الجزيرة:
2025-11-13@21:36:50 GMT

ترامب وبوتين وشي.. الفرد يغيّر العالم

تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT

ترامب وبوتين وشي.. الفرد يغيّر العالم

 

"يُشكل القادة الشعبويون والاستبداديون الآن مسار السياسة العالمية.. وعندما يفقد رجل قوي السلطة، يصبح استقرار النظام السياسي بأكمله الذي بُني حوله، في خطر".

هذا ما خلص إليه جدعون راتشمان، كبير معلقي الشؤون الخارجية بصحيفة فايننشال تايمز، في كتابه "الرجال الأقوياء.. كيف يُهدِّد تقديس القائد الديمقراطيةَ حول العالم؟"، الذي وصفه المنظر الأميركي في مجال الجغرافيا السياسية هال براندز بأنه الكتاب الأفضل في موضوعه.

لقد شهد النظام الدولي خلال العقدين الأخيرين تحوّلًا في نمط القيادة السياسية، أعاد إلى الأذهان ظواهر كان يُظن أنها انتهت بانتصار الليبرالية الغربية مع تفكك الاتحاد السوفياتي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لست وحدك في الكون.. رسالة العرض العسكري الصيني لترامبlist 2 of 2ترامب قد يحرر العالم من عبودية الدولار دون أن يدريend of list

فبدل أن ينتشر نموذج القائد الذي يعتمد على العمل المؤسسي، تصاعد نمط القيادة المتمحورة حول الزعيم الفرد، التي تستمد شرعيتها من الكاريزما الشخصية بدلا من الحوكمة أو البرامج الانتخابية.

وبينما تجسدت رمزية نهاية الحرب الباردة في تدمير جدار برلين، تجسد عصر القادة الأقوياء في بناء جدران جديدة، مثل جدار الولايات المتحدة على الحدود مع المكسيك برعاية ترامب، والجدار الذي بناه فيكتور أوربان على حدود صربيا لمنع اللاجئين من دخول المجر، والجدارين اللذين بناهما نتنياهو على حدود النقب مع قطاع غزة لإحكام حصاره، وعلى الحدود مع مصر.

أصبحت الظاهرة التي تُعرف في الأدبيات السياسية بعودة الرجل القوي، سمة مشتركة لأنظمة متباينة في عقيدتها الأيدولوجية وبنيتها السياسية؛ إذ برزت في طيف متنوع من الدول، من الولايات المتحدة ذات النظام الديمقراطي، إلى الصين ذات الحزب الواحد، مرورًا بروسيا والهند وإسرائيل.

استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يصبح الزعيم الأطول عمرا في رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ نكبة عام 1948 (أسوشيتد برس)

وتطرح مضامين متشابهة مثل مهاجمة النخب، والوعد بتحقيق الرخاء وجعل البلد عظيمة مجددا، واتهام المعارضة بالكذب، وشيطنة الصحافة والقضاء، وتغيير القوانين وتعديل الدستور لمد فترات الحكم، والتركيز على القومية مقابل التنديد بالمهاجرين والدعوة إلى طردهم.

إعلان

يرتكز نمط القائد القوي على تجاوز المؤسسات والحديث باسم الشعب مباشرة، فيرى القائد نفسه تجسيدًا لإرادة الشعب لا ممثلاً له. وتتقاطع الزعامة الشخصية مع الشعبوية التي تُبسط المشكلات المعقدة وتُرجع فشل حلها إلى مؤامرات النخب الفاسدة. وحين تصطدم الوعود بحدود الواقع، يَعِد القائد بتجاوز القوانين والضوابط المؤسسية لضمان تنفيذ إرادة الشعب.

منعطف 2008

يجادل جدعون راتشمان بأن ظاهرة القادة الأقوياء صعدت كنتيجة مباشرة لفقدان الثقة بالمنظومات السياسية التي صاغت العالم بعد الحرب الباردة، وأن الأزمة المالية في عام 2008 كانت لحظة الانكشاف الأولى، إذ أدركت الطبقات الوسطى في الغرب أن الأسواق العالمية التي بُشّر بها باعتبارها طريقا نحو الازدهار؛ يمكن أن تتحول بين ليلة وضحاها إلى مصدر انهيار، وأن النخب الاقتصادية والسياسية عاجزة عن حماية مصالح المواطنين ومدخراتهم التي أخذت تتبخر فجأة.

