فتاوي تشغل الأذهان | حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة .. رأي الشرع في إثبات النسب بـ DNA.. هل يؤخر الصبي عن مكانه بالصف الأول رغم حرصه على الصلاة مبكرًا؟
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
فتاوى
حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس
هل يؤخر الصبي عن مكانه بالصف الأول رغم حرصه على الصلاة مبكرًا؟
نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى التى تشغل أذهان كثير من الناس نستعرض بعض منها فى التقرير التالى.
حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس
ورد الى دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه ما حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس؟ أحيانا تقتضي الحاجة في المسجد الكلام في أثناء خطبة الجمعة؛ لتنظيم حركة الناس في المسجد والأماكن التي يجلسون فيها ونحو ذلك، فهل يجوز للقائمين على المسجد الكلام وتوضيح ذلك أثناء خطبة الجمعة؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة:إنه يجوز للقائمين على أمر المسجد الكلام في أثناء الخطبة ما دام كان هناك حاجة تدعو إلى ذلك، كتنظيم حركة النَّاس وأماكن الجلوس فيه، مع التنبيه على أنَّه إن كانت الإشارة تغني عن الحركة أو الكلام، فإنَّه يقتصر عليها جلبًا للثواب وزيادة في الأجر ومحافظة على السكينة والهدوء حتى يحصل الإنصات للمصلين.
حكم كلام العاملين على المسجد في أثناء خطبة الجمعة لتنظيم حركة الناس
وأضافت عبر موقعها الرسمى أن ما يفعله القائمون على المسجد من كلام أو إشارة أثناء الخطبة؛ لتنظيم حركة الناس في المسجد والأماكن التي يجلسون فيها عند الزحام أمر فيه مصلحة العامة وليس فيه حرمة ولا يبطل ثوابها.
والدليل على عدم بطلانها بالإشارة أيضًا: ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر يوم الجمعة فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فأشار إليه الناس أن اسكت، فسأله ثلاث مرات، كل ذلك يشيرون إليه أن اسكت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الثالثة: «وَيْحَكَ! مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"، ولم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم الإشارة منهم.
بل قد ذهب الفقهاء إلى وجوب الكلام أو الإشارة في أثنائها -سواء أكان من الخطيب أم من المأمومين-، إذا كانت هناك ضرورة لذلك أو حاجة، كالتحذير من الضرر أو الأذى الذي قد يصيب أحد المصلين أو غيرهم من المارة؛ لأنَّ الإنذار يجب لحق الآدمي والإنصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة، فالصلاة تقطع لذلك.
قال الإمام زين الدين ابن نجيم المصري الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 168، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو رأى رجلًا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربًا تدب إلى إنسان، فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة؛ لأن ذلك يجب لحق آدمي، وهو محتاج إليه، والإنصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة كما في "السراج الوهاج"] اهـ.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 553، ط. دار الكتب العلمية): [فأمَّا إذا رأى أعمى يقع في بئر أو عقربًا تدب على إنسان فأنذره أو علم إنسانًا شيئًا من الخير أو نهاه عن منكر، فهذا ليس بحرام قطعًا بل قد يجب عليه، لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت] اهـ.
وقال العلامة منصور البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 53) عن وجوب الكلام في أثناء الخطبة عند حصول ضرر أو أذى: [(ويجب) الكلام (لتحذير ضرير وغافل عن بئر)، وعن (هلكة، ومن يخاف عليه نارًا أو حية ونحوه) مما يقتله أو يضره؛ لإباحة قطع الصلاة لذلك] اهـ.
وبناء على ذلك فإن الأصل الإنصات والاستماع وعدم الكلام في أثناء خطبة الجمعة؛ لتحصيل كل كلمة تخرج من فم الخطيب، إلَّا أنَّه قد لا يحرم الكلام في أثنائها؛ لضرورة أن يكون فيها إزالة ضرر قد يصيب إنسانًا أو حاجة تحقق الأصل فيه، كتنظيم حركة النَّاس؛ لتحقيق أكثر استفادة يحصلها المُصلِّي من الخطيب.
حكم إثبات النسب بـDnA
قالت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إن من وسائل إثبات النسب الإقرار والشهادة، فالإقرار: هو أن يقر الرجل ويعترف بأن هذا الطفل ولده في عقد زواج صحيح، أو أن يشهد اثنان ذوا عدل بثبوت نسب هذا الطفل الذي جاء في عقد زواج صحيح.
حكم إثبات النسب بـDnA
وأوضحت «الحنفي» في تصريحات لـ«صدى البلد»، أن إثبات النسب بـDnA فهو من وسائل الإثبات الحديثة، وهذا التحليل يحمل الصفات الوراثية لكل من الزوجين والنتيجة تصل إلى ما يقرب من 95% تقريبًا، فيعد DnA من وسائل إثبات النسب، ولا يتدخل فيها أي اتهام شرط أن يكون المركز معروف بالنزاهة.
وتابعت: أما الشهادة فقد يدخلها شهادة الزور خاصة إذا كانت الذمم ضعيفة من الناحية الإيمانية، قال تعالى: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ»، وحسمت رأيها قائلة: «نقول نعم يقدم تحليل DnA في إثبات النسب».
الزنا لا نحتاج إلى تحليل DnA
وشددت على أن الزنا لا نحتاج إلى تحليل DnA لأنه علاقة مُحرمة ومن الكبائر، وولد الزنا لا يثبت له نسب إلا لأمه فهو ينسب لأمه، لكن تحليل DnA نلجأ إليه في عقد زواج صحيح ولكن الزوج ممكن ينكر أن هذا الطفل ليس منه وينفي نسبه، فنتأكد من ذلك بالتحليل لهما للتأكد من صحة النسب.
يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية
قالت دار الإفتاء، إن مجمل القول في هذه المسألة هو أنه يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية إذا كان ذلك في عقدِ زواجٍ صحيحٍ -لا يتم اللعان فيه بين الزوجين- أو فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ؛ وذلك مراعاةً لحق الطفل، وإحياءً للولد، وحملًا لحال المرأة على الصلاح، وكذلك في حالة التنازع على مجهول النسب، والاشتباه في المواليد وأطفال الأنابيب، وفي حالة ضياع الأطفال وحدوث الحوادث أو الكوارث أو الحروب وصعوبة التعرف عليهم، أما في حالة الزنا فلا يثبت نسب الطفل إلى الزاني أصلًا، وإنما يُنسَب لأمه فقط؛ لأن ماء الزنا هدَرٌ؛ أي لا يُعتَدُّ به شرعًا.
وأفادت دار الإفتاء: أما نفي النسب بالبصمة الوراثية فلا يجوز شرعًا؛ لأن التحاليل يحتمل فيها الخطأ وإن دلَّت على النفي أو الإثبات يقينًا، فإن ذلك اليقين في نفسه يقع الظنُّ في طريق إثباته، مما يجعله غير معتدٍّ به شرعًا في نفي النسب.
إثبات النسب وشروطه
أبانت دار الإفتاء، أن من المقرر شرعًا أن ثبوت النسب فرعٌ عن الزواج الصحيح أو الفاسد -أي الذي فقد شرطًا مِن شروط صحة النكاح- أو في حالة الوطء بشبهة؛ كأن يطأ امرأةً ظنًّا منه أنها زوجته فيظهر خلاف ذلك، والأبوة علاقةٌ شرعيةٌ لا طبعيةٌ؛ أي إنَّ نسب الطفل إلى مَن تَخَلَّق مِن مَائِهِ إنما يثبت مِن طريق الشرع لا مِن طريق الطبع.
وتابعت: أمَّا النسب بين الطفل وأمه فيثبت مِن جهة الطبع؛ لأن الأمومةَ علاقةٌ طبعيةٌ، وهو الأمر الذي يُمكن اكتشافه عن طريق البصمة الوراثية التي تبين تَخَلُّقَ هذا الطفل مِن رجلٍ ما وامرأةٍ ما، ومعنى هذا: أن المتخلق مِن ماء الزنا ليس ابنًا للزاني؛ حيث تم الاجتماع بين الرجل والمرأة مِن غير عقد زواج، وإن كان بالطبع هو ابنٌ للزانية؛ حيث حملته في بطنها ووُلِد منها قطعًا، فتجري عليه أحكام هذه البنوة في شأن المحرمية والميراث وغير ذلك، ولا يثبت نسب الطفل إلى الرجل إلَّا إذا كان اجتماعه مع أمه في عقدٍ صحيحٍ أو حتى فاسدٍ أو في وطءِ شبهةٍ، فإذا انتفى العقدُ فلا يثبت النسبُ شرعًا بإجماع الأمة.
وواصلت: وهو منصوصُ القانونِ المصري؛ حيث ورد في المادة الخامسة عشرة مِن قانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000م أنه: [لا تُسمَع عند الإنكار دعوى النسب لولدِ زوجةٍ ثَبَتَ عدمُ التلاقي بينها وبين زوجها مِن حين العقد، ولا لولدِ زوجةٍ أَتَتْ به بعد سنةٍ مِن غَيبةِ الزوجِ عنها، ولا لولدِ المطلَّقةِ والمتوفى عنها زوجُها إذا أَتَت به لأكثرَ مِن سنةٍ مِن وقت الطلاق أو الوفاة].
ثبوت الإقرار بالنسب
ونبهت على أنه لا يُشترط في ثبوت الإقرار بالنسب أن يكون في مجلس القضاء، ولا أن يكون مقرونًا بما يبين وجهه، ولا أن يكون صاحبه صادقًا في نفس الأمر، ما لَم تُكَذِّبه بينة، ولا يُشترط أيضًا أن يكون صريحًا، بل يجوز أن يكون ضمنًا؛ كسكوت الأب عند تهنئته بالمولود مثلًا، ولا يشترط أن يكون باللفظ بل يجوز أن يكون بالإشارة حتى مع القدرة على العبارة، وبالكتابة الخالية مِن مَظِنَّةِ التزوير، كما تصح في بينة النسب الشهادة بالتسامع، كما هو الراجح والمعمول به في ذلك كله في فقه السادة الحنفية.
وأكملت: يجب على القاضي أن يحتال بكل وجهٍ لإثبات النسب؛ لأن المشرِّع يتشوف إلى إثبات النسب مراعاةً لحق الطفل، وإحياءً للولد، وحملًا لحال المرأة على الصلاح، ولذلك أثبت النسب بشتى الوسائل: كالشهادة، والإقرار، والقيافة، وغيرها من الوسائل، فإذا تبين للقاضي أن الطفل وُلِد مِن زواجٍ صحيحٍ أو حتى مِن زواجٍ فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ فعليه أن يحكم بثبوت النسب، وله أن يأخذ في هذا الصدد بالوسائل العلمية المادية التي توصل إلى معرفة الحقيقة، أمَّا إذا لم يثبت لديه شيءٌ مِن ذلك، بل كان الأمرُ محضَ زنًا فيجب عليه أن لا يُثبِت النسب بين ذلك الطفل وهذا الرجل، حتى لو ثبت بالبصمة الوراثية أن هذا مِن هذا؛ حيث لا يثبُتُ النسب إلَّا مِن جهة الشرع، لا بالطبع.
استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب
وشددت على أنه أنه يجوز إثبات النسب بالبصمة الوراثية باعتبارها مِن الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات إذا كان ذلك في عقدِ زواجٍ صحيحٍ أو فاسدٍ أو وطءِ شبهةٍ، أما في حالة الزنا فلا يثبت نسب الطفل إلى الزاني، وإنما يُنسَب لأمه فقط؛ لأن ماء الزنا هدَرٌ؛ أي لا يُعتَدُّ به شرعًا، كما أن مِن المقرر شرعًا أن الإقرار بالنسب إذا تمَّ مستوفيًا لشروطه فإنه لا يقبل الإنكار بعد ثبوته ولا يحتمل النفي ولا ينفك بحال، وذلك سواء أكان المُقِرُّ صادقًا في الواقع ونفس الأمر أم كاذبًا؛ حيث نص الفقهاء على أنه إذا أقر الرجل لولدٍ لم يَدَّعِه غيرُه بأنه ولدُه، وكان هذا الولد يولَد مثلُه لمثل المُقِرِّ، ولم يصرح المقِرُّ أن هذا الولد مِن الزنا، ولم يكن هذا الولد مِن أهل التصديق بأن كان لا يُعبِّر عن نفسه، أو كان الولدُ مِن أهل التصديق وصدَّق المُقِرَّ في إقراره: يثبت نسبه مِن المُقِر، ولا يصح للمقر الرجوعُ في إقراره؛ لأن النسب بعد ثبوته لا يقبل الإبطال ولا يصح بعد ذلك نفيه ولا إقرارُ شخصٍ آخر ببُنُوَّتِه.
الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب
ولفتت إلى أن الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب غير معتدٍّ به شرعًا؛ حيث إن التحاليل يعتريها الخطأ البشري المحتمل، وحتى لو دلت البصمة الوراثية في نفسها على نفي النسب أو إثباته يقينًا فإن ذلك اليقين في نفسه يقع الظنُّ في طريق إثباته، مما يجعل تقرير البصمة الوراثية غير قادر على نفي النسب، أما إثبات النسب بهذه البصمة فلا يكون إلَّا في عقد صحيح لا يتم اللعان فيه بين الزوجين، فإن تم اللِّعان فاللِّعان أقوى مِن البصمة الوراثية.
ما يجوز فيه الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسبيجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:
1- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء؛ سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.
2- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
3- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثثٍ لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق مِن هويات أسرى الحروب والمفقودين.
ولخصت دار الإفتاء فتواها قائلة: لا مانع شرعًا مِن إلزام المنكِر سواء أكان الرجل أم المرأة أم طرَفًا آخر -كالولي مثلًا- بإجراء تحليل البصمة الوراثية في إطار الزوجية وذلك عندما يدعي أحدهما أو كلاهما قيام علاقة زوجية بينهما مع عدم وجود مانع شرعي للزواج بين الرجل والمرأة ولو لم تثبت تلك العلاقة الزوجية بينهما في ذاتها بشهود أو توثيق أو نحوهما، وكذلك الحال في حدوثِ وطءٍ بشبهةٍ أو عقدٍ فاسدٍ بينهما؛ وهذا لإثبات نسبِ طفلٍ يدَّعي أحدُهما أو كلاهما أنه وُلِدَ منهما، وفي حالة رفض المدَّعَى عليه إجراء التحليل المذكور يُعَدُّ الرفضُ قرينةً قويةً على ثبوت نسب هذا الطفل له، وإن لم نلتفت إلى بقاء الزوجية في ذاتها والآثار المترتبة عليها؛ فإن إثبات النسب لا يعني استمرار قيام الزوجية، وإذا ثبت عدم صحة نسب المولود مِن المدعَى عليه يُعَدُّ المدَّعي للعقوبة التعزيرية المناسبة التي يقررها ولي الأمر.
هل يؤخر الصبي عن مكانه بالصف الأول رغم حرصه على الصلاة مبكرًا؟
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: صبيٌّ جاوز العاشرة مِن عُمره، يُحسِن الصلاة ويرتاد المسجد، ويأتي قبل الإقامة للصلاة بوقتٍ كافٍ ليُدرِك الصف الأول ويَقِف فيه، فهل يُؤَخَّرُ هذا الصبي عن مكانه الذي سَبَقَ إليه ووَقَف فيه مِن الصَّفِّ الأول لِكي يَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: الصبي المذكور أَوْلَى بالصف الأول مِن غيره مِن الرجال ما دام قد سَبَقهم إليه بتبكيره الحضورَ إلى المسجد وكان يُحسِن الصلاةَ، ولا يُؤَخَّرُ الصبيّ عن الصفِّ الأول لِيَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه؛ فإنَّ مَن سبق إلى موضعٍ في المسجد للصلاة فهو أحقُّ به.
حكم إمامة الصبي في صلاة الفريضة
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم إمامة الصبي المُمَيِّز لأمه أو أفراد أسرته في صلاة الفريضة بهدف تحصيل ثواب الجماعة؟
وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إنه تجوز شرعًا إمامة الصبي المميِّز لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاةِ الفريضة؛ خاصة إذا كان ذلك من باب تشجيع الصغار مِن الأولاد على التهيُّؤ لصلاة الجماعة، والرغبة في الوصول لمنزلتها، وقصدًا لتحصيل ثوابها.
