لجريدة عمان:
2025-12-06@17:22:59 GMT

الاحتلال يعيد ترسيم الخط الأصفر بالحديد والنار

تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT

الاحتلال يعيد ترسيم الخط الأصفر بالحديد والنار

غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:

في ساعات الليل التي كان سكان شرق غزة يظنونها امتدادًا لهدنة هشة منحتهم قليلًا من الطمأنينة، بدأ المشهد يتغير فجأة وبقسوة. فعلى مدار الليلتين الماضيتين، تكثّفت الاستهدافات في المناطق الشرقية لمدينة غزة، ولا سيما أحياء التفاح والزيتون والدرج والشعف، عبر عمليات إطلاق نار مكثفة من البر والجو، في وقت راحت فيه طائرات «الكواد كابتر» المسلحة تقترب من أبواب البيوت وخيام النازحين، وتطلق النار على كل تحرك بشري غرب «الخط الأصفر».

فخلال الـ48 ساعة الماضية، كانت آليات الاحتلال تتقدم داخل الخط، وتنفذ عمليات قصف ونسف موسعة، بينما تنقل البلوكات الخرسانية الصفراء إلى داخل الأحياء السكنية، محولة الأحياء إلى جزر معزولة من النار والدخان. وفي حي الشعف ومنطقة السمري، نفّذت الدبابات قصفًا مدفعيًا متتابعًا من مواقع تمركزها خلف «الخط الأصفر»، بالتزامن مع توغّل واضح نحو المناطق المصنّفة «آمنة». عملية تقدّم أجبرت آلاف المواطنين على النزوح تحت النار، فيما شرعت الجرافات العسكرية بدفع المكعبات الخرسانية الصفراء مسافة إضافية للمرة الثانية خلال فترة زمنية قصيرة، لتضييق الخناق على التجمعات السكانية.

توغلٌ مفاجئ.. وخريطة تتبدل بالقوة

ومساء اليوم، تقدمت دبابة إسرائيلية تحت غطاء ناري مع جرافة لمنطقة مسجد المصطفى في حي الشيخ ناصر بمدينة خانيونس، وقامت بعمل ساتر ترابي ومن ثم تراجعت للخلف. ويبدوا أن التراجع إلى منطقة حي الفرا حيث يوجد باقر يقوم بأعمال حفر وبمساندة من طائرة كواد كابتر التي تقوم بإطلاق النار في محيط دوار بني سهيلا شرقي المدينة.

ومنذ ساعات صباح اليوم، يقوم الاحتلال منذ بنسف عدد من المنازل وأصوات انفجارات ضخمة في كافة مناطق قطاع غزة وبالتحديد جنوب وشرق خانيونس، وشمال مدينة رفح. ويعمل الاحتلال على تسريع عملية تدمير المباني المتبقية قبل الدخول في المرحلة الثانية

ومع كل قذيفة جديدة، كانت دوائر النزوح تتسع، والناس يخرجون في الظلام حاملين أطفالهم وبعض الأغراض البسيطة التي انتزعوها على عجل قبل انهيار منازلهم. بعض العائلات في منطقة الشيخ ناصر بخانيونس خرجت مهرولة تحت وقع القصف، بينما بقي آخرون محاصرين وسط نداءات استغاثة لا تستطيع سيارات الإسعاف الاستجابة لها بعدما مُنع عليها الدخول. ولم يفتك الحصار عن العائلات المحاصرة إلا صباح اليوم، وفق ما رصدت «عُمان».

ولا تقتصر عمليات القتل على التفاح وحده، ففي شمال قطاع غزة ببلدة بيت لاهيا استشهد فلسطينيان إثر استهداف مركز إيواء للنازحين، فيما أُصيب خمسة عشر آخرون بينهم نساء وأطفال. وفي وقت لاحق من الليلة نفسها، تعرض الحي لقصف جديد هزّ المباني المتصدعة. وفي الأطراف القريبة من بيت لاهيا، استُشهد ادهم دهمان ضابط في الدفاع المدني صباح اليوم برصاص الاحتلال خلال وجوده غرب الخط الأصفر، بعدما أطلق الجنود النار مباشرة نحو السكان في المناطق السكنية البعيدة عن التماس.

ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، إن ما يجري شرقي المدينة «يمثل استمرارًا لعمليات إسرائيلية مكثفة» تشمل القصف العنيف، التوغّل الميداني، واستخدام العربات المفخخة والروبوتات العسكرية داخل الأحياء. ويوضح أن قوات الاحتلال تطلق النار من الجهة الشرقية نحو الغربية بشكل متواصل، ما يؤدي إلى إصابات مباشرة حتى بين السكان الذين لا يوجدون قرب خطوط الاشتباك.

ويضيف لـ«عُمان»: «الأحياء السكنية تحولت إلى ساحات إطلاق نار عشوائي ومنهجي»، مشيرًا إلى أن مئات المنازل التي كانت ضمن «المنطقة الآمنة» في بداية اتفاق أكتوبر أصبحت ركامًا بعد خرق الاحتلال المتكرر لوقف إطلاق النار.

خط أصفر يتمدد.. ونزوحٌ يبدأ من جديد

لم يمض شهران على عودة الأهالي إلى منازلهم المدمرة عقب سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025، حتى وجدوا «المكعبات الخرسانية الصفراء» تقترب من عتبات بيوتهم من جديد، في مشهد بدا كأنه إعلان آخر لانهيار ما تبقى من الاستقرار. تلك الكتل الأسمنتية التي تجرها الآليات العسكرية باتت رمزًا لسياسة تهدف إلى إعادة تشكيل العمق السكاني وإفراغه من سكانه.

تحوّل الخط الأصفر من مجرد «حدّ فاصل» إلى أداة توسّع ترسم عبرها إسرائيل واقعًا جديدًا، لا باعتباره إجراءً ميدانيًا تكتيكيًا، بل جزءًا ثابتًا من خطة لخلق منطقة عازلة واسعة، تمنع إعادة تجمّع السكان في أحياء تعتبرها «غير آمنة». ومع الدفع المتكرر للمكعبات غربًا، تتآكل المساحة التي يحق للفلسطينيين البقاء فيها، فيما يتواصل القصف الميداني، وتُمنع الطواقم الطبية والدفاع المدني من الوصول، تاركة السكان تحت رحمة النار.

«النزوح رقم 16»

يقيم أمين شريدة (50 عامًا) في خيمة قرب الخط الأصفر، وقد شاهد بنفسه كيف دخلت المكعبات الصفراء إلى منطقته فجر الثلاثاء. يقول: «تفاجأنا الساعة الثانية والنصف صباحًا بأن الحجر الأصفر يدخل مناطق سكننا. أصبحت الخيمة التي تأويني أنا وأطفالي داخل الخط خلال دقائق». لم يكن أمام أمين سوى الهرب مجددًا: «هذا النزوح رقم 16 منذ بدء العدوان. لم يعد هناك مكان نلجأ إليه».

ويضيف أن القصف المدفعي تزامن مع تقدم الدبابات، وأن النار اشتعلت في بعض الخيام، فيما غطى صراخ الأطفال على صوت الانفجارات. «كنت أحمل ابني وأركض بلا اتجاه. الكتل الصفراء كانت أقرب إلينا من أي وقت مضى، وكثير من الجيران لم يستطيعوا الخروج وظلوا محاصرين قرب السنافور».

منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر، تواصل سلطات الاحتلال فرض قيود مشددة على دخول المساعدات عبر المعابر، ونتيجة لهذه القيود، وصل إلى القطاع جزء ضئيل مما يفترض أن يدخل من الغذاء والوقود والدواء، في حين بقيت معابر مهمة –خصوصًا باتجاه شمال غزة– شبه مغلقة، مما فاقم حالة العجز الإنساني وعمّق مظاهر الجوع ونقص الرعاية الصحية بين السكان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الخط الأصفر إطلاق النار صباح ا

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: إسرائيل عاجزة عن رسم خارطة أنفاق غزة بعد عامين

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن إسرائيل تعاني من عمى تكتيكي واستخباراتي يمنعها من رسم خارطة الأنفاق في قطاع غزة حتى في المناطق التي تعتبر نفسها مسيطرة عليها، على الرغم من مرور أكثر من عامين على الحرب، في وقت يواصل فيه نحو 200 مقاوم فلسطيني القتال في منطقة رفح على الرغم من عزلهم التام وانقطاع خطوط الإمداد عنهم.