وترافقت هذه الصدمة مع تحولات اجتماعية نتجت عن العولمة والهجرة وتراجع الهوية الوطنية في ظل انتشار ثقافة الاستهلاك، وانفجار وسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت المجال أمام الخطاب المباشر بين القائد والجمهور دون وساطة، ما جعل الطريق ممهّدًا لظهور زعماء يوظفون الإحباط الشعبي في مواجهة المؤسسات، ويقدّمون أنفسهم بوصفهم رجالًا قادرين على استعادة الكرامة الوطنية وحماية المجتمع من الفوضى.

بوتين القائد

في روسيا، مثّل فلاديمير بوتين أول تعبير جليّ عن عودة الرجل القوي في القرن 21. فصعوده عام 1999 جاء بعد عقدٍ من الفوضى عقب تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث بدت الدولة الروسية في حالة تفتت اقتصادي وتدهور سياسي متسارع.

في بداية عهده، تعهد بوتين بحماية حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام، وبعد برهة من الزمن أعلن أن الفكرة الليبرالية قد عفا عليها الزمن، وأن روسيا ليس لديها ما تتعلمه من الغرب، وأصبح من أشهر تصريحاته في عام 2004 وصفه لانهيار الاتحاد السوفياتي بأنه أعظم كارثة جيوسياسية في القرن 20، ومن ثم اعتزم إعادة بناء مكانة روسيا كقوة عظمى.

استعاد بوتين بعض ملامح روسيا القيصرية عبر أدوات تجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية (أسوشيتد برس)

استطاع بوتين أن يوظف هذا الانهيار في بناء شرعية تقوم على استعادة الدولة القوية، فأعاد المركزية إلى الكرملين، وأخضع طبقة رجال الأعمال المعروفة بلقب "الأوليغارشية" إلى السلطة السياسية، وربط مفهوم الوطنية بالولاء للسلطة.

اعتمد بوتين على خبرته كرجل استخبارات سابق؛ في بناء نموذجٍ يقوم على المزج بين البنية البيروقراطية الروسية والدولة الأمنية الحديثة. وخلال عقدين، استطاع أن يحوّل روسيا إلى قوة فاعلة، وهو ما برز في حرب جورجيا عام 2008، ثم السيطرة على شبه جزيرة القرم في عام 2014، والتدخل عسكريا في سوريا عام 2015، وصولا إلى حرب أوكرانيا التي بدأت في عام 2022 وما زالت مستمرة. ودفعت تلك الحروب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى القول "إن بوتين قائد يستخدم أساليب القرن 19 لحل مشاكل القرن 21".

لقد استعاد بوتين بعض ملامح روسيا القيصرية عبر أدوات تجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية، وبين خطاب قومي تقليدي يستحضر رمزية الانتصار في الحرب العالمية الثانية. ومن خلال هذا النموذج، قدّم بوتين نفسه بديلا عن الغرب الليبرالي مزدوج المعايير، وصوتا عالميا يمثل التقاليد والقيم المحافظة في مواجهة الانحلال الثقافي الذي ينسبه إلى الغرب.

شي الزعيم الأوحد

في الصين، تطور نموذج موازٍ يقوم على فكرة الزعيم الذي يجسّد الأمة والحزب معًا، بدلا من النموذج الذي برز في العقود التي تلت وفاة ماو تسي تونغ في عام 1976، والقائم على أسلوب قيادة أكثر جماعية.

ركّز السلطة في يده بوصفه الأمين العام للحزب الشيوعي ورئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش (رويترز)

فقد سعى الرئيس شي جين بينغ منذ توليه السلطة عام 2012 إلى دمج الحزب والدولة في شخصه، فألغى في عام 2018 تحديد فترة الرئاسة بفترتين، معيدا عقارب الساعة إلى الوراء، وملغيا التقييد الزمني للرئاسة المفروض منذ عام 1982، وليمهد الطريق للحكم مدى حياته.

إعلان

كما ركّز السلطة في يده بوصفه الأمين العام للحزب الشيوعي ورئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، وأصبح تطبيق "فكر شي جين بينغ" المُثبّت على الهواتف في الصين؛ مقررا يُطلب من الطلاب وموظفي الشركات الحكومية دراسته لاختبارهم فيه.

