الحرب الوجودية في السودان بين الحرس القديم وميليشيا مدججة بالأسلحة يدفع ثمنها الباهظ المدنيون
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
ترفض الكاتبة وصف الحرب في السودان بأنها “حرب أهلية”، لأن هذه الحرب تخلو من أي طابع مدني. فلم يحمل المدنيون السلاح ضد بعضهم البعض..
التغيير: وكالات
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لنسرين مالك عن الأزمة السودانية، قالت فيه إن صراعا مريرا على السلطة السياسية والاقتصادية قسم السودان وبثمن إنساني باهظ ولم يعد هناك مجال لتجاهله.
وأكدت الكاتبة السودانية أن السؤال عن السودان يلاحقها في كل مكان تذهب إليه، وهذا نابع في جزء منه لقلقها على عائلتها ومسقط رأسها. وفي جزء منه الرغبة الصادقة في فهم كيف تحول الصراع هناك إلى حرب محتدمة لا يمكن مقاومتها أو وقفها.
وعند السؤال عن رأيها في الحرب فالجواب هو نفسه، الشعور الدائم بالذهول حيث تقول “ما زلت لا أُصدق أنها وقعت، وبعد ثلاث سنوات من الصراع، لا يزال هناك شعور بالذهول من تفكك السودان بهذه السرعة. ربما هذا ما يشعر به دائما من غرقت بلدانهم فجأة في الحرب. وبالنسبة للغرباء، تبقى الحرب قصة، عنوانا رئيسيا، حدثا سياسيا، وربما، لا سيما في أفريقيا، ليست حدثا بعيدا أو غير متوقع. لكنها ليست قدرا طبيعيا لأحد، وكل يوم يكون صعبا ومربكا كسابقه”.
وتضيف مالك إن للسودان تاريخين في الحرب، تاريخ طويل وقصير.
فالتاريخ الطويل يشير إلى أن السلطة الاقتصادية والسياسية ظلت في يد حفنة قليلة. وتم تهميش مناطق مثل دارفور وتجاهلها. وعانت المنطقة من تنافس على المصادر والنزاع القائم على خطوط إثنية بين العرب والجماعات الأفريقية، وارتكبت إبادات ضد الجماعات غير العربية في العشرية الأولى للقرن الحالي، ونفذتها جماعات عربية عرفت بالجنجويد التي دعمتها وباركتها الحكومة المركزية وكانت النتيجة أنه حتى مع بقاء السودان ككل على حاله، فقد استمرت الصراعات المحلية محتدمة لعقود، مما أدى إلى نمو وتمكين الجماعات المسلحة. ويعد إرث هذا التاريخ الأبرز هو قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا انبثقت رسميا من جماعات مسلحة، وهي الآن في حالة حرب مع القوات المسلحة السودانية.
أما التاريخ القصير للسودان، فهو الثورة الشعبية السودانية في عام 2019، والتي أنهت حكم عمر حسن البشير الذي استمر 30عاما. وقد كانت أبرز مطالب الثورة إزاحة ديكتاتور، وإقصاء الجيش (الذي نشأ البشير بين صفوفه عندما قاد انقلابًا عام 1989) عن السلطة نهائيا.
وفي أعقاب الثورة، اتضح أن قوات الدعم السريع، التي تعاونت مع البشير وحكومته لقمع التمرد في دارفور، قد حشدت نفوذا كبيرا. ومع رحيل البشير، دخلت قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية فيما كان يفترض أن يكون اتفاقا مؤقتا لتقاسم السلطة مع المدنيين لتمهيد الطريق للحكم المدني. ولم يدم هذا الاتفاق طويلا، فقد انقلبت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على المدنيين، ثم على بعضها البعض. واتضح أن السودان لا يتسع إلا لفصيل مسلح واحد.
وترفض الكاتبة وصف الحرب في السودان بأنها “حرب أهلية”، لأن هذه الحرب تخلو من أي طابع مدني. فلم يحمل المدنيون السلاح ضد بعضهم البعض، وكانت حياتهم وسبل عيشهم ثمنا لصراع السلطة بين الطرفين. كما يشار إلى الحرب بأنها “الحرب المنسية”، إلا أن هذا الوصف يغفل حقيقة أن مدة الصراع وشدته والتغطية الإعلامية له لا تترك مجالا للشك في أنها ليست سوى حرب لا تحظى بالاهتمام المتناسب. فلم تنس الحرب؛ بل تم تجاهلها والتسامح معها أحيانا.
ولا تزال خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية للسودان تعاني من نقص مزمن في التمويل. كما وقلصت إدارة ترامب المساعدات الإنسانية، مما أثر سلبا على السودان بشكل خاص، وقلصت جهودها في التعامل مع أفريقيا. في الوقت نفسه، تتواصل جهود المساءلة والتغطية الإعلامية الشجاعة، وكذلك الحملات الدؤوبة لرفع الوعي وجمع التبرعات من جانب السودانيين في الداخل والخارج. وربما سمعت أن الصراع في السودان هو “حرب بالوكالة” مما يوحي بأن القوى الخارجية تقف على بنفس المستوى خلف جميع الأطراف.
