جريدة الوطن:
2025-06-29@15:44:56 GMT

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

تاريخ النشر: 25th, September 2023 GMT

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

في خضمِّ اختلاط القِيَم والمفاهيم الذي يعاني مِنْه عالَم اليوم على كافَّة الصُّعد وعلى مختلف المستويات وفي المجالات كافَّة، لا بُدَّ أن يَعُودَ الإنسان إلى الأساسيَّات التي أثبتتها تجارب الشعوب وخبراتها وثقافاتها عَبْرَ التاريخ لكَيْ يستنيرَ بنور الحقيقة بعيدًا عن التشويه المتعمَّد أو التجاذبات التي تهدف إلى ما تهدف من مقاصد قَدْ لا تظهر خطورتها إلَّا بعد فوات الأوان.

ففي زحمة اللقاءات والقِمم والمشاريع التي يتسابق الشرق والغرب على طرحها اليوم، وفي ضوء تسارع بزوغ تحالفات تهدف إلى شدِّ عضد هذا الطرف أو ذاك، عَلَيْنا التوقُّف والتفكير الهادئ، ووضع الأمور في ميزانها الصحيح بعيدًا عن التأثيرات الآنية للدعاية النشطة والمغرضة.
منذ بداية الصراع في أوكرانيا، والتقارب الصيني الروسي الذي أصبح استراتيجيًّا على صُعد عدَّة، تَقُودُ الولايات المُتَّحدة حملة مسعورة لبناء تحالفات في المحيط الهادئ وآسيا والشرق الأوسط، ولممارسة الضغوط على دوَل إفريقيَّة وآسيويَّة كَيْ تركنَ إلى التسليم للطرف الأميركي والسَّير وفق إرشاداته، بَيْنَما تقوم الصين بطرح مبادرات على المستوى العالَمي تهدف إلى تعزيز التنمية وتقدير حضارة وثقافة كُلِّ شَعب، واحترام الاختلاف، والتأكيد على مبدأ التشاركيَّة في الخطط والأهداف على مبدأ «رابح ـ رابح» لأنَّنا في قارب إنساني واحد، ونتَّجه نَحْوَ مصير بَشَري واحد؛ كوننا ننتمي إلى أُسرة إنسانيَّة واحدة. والحقُّ يُقال هنا لو أراد المرء أن يراجعَ تاريخ الولايات المُتَّحدة وما قامت به في البُلدان التي استهدفتها من فيتنام إلى يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا والسودان وسوريا، ناهيك عن دَوْرها المسؤول فعلًا عن استمرار الاستعمار الصهيونيِّ الغاصب في فلسطين، لوجَبَ محاكمة الحكومات الأميركيَّة المتعاقبة على ما أصاب شعوب هذه البُلدان من أضرار فادحة تسبَّبت بمآسٍ إنسانيَّة لملايين البَشَر، وحكمت على أجيال كاملة بالفقر والعَوَز والتشرُّد، ودمَّرت ثقافات وأساليب عيش وأوطانًا كان أهلها يعيشون حياة هادئة مطمئنة قَبل قدوم حروب الكاوبوي إلَيْهم تحت غطاء مزيَّف أطلقوا عليه أسماء برَّاقة كالديمقراطيَّة وحقوق الإنسان.
على النقيض من ذلك نصلُ إلى الصين، هذه الأُمَّة المعجزة التي تمكَّنت من نفض كاهل التواطؤ الغربيِّ عَلَيْها، والذي جعلها مرتعًا للأفيون؛ فشدَّت من أزر شَعْبها، وقضت على الفقر، وانطلقت في العِلم والتكنولوجيا بِدَوْر داخلي وإقليمي وعالَمي مشرِّف، ووضعت نصبَ أعيُنِها مشاركة إنجازاتها الهائلة والتي تمَّت في زمن قياسيٍّ لا يتجاوز خمسة عقود مع دوَل العالَم، صغيرها وكبيرها، غنيِّها وفقيرها، لأنَّها تؤمن بإنسانيَّة الإنسان قَبل كُلِّ شيء، وبمبدأ سحريٍّ مُهمٍّ وهو عدم التدخُّل أبدًا في الشؤون الداخليَّة للدوَل، واحترام الصغير والكبير مِنْها، والعمل معها ومشاركتها التقنيَّات والإنجازات العلميَّة على مبدأ «رابح ـ رابح».
هذه الدَّولة التي تعتزُّ بحضارتها وعراقتها وإنسانيَّتها والتي لَمْ تغزُ بلدًا، ولَمْ تحتلَّ أرضًا لأحَدٍ، ولَمْ تتسبَّب بقتل أو تشريد أو تهجير. تعتزُّ حتَّى بأساطيرها التي تُفيد في مجملها أنَّ العمل الصالح تتمُّ مكافأته، وأنَّ المَحبَّة هي سرُّ النجاح، وأنَّ التعاون والتعاضد لِمَا فيه خير البَشَريَّة هو الكفيل بإنقاذ الجميع، وكأنَّهم يُفسِّرون قوله تعالى: «وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ففي إحدى أساطيرهم يُطلُّ عَلَيْك معبد يعتقدون أنَّه حامٍ لمدينة خانجو التي وصلنا إليها منذ أيَّام، ويزورونه ويطلبون مِنْه الاستمرار بحماية مدينتهم، وتستمرُّ الأسطورة لِتقولَ إنَّ السِّياسيِّين والمسؤولين الذين يبلون بلاءً حسنًا في خدمة شَعبهم ينتقلون بعد موتهم لِتصبحَ أرواحهم في خدمة الخير والأمن الذي يُقدِّمه هذا المعبد، وإذا لحقَ الظلم بأيٍّ مِنْهم فإنَّ روحه ستنتقل إلى هنا لِيتمَّ إنصافها في حياة جديدة مع هذا القدِّيس.