وتابعت: وتكون صلاة المقتدي به صحيحةً كما هو معتمد مذهب السادة الشافعية ومَن وافقهم؛ ما دام عالِمًا بأحكام الصلاة، وملتزمًا بشروط صحتها.
ونبهت دار الإفتاء، على أنَّ هذا السؤال الوارد إنما هو في سياق التواصي بالخير والعمل الصالح بين أفراد الأسرة الواحدة، وليس في سياق بيان الأحقّ بالإمامة في الصلاة.
وأكدت دار الإفتاء أن إمامة الصلاة في الإسلام لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ إذ بها تُقام جماعة المسلمين فتفضل صلاتهم وترتفع درجاتها، وتزيد بسبعٍ وعشرين درجةً عن صلاتهم منفردين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.
فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» أخرجه مسلم في "صحيحه".
وإنما قَدَّم الشرع لإمامة المصلين أفضلهم وأعلمهم: رعايةً لأحكام الصلاة وشروطها؛ إذ الإمام ضامنٌ لصلاتهم، فإن أصاب فَلَهُ وَلَهُم، وإن أخطأ فعليه ولا عليهم؛ ولذلك استحقَّ الأئمةُ دعاءَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالرشد؛ لِعِظَمِ ما أقامهم اللهُ فيه من أمر الصلاة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجمعة خطبة الجمعة الصبي الصف الأول الصلاة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الکلام فی أثناء فی إثبات النسب نسب الطفل إلى دار الإفتاء بالصف الأول فی المسجد هذا الطفل عقد زواج تحلیل DnA لا یثبت أن یکون فی حالة ف الأول إذا کان ن مکانه ت النسب الم ق ر أن هذا فی عقد على أن
إقرأ أيضاً:
هلا شققت عَن قلبِهِ؟.. موضوع خطبة الجمعة اليوم
يؤدي الأئمة اليوم 14 من نوفمبر 2025م، الموافق 23 من جمادى الأولى 1447ه، خطبة الجمعة فى المساجد تحت عنوان: ميزانُ الشَّرِيعةِ فِي النَّوايَا: لَا تَفتيشَ ولَا اتِّهام (هَلّا شَقَقْتَ عَن قَلْبِهِ؟).
وأوضحت الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو إبراز مكانة الرحمة التي دعا إليها الإسلام، وبيان منهجه في صون حقوق الإنسان والتعامل مع الناس بروح التسامح بعيدًا عن مظاهر التشدد أو التعصب.
وأكدت انه خطبة اليوم تحث على أهمية عدم الحكم على الناس من الهيئة الخارجية، أو عن طريق مشاهدة الأفعال دون أن يعرف المسلم نية من يفعل هذا، فقد يظن بعض الأشخاص أن شخصا ما يفعل عملا رياء أو سمعة، بينما هو يفعله لوجه الله؛ وبالتالي يكون قد ظلمه، وبخس حقه.
وأوضحت أن اختيار هذا الموضوع يأتي في إطار جهودها المستمرة لترسيخ المفاهيم الدينية الصحيحة ونشر قيم التعايش والاحترام المتبادل، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية أرست مبادئ إنسانية راسخة تقوم على العدل وحفظ الكرامة الإنسانية دون تمييز.
كما أعلنت الأوقاف أن الخطبة الثانية ضمن سلسلة «صحح مفاهيمك» ستكون بعنوان «خطورة الرشوة»، في خطوة تهدف إلى معالجة القضايا الأخلاقية والسلوكية التي تؤثر سلبًا على المجتمع وقيمه وتماسكه.
وجاء نص خطبة الجمعة اليوم كالتالي:
الحمدُ للهِ الَّذي خَلَقَ فَهَدَى، ووهبَ العقلَ لِيُدرِكَ، وأنزلَ الشريعةَ لِتَكونَ رحمةً للناسِ وعدلًا وقِسطًا بينهم، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، جعلَ حقوقَ العبادِ حرماتٍ مصونةً لا تُستباحُ بظنٍّ ولا شُبهة، وأشهدُ أن سيدَنا محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ، ومَنِ اهتدى بهديهِ إلى يومِ الدين. أمّا بعدُ،
فيا عبادَ اللهِ، إنّ من أعظمِ ما تميّزت به هذه الشريعةُ المباركةُ أنّها صَانَت الدماءَ والأعراضَ، وأغلقت أبوابَ الفوضى والغلو. وقد ضربَ لنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم أروعَ الأمثلةِ في هذا الباب، وفي مقدّمتها قصتُهُ الخالدةُ مع أسامةَ بنِ زيدٍ رضي اللهُ عنهما حين قال لهُ قولتَهُ المزلزِلة: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟».
العُنْصُرُ الأَوَّلُ: مَعْنَى “هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» وَدَلَالَتُهُ الكُبْرَى
روى الإمامُ البخاري (4269)، ومسلمٌ (96) : “بعثَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ سريَّةً إلى الحُرقاتِ فنَذروا بنا فَهَربوا فأدرَكْنا رجلًا فلمَّا غشيناهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فضَربناهُ حتَّى قتلناهُ فذَكَرتُهُ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: من لَكَ بِ ( لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّما قالَها مَخافةَ السِّلاحِ. قالَ: أفلا شقَقتَ عن قلبِهِ حتَّى تعلمَ مِن أجلِ ذلِكَ قالَها أم لا؟ مَن لَكَ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يومَ القيامةِ؟ فما زالَ يقولُها حتَّى وَدِدْتُ أنِّي لم أُسلِم إلَّا يومئذٍ“.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْفَاعِلُ فِي قَوْلِهِ: أَقَالَهَا هُوَ الْقَلْبُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَا فِيهِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ الْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ مِنَ اللِّسَانِ فَقَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ كَانَتْ فِيهِ حِينَ قَالَهَا وَاعْتَقَدَهَا أَوْ لَا، وَالْمَعْنَى أَنَّكَ إِذَا كُنْتَ لَسْتَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ فَاكْتَفِ مِنْهُ بِاللِّسَانِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَثْبَتَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ. فتح الباري ج12، ص196.
