ترجمة: بدر بن خميس الظفري

هل الرئيس دونالد ترامب صانع سلام أم داعية حرب؟ هل يتدخل في شؤون الآخرين أم متحفظ؟

الإجابة هي نعم؛ فهو يجمع بين كل ذلك، ويكاد يكون من المستحيل فرز أو تفسير الخطوط المتباينة في سياسته الخارجية. وأي محاولة لإضفاء اتساق على نهجه ـ الذي يتسم بالتقلّب والتعارض ـ ليست إلا قراءة مفتعلة لا تعكس حقيقته.

حتى الشعار الذي اعتمده ترامب ـ «أمريكا أولًا» ـ لم يخطر بباله أصلاً، بل اقترحه عليه الصحفي ديفيد سانجر من صحيفة نيويورك تايمز عام 2016، ولم يلتزم ترامب بتطبيقه بدقة كما لاحظ حتى بعض مؤيديه.

فقد قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين من ولاية جورجيا في مقابلة على شبكة (سي. إن. إن): «إن جولات ترامب المستمرة حول العالم ولقاءاته المتواصلة مع القادة الأجانب لا تمثل شعاره «أمريكا أولًا». ينبغي أن تكون السياسات الداخلية هي الأولوية».

ومن الواضح أن ترامب لن يثنيه مثل هذا النقد، وهو يسعى لحجز مكان في سجلات التاريخ، وربما الفوز بجائزة نوبل للسلام التي يطمع فيها.

كما لا يبدو أنه يكترث بتناقضات سياساته؛ فهو يتخذ قراراته في كثير من الأحيان بدافع نزوة، وغالبًا بناء على معلومات مضللة؛ فلا وجود لشيء اسمه «إبادة البيض» في جنوب أفريقيا على سبيل المثال، ومع ذلك استشهد ترامب بهذه الخرافة لجعل الأفريكانر (سكان جنوب أفريقيا البيض الناطقين بالهولندية) تقريبًا الفئة الوحيدة التي يُسمح لها باللجوء إلى الولايات المتحدة.

تصريحات ترامب كثيرًا ما تكون مفاجِئة ومنفصلة عن الواقع إلى حد يجعل الباحثين في السياسة الخارجية ـ بل حتى القادة الأجانب ـ في حيرة تامة.

ويمكن رؤية ذلك في عنوانين حديثين نموذجِيَّين:

«تهديد ترامب بعمل عسكري في نيجيريا يثير البلبلة والقلق»، و«وعد ترامب باستئناف التجارب النووية يربك الخبراء».

وقد استند المقالان إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ففي 29 أكتوبر كتب ترامب: «بسبب برامج اختبار الأسلحة لدى دول أخرى؛ فقد أمرتُ وزارة الحرب بالشروع في اختبار أسلحتنا النووية على أساس مماثل. سيبدأ هذا الإجراء فورًا».

لكن ـ باستثناء كوريا الشمالية ـ لم تُجرِ أي دولة تجارب نووية علنية في القرن الحادي والعشرين.

صحيح أن روسيا اختبرت مؤخرًا ما تقول إنه صاروخ كروز وغواصة مسيّرة تعملان بالطاقة النووية، وربما خلط ترامب بين الدفع النووي والانفجار النووي، وربما كان يشير إلى تقارير غير مؤكدة تفيد بأن روسيا والصين قد أجريتا تجارب نووية منخفضة العائد للتحقق من سلامة ترسانتهما، لكن ذلك لا يشكل تهديدًا، ولا يبرر استئناف التجارب النووية الأميركية.

وقد أكد مسؤولون أميركيون أن هذه التجارب ليست ضرورية للحفاظ على جاهزية الترسانة النووية للبلاد.

ومع ذلك؛ عندما يقول رئيس الولايات المتحدة شيئًا ـ مهما كان ضعيف الاطلاع ـ فإن له أثرًا مباشرًا؛ ولهذا تهدد روسيا الآن بالمضي قدمًا في تجاربها النووية.

وهذا يتعارض مع هدف ترامب المُعلن المتمثل في نزع السلاح النووي إلا إذا كان الحديث عن تفجير قنابل نووية مجرد وسيلة لتحفيز العالم على التخلص منها، من يدري ما الذي يدور في رأس ترامب؟

ثم هناك منشور ترامب بشأن نيجيريا كتبه ـ وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست ـ بعد مشاهدته فقرة على قناة فوكس نيوز.

