في ظل ما تشهده محافظات يمنية عدة من اضطرابات وصراعات متشابكة، يواصل التراث الحضاري للبلاد دفع الثمن الأكبر، إذ تتعرض المواقع الأثرية لعمليات نهب وطمس ممنهجة، وسط غياب شبه تام لمنظومة حماية فاعلة. 

وتأتي حادثة ضبط جدارية أثرية نُهبت من معبد أوام التاريخي في مأرب، أثناء محاولة تهريبها عبر منفذ شحن باتجاه سلطنة عُمان، لتسلّط الضوء مجددًا على حجم الفوضى التي تعصف بقطاع الآثار، وتكشف مدى هشاشة الرقابة على أهم الشواهد التاريخية للبلاد.

وقال الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية، عبدالله محسن في منشور له عبر صفحته في "فيسبوك": "في العام 2021م صرح مدير مكتب الآثار في مأرب بتعرض "معبد أوام" للنهب بشكل مهول، والحقيقة أن الأمر ليس جديداً؛ فهناك نهب منظم للمعبد وإهمال قد يقود إلى تدميره كليًا".

وأضاف: "لكن الجديد في تصريحه- مدير آثار مأرب-  كان تهريب جدارية (نقوش) من المعبد تزن 2 طن" عبرت كل النقاط من دون أن يوقفها أحد، حتى وصلت إلى منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان الشقيقة، حيث جرى ضبطها وإعادتها إلى متحف الغيضة في محافظة المهرة شرق البلاد. 

وأوضح الباحث محسن في منشورة الذي عززه بصورة للجدارية: وفي زيارته لمتحف الغيضة، التقط الصديق الصحفي محمد حفيظ ؛ فيديو وصوراً سمح لي بنشرها، وأخبره مدير المتحف "أنهم حصلوا على توجيه من رئيس هيئة الآثار المتاحف في عدن بمصادرتها (قطعتان تزنان نحو طنَّين) من المنفذ إلى المتحف، وعدم إعادتها إلى مارب".

تصريحات الباحث  عبدالله محسن، تكشف أن نهب معبد أوام — أحد أبرز المواقع السبئية — لم يعد مقتصرًا على العبث والتدمير، بل تخطّى ذلك إلى تهريب قطع أثرية ضخمة، تمكّنت من العبور عبر عدة نقاط تفتيش داخلية دون اعتراض، قبل أن تُضبط في منفذ شحن الحدودي. 

كما أظهرت الحادثة بشكل واضح وجود شبكات تهريب منظّمة تعمل داخل مأرب ومناطق يمنية أخرى، مستغلة ضعف الرقابة والانقسام الأمني لنقل القطع الأثرية عبر طرق غير مشروعة وصولاً إلى الحدود مع سلطنة عُمان. 

وتشير الطريقة التي خرجت بها الجدارية بهذا الحجم والوزن من موقع أثري حساس، وعبورها عدة نقاط من دون اعتراض، إلى أن عمليات التهريب تتم عبر مسارات مُحكمة تستند إلى خبرة ومعرفة دقيقة بخطوط النقل والمنافذ، في ما يعكس اتساع نشاط شبكات متخصصة في سرقة وتهريب التراث اليمني وتهديد ما تبقى من إرث حضاري للبلاد.

إضافة إلى إن إبقاء الجدارية في متحف الغيضة في المهرة بتوجيه من رئيس هيئة الآثار والمتاحف في عدن، ومنع إعادتها إلى مأرب، يؤكد أن العملية لم تكن مجرد محاولة فردية، بل حلقة في سلسلة تهريب منظمة تعمل في ظل الانفلات الأمني وتعدد السلطات.

وتكشف هذه الواقعة — وفق خبراء في التراث — عن واقع أكثر قتامة تعيشه المواقع التاريخية في اليمن، وخصوصًا في المحافظات التي تشهد توسعًا عمرانيًا سريعًا أو سيطرة أمنية متقلبة، مثل مأرب. فالمدينة التي تُعدّ مركزًا حضاريًا ضاربًا في القدم، تفتقر اليوم إلى متحف فاعل، أو منظومة حماية قادرة على صون الموروث المكتشف والمتبقي، ما يجعل القطع الأثرية عرضة لما وصفه محسن بـ"الاختفاء الصامت".

