مسؤولون إسرائيليون واستخبارات عرب .. حماس تستعيد قوتها بقطاع غزة وتملأ الفراغ
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
#سواليف
كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أنه منذ #انسحاب #إسرائيل من أجزاء من #غزة في أكتوبر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، تحركت ” #حماس ” بسرعة “لملء الفراغ”، وهي “تبني قوتها يوما بعد يوم”.
وحسب ما نقلت “نيويورك تايمز” عن “رجال أعمال محليين”، فقد عادت قوات “حماس” الشرطية إلى الشوارع مرة أخرى. وأعدم مقاتلوها من تعتبرهم #المقاومة_الفلسطينية خونة، كما فرض مسؤولوها رسوما على بعض السلع باهظة الثمن التي يتم استيرادها إلى غزة، وفقاً لرجال أعمال محليين، في حين نفى إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن تكون حكومة “حماس” تجمع أي ضرائب على البضائع المستوردة.
ووفق الصحيفة”، فبالرغم من مقتل كبار قادة “حماس” وآلاف #المقاتلين، واستنزاف ترسانة الحركة بشدة، وسيطرتها الآن على أقل من نصف الأراضي في غزة، تمكنت حماس من إعادة تأكيد سلطتها في غزة، وفقا لمسؤولين أمنيين إسرائيليين ومسؤول #استخبارات عربي، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة التقييمات الداخلية.
مقالات ذات صلةوقال شالوم بن حنان، مسؤول رفيع سابق في #الشاباك، وكالة الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية: “تلقّت حماس ضربة قوية، لكنها لم تُهزَم”. وأضاف: “إنها لا تزال قائمة”.
هذا وخرجت حماس من الحرب بأساس يمكنها البناء عليه، حيث قال بن حنان، الذي يتلقى إحاطات من قيادة الشاباك، إنه على الرغم من تقلص صفوف حماس، تشير التقديرات الرسمية إلى أن 20 ألف مقاتل ما زالوا باقين.
وفي هذا الصدد، صرح العميد إيريز وينر، الذي شغل منصبا رفيعاً في الجيش الإسرائيلي حتى مارس: “لقد استبدلت حماس بسرعة القادة الذين قُتلوا في الحرب”.
وأكد المسؤولون الإسرائيليون والعرب أن الحركة لديها العديد من الأماكن للاختباء و #تخزين_الأسلحة، نظرا لأن أكثر من نصف #شبكة_الأنفاق تحت الأرض لا يزال سليماً
لا تزال حماس تدير الأجهزة الحكومية المركزية في غزة، بما في ذلك الأجهزة الأمنية، وفقا لـ بن حنان. وقد تضاءل إمدادها من الصواريخ، لكن أعضاءها ما زالوا يمتلكون أسلحة خفيفة، مثل البنادق الآلية، والقذائف الصاروخية (RPG)، وقذائف الهاون.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن السكان، أن مقاتلي “حماس” يقومون بتشغيل نقاط تفتيش في أجزاء من غزة ويستجوبون ويحتجزون الأشخاص. وأشارو إلى أن شرطة “حماس” منعت الناس من محاولة السرقة من شاحنات المساعدات والمنازل المهجورة.
وبالنسبة لحماس، فإن التخلي عن جميع أسلحتها سيكون بمثابة التخلي عن عنصر أساسي من هويتها: القدرة على مقاومة إسرائيل. وحول ذلك، علق وسام عفيفة، المحلل الفلسطيني والمدير التنفيذي السابق لقناة الأقصى التابعة لـ”حماس”، قائلا إن أعضاء “حماس” ينظرون إلى أسلحتهم على أنها ضرورية للدفاع عن النفس، علاوة على ارتباطهم الأيديولوجي بها.
وفي هذا السياق، حذر بن حنان، المسؤول السابق في الشاباك، من أن حماس يمكن أن تشكل “تهديدا” مرة أخرى في المستقبل، إذا تهاونت إسرائيل بشأن الحركة.
ورأى أنه “إذا استمرت “حماس” في السيطرة على أجزاء من غزة وأرادت إعادة بناء قدراتها، فسوف تجد طريقة لإعادة بنائها”.
وختم بالقول: “قد تكون المعركة القادمة بعد 10 أو 20 عاما، لكنها قد تكون أسوأ بكثير من 7 أكتوبر”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف انسحاب إسرائيل غزة حماس المقاومة الفلسطينية المقاتلين استخبارات الشاباك تخزين الأسلحة شبكة الأنفاق فی غزة
إقرأ أيضاً:
«بيتهوفن».. موسيقار الصمت الجارح
علي عبد الرحمن
فيينا، مدينة القصور التي يعج هواؤها بالألحان، كانت تخفي في أحد أركانها صمتاً أشد وطأة من أي سيمفونية، في غرفة ضيقة تغمرها ظلال الشموع المتساقطة، جلس رجل مطأطئ الرأس بين كفيه، يطارده طنين لئيم يلتف حوله كأفعى لا تهدأ. لم يكن ذلك مجرد عارض جسدي، بل نذير هاوية تتسع في داخله، وحين انسابت أصابعه فوق مفاتيح البيانو، انفتح أمامه كون آخر، كأن النغمات تُولد من العدم لتعيد إليه حريته لحظة بلحظة، ذلك الرجل هو لودفيغ فان بيتهوفن، المولود في بون عام 1770، الذي خط أعظم موسيقاه لا بما تسمعه الأذن، بل بما تصرخ به الروح في وحدتها.
