الثورة نت:
2025-11-12@22:07:17 GMT

أيُّها النُخَب.. إيّاكُم والوَعْي الزَّائِف!

تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT

 

 

ما زالت هناك نُخَب تَتَغَنَّى بديمقراطية أمريكا انطلاقاً من مظاهرها الشكلية فقط، دون أن تتعمق في جوهرها الحقيقي. إنها، كما وصفها المفكر الاقتصادي الراحل د. سمير أمين، “ديمقراطية السقف الواطئ”؛ ديمقراطية أوليغارشية حاكمة تدفع إلى سُدَّة القرار مَنْ يُعزز هيمنة طبقة الأثرياء فحسب. وحتى عندما يُختار شخصيات من “المُلَوَّنين” أو من قاع المجتمع، فإن الاختيار يتم بعناية فائقة، شريطة أن يظل هؤلاء حُرَّاساً لأصول النظام ومصالح تلك الأقلية الثرية.


فالنظام الانتخابي الأمريكي مُؤَسَّسٌ هيكلياً على نظام الحزبين، وكلاهما يعبِّران في النهاية عن مصالح الأثرياء. هذا النظام ليس سوى مضمار منافسة محصور بين الحزبين، يُنَظِّم إيقاع الصراع والتفاهم بين النخب المالية المسيطرة.
صحيح أن أحداث غزة قلبت الموازين وأسهمت في تشكُّل وعي جديد داخل المجتمع الأمريكي، لكن لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن تغيير حقيقي في السياسات. الأيام القادمة تحمل في طياتها بذور صدام بين هذا الوعي الجديد الآتي من قاع المجتمع، وبين الأوليغارشية المسيطرة التي تحتكر القرار بقوة رأس المال والإعلام، والتي تُشَكِّل ما يُعرف بالدولة العميقة.
وإذا ما انتصر “القاع” يوماً ما على هذه الأوليغارشية، فإن فضل هذا الانتصار سيعود، في المقام الأول، لتضحيات أهل غزة ولبطولات “طوفان” الأقصى ولمحور المقاومة بكل شهدائه الأبرار.
ولن يكون أي انتصار مُجْدياً إذا اقتصر على تبديل الوجوه بينما بقيت السياسات كما هي؛ أي إذا تحولت غزة إلى سُلَّم لصعود قيادات شابة جديدة، بينما استمرت الديمقراطية ذات “السقف الواطئ” في تمثيل مصالح الأوليغارشية ذاتها، وإعادة إنتاج نفس السياسات العدوانية.
فلهذا أقول: أيها النُخَب.. لا تنبهروا بالشكليات، فهي لا تنتج سوى وعي زائف. وعليكم التريث وانتظار اكتمال المشهد قبل إصدار الأحكام.
ولنتذكر معاً ذلك الزخم التفاؤلي الذي رافق صعود باراك أوباما إلى الرئاسة، وكم تحدثنا عن دلالة أصوله وديانته، وعن “ديمقراطية أمريكا اللذيذة”، لنجد أن أوباما لم يكن في النهاية سوى خاتم في يد اللوبي الصهيوني المهيمن على القرار الأمريكي. ولم تختلف سياسة أمريكا في عهده، بل لعلها كانت أكثر عدوانية من أسلافه.
لذا، فإن الأحكام المتسرعة ليست من العلم في شيء، وهي علاوة على ذلك تنتج وعياً زائفاً وضاراً بالمجتمع.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هل بدأت أمريكا رحلة الهبوط؟

 

 