استغل الرئيس شي بمهارة الانكفاء الأميركي خلال العقدين الأخيرين في حروب مكافحة الإرهاب؛ لطرح بديل يقوم على الكفاءة والتنمية والاستقرار، مقابل ازدواج المعايير والحروب والفوضى التي تسببت بها السياسات الأميركية.

وتحت قيادة شي، قادت الصين مؤسسات دولية متعددة الأطراف تتوسع بمرور الوقت، مثل البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وأطلقت مبادرات عالمية مثل مبادرة "الحزام والطريق"، التي تضمنت إنفاق عشرات مليارات الدولارات من القروض والاستثمارات الصينية لدعم مشاريع البنية التحتية في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

ترامب العائد بقوة

يستعرض الخبراء والمحللون عادة نماذج من قادة الشرق كرموز للقيادة الفردية، لكن هذه الظاهرة لا تقتصر على منطقة دون أخرى، ولا على حقبة تاريخية دون غيرها، كما في نموذج هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا، بل تمتد لتشمل دولا تُصنف أنظمتها السياسية كأنظمة ديمقراطية. ويُعد دونالد ترامب في الولايات المتحدة التجسيدَ الأكثر وضوحًا لهذه الظاهرة في العالم الغربي.

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تكريس قيادة ترامب المباشرة، حيث تجاوز الإعلام التقليدي وخلق لنفسه قاعدة شعبية تنظر إليه كرمز للتمرد على النظام القائم (رويترز)

فالرجل الذي دخل البيت الأبيض للمرة الأولى في مطلع عام 2017 قادما من خارج المؤسسة السياسية، قدّم نفسه بوصفه ممثلًا للمواطن الأميركي العادي ضد النخبة الحاكمة والإعلام والأجهزة البيروقراطية. وبعد أن هُزم في انتخابات 2020، عاد مجددا بفوز ساحق إلى البيت الأبيض بعد انتصاره في انتخابات 2024، ولتصبح رئاسة بايدن مجرد فترة انتقالية في عصر ترامب.

لقد استندت شعبوية ترامب إلى ثلاث ركائز: أولاها، الإحساس بفقدان المكانة الدولية للولايات المتحدة لصالح الصين والاتحاد الأوروبي. وثانيتها، التحولات الديمغرافية التي أثارت خوف الطبقة البيضاء من فقدان امتيازاتها في ظل الخوف من تزايد المهاجرين وانخفاض الدخل، فبحسب الخبيرين الاقتصاديين أنغوس ديتون وآن كيس، ارتفعت معدلات الوفيات بين الأميركيين البيض من الطبقة العاملة بنسبة 22% بين عامي 1999 و2014، بسبب انتشار حالات الانتحار والأمراض الناجمة عن تعاطي المخدرات.

وخلال الفترة نفسها، انخفض دخل الأسر التي يعيلها خريج من مدرسة ثانوية بنسبة 19%. وثالثتها، الإحباط من سياسات العولمة التي ربطت الاقتصاد الأميركي بالأسواق الخارجية، ما ألحق الضرر بالعديد من الصناعات المحلية التقليدية.

ومن خلال خطابٍ يقوم على المواجهة والبساطة وخلق عدو دائم -سواء أكان المهاجرين أو الصين أو النخبة الليبرالية- استطاع ترامب أن يقنع مؤيديه بأنه وحده من يُخبرهم بالحقيقة المتمثلة في أن الأوضاع في الولايات المتحدة سيئة وتزداد سوءًا، وأن النخبة الأميركية فاسدة وأنانية، ولهذا رفع شعار "أميركا أولا"، ووعد بجعل البلاد عظيمة مرة أخرى.

وبدلاً من الدفاع عن حرية الصحافة، هاجم بضراوة وسائل الإعلام وانتقد القضاء، وزعم حدوث تزوير واسع في انتخابات الرئاسة عام 2020 لإسقاطه، وقرر منع مواطني العديد من الدول المسلمة من دخول الولايات المتحدة في إدارته الأولى، وتعهد بطرد 9 ملايين مهاجر في إدارته الثانية. وبذلك أصبح ترامب نصيرًا للناخبين البيض الذين شعروا بعدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وألقوا باللوم على الأقليات العرقية في تدهور وضعهم.

