داخل المتاهة الغارقة.. ماذا يختبئ في أطول كهف مائي بالعالم؟
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
في أعماق شبه جزيرة يوكاتان بالمكسيك، يكمن عالم مائي ساحر يصعب تخيله إنه كهف "أوكس بيل ها" (Ox Bel Ha)، أطول كهف مائي مكتشف على كوكب الأرض، وشبكة طبيعية هائلة تتشابك فيها الممرات كمتاهة لا تزال تكشف أسرارها مع كل رحلة استكشاف جديدة.
يواصل العلماء والغواصون تسجيل مفاجآت مذهلة داخل هذا النظام الجوفي المعقد فقد نجح فريق استكشاف خلال هذا العام في رسم خريطة 524 كيلومتراً من الممرات المائية تحت الأرض قرب مدينة تولوم المكسيكية، وهو رقم يعكس ضخامة النظام لكنه لا يمثل نهايته، إذ ما زالت أجزاء واسعة تنتظر من يصل إليها لأول مرة.
يأتي اسم أوكس بيل ها من لغة المايا، ويعني "ثلاثة مسارات للمياه"، في دلالة على التشعب الهائل الذي يميز هذا الكهف وبالفعل، فإن مساراته المتداخلة تشكل شبكة مائية معقدة يتطلب استكشافها خبرة كبيرة وتجهيزات دقيقة.
منذ متى بدأ الاكتشاف؟لم يعرف العالم الغربي بوجود هذا الكهف سوى في عام 1996، قبل أن تبدأ عمليات الاستكشاف الجدية بعد سنوات قليلة ومنذ ذلك الوقت، يعمل غواصو الكهوف على التوغل قدر الإمكان داخل الممرات، معتمدين على خرائط دقيقة وخطط متقنة:
تنسيق الأكسجين قبل كل غوصضبط الطفو في الممرات الضيقة
وضع علامات إرشادية داخل الكهف
إبقاء اتصال دائم مع السطح لضمان الأمان وجمع البيانات
هذه العملية شاقة للغاية، لكنها أثمرت عن اكتشافات غيرت فهم العلماء لطبيعة الكهوف المائية في يوكاتان.
قاعات تحت الأرض بحجم مباني حيث تضم شبكة أوكس بيل ها غرفاً وقاعات مائية شاسعة، بعضها يشبه الكهوف الجليدية الضخمة، وتتسع لعدد كبير من الغواصين في الوقت نفسه وتشكل الصخور الداخلية لوحات جيولوجية فريدة نتيجة آلاف السنين من الترسّبات الطبيعية.
ممرات لم تطأها قدم بشريةاكتشف الغواصون ممرات جديدة بالكامل تمتد لمئات الكيلومترات، ما عزز صورة هذا النظام باعتباره أكثر الكهوف تعقيداً على الإطلاق.
آثار حضارة الماياداخل بعض الغرف، وجد العلماء قطعاً أثرية نادرة تعود إلى حضارة المايا، ما يكشف أن هذه المنطقة كانت جزءا من طقوس أو طرق قديمة استخدمها السكان قبل آلاف السنين.
أنظمة حياة تعيش في الظلاميحوي الكهف أيضاً أنظمة بيئية دقيقة، تضم كائنات صغيرة متكيفة مع العيش في العتمة الدائمة والضغط المائي المرتفع، وهو ما فتح باباً جديداً لدراسة البيئات القاسية في الطبيعة.
اكتشافات حديثة توسّع حدود الكهفقبل سنوات قليلة فقط، تمكن فريق استكشاف من إضافة 10 كيلومترات جديدة إلى الخرائط الرسمية، ليصل الطول الإجمالي إلى 524 كيلومتراً وفق تقارير منظمة CINDAQ المختصة بالحفاظ على أنظمة المياه في منطقة كينتانا رو.
وفي عام 2023، كتب الغواصون في مجلة In Depth: "لدهشتنا، شعرنا أننا أول من يصل إلى هذه الممرات."
كما شهد عام 2018 اكتشاف روابط بين أنظمة كهوف أخرى في المكسيك، ما أدى حينها إلى اعتقاد مؤقت بوجود كهف أطول قبل أن يستعيد أوكس بيل ها مكانته كالأول عالمياً.