صحيح أن عدة جهات فاعلة انخرطت في هذه الحرب، لكن التأثير الخارجي الرئيسي في هذه الحرب هو للإمارات العربية المتحدة، التي ضخت الأموال والأسلحة في أيدي قوات الدعم السريع، بينما نفت أي تورط لها. بالنسبة للإمارات، فإن ترسيخ نفوذها في السودان، البلد ذي الموقع الاستراتيجي والغني بالذهب والأرض الخصبة، من شأنه أن يعزز نفوذها السياسي والاقتصادي بشكل كبير.
ومن الأفضل وصف هذه الحرب بأنها معركة وجودية بين الحرس القديم، الجيش السوداني والأحزاب والمصالح المرتبطة به التي يمثلها، وميليشيا جديدة حشدت نفوذا ودعما هائلين خارج إطار الدولة الرسمي، وتسعى الآن إلى المطالبة بهما.
وقد خلف هذا النزاع الوجودي عنفا ومعاناة تحطم القلوب، ومن الصعب معرفة من أين نبدأ في وصفها. فلا تزال الإحصائيات حول ملايين النازحين ومئات الآلاف الذين يقدر أنهم قتلوا، والعنف الجنسي، والكارثة الإنسانية والجوع، عاجزة عن وصف المآسي الفردية أو تداعياتها.
وتقول الكاتبة إن قصة عائلتها تجسد فقدان الوطن والأحباء. فقد استولت قوات الدعم السريع على منزل العائلة في الخرطوم ونهبته، ثم تركته مدمرا وحفرت فيه حفرا عميقة في الأرض والجدران لاستخراج حتى الأنابيب والأسلاك. وهناك ملايين المسنين المعوزين المنتشرين في أنحاء السودان والمنطقة، الذين يعيشون أيامهم الأخيرة في منفى مؤلم.
وهناك أيضا المذبحة المنهجية التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق السكان الأفارقة في دارفور، مما تعيد فتح جراح الإبادة الجماعية السابقة. وسقطت الفاشر، أكبر معاقل القوات المسلحة السودانية في دارفور، الشهر الماضي في أيدي قوات الدعم السريع بعد عام ونصف من الحصار الوحشي، ولا تزال التقارير تتوالى عن عمليات إعدام فورية أغرقت الأرض بالدماء.
ومع استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر، عززت سيطرتها على غرب البلاد، تاركة السودان منقسما إلى قسمين، مع سيطرة القوات المسلحة السودانية على الباقي. ويبدو أن أيا من الطرفين لا يملك القدرة على سحق الآخر بشكل حاسم، وقليل من القوى الغربية لديها الرغبة في التدخل بشكل حاسم للضغط على رعاة مثل الإمارات العربية المتحدة، أو لممارسة نفوذ على أي من الطرفين المتحاربين.
وتقول مالك إن واحدة من السمات النفسية الغريبة للحرب في السودان هي أن المستقبل ليس واضحا و تكتب “لا يزال جزء مني يؤمن بعودة غير واقعية للجني إلى قمقمه، عودة للجميع حيث يمكننا لملمة شتات البلاد وتحقيق المصالحة فيها. لكنني أعلم، وأرفض أن أعلم، أن هذا ليس سيناريو محتملا. في هذه الأثناء، يبقى الأمل الوحيد ألا يستمر هذا إلى الأبد، وأن كلما ازداد وعي العالم بالسودان، أصبحت حربه أكثر إلحاحا من مجرد عنوان حزين، بل أصبحت مسألة ملحة يمكن تجاهلها”.
المصدر: القدس العربي
الوسومالسودان حرب الجيش والدعم السريعالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان حرب الجيش والدعم السريع القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع فی السودان هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
انفجار جبهة الأبيض.. الجيش السوداني يكتسح غرب المدينة .. والدعم السريع يفر نحو دارفور
أفادت مصادر عسكرية سودانية اليوم الخميس بأن الجيش والقوات المشتركة تقدما في غرب مدينة الأبيض بولاية كردفان.
فرار الدعم السريع إلى دارفوروأشارت المصادر العسكرية السودانية لفضائية "العربية" إلى أن قوات من الدعم السريع تراجعت من غرب الأُبيض إلى دارفور.
وأضافت أن الجيش السوداني شن غارات على تمركزات الدعم السريع غرب الأٌبيض.
جهود أمريكية لوقف الحرب في السودانوفي وقت سابق من اليوم الخميس، أكد كبير مستشاري ترامب للشؤون الإفريقية والعربية مسعد بولس، أن الولايات المتحدة تعمل على تحقيق السلام في السودان وإنهاء الصراع الفتاك في هذا البلد.
وأشار بولس إلى أن واشنطن تعمل مع شركائها للوصول إلى هدنة إنسانية بالسودان ووضع حد لتدفق الأسلحة من الخارج.
وكانت اللجنة الرباعية الدولية اقترحت خطة لوقف الحرب في السودان، عن طريق وقف إطلاق النار لمدة 3 أشهر يعقبها مرحلة انتقالية لمدة 9 أشهر.