ولا تزال منطقة شرق وجنوب شرق الخط الأصفر في رفح تضم أعدادا كبيرة من المقاومين، وتقدر إسرائيل عددهم بنحو 200 مقاتل وهو رقم كبير جدا بحسب حنا.

وأوضح حنا -خلال فقرة التحليل العسكري- أن هذه المجموعات أصبحت معزولة بعد اتفاق وقف إطلاق النار، "إذ لو كان هناك تواصل عبر الأنفاق والقدرة على العودة إلى غرب القطاع لكان المقاومون قد انسحبوا".

وتطالب إسرائيل هؤلاء المقاومين بالخروج من الأنفاق وتسليم السلاح ومعاملتهم كأسرى حرب، وهو ما يرفضونه.

ويرى حنا أن ما يميز هؤلاء المقاومين هو إرادة القتال وعدم الاستسلام على الرغم من انقطاع الدعم اللوجستي عنهم.

في حين يزعم جيش الاحتلال أنه قتل نحو 40 مقاوما منهم، وهو ما يعكس حجم الوجود المسلح في هذه المنطقة.

قدرة المقاومة

ويرى الخبير العسكري أن هذا الوضع سيخلق مشكلة أمنية كبيرة على المدى البعيد بالنسبة لجيش الاحتلال، مشيرا إلى أن هؤلاء المقاومين موجودون في الأنفاق منذ فترة طويلة ولا يزالون قادرين على التحرك والخروج للاشتباك ومحاولة العودة إلى غرب الخط الأصفر.

وفي سياق متصل، تناول حنا الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، موضحا أنه لو لم يكن هناك وقف لإطلاق النار وكان جيش الاحتلال يعلم بوجود 200 مقاتل في خلفيته لاستمرت العمليات لفترات طويلة، ولكن إسرائيل اعتبرت نفسها مسيطرة على هذه المنطقة بدون معرفة حقيقية بما يجري فيها.

ولفت حنا إلى تصريحات سابقة لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس حول تدمير كل الأنفاق شرق الخط الأصفر، مؤكدا أن الواقع على الأرض يكشف حجم "العمى التكتيكي والاستعلاماتي" الذي تعانيه إسرائيل.

إعلان

وأكد حنا أن إسرائيل لم تستطع فعليا رسم خارطة الأنفاق الموجودة في القطاع بعد أكثر من عامين من الحرب، وهي لا تعرف ما هو موجود حتى في الأماكن التي تدّعي السيطرة عليها، واصفا ذلك بالفشل الاستخباراتي الكبير.

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن قتل 3 فلسطينيين بزعم تجاوزهم الخط الأصفر
  • استشهاد 3 فلسطينيين بزعم اجتيازهم الخط الأصفر بغزة
  • غزة.. غارات جوية وراء الخط الأصفر وتفجير منازل بالشجاعية وجباليا
  • جيش الاحتلال: استهدفنا مسلحين تخطيا الخط الأصفر شمال غزة
  • شهيدة ومصابون في قصف إسرائيلي مروحي ومدفعي خارج الخط الأصفر بغزة
  • الاحتلال يواصل التصعيد على مناطق الخط الأصفر شرق غزة
  • بدأها أبو شباب.. مليشيات مسلحة تتموضع خلف الخط الأصفر بغزة
  • “الخط الأصفر”: حدود غير مرئية تحصد أرواح الغزيين يوميا
  • خبير عسكري: إسرائيل عاجزة عن رسم خارطة أنفاق غزة بعد عامين