انقلاب في الرأي العام.. جيل زد الأمريكي يتبنى السردية الفلسطينية
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
شهدت الساحة السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة تحولا تاريخيا صامتا، لكنه يحمل أصداء زلزال قادم. فبينما ظلت واشنطن عقودا طويلة ضامنا تقليديا للدعم المطلق للاحتلال الإسرائيل، كشفت استطلاعات رأي حديثة عن انقلاب جذري في توجهات جيل المستقبل، جيل "زد"، هذا التحول ليس مجرد تذبذب عابر، بل هو مؤشر على بداية نهاية عصر الهيمنة السردية الإسرائيلية داخل العمق الأمريكي، ويشي بتشكّل بيئة سياسية واجتماعية مناهضة للاحتلال.
الفجوة الجيلية تنذر بالخطر
تُعد الأرقام الصادرة عن استطلاع جامعة هارفارد بمثابة ناقوس خطر لرواية الاحتلال الإسرائيلي التقليدية، فقد أظهر الاستطلاع أن 60 في المئة من جيل "زد" الأمريكي يفضلون حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على الاحتلال الإسرائيلي في سياق الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل، بينما لم يتجاوز دعم تل أبيب بينهم نسبة 40 في المئة.
يُعتبر هذا التحول الجيلي نتاجا مباشرا لتغير جذري في الأدوات المعرفية، فقد تحولت منصات التواصل الاجتماعي، من تيك توك إلى إنستغرام، إلى سلاح لتغير الأدوات وفعّال
وتؤكد هذه البيانات دراسات أخرى، حيث أشار استطلاع غالوب إلى أن التعاطف مع الفلسطينيين بين الديمقراطيين الشباب قد تجاوز التعاطف مع الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة، كما سجل مركز بيو للأبحاث أدنى مستويات الرضا عن سلوك الحكومة الإسرائيلية ضمن الفئة العمرية 18-29 عاما. هذه الفجوة الهائلة مع الأجيال الأكبر سنا، التي لا تزال أسيرة لنموذج الدعم التقليدي، تبرهن أن جذور هذا التحول باتت راسخة وتتطلب إعادة تقييم شاملة للسياسة الأمريكية.
عامل التسريع.. السوشيال ميديا وكسر جدار الفلترة الإعلامية
يُعتبر هذا التحول الجيلي نتاجا مباشرا لتغير جذري في الأدوات المعرفية، فقد تحولت منصات التواصل الاجتماعي، من تيك توك إلى إنستغرام، إلى سلاح لتغير الأدوات وفعّال. يعتمد جيل "زد" بشكل حصري تقريبا على هذه المنصات التي تتيح للناشطين والمدنيين الفلسطينيين نشر مقاطع حيّة ومباشرة للدمار والقتل والمجازر وحرب الإبادة في غزة. هذا التدفق المعلوماتي المباشر والمؤثر عاطفيا نجح في نسبة الرقابة والفلترة التي طالما مارسها الإعلام الأمريكي التقليدي المُتهم بالانحياز، لقد ساعدت هذه المقاطع في تفكيك صورة "الجيش الأكثر أخلاقية" بفعالية فائقة، وبناء تعاطف فوري وقوي مع الجانب الإنساني الفلسطيني، مما شكّل موقفا مناهضا للاحتلال مبنيا على حقائق مصوّرة.
الجامعات الأمريكية.. المقاومة كرمز للعدالة
لم يعد التلقين المناهض للاحتلال الإسرائيل حكرا على اليسار التقدمي، فقد تحولت الجامعات الأمريكية، كما رصدت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى مركز للعدالة ولتجذّر العداء الطلابي للاحتلال الإسرائيلي.
بالنسبة للتيارات الجامعية الجديدة، لم تعد فلسطين مجرد صراع سياسي، بل هي رمز للعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية، إنهم يرون في مقاومة الاحتلال امتدادا لنضالات الأقليات وحركات التحرر العالمية التي يدرسونها في مناهجهم النقدية. هذا التبني الأخلاقي لقضية المقاومة هو الذي يغذي حركات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية (BDS)، ويجعل من المستحيل على الحكومات محاولة إعادة صياغة الرواية أو قمع هذا التوجه الشعبي المتنامي.
نجاح المقاومة يتجاوز الحدود الجغرافية
إن التحوّل في الرأي العام الأمريكي مرتبط بشكل وثيق بنجاح المقاومة الفلسطينية في كسر الهيمنة الإعلامية للاحتلال الإسرائيلي العالمية، بالرغم من الكلفة الإنسانية الهائلة والتفوق العسكري النوعي، حققت المقاومة إنجازات محورية: الصمود العسكري غير المتوقع، وكسرت بنجاح الاحتكار الإعلامي عبر السرديات المباشرة من الميدان، وفرضت نفسها كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي مباحثات سياسية.
نجح الجيل الجديد في اختراق جدار الفلترة وبناء سردية تقوم على العدالة والحق، مستخدما أدوات عصرنا. إن هذا التحول يهدد بأن الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل لن يبقى مضمونا على المدى الطويل، مما يفرض ضغوطا غير مسبوقة على صانعي القرار في واشنطن
إن مشاهدة الجرائم الموثقة، كقصف المستشفيات والمجازر الجماعية، أدت إلى تأطير الصراع لدى الشباب الأمريكي من كونه صراعا معقدا إلى كونه "قضية أخلاقية إنسانية"، تجسدت بقوة في قصص فردية مثل قصة "أماني"، التي اختصرت مأساتها الوجه الإنساني للحصار والحرب.