كنز طبيعي وتاريخي تحت الأرضأوكس بيل ها ليس مجرد شبكة مائية، إنه متحف طبيعي وأرشيف تاريخي ومختبر بيئي في آن واحد ومع كل حملة استكشاف، يزداد حجم الأسئلة أكثر من الإجابات، ما يجعل هذا الكهف واحداً من أكثر الأسرار الجيولوجية إثارة على سطح (وتحت سطح) الأرض.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
علاج من أعماق البحار لداء الأمعاء الالتهابي!
#سواليف
يوافق الأسبوع الأول من شهر ديسمبر من كل عام أسبوع التوعية بمرضي ” #كرون ” و” #التهاب_القولون_التقرحي “، وهما المرضان الرئيسيان المندرجان تحت مظلة ” #داء_الأمعاء_الالتهابي ” (IBD).
وتسجل أعداد المصابين حول العالم بهذا المرض المزمن، الذي يتميز بالتهاب مستمر في القناة الهضمية وأعراض منهكة تشمل آلاما بطنية شديدة وإسهالا حادا ونزيفا، تضاعفا منذ عام 1990. وتسجل الفئة العمرية بين 15 و39 عاما أعلى معدلات الإصابة، ما يتطلب جهودا مضاعفة لإيجاد حلول علاجية جديدة.
وفي مواجهة هذا التحدي، حيث تفشل العلاجات التقليدية في إحداث استجابة كافية لدى نسبة كبيرة من #المرضى أو يطور البعض مقاومة لها، يتحول العلماء إلى مصدر طبيعي غير تقليدي: #الطحالب_البحرية.
مقالات ذات صلةفمنذ عام 2021، يعمل مشروع Algae4IBD البحثي الطموح على كشف إمكانات هذه الكائنات البحرية، من طحالب دقيقة إلى أعشاب بحرية، في إحداث تحول في علاج أمراض الأمعاء الالتهابية.
وتعتمد الفرضية العلمية على فحص أكثر من ألف سلالة طحلبية بحثا عن مركبات طبيعية قد تمتلك قدرة فريدة على تهدئة الالتهابات المزمنة، ودعم توازن الميكروبيوم الصحي في الأمعاء، ومكافحة الاختلالات البكتيرية المرتبطة بالمرض.
وتقود هذا المسار البحثي الدولي تعاونيات علمية من عدة دول. ففي ميلانو الإيطالية، يجري اختبار المستخلصات الواعدة على أنسجة حقيقية مأخوذة من 55 مريضا، بينما يعمل شركاء صناعيون في فرنسا وأيرلندا على ترجمة هذه الاكتشافات إلى منتجات غذائية وظيفية مبتكرة، كحلوى الجيلي الصحية والمخبوزات والزبادي المدعم، بهدف تقديم دعم غذائي فعال.
ولضمان جودة عالية واتساق في النتائج، تزرع الطحالب في أنظمة زراعة داخلية فائقة التطور، تحاكي البيئة المثالية لنموها تحت ظروف محكمة، وهو أمر أساسي لأي تطبيق مستقبلي في المجال الصيدلاني أو الغذائي.
وتشير النتائج الأولية إلى أن المستخلصات الطحلبية تظهر خصائص مضادة للالتهابات ويبدو أن الجسم يتحملها جيدا. إلا أن الطريق أمام الفريق البحثي ما يزال يتطلب تحديد المكونات الفعالة الدقيقة المسؤولة عن هذا التأثير الواعد، تمهيدا لتطويرها كأدوية متخصصة أو كمكملات غذائية داعمة.
ولا يقتصر أثر هذا المشروع على السعي لإيجاد علاجات جديدة فحسب، بل إنه يقدم نموذجا للبحث العلمي التكاملي الذي يزاوج بين الحكمة الطبيعية المتمثلة في الطحالب، والتقنيات المتقدمة في الزراعة والتصنيع، والنهج الموجه لخدمة المريض.
فبالتوازي مع تطوير العلاجات الدوائية، يسعى الباحثون إلى تصميم “أطعمة خارقة” تجمع بين الفوائد المضادة للالتهابات والأكسدة مع خصائص البروبيوتيك والبريبايوتيك.
تأتي هذه الجهود في وقت تشتد فيه الحاجة إلى حلول مبتكرة، حيث تظل معاناة مرضى داء الأمعاء الالتهابي اليومية حافزا أساسيا للبحث. وربما تكمن الأجوبة المنتظرة بين ثنايا أوراق الطحالب البحرية، حاملة من أعماق المحيطات أملا بالشفاء .