الهرولة نحو الشرق
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
علي بن سالم كفيتان
تشرفتُ بدعوة كريمة من المكرم حاتم الطائي لحضور أعمال المنتدى العُماني الصيني ضمن مبادرة الحزام والطريق، والذي عقد في ظفار منتصف أغسطس الماضي، واستمتعت كثيرًا بكلمة سعادة السفيرة الصينية التي تلتها باللغة العربية؛ وهي سابقة تحسب لسعادتها التي تحرص على الحديث باللغة العربية التي تجيدها، كما التقيتُ بعدد من وكلاء الشركات الصينية في عُمان والشرق الأوسط.
كانت فعلًا فرصة استثنائية للحوار ومعرفة التوجه الصيني المحموم نحو المياه الدافئة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وكعادة مثل هذه المنتديات التي تغلب عليها روح المجاملة للتجارب وتعمل على زيادة الترويج للتعاون الثنائي، فلم يكن هناك تقييم شامل للعلاقات العُمانية الصينية؛ حيث جرى اختيار ما يتوافق من التاريخ التجاري القديم والقفز إلى الوضع الراهن في ظل مُعطيات قوة الصين الزاحفة، للتربع على عرش العالم.
كُنَّا نرى الصين قبل خمسة عقود بشكل مختلف من واقع الدعم الآيديلوجي لثورة ظفار والتغيير في زنجبار، وكنتُ أتوقع الإشارة لتلك الفترة وتحليلها من قبل المتحدثين، وهل كانت إيجابية أم عكس ذلك؟ وكيف تغيرت صورة الصين الشيوعية التي تدعم الثورات الماركسية إلى الحليف الاقتصادي الذي بات الجميع يخطب وده اليوم؟ ما زلت أذكر مُقابلة شيخنا الجليل أحمد الخليلي- حفظه الله- مع قناة الجزيرة، وحديثه عن الشيوعية التي دعّمت الحركة المناهضة للوجود العُماني في زنجبار، وما تسببت به من خسائر، كان شيخنا شاهد عيان عليها، وتعريجه على ثورة ظفار التي انتهجت الخط الاشتراكي في مراحلها الأخيرة، ونظرته لدور المعسكر الشرقي في تلك الحقبة. فما الذي تغير اليوم؟ وكيف استطاعت جمهورية الصين الشعبية أن تتخطى كل تلك المراحل وتقدم نفسها لنا بصورة مُختلفة اليوم؟ هذا النهج يجب أن يُدرَّس في العلوم السياسية وفي ذات الوقت لا يمكننا تخطيه عندما نُقيِّم تجربتنا الاقتصادية والسياسية مع جمهورية الصين الشعبية.
أسهمت الصين خلال القرن الماضي، في تشكيل تجربتين مُهمتين، وهما: تجربة زنجبار وتجربة ظفار، وقد يكون التقييم مختلفًا لو نظرنا له من زوايا أخرى؛ فالصين إلى اليوم لم تترك النهج الشمولي، وترى فيه الحل الأنسب للعالم من واقع توفيره لكل مسببات الحياة والبقاء لحوالي مليار ونصف المليار من البشر، وتنافسية اقتصادية عالية. فهل نحن على استعداد لمواكبة هذا النوع من الآيديولوجيا مثلما سايرنا النهج الرأسمالي الغربي؛ لنكتشف مؤخرًا أنه نهج نفعي لا يتماشى بالكلية مع القيم الإنسانية، رغم تدثره بها، خاصة بعد أن انكشفت النوايا عقب حرب أوكرانيا، والانحطاط نحو قيم الرذيلة التي تدعم المثلية وغيرها.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا التوجه نحو الشرق؟
يتبينُ لي أن كلا الكتلتين تنظران لنا من منظور النفط والغاز، لا غير، وكليهما يتسابقان للظفر بالنصيب الأكبر، فبعد أن استثمر الغرب تلك المقومات قرابة القرن، جاء دور الشرق على ما يبدو! فهل لدينا تقييم واقعي للمرحلة ونمتلك القوة الكافية لفرض نظام جديد يوازي الصراع بين الشرق والغرب وتقديم نهج اقتصادي معتدل بثوبٍ جديدٍ يتواكب مع متطلبات الصراع؟
نعتقد أن هناك بعض التجارب التي يجب دعمها؛ كالتجربة التركية التي ارتكزت على النهج الإسلامي، وقدمت نفسها كنمط مستقل يحاول إيجاد منظومة ثالثة في العالم، ولقد بيَّن الصراع الأوكراني الروسي نجاعة التوجه الذي تقوده الجمهورية التركية، ومناورتها بين النظام الشمولي في روسيا والصين، والرأسمالي الغربي، والنفعي الذي تقوده الهند، فهل لدينا القناعة لدعم نظام ثالث تكون فيه الكلمة الطولى لنا؟
الصين- مثل أي دولة- تهمها مصالحها، واليوم ترتكز معظم تلك المصالح في قلب العالم (الشرق الأوسط) بعد أن مدت نفوذها إلى القارة السمراء واستطاعت التواجد بقوة هناك؛ فالصين بضخامة اقتصادها تحتاج إلى المواد الخام المتوافرة في أفريقيا، وانتهجت القوة الناعمة البعيدة عن العنف للحصول على مبتغاها.
