ما وراء الكواليس!
تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT
مدرين المكتومية
عادةً ما تُتداول كلمة "الكواليس" وهي فرنسية الأصل مقتبسة من لغة المسرح، والتي تعني الأماكن التي يتجهز فيها الممثلون قبل العرض المسرحي ولا يراها الجمهور، وتُستدعى الكلمة للإشارة إلى ما يجري إعداده من جهود لا يراها العامة من النَّاس، وربما تكون خافية عليهم، وهي ليست سلبية بالضرورة، لكن عادةً ما يستخدمها الكثيرون للحديث عن الأمور الخفية في عوالم السياسة والإعلام وغيرها!
وفي خضم التحولات المُتسارعة من حولنا، سواء الناتجة عن تأثيرات عالمية خارجية أو ظروف داخلية وطنية، تقف قطاعات الدولة كافةً أمام مسؤولية كبرى تتمثل في تعزيز جهود التنمية والمبادرات المختلفة والعمل على توسيع نطاق المشاريع الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والاجتماعية التي تمس حياة المواطن بشكل مُباشر بحيث يؤثر عليه ويتأثر به.
العمل الحكومي اليوم يمضي على أكثر من مسار؛ بدءًا من تحسين البنية الأساسية إلى دعم القطاعات الواعدة وصولًا إلى خلق بيئة اقتصادية أكثر قدرة على استيعاب الطاقات والطموحات الوطنية المتنامية. وهذه الجهود التي قد لا تظهر للمواطن إلّا أنها تمثل القاعدة الأساسية والصلبة التي يُبنى عليها المستقبل، والتي تُشكل طموح وطن بأكمله، وهو ما يعد أيضًا امتدادًا لرؤية واضحة تهدف إلى الارتقاء بجودة الحياة وتعمل بشكل دائماً لدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بكافة جوانبه.
لكن كما نعلم أن الجهود الحثيثة والمستمرة لا تقوم على فعل آني عابر، وإنما هي نتيجة عمل تراكمي طويل يرتكز في أساسه على التخطيط والتقييم والعمل على استثمار الطاقات الوطنية القادرة على صياغة مسار تنموي متماسك، خاصةً وأنَّ المشاريع الكبرى لا تولد من قرار واحد؛ بل من منظومة متكاملة تبدأ بوضع السياسات وتستمر بمتابعة تنفيذها، وتقوم على تحديد مكامن القوة والضعف من ثم إعادة توجيه المسار كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وهذا يعني أن ما يجري خلف المشهد "ما وراء الكواليس" هو الجانب الأعمق والأثقل في رحلة البناء والتشييد، غير أنَّ كل جهد حكومي وعمل مؤسسي مهما كان ضخمًا لن يكتمل أثره ما لم يصل إلى المواطن بشكل واضح ومقنع، عبر آليات إعلامية وترويجية تواكب الحدث والتطورات المتسارعة.
وبين ما يُنجَز على أرض الواقع وما يشعر به الناس، ثمة فجوة صريحة وواضحة تتسع يجب الاعتراف بها، فكثير من المشاريع مؤثرة بالفعل في حياة المواطن، إلّا أن ضعف عرضها وتقديمها للمجتمع وغياب الخطاب المؤسسي يجعلها تبدو باهتة وبلا جدوى، لأنها لا تملك القدرة على ملامسة هموم المواطن اليومية. والمواطن حين لا يرى انعكاسًا مباشرًا لهذه الجهود على حياته ومعيشته هو وعائلته، وحين تغيب عنه آليات استيضاح سياقها أو فهم أهدافها، فإنَّه يصبح أقل قدرة على تقديرها، وقد يرى أنه "غير معني" أو أن هذه المشاريع ليست له ولا تُلبي احتياجاته؛ بل ويصل بالبعض الأمر اعتقادهم أنهم خارج دائرة الاهتمام، حتى وان كان كل ذلك يتم وينفذ استثمارًا في مستقبله!
وتزداد هذه الفجوة حين تتكالب "مُنغصات الحياة" على المواطن؛ حيث يشعر بضغوط شديدة، اقتصادية واجتماعية، لا يمكنه تخطِّيها أو تجاوزها؛ فالإحباطات الاقتصادية والضغوط المعيشة وتحديات سوق العمل، كلها عوامل قد تجعل الفرد محاصرًا بشعور الخذلان، فيبحث عن جهة يُلقي عليها شعوره السلبي من إخفاق أو تعثر، وغالبا ما تكون الحكومة هي الطرف الأكثر حضورًا أمامه في هذا المشهد، ومع هذا التشابك يغيب التوازن في الحكم على الإنجازات والنجاحات وترتفع في المقابل أصوات العتاب واللوم، وبين هذا وذاك تضيع الرؤية الكاملة بين توقعات متسارعة وواقع مُعقَّد.
