الموقع بوست:
2025-12-07@12:11:17 GMT

عن حضرموت والمهرة وتقسيم اليمن.. تفكيك معطيات

تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT

عن حضرموت والمهرة وتقسيم اليمن.. تفكيك معطيات

لم يُعد الحديث عن تقسيم اليمن تخريصًا بقدر ما صار واقعًا معاشًا؛ فالبلد صار عبارة عن كنتونات، وتتقاسمه سلطات حرب، وتحكمه قوى تستمد سطوتها من مظلات خارجية. فسقوط محافظتي حضرموت والمهرة خلال يومين ما كان ليحصل لو لم يكن هناك فاعل مؤثر على البيادق المحلية وممول خارجي لتحركاتها، وعلى استعداد، لو اقتضى الأمر، أن يمول حروبًا على امتداد الجغرافيا اليمنيّة الممزقة.

 

هل كان تقسيم اليمن وإعادته إلى شطرين يحتاج إلى تكوين جماعات مسلحة وإسقاط المحافظات الواحدة تلو الأخرى؛ واستهداف ما تبقى من مكونات الجيش اليمني، وإهانة رمزيته، ممثلًا في العلم الجمهوري، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال تسريح مئات وآلاف الجنود الملتحقين بالجيش؛ باعتبارهم ينتمون للشمال؛ بعد إهانتهم والإساءة إليهم …هل كان تقسيم اليمن يحتاج إلى كل هذا؟

 

اليمن مقسّم فعلًا، وبإمكان جنوبه من خلال مَن يقدّم نفسه ممثلًا له (المجلس الانتقالي الجنوبي) أن يُعلن الانفصال، لاسيما هو مدعوم خارجيًا، وبإمكان المخرج توفير دعم دولي تدريجي للانفصال، لاسيما بعد أن فرض سيطرته على محافظتي حضرموت والمهرة؛ إذ لم يعد أمامه أي مبرر لتأجيل إعلان الانفصال، وقد صار قوة الأمر الواقع هناك؛ فهل سيحدث ذلك؟! لن يحدث؛ لأن ما يُراد لليمن هو أكبر من إعادته إلى ما قبل عام 1990؛ بل أسوأ، وهو بقائه في متوالية من الإضعاف وضمان دورانه داخل صندوق اللادولة، كوسيلة لاستمرار الهيمنة على موقعه الاستراتيجي، بما فيها موانئه وجزره وباب المندب؛ واستغلال ثرواته، طالما بقي قراره السيادي مستلبًا وحركته الميدانية مرتبطة بقرار الممول وتخدم مصالحه؛ بما يتفق- بلا شك- مع رؤية الشرق الأوسط الجديد.

 

يتعامل المجلس الانتقالي الجنوبي؛ وكأن الشمال هو المتمسك بوحدة البلاد؛ فلجأ إلى سياسة سلخ الجنوب من يمنيته وإنكارها، وابتداع هُوية جديدة (دولة الجنوب العربي)، وهي تسمية من نتاج حقبة الاستعمار البريطاني، الذي اخترع اسم اتحاد الجنوب العربي؛ حتى الاستعمار البريطاني لعدن فقد استخدم ذلك الاسم لاتحاد محميات، لم تشمل سلطنات ومحميات الشرق. لسنا بصدد تشريح دعوة الانتقالي ضد يمنية الجنوب، فهي أكبر من أن ينال منها بيدق على رقعة شطرنج؛ وسنكتفي بالقول إن كلمة اليمن هي في أصلها اللغوي تعني الجنوب.

 

إن مما لا شك فيه عدم الفصل بين ما يشهده اليمن وتشهده المنطقة، بما فيها مشروع الشرق الأوسط الجديد. والقوى الفاعلة في اليمن ليست سوى أدوات في مسار تحقيق أهداف المشروع، وهذا لا يتأتى إلا بالقضاء كليًا على كل ما له علاقة بقيمة الدولة وهُوية الوطن الجامع؛ لهذا كان الجيش هو الهدف الأول لهذه القوى، والعلم كرمز لهوية جامعة كان هدفًا تاليًا، وما حصل في حضرموت والمهرة وقبلهما في شبوة وسقطرى وعدن وأبين، ومثلها هو استهداف للهُوية من خلال تقسيمها، وإهانة كل مَن يحمل اسم اليمن، أو يرفع علم اليمن؛ فكلاهما رمزية لهُوية يُراد لها التراجع للخلف؛ وتسليم الواقع للتشظي والتفتيت، بعد إزاحة كل عوامل القوة؛ بما فيها القوة المعنوية الناتجة عن الاعتداد الثقافي بالذات؛ لأن انكسارها يعني الاستسلام لكل عوامل الهيمنة.

