بحر بلا هدنة.. صيادو غزة يغامرون لتحصيل رزقهم تحت النار
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
غزة- كأطلالٍ غارقة، تطفو على وجه بحر غزة المشوَّه مراكب لم يتبقَّ منها إلا الحديد الصدِئ، وقوارب محطّمة يتكئ بعضها على بعض كجثثٍ حصدتها الحرب، وشِباك ممزقة كانت يوما سواعد الصيادين، تتدلّى على الأطراف المكسورة كأنها شواهد على رزقٍ ضاع مع أمواج النار العاتية.
عبثٌ أصاب البحر وأهله معا، ودمارٌ هندسيّ دقيق أحدثته الطائرات الحربية الإسرائيلية في اليوم السادس للحرب، بأكثر من 26 صاروخا أصابت ميناء غزة في عمقه وشطرته إلى نصفين.
ولم يكتفِ الاحتلال بذلك؛ ففي كل جولة برية أو جنون جوي كانت قذائفه تعود لتستهدف الميناء، في دمارٍ امتدّ إلى أرزاق مئات الصيادين الذين باتوا بلا مصدر دخل.
يقول الصيادون للجزيرة نت، إن الحرب انتهت، "لكن لم يُفتح لنا البحر بعد"؛ فتوقف القصف البري لم ينسحب على البحر، إذ إن تقدّم الصيادين أمتارا قليلة يجعلهم في مرمى الزوارق الإسرائيلية، أو عرضة للاعتقال.
وهذا ما حدث مؤخرا مع أبناء عمّ الصياد أبو جهاد الهسي، الذي نجا بأعجوبة من اعتقالٍ محقق، فيما تمكن الاحتلال من محاصرة قارب أبناء عمّه واعتقال 5 منهم، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
يقول أبو جهاد للجزيرة نت "لا نستطيع تجاوز مسافة كيلو متر واحد"، فالتقدّم في العمق بات يُعرَّف لديهم بـ"المخاطرة الأمنية"، التي يضطرّون إليها لجني رزقهم، حيث ينطلقون فجرا بما تبقّى من أدوات بدائية، مستخدمين قوارب صغيرة لا يتجاوز طولها 3 أمتار، يدفعونها بمجاديف خشبية كانوا يركنونها في مخازن تحفظ بقايا معداتهم القديمة والمتهالكة.
وخسرت عائلة أبو جهاد- وهي التي امتهنت الصيد أبا عن جد- مركبين كبيرين و5 قوارب وشِباكا ومعدات تقدَّر قيمتها بنحو مليون دولار أميركي.
سألناه إن فكّر يوما بتغيير مهنته، فابتسم وقال "حبّ البحر ومتعة الصيد تجري في دمي، جرّبت التجارة خلال الحرب وفشلت، عدت للبحر. لا مهنة أخرى أستطيعها بعد هذا العمر".
ضياع الموسم
على منطقة تمتد طوليا داخل الماء يسمّيها الصيادون "لسان الميناء" يجلس أحمد دياب. يحدّق في المدى المحاصر أمامه الذي كان يوما فضاء رزقه، ويمسك سنّارة متهالكة انتشلها من تحت أنقاض منزله في حي الشجاعية، وإلى جانبه دلو صغير يفشل غالبا في ملئه، فهو يعيش كل يوم بيومه، يجلس ساعات طويلة في البحر ليصطاد بالكاد سمكتين يبيعهما ويوفّر بهما قوت يوم واحد لأبنائه الستّة.
إعلانومع ذلك، يخرج كل يوم كالذاهب إلى صلاة لا تُرجى منها إلا الطمأنينة. يقول "البحر صاحبي وهو حياتي الثانية"، قبل أن يعود ليذكر أن الحرب لم ترحل من هنا بعد، "لا يسمحون لنا بأكثر من كيلومتر والاعتقال مصير من يتقدّم".
أكلت الحرب موسم الصيد كاملا (يمتد من أبريل/نيسان وحتى أكتوبر/تشرين الأول)، وأكلت معها الثروة السمكية التي كانت المياه الراكدة مأواها، كما يذكر دياب.
ويقول إن "أسماكا مثل البوري والمليطة كانت تعيش داخل حوض الميناء، لكن بعد دمار الحوض أصبحت قليلة جدا"، ومع ذلك لا يتوقف عن المحاولة، "لو توقفت عن الصيد فسأمد يدي للناس، ونحن أبناء عز نموت جوعا ولا نتسوّل".
شهداء البحرمنذ عامين يحاول الصيادون إحياء مهنة ميتة، فقد قتلت إسرائيل خلال الحرب 65 صيادا بشكل مباشر أثناء محاولتهم الصيد، من أصل 230 صيادا قُتلوا في ظروف مختلفة خلال حرب الإبادة، كما يقول رئيس النقابة العامة للصيادين زكريا بكر.
ويؤكد بكر للجزيرة نت، أن قوات الاحتلال اعتقلت 40 صيادا، بينهم 14 بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار. ويكشف أن نحو 450 صيادا فقط باتوا يعملون اليوم، من أصل 4500 كانوا مسجّلين رسميا في وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة.
ويعمل هؤلاء بأساليب بدائية في مغامرة يومية، إذ إن "الداخل للبحر مفقود والخارج منه مولود فضلا عن انقلاب القوارب الصغيرة بالصيادين بفعل الموج".