الحكمُ بالظاهر… أصلٌ شرعيٌّ لا يُعارضه ظنٌّ ولا شبهة
دلّ هذا الحدثُ على قاعدةٍ كليةٍ في الشريعة: أنَّ اللهَ لم يُكلّف العبادَ بمعرفة البواطن، وإنما أناط الأحكامَ بالظواهر، قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]. قَالَ قَتَادَةُ: “لَا تَقُلْ سَمِعْتُ وَلَمْ تَسْمَعْ وَرَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ وَعَلِمْتُ وَلَمْ تَعْلَمْ”. تفسير الطبري (14/594)، وابن كثير (5/75)، القرطبي (10/257)، والرازي (20/339)، والبغوي (3/132).
وقالَ النبيُّ ﷺ: “… إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ...”. البخاري (4351)، ومسلم (1064). قالَ النَّوَوِيُّ: «مَعْنَاهُ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» (شرح النووي على مسلم، ج7، ص163).
ومنْ هنا كانَ معنى قولِ النبيِّ ﷺ: «هلا شققت عن قلبه؟» أيْ: ألديكَ قدرةً على معرفةِ ما فيهِ؟ وهلْ كُلِّفتُ أنا بذلكَ حتى أُكلَّفكَ أنتَ؟
حمايةُ الدماءِ… أوّلُ مقاصدِ الحديثِ: إنَّ أعظمَ مقصودٍ من هذا الحديثِ هو سدُّ بابِ القتلِ بالظنِّ، وهو بابٌ إذا فُتحَ خُرّبتِ الأممُ وانتشرَ الغلوُّ. ولذلكَ غضبَ النبيُّ ﷺ غضبًا شديدًا. فالنبيُّ ﷺ لم ينكرْ على أسامةَ مجردَ التصرفِ، بل أنكرَ منهجًا خطيرًا كان يمكنُ أن يصيرَ أصلًا للغلوِّ والاعتداءِ لو تُركَ دونَ بيانٍ.
خطورةُ الظنِّ… وكيفَ يمنعُهُ الحديثُ: لقدْ جاءَ الشرعُ بإغلاقِ هذا البابِ من جهاتٍ متعددةٍ: قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: 12]، وقال ﷺ: «إياكم والظنَّ فإن الظنَّ أكذبُ الحديث”. البخاري (رقم 5143)، مسلم (رقم 2563).
وقد كان الصحابةُ يدركون خطورةَ هذا الباب، ففي الصحيحين أن المقدادَ بنَ الأسودِ سألَ النبي ﷺ: “يا رسولُ اللهِ أرَأَيْتَ إنْ لَقِيتَ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَتْ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولُ اللهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللهِ إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ”. البخاري (رقم 4019)، مسلم (رقم 95)..
أثرُ الحديثِ في قطعِ جذورِ الغلوّ: إنَّ أوَّلَ بُذورِ الغلوِّ تبدأ هكذا: ظنٌّ بالقلبِ…، سوءُ تأويلٍ لعملٍ…، اتِّهامٌ بغيرِ بيِّنةٍ…، ثمَّ تكفيرٌ وعدوانٌ. وجاء هذا الحديثُ العظيمُ ليضعَ بينَ المسلمِ وبينَ هذه الهاويةِ سدًّا منيعًا: لا تتَّهمْ… لا تظنَّ… لا تقطعْ… لا تحكمْ على ما لا تعلمُ. ولو تربَّى الشبابُ على هذا الأصلِ لانطفأتْ نارُ التكفيرِ، ولما وجدتْ الجماعاتُ المتشدِّدةُ مدخلًا إلى عقولِهم؛ لأنَّ بابَها الأكبرَ هو: الظنُّ بالناسِ والحكمُ على نيَّاتِهم.
ولهذا قالَ الماورديُّ تعليقًا على هذا الأصلِ الجليلِ: لَمْ يَفْتِشْ سَرائرَهم، وَلَمْ يُؤاخِذْهم بما يُخفونَهُ في ضمائرِهم، فإنَّ ضمائرَ القلوبِ لا يُؤاخَذُ بها إلَّا علَّامُ الغيوبِ”. تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك للماوردي ص284.
وهذا هو جوهرُ الحديثِ: “هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ”، أي: أأُمرتَ بذلكَ؟ أم تُركتَ للظاهرِ الذي أظهرَهُ؟رإنهُ منهجٌ يُقيمُ العدلَ، ويحفظُ الأنفسَ، ويجعلُ المجتمعَ سليمًا من الظنونِ، بعيدًا عن الغلوِّ، قائمًا على الرحمةِ التي جاءَ بها الإسلامُ.
العُنْصُرُ الثَّانِي: حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ
أصلُ الأخوة في القرآن والسنة: يُّها المؤمنون، إنَّ اللهَ تعالى جعلَ رابطةَ الإيمانِ أقوى من رابطةِ النَّسَبِ، فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. وقال ابنُ كثيرٍ في تفسيره: “الجميعُ إخوةٌ في الدينِ، كما قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم: “المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلمُهُ، ولا يسلِمُهُ“. البخاري (2442)، ومسلم (2580). [تفسير ابن كثير، ج7، ص375].