 

الرباعية الدولية

 

لا أعتقد أن انفصال جنوب اليمن يحتاج لمعارك متوالية لإسقاط المحافظة تلو المحافظة، بينما تسلم المحافظات نفسها بكل سهولة ويسر: ماذا يحصل وكيف نقرأه؟

 

يقول نقيب الصحافيين اليمنيين، المفكر عبدالباري طاهر، لـ «القدس العربي» إن «ما تريده الرُّبَاعيِّة الدولية، وَتحديدًا أمريكا وبريطانيا ليس الانفصال، وإنَّمَا تفكيك اليمن شمالاً وجنوبًا شرقًا وغربًا».

 

وأضاف: «ووضع ليبيا والسودان وسوريا والضفة الغربية وغزة هو الوضع المثالي للرباعية الدولية. الميليشيات في هذه البلدان والزعامات الزائفة هي الأيادي المنفذة. فبقاء الأوضاع، وتسويد التفكك، وتمزيق النسيج المجتمعي هو الأساس لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد، وقيام إسرائيل الكبرى، وِفْق رؤية بيريز ونتنياهو وخريطة برنارد لويس للمنطقة العربية كلها».

 

ويردف: «إلى ما قبل تدمير العراق والربيع العربي كانت أمريكا وأوروبا الاستعمارية تعملان على خلق أنظمة تابعة، ولكن بعد تدمير العراق والربيع أصبح تدمير الكيانات الكبيرة والجيوش العربية هَدفاٌ رئيسيا. فاليمن المُحَارب والمفكك والممزق نسيجه المجتمعي هو ما تعمل عليه الرباعية، وتنفذه الأدوات المحلية.

 

وَيَقينًا، فإنَّ فساد وطغيان الأنظمة العربية واليمن قد حَرثَ الأرض، وَمهَّدَ السَّبيل لإنجاح المخطط. أمَّا سقوط المحافظات بدون قتال فلا يعني قبول المتغلبين أو الرضا بهم. وإنَّما يعني الرفض للحرب، وحالة السلبية والقرف، وكأنَّ ما يجري لا يعنيهم». ويرى طاهر أن «هناك مزاجا عاما في الشعب اليمني هو رفض الحروب، والاحتكام للقوة. والمحكوم اليمني الفلاح أو صاحب (الدُّكَان)، أو الحِرفَة أذكى من حاكمه، ويقرأ مآلات الأمور، وأنَّ هؤلاء المجتاحين لبلدهم ليسوا سوى أدوات لقوى عميلة. الموجع والفاجع أن ينتقم اليمني من نفسه، وأن تثأر المدينة من أختها، والقرية من الأخرى؛ وهم كلهم تحت حد السيف سواء».

 

اليمن يدفع ثمن ماضٍ مجيد

 

لكن يبقى السؤال قائمًا عن الهدف الحقيقي وراء كل ما يحصل لليمن، أهو التقسيم، وهل يحتاج التقسيم لكل هذا السيناريو؟

 

ويقول طاهر: «لليمن ثأر مع أمريكا وأوروبا الاستعمارية وإسرائيل. فهذا البلد أشعل عدة ثورات، وأحرز الاستقلال، وأقام تجربة تحرر وطني؛ كان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عُنوانًا من عناوين العصر. قاتل أبناؤه من الشمال والجنوب في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان في صدارة حركات التحرر الوطني وتجارب الاشتراكية العلمية. فاليمن اليوم يدفع ثمن ماضٍ مجيد. وتريد الرُّبَاعِيِّة القضاء على إرادة الثورات الوطنية، أو الوحدة السلمية، أو الاحتجاجات التي رَوَّعَتْ الجِوَار، وَقَدَّمَتْ أنموذجًا لشعب مدجج بالسلاح يرميه، وينزل إلى الميادين مُحتجًّا، ويتعرض للاستشهاد، والنماذج كثيرة».

