال «لا».
أخبرتني كاييخاس أن عملة البتكوين تبدو مختلفة من وجهة نظر اقتصاد صاعد بعكس ما يعتقده النقاد الغربيون أو الاقتصاديون التقليديون. وما تثيره من نقاط في هذه الأوقات الجيوسياسية المضطربة يستحق الالتفات إليه حتى إذا اختلفتَ معه.
أول نقطة تتعلق بالفقر؛ ففي الوقت الحالي حوالي 70% من سكان السلفادور ليست لديهم القدرة على الاستفادة من النظام المصرفي. لكن أكثر من نصفهم يملكون هواتف خلوية رغم عدم انتظام خدمة الانترنت؛ لذلك تقديم محافظ رقمية للناس يمكنه «تعزيز الشمول المالي» كما تجادل الحكومة. (التعامل بعملة البتكوين يتم عبر الإنترنت وليس النظام المصرفي ـ المترجم.)
النقطة الثانية هي -حسب كاييخاس- اعتماد اقتصاد السلفادور على التحويلات النقدية من العاملين الخارج. وهي تساوي حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي.
حاليا يفقد الناس ما يقارب 20% من ذلك المال في شكل رسوم تحويل مرتفعة تفرضها شركات من أمثال موني جرام وويسترن يونيون. ومن الممكن أن يكون استخدام المحافظ الرقمية لإرسال واستقبال التحويلات أرخص بكثير.
ما هو أكثر من ذلك أن مواطني السلفادور شاهدوا الكثير من التقلبات في سعر العملة وصاروا أقل إحساسًا بالصدمة. تقول كاييخاس: «نحن نعلم أن النقود تتقلب دائما. الآن تفقد عملة البتكوين 25% من قيمتها. لكن خلال أسابيع قليلة ربما ستتعافى».
أخيرا هنالك المسألة الجيوسياسية؛ فالسلفادور تكره أن تكون عُرضة لأهواء سياسات واشنطن. وذلك ليس فقط لأنها تعاني بشدة عندما تتقلب أسعار فائدة الدولار مثلها مثل العديد من البلدان الصاعدة الأخرى، فقد غذت موجة العقوبات الغربية ضد روسيا المخاوف من تزايد استخدام الولايات المتحدة الدولار كسلاح سياسي. أوضحت ذلك كاييخاس بقولها «نحن بلد صغير ونحن ضعاف. نحن نحاول أن نكون بلدا أكثر استقلالا وسيادة».
سيردّ مسؤولو التمويل الغربيون وصندوق النقد الدولي بالقول: إن عملة البتكوين هي «الحل» الخاطئ لهذه المسائل. قد يكونون على حق؛ فتقنية العملات المشفرة تفتقر إلى السلاسة، ولا توجد أدلة تذكر على استخدامها على نطاق واسع في سداد المدفوعات. ويوجد ما يبرر استمرار القلق بشأن سرقة البيانات (عبر الإنترنت) والطاقة المطلوبة لتعدين العملات الرقمية.
لكن ما يحتاج الغربيون إلى إدراكه أيضا أن الاستياء من النظام الذي يرتكز على الدولار يتصاعد في العالم غير الغربي. في الواقع؛ (بُقيلة) ليس الزعيم الوحيد الفضولي بشأن العملة الرقمية المشفرة. ففي الأسبوع الماضي عقدت حكومته مؤتمرا حول تجربتها فيما يسمى «منطقة البتكوين الساحلية» في السلفادور. وجاء المسؤولون الماليون من عشرات البلدان الصاعدة الأخرى؛ فأعلى معدل استخدام للفرد فيما يخص العملة المشفرة اليوم يتركز في البلدان الصاعدة؛ حسب بحث شركة تحليلات الكريبتو «تشايناليسيز».
هذا معقول؛ فكما لاحظ هيون سونغ شين المستشار الاقتصادي ببنك التسويات الدولية مع زملائه في حين تبدو المشاكل المرتبطة بالبتكوين مفرطة في تعقيدها في نظر الغربيين إلا أن تكلفة أو مخاطر استخدامها أقل نسبيا في البلدان التي تضعف بها الثقة في العملات الورقية.
لذلك ربما ستشهد تجربة السلفادور نهاية محزنة؛ فهي يقينا تبدو محفوفة بالمخاطر. لكن على الغرب الإقرار بخطورة تجاهل الإحساس باليأس من حال الاقتصاد (والإحباط من النظام العالمي المرتكز على الدولار) الذي قاد إلى هذا التحرك، خصوصا في وقت يشهد انتشار المعاناة الاقتصادية وتحوّلها إلى القضية الجديدة لهذا العصر.
جيليان تيت- كاتبة رأي وعضو هيئة التحرير بصحيفة الفاينانشال تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المحلی الإجمالی عملة البتکوین
إقرأ أيضاً:
مدبولي: الاحتياطيات من العملة الأجنبية تجاوزت الـ 50 مليار دولار
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الإحتياطيات من العملة الأجنبية تجاوزت الــ 50 مليار دولار، متابعا: “ بقالنا 38 شهر الإحتياطي دائما في تصاعد بعد الإصلاحات الإقتصادية التي تقوم بها الدولة خلال العامين الماضيين، وبالتالي يعطي طمأنينية لكل المستثمرين”.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي اليوم، الثلاثاء: “نعمل على جذب وتدفق المزيد من الإستثمارات الأجنبية المباشرة، ونأمل أن تتعافي بصورة أسرع إيرادات قناة السويس التي بدأت تسجل لأول مرة نمو إيجابي، ونأمل مع استمرار الأوضاع في المنطقة تبدأ تعود مرة أخري وبقوة حركة السفن في القناة”.
وتابع أن اليوم مصر أصبحت قادرة أن الموارد من العملة الصعبة تغطي إحتياجات الدولة، متابعا: “العالم كله يري هذا الأمر وبدأ يشعر بمدي تعافي الاقتصاد المصري، وأطمئن المواطنين أن هناك تدافع لإستثمارات أجنبية في كل المجالات”.