وفي الصحيح قال النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ» [البخاري (2442)، ومسلم (2580). مسلم بشرح النووي ج16 ص120].
فهي ثلاثةُ أسسٍ تحفظُ كيانَ المجتمع: منعُ الظلمِ، ومنعُ الخذلانِ، ومنعُ الاحتقارِ، وكلٌّ منها جدارٌ أمام الغلوّ وسوء الظن.
أعظمُ حقوقِ الإيمان: ومن أعظمِ الحقوقِ قولُه صلى اللهُ عليهِ وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [البخاري (13)، مسلم 45].
قَالَ النَّوَوِيّ وَالْمرَاد يحب لَهُ من الطَّاعَات والأشياء الْمُبَاحَات وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ حَتَّى يحب لِأَخِيهِ من الْخَيْر. قَالَ بن أبي زيد الماكي جماع آدَاب الْخَيْر تتفرع من أَرْبَعَة أَحَادِيث (1) حَدِيث لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ (2) وَحَدِيث من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو لِيَسْكُت (3) وَحَدِيث من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه (4) وَقَوله للَّذي اختصر لَهُ وَصِيَّة لَا تغْضب وهذا الحقّ يعالجُ جذورَ الغلظةِ والحسدِ والتنافسِ، ويؤسِّسُ لرحمةٍ تُغلقُ منافذَ التكفيرِ والعداوة”. شرح السيوطي علي مسلم ج1، ص61.
الحقوقُ الستةُ في تعاملِ اليومِ والليلةِ: وفصّلَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم حقوقَ المسلمِ في الحديثِ المتفقِ عليهِ: «حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ» [البخاري (1240)، مسلم (2162)].
قصةُ سعدِ بنِ الربيعِ وعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ: ومن أروعِ المشاهدِ ما كان يومَ آخى النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم بين المهاجرين والأنصارِ، فجاءَ سعدُ بنُ الربيعِ فقالَ لعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ: «إني أكثرُ الأنصارِ مالًا، فخذْ نصفَ مالي…” والقصةُ في [السيرةِ النبويةِ لابنِ هشامٍ، ج2، ص108].
نصرةُ المسلمِ ومنعُ الظلمِ: ومن الحقوقِ العظيمةِ قولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «انصرْ أخاكَ ظالمًا أو مظلومًا» [البخاري 6952]. فسّرَها النبيُّ بقولِهِ: «تَحْجُزُه أو تَمْنَعُه من الظلمِ فذلكَ نصرُه» [البخاري 6952].
فهذهِ النصرةُ ليست تحزّبًا ولا عصبيّةً، بل قيامٌ بميزانِ العدلِ، وهو ما يمنعُ جذورَ العنفِ والغلوِّ.
بابُ السَّترِ وإطفاءِ الفتنِ: ومن الحقوقِ الجليلةِ: السَّترُ؛ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ» [البخاري (2442)، ومسلم (2580) ]. وهو بابٌ لو فُتحَ لانطفأتْ نارُ الفتنِ التي يُشعلُها أهلُ التشهيرِ والتجسّسِ.
قصةُ الرجل الذي أحبَّ رجلًا في اللهِ: وفي الصحيحِ: “زارَ رجُلٌ أخًا لَهُ في قريَةٍ فأرْصَدَ اللهُ لَهُ ملَكًا علَى مَدْرَجَتِه، فقال: أينَ تُرِيدُ؟ قال: أخًا لِي في هذِهِ القرْيَةِ، فقال: هل لَّهُ عليكَ مِنْ نعمةٍ ترُبُّها؟ قال: لَا؛ إلَّا أنِّي أُحِبُّه فِي اللهِ، قال: فإِنَّي رسولُ اللهِ إليكَ أنَّ اللهَ أحبَّكَ كمَا أَحْبَبْتَهُ» [مسلم 2567، والبخاري في الأدب المفرد 350]. إنها محبّةٌ خالصةٌ لا مصلحةَ فيها، تُزكّي القلوبَ وتُطفئُ نارَ الغلوِّ.
فضلُ اتباعِ الجنازةِ: وفي الصحيحِ: “من صلَّى على جنازةٍ فلَهُ قيراطٌ ومنِ انتظرَها حتَّى توضعَ في اللَّحدِ فلَهُ قيراطانِ والقيراطانِ مثلُ الجبلينِ العظيمينِ» [البخاري (1325)، مسلم 945].
وما ذاكَ إلّا لأنها رابطةٌ آخرَ الحياةِ، تُذكّرُ بالموتِ، وتُربّي على الرحمةِ، وتكسِرُ الغرورَ الذي يقودُ إلى الغلوِّ.
أخوّةٌ تمنعُ الغلوَّ: هذهِ الحقوقُ كلُّها—سلامٌ ونصيحةٌ وسترٌ ونُصرةٌ وعيادةٌ وجنازةٌ—ليستْ مجردَ مكارمَ، بل “حُصونٌ” تمنعُ دخولَ الغلوِّ إلى المجتمعِ؛ لأنَّ القلبَ الذي يعتادُ الرحمةَ لا يعرفُ التكفيرَ، والنفسَ التي تستحي من اللهِ في حقِّ أخيها لا تتجرّأُ على اتهامِ نيّتِه، والمجتمعَ الذي يُقيمُ الحقوقَ لا يسمحُ بظلمٍ ولا بشبهةٍ ولا بسوءِ ظنٍّ.