ويرى مراقبون أن ما يجري يمثل حلقة ضمن نمط متكرر من الاعتداءات على المواقع التاريخية في مختلف المحافظات، حيث تتيح الفوضى الأمنية وضعف الأدوات المؤسسية والمتاحف، أرضية خصبة لازدهار تجارة الآثار غير المشروعة، سواء عبر تهريبها نحو الخارج أو نقلها داخلياً إلى مناطق يُصعب تتبعها.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

بينها قطع معدنية عربية.. علماء روس يكتشفون آثارًا بمنطقة إيفانوفو

كشف علماء آثار روس، من معهد الآثار التابع لأكاديمية العلوم الروسية، خلال حفريات في مقبرة "شيليبوفو" التي تعود للقرون الوسطى في منطقة إيفانوفو، عن مجموعات فريدة من الأسلحة ومعدات الخيول تعود إلى القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، والتي لم يتم العثور عليها من قبل في أراضي روسيا الشمالية الشرقية.
وقال معهد الآثار الروسي إن "العلماء وجدوا في منطقة الفولجا نحو (550) قطعة أثرية متنوعة، شملت حلي نساء الفنلنديين القدماء وقطعًا نقدية عربية قديمة، وصولًا إلى أجزاء أسلحة الفؤوس والسكاكين والرماح ورؤوس السهام الملتصقة بالأرض عموديًا، ويحمل العديد من العناصر آثار التعرض لدرجات حرارة عالية.الحملات العسكريةكما عثر العلماء على أقراط معلقة وأجراس وقلادات وخلاخيل وخواتم وأجزاء من أحزمة وعناصر أزياء نسائية تعود إلى القرنين التاسع والعاشر، وهي نموذجية لشعب الميري في منطقة الفولجا، إضافة إلى اكتشاف قطع نقدية يزيد عمرها على (1000) عام، من بينها درهم عباسي يعود لعام (756/757م)، ودرهم ساماني لعام (897/898م)، وتقليد لدرهم كوفي من القرن العاشر، مما ساعد على تحديد تاريخ استخدام المقبرة بين القرنين الثامن والعاشر الميلاديين.
أخبار متعلقة اعتقده البعض "مركبة فضائية".. زائر "بين نجمي" في سماء الأرض وتعامل شتوي في ديسمبرفلكية جدة: رصد توهج شمسي قوي.. والأرض في مأمن-عاجلوأشار مدير معهد الآثار التابع لأكاديمية العلوم الروسية نيكولاي ماكاروف إلى أن الاكتشافات تعكس الدور الرمزي العالي للأسلحة، وتؤكد على الوضع العسكري في مجتمع ميري، كمشارك في الحملات العسكرية.

مقالات مشابهة

  • تحذيرات غير مسبوقة من علي محسن للإصلاح: معركة مأرب تقترب من “المنعطف الأخطر”
  • باحث يكشف عن مصادرة 2 طن من آثار أوام بتوجيهات من آثار ومتاحف عدن
  • بينها قطع معدنية عربية.. علماء روس يكتشفون آثارًا بمنطقة إيفانوفو
  • عقوبات رادعة للباعة الجائلين والمتواجدين غير الشرعيين داخل المواقع الأثرية
  • آثار مصر فى الخارج.. حان وقت العودة
  • مبادرة جديدة لاستعادة آثار مصر المنهوبة وعقوبات رادعة لمهربيها خارج مصر
  • برلماني: آن أوان استرداد آثار مصر المنهوبة..وحجر رشيد على رأس الأولويات
  • تهريب آثار اليمن يتصاعد… أكثر من 200 قطعة مهربة خلال شهرين!
  • شبكات نافذة تهريب أكثر من 200 قطعة أثرية للخارج بتواطؤ رسمي