الفخ السياسي.. ترامب ونتنياهو في علاقة متوترة
في خضم هذا التحول، يجد القادة أنفسهم في ورطة؛ يحاول الرئيس ترامب استثمار ملف غزة لتحقيق مكاسب انتخابية عبر تصوير نفسه كمهندس سلام، لكن أي توسع في الحرب يهدد بتخريب هذه الصورة.
في المقابل، تحولت علاقته بنتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) إلى فخ سياسي لكلا الطرفين، فأصبح نتنياهو عبئا، بينما يسعى ترامب لاستغلال ورقة غزة لإظهار قدرته على احتواء الأزمة وربما إخضاع حليفه القديم، هذا التوتر في القمة يعكس التوتر الشعبي المتصاعد في القاعدة.
مستقبل الدعم ليس مضمونا
ما نشهده اليوم ليس مجرد موجة غضب عابرة، بل هو تغيير منهجي في الوعي الأمريكي، لقد نجح الجيل الجديد في اختراق جدار الفلترة وبناء سردية تقوم على العدالة والحق، مستخدما أدوات عصرنا. إن هذا التحول يهدد بأن الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل لن يبقى مضمونا على المدى الطويل، مما يفرض ضغوطا غير مسبوقة على صانعي القرار في واشنطن.
إن المستقبل السياسي والدبلوماسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد يرتسم ملامحه جيل جديد يرى في المقاومة الفلسطينية حركة تحرر مشروعة، وعليه، فإن على الإدارة الأمريكية أن تدرك أن عصر الشيكات على بياض قد شارف على الانتهاء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيل الفلسطينيين الشباب إسرائيل امريكا فلسطين شباب جيل زد قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذا التحول
إقرأ أيضاً:
التحول الأمريكي وخطة إنهاء الحرب
تصريح وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو أمام الصحافة العالمية، والإدانة الصريحة للميليشيا، وخاصة جرائمها الأخيرة في الفاشر، والتأكيد على إعلان موقف الإدارة الأمريكية بضرورة وقف تدفقات التسليح والمرتزقة للميليشيا، وخاصة عبر الدول المجاورة وفي الإقليم، والإعلان الصارخ عن موقف أمريكا بعدم السماح إطلاقا بأن تصير المنطقة مستباحة للجماعات الإرهابية، التي تتدفق من دول غرب أفريقيا، وتهدد السلم والأمن في كل المنطقة، والإشارة إلى إمكانية توسيع ‘الرباعية’ بإضافة دول أخرى مهتمة بالشأن السوداني، وتصريحه بأنه تحدث مع دول عديدة حول هذا الشأن، يعتبر تحولاً واضحاً في مساعي وتوجهات إدارة الرئيس ترمب، التي تنتهج سياسة خارجية واقعية وبراغماتية، تستند على تبادل المنافع الاقتصادية والشراكات الاستثمارية، وليس على القوالب الجاهزة والأيدلوجيا السياسية، والرؤى المبيّتة بالأحكام المسبقة.
ويُعدّ هذا التحول الأمريكي المحدث إزاء السودان، بعد زهاء ثلاثين شهراً من تمرد الدعم السريع في 15 أبريل 2023م انتصارا باهرا للدبلوماسية السودانية، لانتهاجها لمنطقية الحوار، وموثوقية الأدلة والاحترافية، وحشد الدعم الدولي على كافة المنابر الإقليمية والدولية، وتنامي السند الشعبي غير المسبوق للجيش الوطني الدستوري، فضلا عن نشاط الإعلاميين الوطنيين المتنامي في فضح جرائم الميليشيا غير المسبوقة، والتي فاقت في بعض فصولها جرائم الإبادة في الأراضي المحتلة وغزة.
وبالتالي تتبين ضرورة الحاجة الداعية بإلحاح للتنسيق المهني والتخصصي، والبناء على هذا الموقف الأمريكي المتطور، وغير المسبوق، وتعميق الحوار المباشر بين الحكومة وإدارة الرئيس ترمب، وتكثيف التعاون مع الدول الصديقة.
وتكمن أهمية هذا التحول بإستدراك أن وزير الخارجية هو أيضا مستشار الرئيس ترمب للأمن القومي، ويُعدّ من ضمن الأركان الراسخة في البناء المؤسسي للحزب الجمهوري، وهو من المؤثرين على الرئيس ترمب، ويحظى بموقع متقدم وبالتقدير في القواعد الشعبية وفي اوساط المحافظين، ولدى مجموعة MAGA و’أمريكا أولا’.
وينبغي أن تشكّل وزارة الخارجية مجموعة عمل من الخبراء الوطنيين ومن المختصين، ممن لهم إلمام واسع وتجربة راسخة في هذا المضمار، ليكونوا بمثابة فريق استشاري مساند للمفاوضات لمتابعة هذا الموضوع مع الخارجية الأمريكية، والخروج بمبادرة شاملة، وخطة عمل قاصدة، تحقق وحدة التراب الوطني، وتضمن حفظ السيادة والاستقلال السياسي للسودان.
كما يتعين التعامل مع إدارة الرئيس ترمب مباشرة، ودون وسطاء، في ملف الشراكات الاقتصادية والاستثمارية المتاحة، وفي كافة المجالات التي تضمن تحقيق واستدامة المنافع المشتركة للبلدين، لا سيما في قطاعات المعادن والغاز والنفط وتطوير الزراعة والبحوث والتطوير.
دكتور حسن عيسى الطالب
إنضم لقناة النيلين على واتساب