لسنا متخصصين في الاقتصاد أو المالية، ولكننا نتحدث من واقع السياسات التي قادت إلى أزمات اقتصادية ومالية خانقة.

لا شك أن الاقتصاد الليبي يعتمد منذ نصف قرن على دخل النفط بنسبة كبيرة، في دولة ذات تعداد سكاني قليل، دون اتخاذ إجراءات حقيقية لتنويع مصادر الدخل أو تطوير قطاعات بديلة يمكن الاعتماد عليها في التحول من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي.

من الاقتصاد الاشتراكي إلى ثقافة القطاع العام

دخلت ليبيا في نهاية السبعينيات مرحلة الاقتصاد العام أو ما عُرف بالاقتصاد الاشتراكي، حيث تم إلغاء القطاع الخاص وتأميم المؤسسات، رغم أن ليبيا آنذاك كانت متقدمة في مجالات التجارة والصناعة مقارنة بدول المنطقة.

لكن مع مرور الوقت، تعرض القطاع العام للفساد وسوء الإدارة، وتكدست العمالة في الوحدات الإدارية والصناعية، وغُرست في العقول ثقافة الاتكال على الدولة واستباحة المال العام، فتآكلت مؤسسات الإنتاج وتحولت الدولة إلى كيان ريعي يعيش على النفط فقط.

كما أقامت ليبيا استثمارات متنوعة في الخارج بدل الاستثمار في الداخل، ولم تنعكس تلك الاستثمارات على التنمية الاجتماعية أو الرفاه الاقتصادي للمواطن الليبي. ومع تراجع التعليم وارتفاع البطالة، ترسخت ثقافة الدولة الريعية التي جعلت المواطن يعتمد على المرتب الحكومي بدلاً من الإبداع والإنتاج.

ولعل أحد أهم أسباب خروج الليبيين في 17 فبراير 2011 كان المطالبة بإصلاحات اقتصادية تُحسّن أوضاعهم المعيشية وتفتح آفاق العمل والتنمية، على غرار التجارب الخليجية الناجحة.

الاقتصاد الليبي بعد 2011

بعد سقوط النظام السابق، تعرّضت المؤسسات الحكومية للتدمير والنهب، وانتشر الفساد المالي والإداري على نطاق واسع. سيطرت المليشيات على القرار السياسي والاقتصادي، وأصبحت الموارد العامة تُدار بالقوة وتحت نفوذ السلاح، بينما تراجع الأداء الحكومي، وتولى المناصب العليا أشخاص يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة، في إطار نظام المحاصصة السياسية.

توقف تنفيذ المشاريع التنموية، وارتفع عدد العاملين في الدولة إلى أكثر من مليونين ونصف موظف، في ظل انعدام الإنتاج الحقيقي.

القطاع المصرفي والمالية العامة

لم يسلم القطاع المصرفي من الفساد، إذ شهدت المصارف عمليات نهب وسرقة متكررة، ومنح اعتمادات بالواسطة والمحسوبية، وفتح باب الاستيراد بلا ضوابط اقتصادية تراعي احتياجات البلاد.

تحولت العملة الصعبة إلى سلعة تُتداول في السوق السوداء، واصطف المواطنون في طوابير طويلة للحصول على السيولة النقدية، بل دُفعت الرشاوى للحصول على المرتبات.

كما ضعف أداء المصارف نتيجة سوء الإدارة، وتعرض الإنتاج النفطي للابتزاز من قبل مجموعات مسلحة، وانتشرت ظاهرة التهريب، بينما بقيت الاستثمارات الخارجية في طي المجهول.

الديون والإنفاق العام

بلغ الدين العام أرقامًا ضخمة، تجاوزت مئة مليار دولار، في ظل غياب الشفافية المالية.

فقد أنفقت الحكومة مليارات الدنانير دون أن يلمس المواطن أي تحسن في الخدمات أو التنمية. كما أن غياب الرقابة على المصرف المركزي واتهامات الفساد التي طالت مسؤوليه السابقين، تؤكد وجود خلل جوهري في إدارة المال العام.
وإذا سألت أي مواطن ليبي اليوم عن سبب الأزمة، فسيقول بوضوح: الأموال أُهدرت في الفساد، والحكومة لم تنجز شيئًا سوى تراكم الأزمات وتوريط البلاد في الديون.