تقود اليوم بلداننا قيادات شابة ومُلهمة تعرف كل ما يدور في العالم، لذلك رأينا في اجتماع مجموعة العشرين في جمهورية الهند، مؤخرًا تقديرًا بالغًا من القوة العظمى في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) لدور دولٍ مثل الإمارات العربية المتحدة، والمصافحة التاريخية بين الرئيس جو بايدن وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، فهل نحن على موعد لكي نصبح ندًا لتلك الأمم؟ هذا ما نأمله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تفاصيل اليوم الذي غيرت فيه القبائل اليمنية كل شيء
في لحظة فارقة من تاريخ اليمن، وبينما كان العدوان الغاشم يضغط بكل ثقله لإسقاط الجبهة الداخلية، جاءت فتنة ’’عفاش’’ في الثاني من ديسمبر كخيانة صريحة تستهدف الوطن من الداخل بعد فشله في اختراقه بكل أدوات العدوان العسكرية في المواجهة المباشرة، لكن القبائل اليمنية بخبرتها المتجذرة ووعيها العميق والتفافها حول دعوة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، للثبات أمام المؤامرات، قرأت تلك الدعوة منذ اللحظة الأولى باعتبارها امتداداً مخططاً لمشروع تفكيك الصف الوطني وإسقاط الانتصارات التي صُنعت بدماء أبنائها.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
ومع إدراكها لطبيعة المخطط، تحركت القبائل بسرعة وحسم، فأغلقت منافذ الفتنة، وحاصرت تحركات عفاش قبل أن تتوسع، وثبّتت الجبهات عبر إبقاء مقاتليها في مواقعهم لإفشال رهانه على انهيار الداخل، وبوعيها الاستراتيجي، وموقفها التاريخي المتماسك، تمكنت القبائل من إسقاط الخيانة خلال ساعات، مثبتة أنها الحصن الأول للوطن، وأن التضحيات التي قدمتها ليست مجالاً للمقامرة السياسية ولا ورقة في يد أي طرف يساوم على أمن اليمن وسيادته.
هذه الوقفة القبلية الصلبة، التي التقت مع رؤية السيد القائد في مواجهة العدوان وإسقاط المؤامرات، لم تنقذ صنعاء فحسب، بل حفظت وحدة البلاد، وأكدت أن اليمن محصّن برجاله ودمائهم، وأن الخيانات تُدفن حيث تولد، وأن الوطن فوق كل الأشخاص وكل الانقلابات وكل التحالفات العابرة.
القبيلة اليمنية .. ذاكرة دم لا تقبل العبث
على امتداد سنوات العدوان، كانت القبائل اليمنية، خصوصاً قبائل الطوق، تمثل الركن الأساس في حماية العاصمة والجبهات. وقدّمت خيرة أبنائها وأثمن الرجال دفاعاً عن دين الله وعن الأرض والكرامة، لذلك لم تتردد لحظة في اعتبار خطاب عفاش خطوة تستهدف تلك التضحيات مباشرة، بل وتحوّلها إلى ورقة لتمرير تحالفاته المشبوهة مع دول العدوان.