 

ويعتقد نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق أن «ذلكم ما يفسر عزوف اليمنيين عن الاقتتال، والجنوح للسلم، ودعوات التصالح والتسامح. وما يريده أعداء اليمن هو غرس الفتن والصراعات واستمرار الاقتتال؛ لأنَّ ذلك وحده ما يتيح لهم السيطرة على الممر الدولي (باب المندب)، والتَّحَكُّم في الموانئ، والسيطرة على مئات الجزر والشواطئ، ونهب الثروات، وإذلال الكرامة، وإهانة الشعب اليمني. وللأمر علاقة بإغلاق باب المندب، وَنُصرَة أنصار الله لإخوانهم في غزة».

 

مآل التقسيم

 

أين سيقف التقسيم؟ سؤال جوهري يتكرر طرحه وفي الإجابة عليه يقول المفكر طاهر: «لن يقف التقسيم عند حَدّ. وسنشهد الانقسام – وَهُوَ ما يجري حَاليًّا- إلى شمال وجنوب، وانقسامات الشمال والشمال، والجنوب والجنوب، ويمتد إلى انقسامات جهوية، وقبلية، وعشائرية، وحتى أسرية. المخطط جهنمي، ولكن تحديه وكسره ليس مُستحيلاً. أمَّا المستفيد من التقسيم فأمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأتباعهم من دول الجوار التي تريد ابتلاع اليمن، ولن يتأتى لها ذلك إلا بتفكيك اليمن وتمزيقها وتأجيج الفتن والصراعات داخلها، ولن يقف التقسيم إلا بإدراك اليمن للمصير المحدق بوطنه وأمته العربية».

 

لكن؛ ماذا بعد اسقاط جميع محافظات جنوب وشرق اليمن؟ ما هي الخطوة التالية؟ هل سيتم إعلان الانفصال رسميا؟

 

يجبب عبدالباري طاهر: «هذا أخطر سؤال؛ وهو أحد الاحتمالات، ولكنه احتمال مرجوح. فالحالة اليمنية واليمنيون لن يقبلوا بالعودة إلى ما قبل الـ 22 من أيار/مايو 1990. كانت حضرموت بسلميتها، والنأي بنفسها عن الصراعات، وموقفها المائز رأس للشمال والجنوب، ولها وزنها وتأثيرها ودورها التاريخي في جنوب شرق آسيا والهند، وفي تأسيس العربية السعودية، وعقلانية وسلامية أبنائها. كانت مثلاً وقدوة؛ وذلك ما أزعج تجار الحروب».

 

ويضيف: «كان أبناء حضرموت يطمحون، ومعهم كُلَّ الحق، أن يكونوا رأس اليمن السلمي القادم بديلاً لنهَّابَة الشمال، ومبندقي الجنوب، وربَّمَا كان الخطأ الرِّهَان الزائد على طرف لا مصلحة له في أمن اليمن وسلامه واستقراره».

 

استمرار التفكك

 

ويرى أن «الاحتمال الراجح عدم إعلان الانفصال. فإعلان الانفصال إعلان للحرب؛ ليس بين الشمال والجنوب فحسب؛ وإنَّما بينهما، وداخلهما أيضًا؛ كما كان الحال قبل الـ 22 من أيار/مايو 1990، وربما أسوأ».

 

ويرى نقيب الصحافيين اليمنيين «استمرار التفكك والانقسامات داخل كل شطر مُهِمّ للجوار وللرباعية الدولية، وَرُبَّمَا كان درس حماس وإسرائيل مهما لهم. لم تكن الأنظمة المستبدة في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن ضدهم؛ ومع ذلك عملوا على تدميرها؛ لأن التجزئة والتقسيم هو المطلوب. فبقاء اليمن مُفكَّكًا وَمُحتَرِبًا هو الأمثل لإسرائيل الكبرى، ولنهب ثروات واستعباد الشعوب».

 

ماذا ينتظر اليمن؟

 

يقول عبدالباري طاهر: «أمَّا ما ينتظره المتسلطون وقادة الميليشيات فهو تلقي التعليمات، وانتظار الفتات. فهم ليسوا حُكامًا ولا هم مؤهلون ليكونوا حُكَّامًا؛ وهم يعرفون أنَّ ما وصلوا إليه ليس باختيار الجماهير ولا قبولهم لهم، وهم لا يمتلكون الكفاءة ولا الأهلية التي تبقيهم في مواقعهم، ويعرفون أنَّ التبعية للأجنبي، والصراع الإقليمي والدولي هو من جاء بهم، وهو من يبقيهم».