التحليل

إن جوهر الأزمة الاقتصادية في ليبيا لا يكمن في نقص الموارد، بل في غياب الإدارة الرشيدة والتخطيط الاستراتيجي. فالصراع على السلطة حوّل الميزانيات إلى أداة سياسية، والفساد أصبح قاعدة لا استثناء.

المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي تُعقد كل عام تحولت إلى تنظير متكرر ينتهي بانتهاء الجلسة، دون تنفيذ أو محاسبة، رغم أن الحلول واضحة أمام الجميع.

ما يحتاجه الاقتصاد الليبي هو إرادة سياسية صادقة تُعيد الثقة بين المواطن والدولة وتعيد للدولة هيبتها.

النتائج والمآلات

استمرار الوضع الراهن سيقود إلى مزيد من التدهور الاقتصادي، وربما إلى عجز الدولة عن تمويل الخدمات الأساسية، مع تضخم الدين العام وتراجع الاحتياطي النقدي، وهو ما يهدد الأمن الاجتماعي والسياسي للبلاد.

الطريق إلى الحل

توحيد المؤسسات والحكومات كخطوة أولى نحو ضبط المالية العامة. الاستعانة بخبراء الاقتصاد الليبيين المستقلين لإصلاح النظام المالي ووضع رؤية اقتصادية وطنية. استرجاع الأموال المنهوبة والمجمدة في الخارج بالتعاون مع الجهات الدولية. تفعيل مبدأ الشفافية والمساءلة ونشر التقارير المالية بانتظام. إطلاق مشاريع إنتاجية واستثمارية داخلية تُقلل الاعتماد على النفط وتنعش الاقتصاد الوطني.

نموذج التنمية الممكنة

أمامنا نموذج المشاريع العمرانية والتنموية التي تشهدها بعض المناطق في ليبيا، خاصة في المنطقة الشرقية والجنوبية، وصولاً إلى مدينة سرت، والتي تبرز قدرة البلاد على إطلاق مشاريع كبيرة إذا توفرت الإرادة السياسية والكفاءات الوطنية.

هذه المشاريع تثبت أن ليبيا تمتلك الموارد والبنية التحتية والقدرة البشرية لتحقيق التنمية، وأن الفارق بين الواقع الحالي والمستقبل المنشود ليس في الإمكانات، بل في الإدارة الصحيحة والحوكمة الرشيدة.

إن النجاح في هذه المشاريع يمكن أن يكون نموذجًا يُعمم على بقية مناطق البلاد، ويعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويظهر أن الحلول الاقتصادية والتنموية ممكنة إذا تحققت الإرادة الوطنية الصادقة.

الخاتمة والدعوة العملية

إن الاقتصاد الليبي لا يحتاج إلى مزيد من المؤتمرات، بل إلى قرارات وطنية شجاعة تُنهي الفساد وتوحد المؤسسات وتستعيد الأموال المنهوبة.

ولذلك، مالم يتم تدارك الأمور وإنهاء الأزمة السياسية من خلال اختيار حكومة كفاءات حقيقية، لن يكون بالإمكان معالجة ما فات من أزمات، في ظل تذبذب أسعار النفط وغياب بدائل اقتصادية حقيقية.

فبدون تنويع الاقتصاد وإطلاق مشاريع إنتاجية مستدامة في مجالات أخرى، سيصعب إيجاد حلول ناجعة، وسيبقى المواطن الليبي هو المتضرر الأكبر من تردي الأوضاع المالية والاجتماعية.

إذا أردنا حل الأزمة الليبية بما فيها الاقتصادية والمالية، فإن الحلول موجودة وواضحة، ويمكن تنفيذها عبر خبراء وكفاءات ليبية وطنية. فالمشكلة الأساسية معروفة لكل الليبيين، وأبرزها الانقسام السياسي وترك الفساد وسوء الإدارة.

ولذلك، حل الأزمة ليس شيئًا مستحيلًا أو معقدًا، وإنما يحتاج إلى إرادة حقيقية لإعادة تأسيس إدارة وحوكمة فعّالة، واختيار كفاءات وطنية قادرة على تحقيق النجاح وإنقاذ البلاد.

دعوة لإعادة تشكيل الحكومة

نأمل أن تكون الحكومة القادمة حكومة كفاءات وطنية قادرة على إدارة شؤون البلاد بجدية واحترافية، بعيدًا عن المحاصصة والانقسامات السياسية.