فحقوقُ المسلمِ هي السورُ الحامي من الفكر المتشدد، وهي التطبيق العملي لمعنى: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟
العُنْصُرُ الثَّالِثُ: الدِّينُ المُعَامَلَةُ… وَمَبْدَأ التَّعَامُلِ بِالحُسْنَى
أيُّها المؤمنون، إنَّ الشريعةَ الغرّاءَ لم تجعل العباداتِ مقصودةً لذاتها فقط، بل جعلتها سبيلًا لتزكيةِ النفوسِ وتقويمِ الأخلاقِ. ومن هنا جاءت قاعدةُ «الدينُ المعاملةُ» وإن لم تردْ بلفظٍ صحيحٍ، فإنَّ معناها ثابتٌ بآياتٍ محكمةٍ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقالَ تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: 34]. هذه الآياتُ تُقيمُ خُلُقَ المسلمِ على الحُسنى، وتُنزّلُه منازلَ الإحسانِ في كلِّ معاملةٍ.
وقد لخّص النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم هذا الأصلَ الشريفَ بقوله: «إنما بُعثتُ لأتمّمَ مكارمَ الأخلاقِ» [البزار (8949)، والبيهقي (21301). وأحمد (8952)، والحاكم (4221)، صحيح]. فالأخلاقُ ليست تحسيناتٍ اجتماعية، بل هي روحُ العبادةِ، وميزانُ الامتثالِ، ودليلُ صدقِ العبدِ مع ربّهِ ومع الناسِ.
ومن أظهرِ شواهدِ التعاملِ بالحسنى ما جاء في الصحيحين في قصةِ الأعرابيِّ الذي بالَ في المسجدِ، فرفقَ به النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم، وقالَ للقومِ: «دعوهُ» ثم علّمه برفقٍ. ففي هذا الموقفِ تتجلّى الحكمةُ النبويةُ في تحويلِ الخطأ إلى هداية، والعنفِ إلى رحمة.
ومثل ذلك ما وقع مع صفوانَ بنِ أميّة، فقد أكرمه النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلم بالعطاءِ والصفحِ حتى قال: «ما طابتْ نفسُ أحدٍ بمثلِ ما طابتْ به نفسُ محمدٍ» [السيرة النبوية لابن هشام، ج4]. لقد فَتَحَ الخلقُ ما أغلقته الحروبُ، وأسلمتْ قلوبٌ قاسيةٌ حين رأتِ الحلمَ والصفحَ.
وفي الصحيحِ أيضًا أن جبريلَ قالَ للنبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: «إِنَّهُ لم يكنْ نبيٌّ قبلي، إلَّا كان حقًا عليْهِ أنْ يَدُلَّ أمتَهُ على ما يعلَمُهُ خيرًا لهم، ويُنْذِرَهُمْ ما يعلَمُهُ شرًا لهم… فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ، فلْتَأْتِهِ منيتُهُ وهوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ، الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه» [مسلم 1844]. فدلَّ على أن الإيمانَ الذي لا يُنتجُ خُلُقًا، ولا يخلّف إحسانًا، إيمانٌ ناقصٌ لا يزحزحُ صاحبهُ عن النارِ.
وليست الحُسنى ضعفًا؛ بل هي قوّةُ الحكمةِ، وشدّةُ الرحمةِ، وعمقُ الفقهِ. فمن تخلّق بالحُسنى نجا من الغلوّ؛ لأن الغلوَّ يعيشُ في بيئةٍ قاسيةٍ، ويموتُ في بيئةٍ رحيمةٍ. ولذلك كان «هلا شققتَ عن قلبه» ميزانًا للتعاملِ مع الخلقِ: لا حكمَ على النياتِ، ولا عدوانَ على السرائرِ، بل إحسانٌ ظاهرٌ، ودعوةٌ بالحكمةِ، ورحمةٌ تهدي ولا تجرح.
وإذا اجتمع التعاملُ بالحسنى مع حقوقِ المسلمِ ومع قاعدةِ «هلا شققتَ عن قلبه» نشأ جيلٌ سليمُ القلبِ، طاهرُ اللسانِ، بعيدٌ عن العنفِ والظنونِ وسرعةِ التكفيرِ. فالحسنى تُطفئ نارَ الغضب، وتُزكّي النفوس، وتُقيم المجتمعَ على العدلِ والرحمةِ التي جاء بها الإسلام.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، نحمدُه على نعمة الإسلام، ونعمة الهداية، ونعمة السكينة التي يُلقيها في قلوب عباده المؤمنين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُنير الطريق، وتُقوّم الأعمال، وترفع صاحبها عند الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمامُ المتقين، وقدوةُ العالمين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد؛ فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن دينَكم دينُ رحمةٍ وعدلٍ وإنصافٍ، لا يعرفُ الظلم، ولا يقبل الغلوّ، ولا يرضى بالاعتداء على حقوق الناس؛ لأن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة، والغلوَّ يُطفئ نور القلب، ويُعمّي البصر، ويفتح أبواب الفتن.
العُنْصُرُ الرَّابِعُ: هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ… مِعْيَارُ الرَّحْمَةِ وَفِقْهُ التَّبَيُّنِ
فِقْهُ التَّبَيُّنِ وَمَنْعُ الظَّنِّ: إنَّ أوَّلَ مبدأٍ يُواجهُ به الإسلامُ الغلوَّ وسُرعةَ الاتهام، هو مبدأُ التَّبَيُّنِ الذي وَرَدَ في قولهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: 94]. قالَ القرطبي في تفسيره: «وَفِي هٰذَا مِنَ الْفِقْهِ بَابٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ أَنَّ الْأَحْكَامَ تُنَاطُ بِالْمَظَانِّ وَالظَّوَاهِرِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَاطِّلَاعِ السَّرَائِرِ» (تفسير القرطبي، ج5، ص291).