 

ويضيف: «أمَّا ما ينتظره اليمنيون، بل يجب أن يقوموا به فهو رفض التبعية للأجنبي، والسعي الجاد للتصالح الشعبي الوطني، واستعادة الرفض السلمي، وبدء الاحتجاجات في كل اليمن ضد الحرب، وضد القمع والتجويع والإرهاب والاعتقالات الكيفية والاختفاء القسري والفساد والاستبداد».

وقال: «استطاع الحضارم الإسهام في مقاومة الاستعمار الهولندي في جنوب شرق آسيا، وطرد بريطانيا من الهند، ونشروا الإسلام في أصقاع واسعة في جنوب شرق آسيا وفي شرق أفريقيا بالسلوك الحسن والقدوة الطيبة، وأسهموا في تأسيس العربية السعودية، وأخيرًا في طرد القاعدة من أرض حضرموت. إنَّ الانتصار بالسلاح على الوطن كاذب وزائف 100 في المئة، وغدًا يتهاوى بسلمية وحتى بسلبية ورفض التعامل مع الوطني الغازي. الميليشيات في اليمن كلها تُمثِّل أسوأ نماذج الحكم عبر التاريخ، وبقاؤها مرتهن بتدخل الجوار، والإقليمي، والدولي».

 

فيما يتعلق بموقف السلطة في قصر معاشيق بعدن يخلص المفكر طاهر إلى أن «السلطة في معاشيق موظفون؛ وبالأحرى هم تابعون يعرفون أقدار أنفسهم؛ لذا لا يتدخلون فيما لا يعنيهم، وينتظرون الإشارة».

 

ميزان القوى

 

في المحور التالي سنحاول قراءة البعد الميداني فيما يحصل وحصل مؤخرًا وتحديدًا في إسقاط محافظتي حضرموت والمهرة واستهداف ما تبقى من قوى الجيش اليمني.

 

يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث بصنعاء، عبدالكريم غانم لـ»القدس العربي» في قراءته للسقوط الدراماتيكي للمحافظتين: «أدركت قوات حماية حضرموت أن ميزان القوى العسكري ليس في مصلحتها، فنأت بنفسها عن الدخول في صراع مسلح مع قوات المجلس الانتقالي التي وجدت الفرصة مواتية أمامها لإزاحة قوات المنطقة العسكرية الأولى، والقضاء على آخر معاقل الجيش الوطني في حضرموت والمهرة، مستفيدة من تماهي الموقف الرسمي للمجلس الرئاسي ووزير الدفاع مع توجهات المجلس الانتقالي لاستكمال السيطرة على حضرموت والمهرة، فمن المعلوم أن قرار الحرب يتخذ من المستوى السياسي وينفذه المستوى العسكري، أي القوات المسلحة، وفي العملية العسكرية الأخيرة التي أعلنتها قوات المجلس الانتقالي من جانب واحد، لم تتخذ القيادة السياسية ووزير الدفاع أي قرار بالتصدي لهذه القوات، لذا كان من المتوقع أن تتجنب قوات الجيش الوطني، ممثلة بقوات المنطقة العسكرية الأولى الدخول في معركة خاسرة، ففضلت الجنوح إلى السلم، حقنًا للدماء، وهو ما فهمته القوات المسلحة الوطنية المرابطة في محافظة المهرة، التي حذت حذو حضرموت، الأمر الذي جعل السيطرة على المحافظتين لا يساوي سوى الوقت الذي تقطعه السيارة من حضرموت إلى المهرة في طريق مفتوح يخلو من نقاط تفتيش».

 

صمت السقوط

 

لكن ماذا عن موقف وصمت الحكومة من سقوط شبوة وأبين وعدن وسقطرى وغيرها …؟

 

يقول غانم: «سيناريو سقوط حضرموت والمهرة يتشابه مع سيناريوهات سقوط شبوة وأبين وغيرها من المحافظات اليمنية، من حيث تماهي القيادة السياسية والحكومة الشرعية مع مشاريع الانفصال والتجزئة، وتسليم أسلحة الجيش ومواقعه للقوات التابعة لسلطات الأمر الواقع، وإذا كانت التجارب السابقة قد شهدت بعض المواجهات المسلحة، فسيناريو السيطرة على حضرموت والمهرة كاد يخلو من أي مواجهات مسلحة، فدور المجلس الرئاسي قاصر على تحقيق السلام والاستقرار والحفاظ على الوضع القائم، بالإضافة إلى الاعتبارات الثقافية التي تميز جنوب شرق اليمن من حيث الحرص على التماسك الاجتماعي وتجنب العنف».