بينما تتباهى واشنطن بالكفاءة والنظام والريادة، تكشف الأحداث الأخيرة في الداخل الأمريكي حقيقة مغايرة. فقد أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية توقف الخدمات الأرضية جزئيًا في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك بسبب نقص الموظفين، فيما واجه مطار رونالد ريغان الوطني في العاصمة واشنطن تعطّلًا مماثلًا، نتيجة النقص في عدد مراقبي الحركة الجوية. هذه المؤشرات البسيطة على سطح الواقع تعكس أزمة أعمق في إدارة الدولة الأمريكية، دولة كانت طوال عقود نموذجًا للكفاءة والتنظيم، لكنها اليوم تواجه فشلًا إداريًا يطال أساسيات حياتها اليومية.
الإغلاق الحكومي الأخير الذي أدى إلى تأجيل آلاف الرحلات ليس مجرد حدث فني، بل هو إشارة قوية إلى هشاشة المؤسسات الأمريكية. فالخلل في إدارة المطارات — أحد أكثر القطاعات حساسية وصرامة في العالم — يظهر أن الانقسام السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لم يعد مجرد صراع على السياسات، بل أصبح أداة تهدد سير الدولة نفسها. الخدمات الأساسية التي كانت مفترضة أن تعمل بلا توقف باتت رهينة لمساومات سياسية، ما يعكس هشاشة النظام الإداري ومحدودية قدرة الدولة على الحفاظ على استمرارية الأداء.
ما يزيد القلق أن الأزمة ليست اقتصادية بحتة، رغم أن لها أبعادًا اقتصادية واضحة. الولايات المتحدة تواجه ديونًا عامة تتجاوز 35 تريليون دولار، وعجزًا متناميًا في الميزانية، وتراجعًا في ثقة المستثمرين. الإغلاق الحكومي المتكرر لا يوقف الموظفين فحسب، بل يُجمد سلاسل التوريد، ويعطل النقل والتجارة والسياحة، ويترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي. وفي الوقت ذاته، تستمر الولايات المتحدة في إنفاق مئات المليارات على الحروب الخارجية وبرامج التسليح، بينما مطاراتها الكبرى تتوقف عن العمل بسبب نقص موظفين، ما يكشف عن فجوة ضخمة بين المظهر الخارجي للقوة والواقع الداخلي الذي بدأ ينهار بصمت.
إن ما يحدث اليوم في أمريكا ليس مجرد عجز إداري، بل رمز لتآكل المؤسسات. فقد أصبحت الدولة التي كانت تُدار بعقل الدولة نفسها تُدار بعقل الحملات الانتخابية، حيث تتحول مؤسسات الخدمة العامة إلى أداة ضغط وحسابات حزبية. الإدارة التي كانت مرجعًا للعالم في التنظيم والكفاءة، أصبحت عاجزة عن أداء أبسط وظائفها الأساسية، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على قدرة هذه الدولة على الاستمرار في قيادة المشهد العالمي.
التاريخ يعلمنا أن سقوط الإمبراطوريات لا يبدأ بمعركة خارجية، بل حين تنهار المؤسسات وتغيب روح الانضباط الداخلي. من روما إلى بريطانيا، لم تنهض الإمبراطورية إلا حين استعادت مؤسساتها القدرة على العمل بانسجام. أمريكا اليوم تمشي على الطريق ذاته، فبين الانقسام السياسي العميق، ومؤسسات عاجزة، وقيادة منشغلة بتصدير قوتها للخارج، تترسخ فكرة أن الأزمة أكبر من مطارات متوقفة؛ إنها أزمة ثقة ومصداقية وهيبة مؤسسية.
قد تمتلك واشنطن المال والتقنية والإعلام، لكنها بدأت تفقد الثقة بالمؤسسات، والإيمان بالنظام، والقدرة على الإصلاح الذاتي. هذه الركائز الثلاث هي ما يضمن استمرارية أي قوة عظمى. ومتى اهتزت هذه الأعمدة، تبدأ رحلة الهبوط، حتى لو استمر الطيران فعليًا والشعارات معلقة في السماء.
الرمزية هنا لا تقل أهمية عن الواقع المادي: مطارات متوقفة، رحلات معلقة، موظفون غائبون، كلها صور بسيطة لكنها مؤثرة تعكس حجم التحدي الداخلي الذي يواجه الدولة الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد والسياسة العالمية. في الوقت ذاته، تُظهر هذه المشاهد أن الولايات المتحدة تعيش حالة من الهشاشة المزدوجة: هشاشة سياسية وادارية، وهشاشة اقتصادية متنامية، مما يجعل السؤال عن مصيرها أكثر إلحاحًا.
السؤال اليوم لم يعد مجرد: هل تتراجع أمريكا؟ بل أصبح: إلى أي مدى تستطيع أن تخفي هذا التراجع بينما تتعطل مطاراتها في قلب واشنطن، وتنهار مؤسساتها الأساسية أمام أعين العالم؟ الواقع يفرض أن نعيد النظر في الصورة المثالية التي لطالما عرضتها أمريكا عن نفسها، ويجعلنا ندرك أن القوة الكبرى تبدأ بفقدانها حين تهمل الداخل، مهما حاولت أن تظهره مهيمنًا في الخارج.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد حادث عرضي، بل إشارة مبكرة لتحولات كبيرة محتملة، وقد يكون مطار جون كينيدي ورونالد ريغان أولى علامات رحلة هبوط طويلة للأمة التي طالما اعتُبرت نموذجًا عالميًا للقوة والإدارة.

مقالات مشابهة

  • هل بدأت أمريكا رحلة الهبوط؟
  • زيارة الشرع إلى أمريكا
  • خبراء الصحة يناقشون فاعلية السياسات العالمية بعد مرور عشرين عامًا على الاتفاقية
  • هؤلاء الجوعى في أمريكا…
  • أمريكا.. توقف اضطراري لطائرة تقل أعضاء في الكونغرس بسبب راكب مُزعج
  • إيران: لن نتنازل عن أمننا القومي ولن ندخل مفاوضات في ظل السياسات الأميركية الحالية
  • أمريكا.. مجلس الشيوخ يوافق على مشروع قانون لـإنهاء أطول إغلاق حكومي
  • حول ضرورة مراجعة بعض السياسات الحكومية التي تمس المواطنين
  • ميك والاس يتهم أمريكا بقتل 60 شخصًا في الكاريبي وينتقد صمت الاتحاد الأوروبي