ويشير جيفري فريدمان وأندرو باين في مقال نشراه بمجلة "فورين أفيرز" بعنوان "الأميركيون يحبون الرجل القوي"، إلى أنه "رغم أن العديد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب الأولى – بمن فيهم وزيران للدفاع، ومستشاران للأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة- حذروا من أن ترامب يشكل خطرًا واضحًا على مصالح الولايات المتحدة في الخارج وديمقراطيتها في الداخل، فقد نجح ترامب في إقناع الناخبين بأنه زعيم قوي، وهي السمة التي يقدّرها الناخبون أكثر من أي شيء آخر في القائد.

إعلان

لقد تباهى ترامب بأنه أعاد بناء الجيش الأميركي بعد 8 سنوات من التدهور خلال إدارة أوباما، وزعم أن انسحاب بايدن من أفغانستان أدى إلى انهيار مصداقية أميركا في جميع أنحاء العالم، وجادل بأن موسكو لم تكن لتجرؤ على مهاجمة كييف في عام 2022 لو كان لدى الولايات المتحدة رئيس حقيقي يحترمه الرئيس الروسي بوتين".

كذلك، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تكريس قيادته المباشرة، حيث تجاوز ترامب الإعلام التقليدي وخلق لنفسه قاعدة شعبية تنظر إليه كرمز للتمرد على النظام القائم، وكزعيم قادر على كسر الحصار الذي تحاول الدولة العميقة فرضه عليه، وأتاحت له ترويج شائعات وادعاءات تثير المشاعر وتلهب العواطف دون فرصة لمناقشتها.

مودي يتحدى

في الهند، ظهر ناريندرا مودي بوصفه قائدًا يعبّر عن الموجة القومية نفسها، ولكن في سياقٍ اجتماعي وديني مختلف. فقد جاء مودي من خلفية حزبية ضمن حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، وأخذ يعمل على تحويل القومية الهندوسية إلى مشروع دولة، مستندًا إلى تاريخ طويل من التوتر الطائفي والانقسام الطبقي عاشت فيه الهند. وبحسب سرديته، فالهندوس تعرضوا للتهميش عبر أكثر من 1000 سنة، حُكمت الهند خلالها من طرف البوذيين ثم المسلمين ثم البريطانيين.

باسم التنمية والوطنية، أعاد مودي تعريف العلاقة بين الدين والسياسة، وأصبح الولاء للدولة مرتبطًا بالتطابق الثقافي مع الأغلبية الهندوسية (الفرنسية)

ارتبطت بدايات مودي بخيارات شخصية غير مألوفة في البيئة الاجتماعية الهندية، فبعد زواجٍ تقليديّ أبرمته عائلته وهو في 13 من عمره، انفصل مبكرًا، بينما حافظ على انخراطه منذ أن كان في 8 من عمره في منظمة "آر إس إس" القومية الهندوسية التي سبق أن اغتال عضوها ناثورام جودسي؛ المهاتما غاندي في عام 1948، والتي تتبنى فكرة مفادها أن الهند في جوهرها أمة هندوسية في ظل تشكيل الهندوس 80% من عدد سكان البلاد.

قدّم مودي نفسه كقائد صاعد من الطبقات الدنيا يجسد قيم العمل والانضباط والنزاهة، في مواجهة النخبة التقليدية التي احتكرت السلطة منذ الاستقلال، فقد عمل في طفولته بائعا للشاي في مقهى لعائلته، ما يشكل تناقضًا مع عائلة غاندي التي تهيمن على حزب المؤتمر المعارض، والتي أفرزت 3 رؤساء وزراء، هم نهرو، وإنديرا، وراجيف غاندي.

شكّلت منظمة "آر إس إس" بالنسبة لمودي بديلًا عن العائلة ومصدرًا لهويته الفكرية والتنظيمية، وصاغت شخصيته ومساره السياسي، فمن خلالها بنى شبكة علاقات مكّنته من الصعود داخل حزب بهاراتيا جاناتا لاحقًا ليصبح رئيسا لوزراء ولاية غوجارات التي يزيد عدد سكانها عن 60 مليون نسمة، وخلال عهده نما اقتصاد الولاية بوتيرة أسرع من غيرها، ما ساهم في الترويج له كرئيس وزراء سيحقق "معجزة غوجارات الاقتصادية" في كامل أرجاء الهند.

ظلّ مودي بلا أسرة، إذ لم يتزوج بعد انفصاله المبكر، وهو ما تحوّل إلى عنصرٍ إيجابي في صورته العامة؛ إذ يرى أنصاره في ذلك دلالة على زهده وبعده عن شبهة المحاباة التي تحيط بالسياسيين الهنود عادةً. وهكذا، ساعدت خلفيته الشخصية في ترسيخ صورته كقائدٍ كرّس حياته لخدمة الدولة، لا لبناء شبكة مصالح عائلية، ما منحه رصيدًا شعبيًا في المشهد السياسي الهندي.