 

وأضاف: «ففي الحالة الراهنة التقت مصلحة المجلس الانتقالي في توسيع نفوذه وحشد التأييد الشعبي، مع مصلحة أبو ظبي في التخلص من آخر معاقل الجيش الوطني في اليمن، الذي تنظر إليه أبو ظبي باعتباره وكرا لحزب الإصلاح الإسلامي، وعلى الرغم من قلق الرياض من توسع نفوذ المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا على حدودها الجنوبية إلا إن حرصها على الاستقرار واستتباب الأمن في حضرموت والمهرة جعلها ترجح خيار التسليم لقوات المجلس الانتقالي، الفصيل السياسي والعسكري الأقوى على أرض الواقع».

 

لكن كيف نفهم انسحاب قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت على الرغم من أنها كانت قد أعلنت مساء يوم الاشتباكات جاهزيتها العالية؟

 

يرى عبدالكريم غانم أن «انسحاب قوات المنطقة العسكرية الأولى يمكن فهمه من خلال خذلان الحكومة الشرعية لها، وافتقارها للغطاء السياسي والدعم اللوجستي، وافتقارها للحاضنة الاجتماعية».

 

سلطة رخوة

 

تحدثت مصادر أن قيادة المنطقة الأولى حاولت الاتصال بقيادة وزارة الدفاع لكن الأخيرة لم تجب ما اضطر المنطقة لإصدار تعليمات التراجع. وفي هذا يرى غانم أنه «على الرغم من اختلاف الجغرافيا وتغير الفاعلين المحليين يتكرر هذا المشهد الذي يكشف ضعف الدولة وهشاشتها وتبعيتها للخارج، وتفريطها بالوحدة، كما يكشف دور الفاعل الإقليمي الذي يدير الأحداث عن بعد، في تمكين سلطات الأمر الواقع من احتلال مواقع الجيش اليمني، بذات الذريعة القديمة الجديدة».

 

وفيما يتعلق بما حصل في محافظة المهرة يرى عبدالكريم غانم أن «الواقع أن الدولة ممثلة بالحكومة الشرعية صارت ضعيفة إلى حد عجزها عن تأمين مقر إقامة قادتها في العاصمة المؤقتة عدن، وقد ساهمت في اضعاف نفسها، استجابة لتوجيهات القوى الإقليمية التي تمولها، فشرعية الحكومة اليمنية لا ترتبط بالداخل قدر ارتباطها بالتبعية لدولتي التحالف العربي، الأمر الذي يفسر تماهي القيادة السياسية والحكومة الشرعية مع مشاريع الكنتونات السياسية القائمة، عندما تتحول من سلطة يفترض أنها تحتكر الحق في استخدام القوة إلى سلطة رخوة تتنازل عن أسلحتها لخصومها طواعية، استجابة لأجندات جيوسياسية إقليمية».

 

إنزال العلم الوطني وإهانته

 

إنزال علم الجمهورية اليمنية، وترحيل الجنود والضباط من أبناء المحافظات الشمالية.. من أي زاوية يمكن تفهم هذا التصرف، لاسيما وأنه يمتد إلى الإساءة للعلم وإهانته؟ يقول غانم: «ارتبطت النزعات المناطقية بالأزمة السياسية التي يمر بها اليمن، وما رافقها من دور إقليمي مزعزع للاستقرار رافقه بروز مشاريع سياسية صغيرة، أو ما دون وطنية، فعوضًا عن تقديم الفاعلين السياسيين المحليين برامج سياسية لتنمية وتحديث المجتمع، لجأت بعض الجماعات السياسية لتطييف المجتمع وإعادة فرزه على أسس جهوية، بما في ذلك القطاعين العسكري والمدني، حيث تمت إعادة فرزهما على أسس مناطقية، بما يتناسب مع رؤية سلطات الأمر الواقع لتوزيع السلطة والثروة، بدءا بإقصاء الآخر وشيطنته وإهانة الرموز الوطنية، باعتبارها العائق أمام مشاريعها السياسية ما دون الوطنية».