ومع الساعات الأولى للأحداث، كان الوعي القبلي أعلى من أن يُستدرج إلى صراع داخلي، وقد ظهرت ملامح ذلك في أحاديث الشيوخ ومجالس القبائل التي رأت في خطاب عفاش تكراراً لأسلوبه القائم على المقامرة السياسية حتى لو كان الثمن سقوط الوطن.
التفاف القبائل حول دعوة السيد القائد .. نقطة التحول الحاسمة
قبل اندلاع فتنة ديسمبر، كانت القبائل قد استجابت بقوة لدعوة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي للثبات أمام العدوان وكشف المؤامرات التي تستهدف الداخل، وقد لعب هذا الالتفاف دوراً مركزياً في بناء جبهة صلبة موحّدة جعلت القبائل أكثر قدرة على كشف أي محاولة للاختراق الداخلي.
لقد استوعبت القبائل، عبر هذه الدعوة، أن المعركة ليست فقط في الحدود ولا في الجبهات، بل في وحدة الداخل التي كان العدو يسعى لإسقاطها بالمال والإعلام والتحريض السياسي.
ومن هذا الإدراك، تشكلت لدى القبائل قناعة أن أي دعوة تهدف لشق الصف أو خلق صراع داخلي ليست سوى جزء من استراتيجية العدوان، مهما حاولت أن تظهر بوجه وطني.
ولذلك، عندما خرج عفاش بخطابه، كانت القبائل قد بنَت لنفسها حصانة فكرية وسياسية تجاه المؤامرات، وأصبحت أكثر استعداداً لرفض أي تحرك يستهدف الثبات الداخلي الذي دعت إليه القيادة.
لقد كانت دعوة السيد القائد أحد أهم الأسس التي جعلت القبائل تتعامل مع خطاب صالح باعتباره امتداداً واضحاً لمخطط خارجي لا يمكن السماح له بالعبور.
قراءة القبائل للفتنة .. الخيانة بلا تورية
لم يمض وقت طويل بعد خطاب عفاش حتى اتضحت لدى القبائل العلاقة بين دعوته وتحركات إعلامية متزامنة صادرة عن قنوات دول العدوان كانت تنتظر لحظة انفجار القتال الداخلي.
وفي تلك اللحظة، باتت الصورة واضحة، أن ما يحدث ليس خلافاً سياسياً، بل خيانة صريحة تحاول فتح ثغرة للعدو.
وقد عبّر مشائخ القبائل عن ذلك بوضوح في اجتماعاتهم التي سارعوا إليها، مؤكدين أن خيانة الداخل أخطر من قذائف العدوان الخارجي، وأن أي قبول لمغامرة عفاش وخيانته يعني السماح للعدو بتحقيق ما لم يستطع تحقيقه في سنوات القصف.
موقف القبائل على الأرض .. سرعة في الحسم ودقة في التقدير
تحركت القبائل لإغلاق الطرق المؤدية إلى مواقع حساسة، ومنعت تحركات مجاميع عفاش التي حاولت استغلال الفتنة.
وفي الوقت نفسه، حافظت على تماسك الجبهات بإصدار أوامر واضحة لمقاتليها بالثبات، فأسقطت بالضربة الأولى أهم رهانات عفاش الذي اعتمد على انهيار الجبهة لتمكين مشروعه.
ومع تماسك الجبهات، وانتشار القبائل في محيط صنعاء، باتت الفتنة محاصرة من كل الجهات، وأصبح واضحاً أن مشروع الخيانة فقد كل أسباب نجاحه، وكانت النتيجة أن الخيانة تسقط والوطن يثبت .
خاتمة
في الثاني من ديسمبر، كشفت القبائل اليمنية أنها الحصن الذي لا يُكسر، وأنها تملك البصيرة التي تميز بين الخلاف السياسي والخيانة، وبالتفافها حول دعوة القيادة للثبات، وبموقفها الحاسم من دعوة عفاش، أكدت القبيلة اليمنية أن الوطن فوق الأشخاص، وأن تضحياتها ليست جسراً يمر عليه أحد لتحقيق طموحات شخصية.
لقد سقطت خيانة ديسمبر لأن قبائل اليمن قررت أن وحدة الصف هي خط الدفاع الأول، وأن المؤامرات تُدفن قبل أن تولد، وأن الوطن لا يُباع ولا يُسلَّم للعدو تحت أي ظرف.