فوجود حكومة كفاءات حقيقية يمثل الشرط الأساسي لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية، واسترجاع الثقة بين المواطن والدولة، وتنفيذ مشاريع تنموية فعلية تؤدي إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الاقتصاد اللیبی

إقرأ أيضاً:

حملات لفرض الانضباط في حدائق الأهرام .. محافظة الجيزة تشن حملات لرفع الإشغالات والتعديات على الطريق العام

شنّت محافظة الجيزة بالتعاون مع مديرية أمن الجيزة حملة مكبرة استهدفت قطاع هضبة الأهرام بحي الهرم ضمن جهود المحافظة لتحقيق الانضباط وردع المخالفين وفرض النظام في الشارع العام.

الشباب والرياضة بالجيزة تدشن مبادرة "مراكزنا آمنة" استعدادًا لفصل الشتاءمحافظ الجيزة يثمن إشادة وزير التعليم العالي بالشعار الجديد للمحافظة ويؤكد: يجسد الإرث الحضاري والعلمي للجيزة ويعكس رؤيتها التنموية المعاصرة

وتابع المهندس عادل النجار محافظ الجيزة نتائج الحملات الصباحية والمسائية التي تم تنفيذها حيث تم رفع حوالي 1100 حالة إشغال للطريق العام من قبل المحال التجارية والمقاهي والكافيهات وإزالة الإعلانات المخالفة، بالإضافة إلى غلق وتشميع عدد كبير من المحال التجارية المخالفة التي تدار بدون تراخيص وتسبب إزعاجًا للمواطنين على مدار اليوم.

كما شملت الحملة إزالة عشرات السيارات المتهالكة أو المتروكة بدون لوحات معدنية أو التي تمارس أنشطة تجارية غير قانونية بشارع الجيش، وذلك من خلال قطاع هضبة الأهرام وبالتعاون مع الإدارة العامة لمرور الجيزة، لضمان الانضباط المروري وسلامة المواطنين.

كما تمكنت الأجهزة المعنية بمشاركة هيئة النظافة والتجميل خلال الحملة من ضبط مخالفات النباشين والفريزة بحدائق الأهرام، ورفع المخلفات الناتجة عن أنشطتهم، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال المخالفين لضمان الحفاظ على المظهر الحضاري وصحة وسلامة المواطنين.

وشملت الحملات ضبط عدد من المخالفات المتعلقة بتحويل الجراجات السكنية إلى أنشطة تجارية بدون تراخيص، وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة حيال المخالفين .

وأكد المحافظ على ضرورة مواصلة شن الحملات بشكل دوري ومستمر لتحقيق الانضباط العام بالشارع والحفاظ على المظهر الحضاري للمحافظة، ولضمان رضا المواطنين وتهيئة بيئة آمنة ونظيفة للجميع.

شارك في تنفيذ الحملة كل من محمد مرعي سكرتير عام مساعد محافظة الجيزة، والسيد أيمن خليل، رئيس مدينة الجيزة، وطه عبد الصادق، رئيس حي الهرم، وبتواجد اللواء حسن الدكروري، مساعد مدير أمن الجيزة للمرافق، والعميد أحمد صقر، رئيس مباحث المرافق، ومعتز مسعود، رئيس قطاع هضبة الأهرام، بالإضافة إلى القوة المرافقة من مباحث المرور ومرور الجيزة والخدمة الأمنية المتفرقة بالقطاع.

طباعة شارك رفع اشغالات اخبار الجيزة محافظ الجيزة محافظة الجيزة

مقالات مشابهة

  • محافظة الجيزة تشن حملات لرفع الإشغالات والتعديات على الطريق العام -(25 صورة)
  • حملات لفرض الانضباط في حدائق الأهرام .. محافظة الجيزة تشن حملات لرفع الإشغالات والتعديات على الطريق العام
  • خبراء اقتصاد:العراق يعاني من فقر متعدد الابعاد والبلد نحو الانهيار الاقتصادي
  • المعارضة الموريتانية تحشد أنصارها للمطالبة بمحاسبة الفاسدين (شاهد)
  • المعارضة الموريتانية تحشد أنصارها للمطالبة بمحاسبة المفسدين
  • تهريب النفط والوقود في ليبيا وخطورته على البلاد
  • الموظفون العُمانيون في القطاع الخاص.. الأقلية المُهمَّشة
  • عالية المهدي: مؤشرات إيجابية في الاقتصاد المصري.. ولكن المواطن لا يشعر بالتحسن لهذه السبب
  • عالية المهدي: المواطن لا يشعر بالتحسن الاقتصادي بسبب التضخم