 

تفكيك الجيش اليمني

 

على الرغم مما يمكن اعتباره انتصار قوات الانتقالي الانفصالي في محافظتي حضرموت والمهرة، إلا أن المتابع فوجئ بتسليم بعض المواقع والمنشآت لقوات درع الوطن المدعومة سعوديًا وإحلالها محل بعض مواقع قوات الجيش. يفسر عبدالكريم غانم ذلك بقوله: «بعد أن تم إسقاط المنطقة العسكرية الأولى آخر معاقل الجيش اليمني في المحافظات الجنوبية الشرقية، من المتوقع أن تحاول الحكومة الشرعية المدعومة من الرياض إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أسلحة الجيش، التي باتت غنيمة سهلة لقوات المجلس الانتقالي، من خلال تسليمها لقوات درع الوطن المحسوبة على الحكومة الشرعية والممولة سعوديا».

 

وفيما يتعلق بالهدف الفعلي من إسقاط تلك المحافظات يعتقد غانم أن «الجيش اليمني كان ولا يزال هدفًا للتفكيك من قبل التحالف العربي، وعلى الرغم من اختلاف دولتي التحالف حول العديد من الملفات إلا انهما يجمعان على تفكيك الجيش اليمني، فالجيش الوطني هو الحامل الرئيسي للدولة الوطنية التي جاءت على أنقاضها المشاريع السياسية الصغيرة التي يبدو انها تلبي المصالح الجيوسياسية للفاعلين الإقليميين».

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن حضرموت الانتقالي الامارات السعودية قوات المنطقة العسکریة الأولى قوات المجلس الانتقالی الحکومة الشرعیة إعلان الانفصال الأمر الواقع الجیش الیمنی الجیش الوطنی على الرغم من السیطرة على ة الدولیة جنوب شرق من خلال غانم أن بما فی

إقرأ أيضاً:

إعادة هندسة العدوان على اليمن

 

تتكشّف في حضرموت والمهرة السطور الأولى من صفحات مخطط عدواني واسع تحضّره واشنطن والكيان الصهيوني ولندن لإعادة ترتيب مسرح العدوان على اليمن، في محاولة جديدة لصياغة معركة كبرى تُخاض بأدوات يمنية مرتهنة فشلت طوال سنوات العدوان الإماراتي السعودي الأمريكي خلال السنوات العشر الماضية، ويحاول العدو اليوم إحياءها عبر الطعوم والوعود والمكافآت السياسية والعسكرية.

فالمشهد في حضرموت والمهرة يختصر القصة ويقدّم صفحة من المخطط الواسع ضد اليمن، ولم يكن نفوذاً بين أدوات العدوان كما يُصوَّر ظاهريًا في الوسائل الإعلامية والتناول السطحي للأحداث، بل ما هو إلا بداية عملية فك وتركيب وهيكلة للأدوات وتوزيع الأدوار عليها في المعركة لتكون في كتلة واحدة تُدفع لاحقًا نحو مواجهة صنعاء.

العدو الإسرائيلي الأمريكي البريطاني، الذي عبّر قادته مؤخرًا عن حالة خوفهم ورعبهم من تنامي قوة اليمن ودور صنعاء في معادلة الإسناد لغزة ومعركة طوفان الأقصى، يسعى اليوم إلى هندسة مشهد جديد يوزّع فيه الطعم على كل أذرعه المحلية.

وأول الطعوم يُجرى تقديمه اليوم لما يسمى بـ”المجلس الانتقالي” عبر تصوير ما يحدث في حضرموت والمهرة على أنه “حق الجنوب” و“مرحلة ما قبل الانفصال”، في محاولة لتوريطه في معركة لا يملك قرارها ولا نتائجها، وجعله رأس حربة في مشروع السيطرة على منابع الثروة والتمويل للمعارك القادمة، وتوسيع الوصاية الأمريكية – الصهيونية في المنطقة.

الطعم الثاني يأتي لطارق عفاش، عبر منحه الضوء الأخضر للتمدد نحو تعز وتسليمها له بوصفها مكافأة مسبقة وضمانة لولائه، تمهيدًا لاستخدامه لاحقًا كقوة ضغط تتحرك من الساحل الغربي باتجاه الحديدة وتعميق الحصار الاقتصادي. أما الطعم الثالث فهو ما يُقدَّم لحزب الإصلاح عبر وعود سعودية – أمريكية – صهيونية سرية، شبيهة بما قُدِّم لتلميذ الصهيوني الإخواني المدّعي بالجولاني في سوريا، بإعادتهم إلى المشهدين العسكري والسياسي، وتعزيز حضورهم في مارب والجوف وجبهات الحدود، ودفعه نحو الاعتقاد بأن طريقه إلى صنعاء قد يُفتح إذا ما خاض المعركة المطلوبة منه وفق ما يخدم الأجندة الصهيونية أولًا.

