الاقتباس العلمي.. حين يصبح النقل صناعة معرفية
تاريخ النشر: 6th, December 2025 GMT
خميس بن سعيد الحربي **
في زمنٍ تتسارع فيه المعرفة وتترابط فيه مصادر المعلومات، لم يعد الباحث قادرًا على بناء دراسته بعيداً عن الآخرين، ولا يمكنه التقدم في ميدان البحث دون الرجوع إلى ما نشره الباحثون قبله، وهنا يظهر الاقتباس العلمي بوصفه أداة دقيقة، لا يقصد منها تكرار الأفكار، بل تقديم قراءة واعية للبحث وإعادة توظيفه بما يخدم الفكرة الجديدة للباحث.
لكن ما يلفت الانتباه اليوم هو أن بعض الباحثين، وخاصة في بداية كتابة البحوث، يتعاملون مع الاقتباس بوصفه ملاذًا للنسخ أو وسيلة لتطويل الصفحات، بينما هو في أصله اعتبره فن منضبط يحتاج إلى أسلوب منضبط وبصيرة، وقدرة على الربط، لا مجرد مهارة في النقل.
متى يصبح الاقتباس ضرورة؟
لا يلجأ الباحث إلى الاقتباس عبثاً، بل يستخدمه في لحظات مُحددة لا يملك فيها خياراً آخر، منها نقل مصطلحات علمية ثابتة، أو بيانات إحصائية دقيقة، أو نصوص قانونية وتاريخية لا تتحمل التغيير. كما يلجأ إليه عندما يستشهد بآراء باحثين وخبراء، أو حين يفسر ويوضح مفاهيم لا يمكن إعادة صياغتها دون أن تفقد معناها. فالاقتباس يصبح هنا ليس لتزيين النص، بل لإسناد الحقيقة، وتوثيقها، وتحقيق الأمانة العلمية.
ضوابط تحمي الباحث من الوقوع في فخ النسخ
ومع أن الاقتباس جزء مهم من منهج البحث، إلا أنه ملزم بضوابط واضحة، أبرزها ألا يتجاوز 20% من حجم الدراسة، وأن يبقى أسلوب الباحث هو الغالب في التحليل والتفسير، كما يجب توثيق كل معلومة تنقل، والابتعاد عن "حشو" النص باقتباسات طويلة لا قيمة لها؛ فالاقتباس الصحيح هو الذي يضيف معنى، ويعطي الباحث فرصة ليظهر فهمه للنص، لا الذي يحجب شخصيته خلف كلمات الآخرين.
أنواع الاقتباس.. ومرونة الباحث
لا بُد أن يتعامل الباحث مع أربعة أنواع رئيسية من الاقتباس: الاقتباس المباشر عندما تنقل العبارة حرفيًا، وغير المباشر الذي يعكس فهم الباحث للنص، وهناك الاقتباس الطويل المتضمن لحذف (…) من أجل تخفيف النص، والاقتباس الوصفي الذي يذكر فيه الباحث الفكرة بأسلوبه دون نقل حرفي.
وهذه الأنواع تمنح الباحث مساحة واسعة للتحرك بين الدقة والمرونة، وبين الأمانة العلمية وإبراز أسلوبه الخاصة.
الاقتباس ليس عبئًا ثقيلًا على الباحث، بل أداة قوة إذا أحسن توظيفها. وهو ليس تكرارًا لما قاله الآخرون، بل إعادة قراءة واعية تظهر القدرة على التحليل والتأمل وإنتاج المعرفة من جديد.
ولهذا، فإن الباحث الذي يتقن فن الاقتباس يعرف تمامًا كيف يوازن بين الاستفادة من جهود الآخرين، وبين حضور أسلوبه العلمي المستقل… وهو ما تحتاجه البحوث اليوم أكثر من أي وقت مضى.
** مشرف مصادر التعلُّم
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«تريندز» يشارك في قمة «بريدج» بتجارب معرفية معززة بالذكاء الاصطناعي
يشارك مركز تريندز للبحوث والاستشارات في فعاليات قمة «بريدج»، الحدث العالمي الأبرز في صناعة الإعلام والمحتوى والترفيه، والذي يُقام في مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك»، خلال الفترة من 8 إلى 10 ديسمبر 2025.
وصُمم جناح «تريندز» ليكون منصة معرفية تفاعلية تجمع بين أصالة البحث العلمي وحداثة التقنية، إذ يقدّم تجربة استثنائية لزوار القمة، تشمل عرض مجموعة متنوعة من الإصدارات البحثية والدراسات الإستراتيجية التي تتناول أبرز القضايا الإقليمية والدولية.
كما يتضمن الجناح أنشطة وفعاليات نوعية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يتيح للزوار التفاعل مع المحتوى البحثي بطرق مبتكرة، ويعكس رؤية «تريندز» في توظيف التكنولوجيا لخدمة المعرفة واستشراف المستقبل. وأكد الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي للمركز، أن قمة «بريدج» تمثل نقلة نوعية تعيد رسم خريطة الإعلام والمحتوى الإبداعي على مستوى العالم، مشيراً إلى أن مشاركة «تريندز» تعكس التزامه بمواكبة التطورات المتسارعة في صناعة المحتوى، وإيمانه بأن البحث العلمي الرصين هو الأساس لصناعة إعلام هادف ومؤثر.
وأضاف أن القمة تتيح فرصة مثالية للتواصل مع نخبة من قادة الفكر والإعلام وصنّاع المحتوى من مختلف دول العالم، بما يسهم في تبادل الخبرات، وتقديم نموذج رائد للمراكز البحثية التي توظف أدوات المستقبل في تحليل الواقع واستشراف التحديات القادمة.