وفي معرض حديث جانبيٍّ مع أحَدِ المسؤولين في الوفد الصينيِّ، تحدَّثنا عن العلاقة مع الأميركان، فقال إنَّ الصين تدرك أنَّ العلاقة الأميركيَّة ـ الصينيَّة الجيِّدة مُهمَّة للعالَم كُلِّه، وأنَّنا نسعى كَيْ تكُونَ علاقتنا مع الولايات المُتَّحدة سليمةً وجيِّدة؛ لِمَا فيه خير شَعبَيْنَا وخير العالَم بِرُمَّته، ولكنَّ المُشْكلة التي نعاني فيها مع الأميركان هي أنَّهم يقولون لنَا شيئًا ويتَّفقون معنا على شيء، ثمَّ يذهبون ليعملوا نقيضه، ونحن نقول لهم لماذا تفعلون عكس ما تقولون؟! أوَلَيْسَ من الواجب عَلَيْنا جميعًا أن نلتزمَ بما نقول وبما نتَّفق عَلَيْه؟ أوَلَيْسَتْ هذه مبادئ أساسيَّة في التعامل المحترم بَيْنَ البَشَر العاديِّين وبَيْنَ السِّياسيِّين، وكأنَّهم يُطبِّقون قول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتًا عِنْد الله أن تقولوا ما لا تفعلون». إذا كان أتباع كونفوشيوس قَدْ ضاقوا ذرعًا بمَنْ يقول ولا يفعل، أوَلَيْسَ أحرى بالمُسلِمين وبالأُمَّة الإسلاميَّة التي تتَّبع كتاب الله، والتي تعْلَم أنَّ الله يَمقُت مَنْ يقول ما لا يفعل أن تضيقَ ذرعًا بهؤلاء الذين يعجُّ تاريخهم مع العرب والمُسلِمين بقول ما لا يفعلون، والتصرُّف بعكس ما يدَّعون؟!
في مقاربة سريعة بَيْنَ قوَّة ضاربة بُنيت على أُسُس الأخلاق والأساطير المبنيَّة على العمل الصالح والصِّدق وحُبَّ الخير لأخيك كما تحبُّ لنَفْسِك، وبَيْنَ مجموعة من البَشَر انتقلت إلى الأرض الجديدة فقتلت كُلَّ مَنْ عَلَيْها، ودمَّرت حضارتهم، وألْحقَتْ خسارة هائلة للإرث الإنساني والحضاري، وبَنَتْ قوَّتها على قوَّة السِّلاح واستعباد الآخرين ونهبِ ثروات بُلدانهم، لا يستطيع العقل إلَّا أن يستنتجَ أنَّ القوَّة التي بُنيت على المبادئ والأخلاق والعمل الصالح هي التي سوف تنتصر على القوَّة العسكريَّة الطاغية التي تُقدِّس المال والقوَّة، وتسحقُ الإنسان دُونَ أن يرمشَ لها جفن. ولذلك، وفي غمرة فوضى المفاهيم المندسَّة لتشويش الرؤى، من المفيد جدًّا أن نتذكَّرَ قول الشاعر أحمد شوقي:
إنَّما الأُمم الأخلاق ما بقيَتْ
فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا
في المبادئ الصينيَّة لا استعلاء ولا تكبُّر ولا إقصاء ولا عنصريَّة، أي على النقيض تمامًا من إرث الإنسان الأبيض الذي دمَّر أرقى الحضارات ووصَفَها بأنَّها متوحِّشة، ولَمْ يصلنا مِنْها سوى النَّزر اليسير، ولكنَّ ما وصلنا من حضارة الأميركان الأصليِّين والأبورجينز يُبرهن على أنَّها كانت حضارات ذات ثقافة وفنون ضاربة في القِدَم، وفي غاية الجَمال. وهُمُ اليوم عاكفون على تدمير الحضارة العربيَّة بكُلِّ ما يستطيعون من قوَّة، وبكُلِّ السُّبل، من فلسطين إلى اليمن وليبيا وسوريا والسودان. إنَّ الانحياز إلى الذَّات ومحاولة إنقاذها من غطرسة المعتدين والمحتلِّين والمستعمِرين يعني الانحياز إلى المحور الذي تُمثِّله وتَقُودُه الصين؛ لأنَّه دُونَ شكٍّ هو الذي سوف يعتلي سُدَّة المستقبل ويُنقذ البَشَريَّة من آثام الحروب والويلات التي فرضها عَلَيْها الإنسان الأبيض لكسبِ قوَّته ومراكمة ثرواته على حساب الحياة الإنسانيَّة السليمة والطبيعيَّة والهانئة.

أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الب ش ر ة التی التی ت

إقرأ أيضاً:

5 سيارات SUV يقدمها الصانع الصيني في مصر.. فئة المليون

يحتوي السوق المصري على عدد متنوع من السيارات الرياضية SUV، والتي استطاعت أن تحقق شعبية كبيرة خلال السنوات الماضية، نسبة إلى التصميم الخارجي صاحب المظهر الرياضي، بالإضافة إلى تنوع الموديلات والتجهيزات، وخاصة بعد المنافسة الكبيرة التي يخوضها الصانع الصيني.

تبدأ من 89,900 ريال.. أسعار ومواصفات هافال H6 2026 في السوق السعوديسعر تسلا سيايبر تراك 2025 في الإمارات.. صورميتسوبيشي أوتلاندر سبورت 2025.. أسعار كسر الزيروعودة الأسطورة لادا نيفا بعد 40 عاما.. وأزموت الرياضية تعيد الأمجاد

وفي هذا السياق يقدم موقع "صدى البلد" 5 سيارات SUV صينية في السوق المصري.

شيري تيجو 8 بروشيري تيجو 8 برو

تعتمد شيري تيجو 8 برو على محرك رباعي الأسطوانات 4 سلندر، سعة 1600 سي سي تيربو، بقوة إجمالية قدرها 197 حصانًا، و290 نيوتن متر من العزم الأقصى للدوران، متصل بناقل سرعات DSG أوتوماتيك 7 غيارات، مع تقنية الجر الأمامي للعجلات، وتقدم السيارة بسعر يبلغ 1,600,000 جنيه للفئة الأولى و1,700,000 جنيه للفئة الثانية بين موديلات 2026.

جاك JS4 جاك JS4 

تأتي السيارة جاك JS4 بناقل سرعات أوتوماتيكي الأداء CVT، مدعوم بمحرك رباعي الاسطواتات 4 سلندر، سعة 1500 سي سي "تيربو"، بقوة 147 حصان و210 نيوتن متر من عزم الدوران، وتبدأ أسعار موديلات 2025 في مصر من 989,900 جنيه إلى 1,069,900 جنيه.

جيتور T2جيتور T2

تقدم السيارة جيتور T2 موديل 2025 بسعر 1,895,000 جنيه، وتأتي السيارة بقدرات فنية تتضمن محرك رباعي الاسطوانات، 4 سلندر، سعة 1500 سي سي تيربو، بقوة 184 حصانًا، و290 نيوتن متر من العزم الاقصى للدوران، مع ناقل سرعات أوتوماتيكية الأداء وتقنيات الجر الأمامي للعجلات.

كاي EX7 كاي EX7 

تنطلق السيارة كاي EX7 موديل 2026 عبر فئة واحدة من التجهيزات، بسعر يبلغ 1,395,000 جنيه، وتعمل السيارة بمحرك 1600 سي سي تيربو، بقوة 197 حصانًا، و290 نيوتن متر من العزم الاقصى للدوران، مقترن بناقل سرعات DSG أوتوماتيكي الأداء بتقنية الجر الأمامي للعجلات 7 غيار.

في جي في U70 PRO PLUSفي جي في U70 PRO PLUS

تتراوح أسعار السيارة في جي في  U70 PRO PLUS في مصر بين 1,189,990 جنيه و 1,259,900 جنيه لموديلات 2025، بينما تستمد السيارة قوتها من محرك تيربو سعة 1500 سي سي، 4 سلندر، بقوة إجمالية قدرها 156 حصانًا، و215 نيوتن متر من عزم الدوران، مع ناصل سرعات 6 غيار أوتوماتيكي.

طباعة شارك 5 سيارات suv 5 سيارات SUV صينية أسعار السيارات الرياضية أسعار السيارات موديل 2025 أسعار السيارات الصينية في مصر

مقالات مشابهة

  • استشاري موارد بشرية يوضح تفاصيل الإدارة فى الشركات
  • المغرب بطل العالم في استيراد الشاي الصيني
  • عاجل.. محمد الشناوي يوجه رسالة مؤثرة إلى عبد الشافي بعد إعلان اعتزاله: "الناس تتعلم منك الأخلاق"
  • بسبب انتهاك سيادة الدول واستهداف المدنيين.. غوتيريش: مبادئ الأمم المتحدة تتعرض لهجمات غير مسبوقة
  • تقرير أمني.. عمليات القرصنة السيبرانية الإيرانية بقيت محدودة خلال المواجهة مع إسرائيل
  • في المعرفة بوصفها خبرة
  • إيكونوميست: جيش المهندسين الصيني الجديد
  • ضربة إيران.. أهم الأسئلة التي بقيت بلا إجابة بعد كشف البنتاغون تفاصيل جديدة
  • 5 سيارات SUV يقدمها الصانع الصيني في مصر.. فئة المليون
  • غوتيريش: مبادئ الأمم المتحدة تتعرض لهجمات غير مسبوقة