ومعنى التَّبَيُّنِ هنا ليس مجرّد النظر، بل هو منعُ تُجّارِ الشُّبَهِ، وإغلاقُ أبوابِ الظنّ، وتحكيمُ الظاهر الذي جعلَه الشرعُ ميزانًا في التعاملِ مع الناس. ولذلك قالَ النبيُّ ﷺ لأسامةَ بْنِ زَيْدٍ — لَمَّا استعجلَ في قتلِ رجلٍ نطق بالشهادة —: «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ»؛ وفي رواية أخري لمسلم: “أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَكَيفَ تَصْنَعُ بلَا إلهَ إلَاّ اللهُ، إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُول الله، اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: «وكَيفَ تَصْنَعُ بِلا إلهَ إلَاّ الله إِذَا جَاءتْ يَوْمَ القِيَامَةِ؟» فَجَعَلَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيفَ تَصْنَعُ بِلَا إلهَ إلَاّ الله إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ القِيَامَةِ”. مسلم (97). أي: لِمَ لَمْ تحكم بالظاهرِ وتتركِ السرائرَ للهِ؟
, قالَ النبيُّ ﷺ: “… إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ عن قُلُوبِ النَّاسِ ولَا أشُقَّ بُطُونَهُمْ...”. البخاري (4351)، ومسلم (1064). قالَ النَّوَوِيُّ: «مَعْنَاهُ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» (شرح النووي على مسلم، ج7، ص163).
سُوءُ الظَّنِّ وَبِنَاءُ مُجْتَمَعِ الرَّحْمَةِ: إنَّ أخطرَ ما يُفسدُ القلوبَ ويُولِّدُ الغلظةَ والغلوَّ هو سُوءُ الظَّنِّ، وقد نهى اللهُ تَعَالَى عنهُ نهيًا صريحًا فقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]. وقالَ البُخَارِيُّ عن أبي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: «إيَّاكُمْ والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديثِ» البخاري (رقم 5143)، ومسلم (2563).
حُرْمَةُ الإِنْسَانِ فِي الإِسْلَامِ… قِيمَةٌ لَا تُسْقِطُهَا دِيَانَةٌ وَلَا لَوْنٌ: إنَّ الإسلامَ لم يأتِ ليصنعَ طبقاتٍ بشرية، ولا ليرفعَ إنسانًا بلونٍ أو نسبٍ، بل جاءَ بتكريمٍ شاملٍ يعمُّ الخليقةَ كلَّها؛ قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وهذا التكريمُ — كما يقولُ الإمامُ الفخرُ الرازي في “التفسير الكبير” (ج21، ص26، دار الكتب العلمية) — «تشريفٌ مطلقٌ يشملُ المؤمنَ والكافرَ، والبرَّ والفاجرَ، لأن الأصلَ هو الإنسانيةُ التي خلقها اللهُ بيدهِ ونفخَ فيها من روحه”.
وقد جسّدَ النبيُّ ﷺ هذا المبدأَ في موقفٍ جليلٍ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ: مرّت جنازةٌ يهوديّ، فقامَ لها النبيُّ ﷺ، فقالوا: إنها جنازةُ يهوديّ، فقالَ ﷺ: «أليسَتْ نفسًا؟» البخاري (رقم 1312)، ومسلم (رقم 961).
ولم يكن هذا التكريمُ نظريًا، بل كانَ واقعًا عمليًا؛ فقد روى الطبراني في “المعجم الكبير” (ج6، ص136، رقم 5769) عن عبدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضيَ اللهُ عنهما أنهُ رأى غلامًا أسودَ يعملُ عندَ قومٍ، وكان معهُ كلبٌ جائعٌ، فكان الغلامُ يُقسّم رغيفَهُ بينه وبين الكلب، فقالَ له عبدُ الله: “لِمَ تُطعِمُهُ وهو ليسَ لك؟” فقال الغلامُ: “إنهُ جائعٌ، ولا أحبُّ أن يحسّ مخلوقٌ بالجوعِ وأنا أقدرُ على إطعامِهِ”. فاشترى عبدُ اللهِ الغلامَ والبستانَ وأعتقهُ لله. قال الذهبيُّ في “سير أعلام النبلاء” (ج3، ص133): «وكان هذا الغلامُ مثالًا في الرحمةِ التي يغرسها الإسلامُ في النفوس، حتى يرحمَ الإنسانُ الحيوانَ فكيفَ بآدميٍّ مثله”.
أيُّها المؤمنون، إنَّ حديثَ «هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» ليس قصةً تُروى، بل منهجُ حياةٍ يُبنى: منهجُ رحمةٍ، وعدلٍ، وتثبّتٍ، وتركٍ للحكمِ على النّيات، وإقامةٍ للناسِ على ظاهرهم، وتركٍ لسرائرهم لربِّهم الذي خلقهم. وهذا هو الذي دلّت عليه النصوص المحكمة، قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وقال ﷺ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» متفقٌ عليه: البخاري (رقم 4351)، مسلم (رقم 1064).
اللَّهُمَّ يا رَبَّنَا، طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ الغِلِّ، وَصُدُورَنَا مِنَ الشَّحْنَاءِ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الزُّورِ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ أَبْنَاءَنَا مِنْ أَفْكَارِ التَّطَرُّفِ، وَزَيِّنْ قُلُوبَهُمْ بِنُورِ الْقُرْآنِ.
واحفظ مصر من كل سوء وفتنة