وأضاف بكر أن البحر كان ضمن بنود اتفاقات وقف العدوان على غزة في كل مرة، لكن الاحتلال لم يلتزم بها، وأبقاه جبهة حرب مفتوحة من خلال الاعتقالات والمطاردات وإطلاق النار والتضييق المتواصل الذي يعزو الصيادون أسبابه للابتزاز السياسي، وطمع الاحتلال في الثروة السمكية، إضافة إلى ما يعتبرونه "هندسةً للتجويع".
ويوضّح بكر في هذا السياق أن إغلاق المعابر ومنع الاحتلال إدخال الغذاء، ومنع الصيادين من صيد الأسماك، حرم الغزيين من حق الاكتفاء بمصادرهم المحلية وتوفيرها بديلا للأطعمة المستوردة.
ويعود رئيس نقابة الصيادين بذاكرته إلى 3 عقود مضت، حين كان تجار الأسماك من غزة يقطعون الطريق نحو الضفة الغربية والداخل، فيبيعون الأسماك التي كان الجميع هناك يفضلها على غيرها، وكانت تنفد سريعا ويعود التجار في اليوم التالي محمّلين برزقٍ جديد.
أما اليوم وبعد تدمير 95% من قطاع الصيد، فلا يتجاوز إنتاج غزة 2% من الإنتاج السنوي، بعد أن كان ينتج 3500 طن سنويا، وفق بكر.
وتحدث الرجل عن محاولات شاقة وعبثية للصيادين لمحاولة استصلاح وترميم مراكبهم دون جدوى، فمع قدرتهم على صناعة المراكب، فإن انعدام المواد اللازمة ومنع إدخالها يحول دون ذلك.
ومع أن حدود غزة كلَّها مفتوحة على الموت، يبقى البحر وحده الجبهة التي لا هدنة فيها منذ عقود، حيث يذهب إليه الصيادون كمن يذهب إلى رزقه وإلى حربه في آن واحد.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات
إقرأ أيضاً:
سكان غزة محرومون من الكهرباء رغم وقف إطلاق النار
دمر قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة خلال عامين أكثر من 80% من شبكات توزيع الكهرباء في القطاع مما تسبب في حرمان اهل غزة من الكهرباء إلى الآن رغم وقف إطلاق النار.
وتحاول الفلسطينية حنان الجوجو صاحبة الـ 31 عاماً إضاءة هذا الظلام بمصباح يدوي، وعندما تعجز عن توفير نفقات شحنه، تذهب للنوم بدون عشاء، وقالت: "بمجرد غروب الشمس وحلول أذان المغرب نقضي بقية يومنا في العتمة والظلام إذا لم يكن ضوء الكشاف متوفراً، وهذا يعني أننا سننام من دون عشاء، ومن دون إضاءة".
منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين، تعيش السيدة الفلسطينية مع زوجها وأطفالها الثلاثة من دون كهرباء. وكانت تعتمد على الشموع عندما نزحوا في البداية إلى مدينة رفح بجنوب القطاع، لكنها تخلّت لاحقاً حتى عن الشموع خوفاً من خطر اندلاع حريق في خيمتهم.
وأردفت حنان تقول: "حاولنا الاعتماد على مصباح بسيط لكنه تعطّل، وليس لدينا ما يكفي من مال لإصلاحه، وحاولنا الحصول على بطارية، إلا أن سعرها يفوق قدرتنا، فضلاً عن أنها ليست متوفرة".
وكانت غزة قبل الحرب تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء المستوردة من إسرائيل، رغم أن الإمدادات كانت غير مستقرة، وقال مسؤولون في غزة إن القطاع كان يحصل على 120 ميجاوات من إسرائيل، بينما كانت محطة الكهرباء الوحيدة فيه توفر 60 ميجاوات أخرى، وفقاً لوكالة "رويترز".
وفرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على غزة بعد الهجوم الذي قادته "حماس" عليها في 7 أكتوبر 2023، والذي تُشير إحصاءات إسرائيلية إلى أنه أسفر عن مصرع 1200 شخص. وأشعلت إسرائيل حرباً شاملة على غزة، أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص، ودمّرت معظم القطاع. وخلال أيام انقطع التيار عن سكان غزة بعد نفاد الوقود في محطة الكهرباء.
وفي شهر مارس، قال الوزير الإسرائيلي إيلي كوهين إنه أصدر تعليماته لشركة الكهرباء بعدم بيع الكهرباء لغزة كإجراء عقابي ضد "حماس".
ولكن حتى بعد وقف إطلاق النار، فإن إعادة الكهرباء إلى غزة، التي تحولت إلى أنقاض بسبب القصف الإسرائيلي، ستتطلب إعادة بناء البنية التحتية.
وقال مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع كهرباء غزة إن الحرب دمرت بالفعل أكثر من 80% من شبكات توزيع الكهرباء في القطاع، حيث بلغت الخسائر الأولية المقدرة للبنية التحتية والآلات 728 مليون دولار.
وذكرت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي والمسؤولة عن تنسيق دخول المساعدات إلى قطاع غزة، إن إسرائيل ملتزمة تماماً بتسهيل دخول شاحنات المساعدات الإنسانية التي تشمل إمدادات الوقود للكهرباء وفقاً لشروط اتفاق وقف إطلاق النار، وأضافت أن خط كهرباء كيلا من إسرائيل تم توصيله لدعم منشأتين لتحلية المياه.
فلسطينالاحتلال الإسرائيليغزةقد يعجبك أيضاًNo stories found.