وبعد هذا كله.. فإنَّ السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي نحتاجه إذن لردم المسافة الفاصلة بين المواطن والحكومة؟
الإجابة واضحة وبسيطة؛ إذ إن أول خطوة تتمثل في تبنّي خطاب مؤسسي فاعل قادر على مخاطبة الناس بلغة سهلة وبسيطة وواضحة، لغة تستهويه وتعكس تطلعاته، وتُقدَّم من خلالها المعلومة في وقتها، وتُشرح فيها القرارات وأسبابها ونتائجها المتوقعة، بطريقة تشعر المواطن أنه شريك حقيقي في الخطط والاستراتيجيات التي تنفذها الجهات المختلفة. وهذا الخطاب يجب أن يعترف بالتحديات كما يُبرز النجاحات؛ حيث إنَّ غياب هذا الخطاب أحد أبرز أسباب اتساع فجوة الثقة؛ لأنه يحرم المجتمع من فَهم الصورة الكاملة والحقيقية.
وبجانب الخطاب المؤسسي، ثمَّة خطوة ثانية من خلال تعزيز الشفافية في عرض النتائج والبيانات والمراحل التنفيذية للمشاريع، حتى يشعر المواطن بأنَّه شريك في عملية البناء لا مجرد مُتلقٍ لنتائجها فقط. وثالث هذه الخطوات هو الاقتراب من الواقع اليومي للناس، عبر سياسات أكثر تلامسًا لاحتياجاتهم العملية والشعور بهم بطريقة قريبة جدًا، وإشراكهم في صنع القرار من خلال إيجاد قنوات استماع فعّالة وحقيقية وليست شكلية فقط.
وكما نعلم جميعًا أن بناء الجسور بين الحكومة والمواطن ليست مهمة علاقات عامة، وليست سهلة كذلك، مع اختلاف فئات المجتمع وطبيعتهم وبيئاتهم؛ بل إنها تمثل الأساس لاستدامة أي تنمية؛ فحين يُدرك المواطن ما يجري وراء الكواليس ويثق بأن صوته مسموع ورأيه محل تقدير واهتمام، وأن التحديات مشتركة، يُصبح الطريق نحو تحقيق الحلم أكثر وضوحًا ويُسرًا، وأكثر قدرة على جمع الطرفين في مشروع وطني واحد.
إنها رسالة مفتوحة للجميع، لأن يكون المواطن في صلب الاهتمام والرعاية، ليس فقط من خلال تقديم الخدمات، فهذا واجب أصيل على المؤسسات، ولكن أيضًا عبر سياسات إعلامية صريحة وخطاب مؤسسي شفّاف وملامسة صادقة لمشكلات المواطن، عندئِذٍ ستزداد الصلابة المجتمعية وتكون قادرة على صد التحديات، لا سيما الخارجية منها، بجانب التكاتف والإخلاص في جهود بناء وطننا العزيز الأبيّ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لقاء موسع للعلماء والخطباء في المراوعة لتعزيز الخطاب والتعبئة ضد العدوان
الثورة نت /..
عقد اليوم لقاء موسع لعلماء وخطباء ومرشدي مديرية المراوعة في محافظة الحديدة، حول تعزيز دور الخطاب الديني في رفع مستوى الوعي المجتمعي والتعبئة العامة في مواجهة العدوان الأمريكي الإسرائيلي وأدواته.
ناقش اللقاء، الذي نظمه مكتب الأوقاف والإرشاد بالمديرية تطورات الأوضاع في الوطن واستمرار التصعيد الإسرائيلي في فلسطين ولبنان، ودور العلماء والخطباء في تعزيز الوعي بخطورة المرحلة ودعم الجهود المجتمعية للثبات والصمود.
وفي اللقاء أكد مسؤول التعبئة بالمديرية حمادي العليفي، أهمية اضطلاع العلماء والخطباء بمسؤولياتهم الإرشادية، والالتزام بالخطب الموحدة الصادرة عن الهيئة العامة للأوقاف والإرشاد، وحشد الطاقات الشعبية لمواجهة التحديات، ورفع الوعي بمخاطر مخططات التقسيم التي تستهدف الوطن في المناطق المحتلة.
وشدد على ضرورة استنهاض الجبهة الداخلية وتكثيف الأنشطة التوعوية التي تعزز الجاهزية والاستعداد لخوض أي جولة جديدة من المواجهة مع الأعداء.
وفي كلمة العلماء، أوضح أحمد الأهدل أن اللقاء يأتي في إطار تعزيز التكامل بين العلماء والخطباء، مؤكداً أهمية الخطاب الديني في ترسيخ وعي موحد تجاه ما تمر به الأمة وتواجهه من أحداث وتحديات.
من جهته، أكد مستور شراعي في كلمة الخطباء أهمية توحيد الخطاب المنبري وتفعيل دوره في تعزيز التماسك المجتمعي، والدفع بجهود التوعية في ظل التطورات المتسارعة على المستويين المحلي والإقليمي.
حضر اللقاء عدد من مديري المكاتب التنفيذية ومسؤولو التعبئة وشخصيات اجتماعية.