ففي الأول من نوفمبر كتب: «إذا واصلت الحكومة النيجيرية السماح بقتل المسيحيين فإن الولايات المتحدة ستوقف فورًا كل المساعدات لنيجيريا، وقد تدخل هذا البلد الملطخ بالعار - بالقوة الكاملة - للقضاء تمامًا على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع.

وأوجّه وزارة الحرب بالاستعداد لعمل محتمل».

وقد رد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسِث على الفور: «نعم سيدي» عبر منصة إكس وباشرت وزارة الدفاع إعداد خيارات للتدخل العسكري في نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 230 مليون نسمة. وتتراوح الخيارات ـ وفق التقارير ـ بين دعم القوات الحكومية في مواجهة بوكو حرام وغيرها من الجماعات المتطرفة، وصولًا إلى تنفيذ ضربات جوية في شمال نيجيريا.

غير أن قليلًا من المحللين يعتقدون أن أيّاً من هذه الإجراءات سينهى العنف السياسي المزمن في نيجيريا -الذي يعاني منه المسلمون أيضًا- وليس المسيحيون وحدهم. كما أن قطع المساعدات الأميركية سيزيد حتمًا من عدم الاستقرار. ومن الغريب أن يهدد رئيس يفاخر بأنه أنهى الحروب بأن يذهب إلى نيجيريا «بالقوة الكاملة».

وينطبق الأمر ذاته على فنزويلا؛ فقد حشد ترامب أضخم قوة بحرية أميركية فى الكاريبي منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، ويتوعد بإسقاط نظام نيكولاس مادورو، لكنه ليس أغرب من أن يقوم رئيس يقلّص المساعدات الخارجية لأفقر دول العالم ـ ما يؤدى لكوارث إنسانية ـ بضخ 20 مليار دولار لإنقاذ الأرجنتين من سوء إدارتها المالية.

هذه تبدو «سياسة خارجية لصالح الأرجنتين»، ويبدو أنها مدفوعة ـ لا بالمصالح الأميركية ـ، بل بإعجاب ترامب برئيس الأرجنتين الليبرتاري (التوجّه التحرري اقتصادياً) خافيير ميلاي.

لماذا تهديد فنزويلا أو نيجيريا؟ لماذا التعهّد بإجراء تجارب نووية؟ لماذا إنقاذ الأرجنتين؟ لا منطق واضح لذلك.

لكن ارتباك سياسة ترامب الخارجية لا يشكل مشكلة كبرى ـ على الأقل بالنسبة لمعظم أنصاره ـ باستثناء النائبة جرين على نحو مفاجئ. فمثلًا؛ السيناتور الجمهوري توني توبِرفيل -وهو من دعاة عدم التدخل- قال: إنه سيدعم ترامب إذا تدخلت الإدارة في نيجيريا.

أما السيناتور سينثيا لاميس -وهي من أكثر المؤمنين بشعار «أمريكا أولًا»- فقالت: «أنا أؤيد كل كلمة يقولها».

إن أنصار شعار «أمريكا أولا» سيتبعون ترامب أينما توجه، وكثير منهم يبدو مرتاحًا لهذا التناقض الصارخ بين لعب ترامب دور الوسيط فى النزاعات من جهة، والتهديد بالحرب من جهة أخرى. وقد تتغير نظرتهم فقط إذا دفع البلاد إلى خوض حرب برية جديدة، وهو الخط الأحمر الوحيد الذي يبدو أنه لا يرغب فى تجاوزه ـ فهو مستعد لإصدار أوامر بضربات جوية (كما فعل ضد إيران والحوثيين فى اليمن)، لكنه لم يُقدم حتى الآن على غزو برّي.

إن ارتباك ترامب يخدم غرضًا واحدًا، وهو إبقاء العالم في حالة ارتباك، وإبقاء الأضواء مسلطة عليه. وهذه مشكلة بالأساس للمحللين الذين يحاولون فهم ما ينوى فعله. أما من وجهة نظره فإن إثارة غضب النخب التقليدية وأنصار العولمة إلى أقصى حدّ هو مكسب إضافي.

ماكس بوت: كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست وزميل أول في مجلس العلاقات الخارجية. وهو مؤلف كتاب «ريغان: حياته وأسطورته»، الذي اختارته صحيفة نيويورك تايمز ضمن أفضل عشرة كتب لعام 2024

الترجمة عن صحيفة واشنطن بوست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أمریکا أول فی نیجیریا

إقرأ أيضاً:

نيويورك تايمز: ما الذي يخشاه ترامب من كشف وثائق جيفري إبستين؟

في مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز، رصد الكاتب روس دوثات أحدث التطورات في ملف رجل الأعمال الأميركي الراحل جيفري إبستين، بعد أسبوع شهد تسريب وثائق ورسائل إلكترونية من جانب الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، في محاولة لاستغلال القضية سياسيا أو احتوائها.