وباسم التنمية والوطنية، أعاد مودي تعريف العلاقة بين الدين والسياسة، وأصبح الولاء للدولة مرتبطًا بالتطابق الثقافي مع الأغلبية، ففي عام 2019 ألغت حكومة مودي الوضع الدستوري الخاص لولاية جامو وكشمير وهي الولاية الوحيدة التي بها أغلبية مسلمة، وأعقبت ذلك بحملة اعتقالات طالت كبار السياسيين الكشميريين.

ثم عزز مودي الوضع بتعديله لقانون الجنسية، ما منح أي هندوسي فار من الاضطهاد في الخارج الحق في الجنسية الهندية، كما ضيّق على منظمة العفو الدولية واضطرها إلى إغلاق مكاتبها في الهند عام 2021 بعد تجميد حساباتها المصرفية بدعوى تلقيها أموالًا غير مشروعة من الخارج. وجادلت المنظمة بأن السبب الحقيقي لاستهدافها هو أنشطتها بشأن سلوكيات الحكومة الهندية ضد المسلمين الهنود وسكان كشمير.

نتنياهو على الدرب

في إسرائيل، قدّم بنيامين نتنياهو نموذجًا مختلفًا من زعامة الرجل القوي، إذ أصبح رئيس الوزراء الأطول توليا للمنصب منذ نكبة 1948. فقد استطاع خلال 3 عقود من المناورات السياسية أن يُبقي نفسه في مركز السلطة عبر مزيج من التحالفات، وتوظيف الأمن والهوية في الخطاب العام، واستثمار الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي كوسيلة للبقاء.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب (يمين) مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطار بن غوريون الدولي في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2025 (غيتي)

فاستثمر التوتر بين اليمين واليسار، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين اليهود الشرقيين والغربيين، لتوسيع قاعدته الانتخابية على حساب خصومه. وبدلًا من السعي لتجاوز الانقسامات، جعل منها رصيدًا سياسيا عبر تقديم نفسه كزعيمٍ يقف في مواجهة النخب اليسارية التي روّج أنها تُهدد هوية الدولة، كما اعتمد مشروع قانون يهودية الدولة بحجة مواجهة التهديد الديموغرافي المزعوم من السكان العرب.

إعلان

يُقدَّم نتنياهو داخليًا باعتباره سيد الأمن والحامي الوحيد للدولة في بيئة معادية، وباعتباره الرجل الذي يستطيع إدارة الملفات الأمنية والاقتصادية في آن واحد. وقد نجح في ربط بقائه السياسي بإقناع جمهوره بأن أي بديل عنه يمثل خطرًا على الأمن القومي.

ومع اتساع نفوذ اليمين الديني، أعاد نتنياهو تعريف العلاقة بين الدين والدولة، فأدخل شخصيات من التيار الحريدي والمتشددين القوميين في قلب مؤسسات الحكم، ما أدى إلى تآكل الطابع العلماني للدولة.

وأصبحت المحكمة العليا طرفا في الصراع السياسي، خاصة بعد محاولات نتنياهو تمرير تشريعات تقلّص صلاحياتها وتتيح للحكومة التدخل في تعيين قضاتها. وعندما خسر في انتخابات 2021 زعم أنه ضحية تزوير واسع، كما أدمن على اتهام وسائل الإعلام بالكذب، والدولة العميقة بالسعي لإفشاله، وما زالت إسرائيل رهينة لقيادته.

ظاهرة القادة الأقوياء

رغم اختلاف السياقات المحلية، فإن القادة المذكورين يشتركون في سمات محددة، من أبرزها:

أولا، مركزية الشخص في مقابل المؤسسة، فالقائد هو مصدر الشرعية وصانع السياسات بينما تحولت المؤسسات إلى أدوات تنفيذ. وثانيا، الاعتماد على خطاب الهوية في مواجهة الأزمات، فكل زعيمٍ منهم استدعى مكونات الهوية القومية أو الدينية لتوحيد الداخل وتبرير مواقفه الخارجية. وثالثها، تحويل السياسة الخارجية إلى امتداد للسياسة الداخلية، إذ تُستخدم المواجهات مع الخارج لتعزيز اللحمة الداخلية، سواء في أوكرانيا بالنسبة لبوتين، أو تايوان بالنسبة لشي، أو في ملف الهجرة بالنسبة لترامب، أو في الحرب ضد الفلسطينيين بالنسبة لنتنياهو. أما السمة الرابعة فهي استخدام الأدوات الديمقراطية أو القانونية لتكريس البقاء في الحكم، عبر إعادة تعريف المفاهيم الدستورية وتفكيك الضوابط بين السلطات، وهو ما يتضح في التعديلات القضائية التي تقدمت بها حكومة نتنياهو لتقليص سلطة المحكمة العليا على الحكومة، أو إلغاء تقييد فترات الرئيس في الصين.

تعبّر هذه السمات عن تحوّلٍ أعمق في علاقة المجتمعات المعاصرة بالدولة، فالعقد الاجتماعي الذي قام على الثقة بالمؤسسات والقوانين تَحوّل إلى علاقة مباشرة بين القائد والجمهور، تُبنى على العاطفة والحب وربما الخوف، أكثر من اعتمادها على البرامج والسياسات.

وقد ساهمت الثورة الرقمية في ترسيخ هذا التحول، إذ مكّنت الزعماء من التواصل المباشر مع مؤيديهم، وأضعفت قدرة الإعلام على تشكيل الرأي العام، وأتاحت خلق فضاءات جديدة من الموالين تُغذّي خطاب العداء والاستقطاب.

عالميا، أدى صعود القادة الأقوياء إلى إعادة تشكيل النظام الدولي حول منطق القوة، فقد تراجعت قدرة المؤسسات متعددة الأطراف على ضبط التفاعلات، وأصبحت الأمم المتحدة على الهامش في معالجة الصراعات، فالمبعوثان الأميركيان ستيف ويتكوف وتوم باراك أكثر حضورا في ملفات حرب غزة ولبنان وحرب أوكرانيا من الأمين العام للأمم المتحدة، أو حتى من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

كذلك باتت التحالفات أكثر مرونة وأقل استقرارًا، إذ تُبنى على المصالح المباشرة، وهو ما ترافق مع تراجع الثقة في العولمة التي رُوّج لها منذ تسعينيات القرن الماضي، وبالأخص مع صعود مفاهيم مثل السيادة والأمن الاقتصادي وتأمين سلاسل التوريدات.

هل يستمر الصعود؟

إن هذه الموجة من صعود القادة الأقوياء تحمل تناقضاتها في داخلها، فالقائد القوي الذي يصعد باسم الاستقرار؛ غالبًا ما يُضعف مؤسسات الدولة التي يعتمد عليها، ويخلق حوله نظامًا هشًا قائمًا على الولاء الشخصي. كما أن الاعتماد المفرط على الكاريزما يجعل النظام عرضة للاضطراب عند غياب الزعيم.

تُظهر التجارب أن نجاح هؤلاء القادة في تعبئة الجمهور لا يعني قدرتهم على معالجة الأزمات الجوهرية التي تواجه دولهم، فبوتين الذي عمل لاستعادة مكانة روسيا يواجه عزلة غربية وحرب استنزاف طويلة في أوكرانيا، وترامب رغم شعبيته يواجه انقسامات داخلية متزايدة تهدد استقرار الولايات المتحدة، وهو ما تجلى في حادث اقتحام مؤيديه للكونغرس في عام 2021، ومودي يواجه تراجعًا في التعددية التي كانت سر نجاح التجربة الهندية، بينما يجد نتنياهو نفسه في مواجهة أزمات متعددة داخلية وخارجية، وسيحمل على عاتقه إرث ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ما يمكن قوله حاليا، أن مرحلة ما بعد الليبرالية لم تستقر بعد، وأن صعود القادة الأقوياء هو أحد أعراضها، وأن العالم يعيش لحظة انتقالية في انتظار أن تحدد نتائج الأزمات المتتابعة -من أوكرانيا إلى غزة- أي النماذج سيبقى وأيها سيطويه الزمن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أبعاد

إقرأ أيضاً:

النصر 45-47 هدية ترامب للشرع التي أشعلت فضول المتابعين

شهدت منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية تفاعلا كبيرا مع مقطع فيديو ظهر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يهدي عطرا ويرش منه على الرئيس السوري أحمد الشرع، وذلك خلال زيارة الأخير إلى البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن أول أمس الثلاثاء.