نشأ بيتهوفن في بيتٍ تتناوب فيه القسوة والصمت كمعزوفة نشاز لا تنتهي، أب غارق في إدمان يلهب مزاجه بالغضب، يطارده بعصا الصرامة، وأم أنهكها المرض فرحلت مبكراً، تاركة الطفل وحيداً أمام فراغ لا يلتئم، ووسط هذه العتمة، لم يجد ملاذاً سوى الموسيقى، لم تكن بالنسبة له تسلية عابرة ولا مجرد مهارة يتدرب عليها، بل كانت شريان بقاء يربطه بالحياة.
حين حط بيتهوفن رحاله في فيينا، كان شاباً مثقلاً بجراح الطفولة، لكنه يقف في قلب مدينة تضج بالموسيقى حتى لتكاد أنفاسها تُقاس بالألحان، وجلس إلى الموسيقار النمساوي جوزيف هايدن يتعلم القواعد، وأصغى إلى ميراث موزارت المتدفق، لكنه سرعان ما أدرك أن البقاء في ظل هؤلاء العظام يعني أن يخنق صوته قبل أن يولد، فرفض أن يكون تابعاً، وبدأ بحثه عن لغة لا تشبه إلا نفسه. فيينا كانت عاصمة العظمة، لكن بيتهوفن أراد أن يكون عاصمتها الداخلية، وقلب يصرخ بلغة جديدة، لغة تقول ما يعجز الكلام عن حمله، ومن هنا بدأ ميلاد بيتهوفن الحقيقي، الموسيقار الذي جعل من الفن مرآة للنفس ونافذة للعالم في آن واحد.
في مطلع العشرينيات من عمره، بدأ بيتهوفن يفقد أثمن حواسّه، ولم يعد يسمع العالم كما هو، بل أخذ الفراغ يتسلل مكان الأصوات، والطنين يطغى على النغم، بالنسبة لموسيقار، كان ذلك حكماً بالإعدام، فالموسيقى وُلدت لتُسمع، ولحنها لا يكتمل إلا بالإنصات، وفي لحظة انكسار، كتب وصيته في هايلغنشتات، معترفاً بأنه فكّر في الانتحار، وكأن الحياة لم تعد تحتمل بلا موسيقى مسموعة.
لكن المأساة التي كادت أن تطفئه، أعادت إشعاله من جديد. قرر أن يجعل من الصمت أداة للإبداع، ومن الفراغ مسرحاً واسعاً ينساب فيه الخيال، ولم يعد يسمع بأذنيه، بل بروحه التي باتت أكثر حدة من أي سمع، وكأن السيمفونيات التي تلت صممه لم تكن موجهة للأذن أصلاً، بل للقلب مباشرة.
هكذا وُلد بيتهوفن الثاني، موسيقار يكتب من الداخل لا من الخارج، يجعل من صمته قوة لا ضعفاً، وفي كل لحن صاغه بعد ذلك، نسمع ليس فقدان الصوت، بل ولادة صوت آخر، أكثر صفاء وجرأة، ولقد حوّل الصمت من قبر للنغمة إلى رحم يلد موسيقى جديدة، وجعل من الحرمان بدايةً لخلود.
رغم عظمته، لم يعرف بيتهوفن دفء الاستقرار العاطفي، ولم يتزوج، وظلّت حياته الخاصة عالماً مليئاً بالفجوات العاطفية، ورسائله إلى «الحبيبة الخالدة»، لا تزال لغزاً يحيّر الباحثين حتى اليوم؟ أياً تكن، فإن حضورها الغائب ظل يلوّن موسيقاه، وأصبحت مؤلفاته تشبه رسائل حب لم تصل أبداً، ألحانها مشبعة بشوق لا يخمد، وبحثٍ عن حب ظل بعيداً عن متناول يديه، وكان عزفه في هذه الأعمال أشبه ببوح رجل يكتب إلى قلب لا يقرأ، يناجي غياباً لا يجيبه، ومع ذلك استطاع أن يحوّل هذا الغياب ذاته إلى موسيقى خالدة لا تفنى.
حضور
لم تبقَ موسيقى بيتهوفن حبيسة المسارح، بل وجدت طريقها إلى الشاشة الكبيرة، حيث تحولت سيمفونياته إلى لغة سينمائية قائمة بذاتها، صرخات الأوتار وضربات القدر في السيمفونية الخامسة صارت مرادفاً للدراما الكونية والصراع مع المصير، بينما انسابت أنغام ضوء القمر في عشرات الأفلام كرمز للوحدة والحنين، أما السيمفونية التاسعة، فقد غدت أيقونة للانتصار الإنساني في لحظات المصالحة أو الاحتفال.
موسيقى لا تغيب
حين أسدل الموت ستاره عام 1827، خرجت فيينا كلها خلف بيتهوفن، كأنها تودّع إنساناً صار رمزاً لكرامة الروح في مواجهة المعاناة، ولم يكن رحيله صمتاً، بل بداية لصوت آخر يتردّد عبر الأجيال، لقد ترك لنا درساً فلسفياً نادراً، وهو أن الجمال ليس زخرفاً للهروب من الألم، بل ثمرة مواجهة عارمة معه، وأن العبقرية قد تولد من أعماق الفراغ حين يتحوّل إلى لغة إنسانية مشتركة.
هكذا علّمنا أن الصمت قد يكون أكثر امتلاءً من الضجيج، ولم يقهر بيتهوفن صممه فقط، بل حوّله إلى موسيقى، وفي ذلك الانتصار صار صوته أبديّاً.