وبين هذه الطعوم الثلاثة، تعمل واشنطن والكيان الغاصب ولندن على تجميع كل البنادق نحو هدف واحد هو صنعاء، فمن الانتقالي في الشرق، إلى طارق عفاش في الغرب، إلى الإصلاح في الشمال الشرقي، يجري صياغة طوق عسكري يحاول العدو رسمه حول اليمن بهدف إرباك موازين القوى وإعادة تعويم مرتزقته.

وهذه العملية يمكن تسميتها إعادة بناء هندسة عسكرية كاملة تشرف عليها غرف عمليات مشتركة وتحركات مكثفة لصَهْيَنة المعركة المقبلة عبر دمج العناصر القبلية والسلفية والعسكرية تحت راية واحدة يرسمها الكيان الصهيوني.

لكن ما يغيب عن حسابات الأمريكيين والصهاينة والبريطانيين أنّ يمن 21 سبتمبر ويمن الإسناد لغزة يختلف كليًا عما كان قبل عقد من الزمن، وأن صنعاء، التي أصبحت مركز قرار حقيقي وفاعل في معادلة الإقليم، تراقب هذه التحركات بدقة، وتدرك أن إعادة تدوير أدوات مهترئة لن تغيّر في حقيقة الميدان شيئًا، وأن ما تُقدّمه واشنطن وأدواتها من طعوم ووعود، ليس إلا محاولة يائسة لصناعة معركة يستحيل أن تُفرض على شعب قرر أن يكون حرًّا وسيّدًا على أرضه.

إن ما يحدث في حضرموت والمهرة وما سيلحقه في تعز ومأرب وحدود الجوف وصعدة وحجة المقابلة للعدو السعودي هو فصل أول من التحضير لمعركة كبرى يريدها العدو الإسرائيلي بالدرجة الأولى، ومعه الأمريكي البريطاني ضد صنعاء، عبر تجميع أدوات محلية وإقليمية متهالكة في جبهة واحدة.

غير أنّ تلك الأدوات، مهما اجتمعت وتزيّنت بالوعود، ستتبدد عند أول مواجهة مع شعب أثبتت الأحداث والوقائع أنه يستمد قوته من نهج رسالي لا يمكن هزيمته، وأنه يدرك كل تحركات العدو ومخططاته ويمسك بخيوط اللعبة كاملة، ويمتلك اليوم مفاعيل الردع والقوة أكثر من أي وقت مضى. ولن يجد العدو في نهاية المطاف إلا حقيقة واحدة: اليمن عصيّ على الانكسار، وصنعاء خارج كل الحسابات، واليمن بكل ترابه الوطني مقبرة للغزاة ونهاية محتومة لكل الإمبراطوريات، ومن كذّب فليُعِد التجربة لعله يفيق… أو يسقط إلى الأبد.

 

مقالات مشابهة

  • آخر معسكرات الجيش اليمني في حضرموت تسقط بيد الانتقالي والقبائل
  • اليمن.. المجلس الانتقالي الجنوبي يعلن اعتصامًا مفتوحًا في حضرموت للمطالبة بالدولة الجنوبية
  • عقب سيطرة الانتقالي.. الزبيدي يوجه بتطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة
  • عاجل: الانتقالي الجنوبي يتمسك بسيطرته على حضرموت والمهرة ويتجاهل الجهود السعودية لإخراج قواته من حضرموت
  • إعادة هندسة العدوان على اليمن
  • تفاصيل المشهد اليمني عبر الخريطة التفاعلية
  • موقع أمريكي: تحركات الانتقالي في حضرموت والمهرة كشفت عن تنامي الخلافات بين السعودية والإمارات (ترجمة خاصة)
  • اليمن.. محافظ حضرموت يدعو «المجلس الانتقالي» لسحب قواته
  • المجلس الانتقالي يسيطر على معسكري للجيش اليمني ويوسع في حضرموت والمهرة