المقطع حظي برواج واسع بين رواد الفضاء الإلكتروني، وتصدّر النقاش بين المغردين سؤال عن نوع العطر الذي أهداه ترامب للشرع.

ترامب يهدي الرئيس السوري زجاجة عطر pic.twitter.com/H8W1P0lOlG

— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) November 12, 2025

وتداول مدونون أن العطر هو "Victory 45-47" أي "النصر 45-47″، وهو من إنتاج علامة "ترامب" نفسها، والذي صدر عام 2025، ويتكون العطر من المقدمة: الهيل ونوتات الفوجير، والقلب: إبرة الراعي، والقاعدة: الأخشاب وخشب العنبر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شاب يثير الجدل بعد تلاوته آيات قرآنية عن فرعون داخل المتحف المصري الكبيرlist 2 of 2"هوكي أم كرة قدم؟" نهائي الدوري الكندي وسط العاصفة يثير الانتباهend of list

وأشار متابعون إلى أن العطر يحمل توقيع ترامب، ويرمز إلى انتصاره الانتخابي في الرئاستين الـ45 والـ47.

???? العطر الذي أهداه #ترامب
إلي الرئيس/ #أحمد_الشرع
قد أطلقة ترامب من فترة قريبة
victory 45 – 47
الرقم 45 و 47 يرمز الي ترتيب ترامب بين رؤساء #أمريكا #سوريا_الجديدة pic.twitter.com/9du0UdTQmw

— Fares ALotaibi???????? (@faresotaibi) November 12, 2025

ويرى مختصون في مجال العطور أن اختيار ترامب عطر "Victory" يحمل دلالة رمزية تتجاوز مجرد الجمال العطري، إذ يُعد إهداء العطر تعبيرا راقيا عن المشاعر والدلالات الخفية، ويعكس المحبة أو الإعجاب أو التقدير.

كما أن اختيار نوع العطر بعناية يجعل من الهدية رسالة عطرة تعبر عن عمق الإحساس وصدق النية تجاه سوريا الجديدة وقيادتها السياسية ممثلة بالرئيس أحمد الشرع.

ما هو نوع العطر الذي قدمه ترامب للرئيس الشرع @grok هل صحيح هو من إنتاج شركات ترامب ؟؟ pic.twitter.com/82q5KDgDfx

— Dr.Mahmoud Hafez (@DrMahmoudHafez3) November 12, 2025

وعلق آخرون على المشهد مؤكدين أن تقديم العطر هدية لا يقتصر على مظهره أو رائحته، بل يحمل رمزية أعمق، حيث تُختار الروائح بعناية لتجسد التقدير والإعجاب بالمُهدى إليه، أو حتى الاعتراف بمكانته، لتتحول زجاجة العطر الصغيرة إلى رسالة غير منطوقة تعبر عن مشاعر كبيرة.

???? الكثير يسألون عن العطر الذي أهداه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسيد الرئيس أحمد الشرع .

???? العطر هو Victory 45-47 من إنتاج براند ترامب نفسه صدر عام 2025 .

????المكونات:

المقدمة: الهيل ونوتات الفوجير
القلب : إبره الراعي
القاعدة: الأخشاب و خشب العنبر. pic.twitter.com/Yr9OXxjJ4N

— Dr.Mohamed otri د.محمد عطري (@MohamedOtri) November 12, 2025

مقالات مشابهة

  • قنبلة موقوتة.. قصة "أوباما كير" الذي تسبب في الإغلاق الحكومي الأمريكي
  • نتنياهو يعلق على رسالة ترامب: سأفكر في العفو إذا عُرض عليّ
  • بعد رسالة ترامب .. هرتسوغ مستعد للعفو عن نتنياهو
  • ما ترتيب اليمن بين أفقر دول العالم في عام 2025؟
  • إسرائيل في حالة تأهب قصوى للقاء بن سلمان وترامب: “الصفقة التي ستحدد مسار نتنياهو”
  • النصر 45-47 هدية ترامب للشرع التي أشعلت فضول المتابعين
  • كيف يستمر نتنياهو وحكومته بالبقاء ومن الشخصية التي تهدده حقا؟
  • في رسالة رسمية .. ترامب يطلب من نظيره الإسرائيلي العفو عن نتنياهو
  • ماذا تعرف عن الرجل الذي فتح الباب لزمن ترامب؟