وأكد أن الوثائق تكشف مجددا مدى استعداد النخبة الأميركية للاختلاط برجل كان يتاجر بفتيات قاصرات، لكنها ما تزال عاجزة عن تقديم إجابات نهائية لأسئلة جوهرية تراوح مكانها منذ سنوات من قبيل: هل كان رجال نافذون آخرون يمارسون الجنس مع القاصرات؟ ما طبيعة صلة إبستين بالاستخبارات؟ وما سر إصرار ترامب على منع الكشف الكامل للوثائق؟

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ليبراسيون: هل تسقط باماكو فعلا بيد "الجهاديين"؟list 2 of 2يسرائيل هيوم: ترامب يتخذ خطوة مدمرة لإسرائيل ونتنياهو غير مكترثend of list

تناول المقال رسالة بريد إلكتروني تعود إلى عام 2011 نشرها الديمقراطيون، يظهر فيها اسم دونالد ترامب ضمن سياق غامض يوحي للوهلة الأولى بوجود ضحية غير معروفة كان يُعتقد أن ترامب أقام علاقة معها.

غير أن الاسم المخفي اتضح لاحقا أنه لفرجينيا جوفري أشهر ضحايا إبستين، التي نفت مرارا تعرضها أو أي فتاة أخرى لانتهاكات من جانب ترامب رغم توجيهها اتهامات لشخصيات بارزة عديدة. وهذا، برأي دوثات، يُضعف احتمالات وجود "دليل قاطع" ضد الرئيس الأميركي.

كما تتضمن الوثائق رسالة لاحقة كتبها إبستين لنفسه قبيل اعتقاله عام 2019، يصف فيها نشاطه بأنه كان يقدم "تدليكا دون جنس"، مؤكدا أن ترامب زاره مرارا لكنه "لم يحصل على تدليك".

صورة لإبستين عام 2019 قبل موته بفترة وجيزة (غيتي)

ويستنتج الكاتب أن هذه الرسالة لا تؤرخ فقط لطبيعة سلوك نخبة ارتاحت للخدمات الجنسية التي كانت تُقدم في بيت إبستين، بل تكشف أيضا رغبة إبستين في الإيحاء بأن الفتيات كنّ راشدات، وأن لديه خلافات مالية مع ترامب، لا أسرارا فاضحة.

ومع ذلك، يؤكد دوثات أن ثمة دلائل على أن إبستين استخدم علاقاته للمساعدة في مشاريع تتعلق بالاستخبارات الإسرائيلية، لكن لا شيء يدل على أنه كان يدير عملية جنسية لابتزاز شخصيات لصالحها.

إعلان

ويخلص الكاتب إلى أن ما تكشفه الوثائق قد يكون مقلقا وسامّا أخلاقيا، لكنه لا يرقى إلى مستوى مؤامرة كبرى ذات طابع استخباراتي أو جنسي.

ويبقى السؤال الأبرز، وهو محور مقاله: ما السبب الحقيقي وراء تمسك ترامب بمنع فتح جميع الملفات؟ وهل يخفي الخيط المتبقي في هذه القضية ما هو سياسي أكثر من فضائحيته؟

يترك دوثات هذا السؤال مفتوحا باعتباره "السؤال العالق" في هذا الملف شديد التعقيد.

مقالات مشابهة

  • نيجيريا تبحث مع أميركا ملف الأمن بعد تهديدات ترامب
  • نيوزويك: عشرة أيام هزّت الولاية الثانية لترامب
  • نيويورك تايمز: ما الذي يخشاه ترامب من كشف وثائق جيفري إبستين؟
  • مصادر أمريكية تتحدث عن جهود لثني ترامب عن استئناف التجارب النووية
  • نيجيريا تجدد رفضها لاتهامات ترامب بالإبادة
  • ترامب: سنجري اختبارات على أسلحة نووية
  • حصريا لـCNN: مسؤولون أمريكيون يحاولون إثناء ترامب عن استئناف التجارب النووية
  • ترامب: أخطط للإجتماع مع روسيا والصين لمناقشة خفض الترسانات النووية
  • أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم الوثائقي