سودانايل:
2025-05-23@03:15:29 GMT

رسالة اللواء محمد نجيب وخريطة تمزيق السودان

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

(1)
توطئة
توقفت عند الخريطة التي نشرها اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد سقوط الحكم الملكي، في كتابه الذي عنونه "رسالة عن السودان" ونشره عام 1954، وكتب تحتها: "مشروع تمزيق السودان الذي أعده الإنجليز"، وكنت حريصًا على سماع الآراء حول هذه الخريطة، قبل التعليق عليها نفسها، ووضعها في سياقها التاريخي، والبحث عن المسوغات الكامنة وراء إنشائها، ثم ربطها بالراهن السياسي في السودان بعد حرب 15 أبريل/نيسان 2023.

وقد رأيت أن الآراء حولها تباينت وفق التصنيفات الآتية:
• وصفت المجموعة الأولى الخريطة بأنها مستنسخة من خريطة التقسيم الإداري لمديريات السودان الإنجليزي المصري (1898-1956).
• ربطت المجموعة الثانية الخريطة بفكرة المؤامرة الرامية لتقسيم السودان قديمًا وحديثًا.
• أرجعت المجموعة الثالثة فكرة التقسيم واجترارها الآني إلى عجز النخبة السياسية الذاتي وفشلها المتراكم في إدارة التنوع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي في السودان، وتوظيفه لبناء دولة وطنية تتساوى فيها حقوق المواطنين وواجباتهم، وتسود فيها الحريات العامة وحكم القانون.
• نظرت المجموعة الرابعة إلى الخريطة من زاوية أنها قد أقرت شرعية السودان على مثلث حلايب، وأضافت أجزاء من إريتريا إلى شرق السودان في إطار مشروع التقسيم المزعوم، ووضعت مديريات جنوب السودان الثلاثة في إقليم واحد.
• ربطت المجموعة الخامسة بين خريطة نجيب وبين مثلث حمدي، وراهنت على ضرورة تطوير السودان في إطار دولة متجانسة ديموغرافيا، باستثناء الأقاليم الطرفية النافرة، التي لها الحق في تقرير مصيرها.

(2)
بعيدًا عن هذه القراءات الافتراضية، يهدف هذا المقال إلى معالجة مشكلة خريطة اللواء محمد نجيب (وقد كان في رتبة بكباشي وقت كتابة "رسالة عن السودان") في ضوء الأسئلة التأسيسية الآتية:
• في أي سياق سياسي أنشئت خريطة اللواء؟
• وما الهدف من وراء إنشائها؟
• ولماذا نشرت مع مختارات من خطابات اللواء عام 1954؟
• وما المقصود بجعل السودان هندا ثانية؟
• وما علاقة هذه الخريطة بالصراع السياسي الراهن في السودان اليوم؟
• (مراجعة الخريطة في هذا الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/45Y6IMN )

(3)
خريطة نجيب في سياقها التاريخي
أعد اللواء محمد نجيب مذكرته المعروفة بـ "رسالة السودان عام 1943″، أي بعد عام من صدور مذكرة مؤتمر الخريجين العام التي طالبت بتقرير مصير السودان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وإشراك السودانيين في الوظائف السياسية، وإعطائهم مزيدا من الفرص في مجال الاستثمار الزراعي والصناعي، وإصدار قانون للجنسية السودانية، وفصل السلطات القضائية عن السلطات التنفيذية، وإلغاء قانون المناطق المقفولة والسماح للسودانيين بالتنقل بحرية داخل حدود دولة السودان، إلا أن دوغلاس نيوبولد، السكرتير الإداري (1939-1945)، قد رفض المذكرة ومطالبها، وطعن في شرعية تمثيل الخريجين للرأي العام السوداني.
وكخطوة استباقية لسحب البساط من تحت أرجل الخريجين أعلن السير هوبرت هدلستون، حاكم السودان العام (1940-1947) تأسيس المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943. وعند هذا المنعطف انقسم الخريجون إلى معسكرين، أحدهما معسكر المحافظين، الذي حظي بمساندة السيد عبد الرحمن المهدي والأنصار، وأعلن تأييده لقيام المجلس الاستشاري، وثانيهما معسكر الاتحاديين، الذي حظي بمساندة السيد علي الميرغني والختمية والحكومة المصرية، وأعلن مقاطعته للمجلس الاستشاري للشمال، متعللا بأنه خطوة استباقية لفصل الشمال عن الجنوب.
في هذا المناخ السياسي أعد اللواء نجيب رسالته عن السودان، لكن الخريطة ربما تكون أضيفت لاحقا عند نشر الرسالة عام 1954، لأن النص التوضيحي الذي ورد في أسفل الخريطة: "خريطة مشروع أعده الإنجليز لتمزيق السودان على ولايات، تجعل منه هندا ثانية" تعطي إشارة إلى أن الخريطة قد وضعت بعد انفصال باكستان الكبرى (باكستان وبنغلاديش) عن الهند عام 1947، أي بعد كتابة رسالة نجيب عن السودان. إذا لماذا وضعت الخريطة في الكتاب، الذي صدر عام 1954؟
صدر الكتاب بعد عامين من قيام ثورة يوليو 1952، وبعد عام من تنصيب نجيب رئيسا لجمهورية مصر العربية (18 يوليو/تموز 1953). في تلك الفترة تم توحيد الأحزاب الاتحادية السودانية في حزب واحد باسم الحزب الوطني الاتحادي تحت رعاية مصرية، وأجريت الانتخابات البرلمانية الأولى لسنة 1953 تحت شعاري "وحدة وادي النيل"، و"السودان للسودانيين"، وفاز فيها الحزب الوطني الاتحادي بأغلبية بسيطة على غريمه حزب الأمة.
وفي ضوء هذه النتيجة اشتد الصراع بين دولتي الحكم الثنائي، إذ بدأت عملية الترويج لفكرة المؤامرة، وأن الإنجليز يسعون إلى فصل الشمال عن الجنوب ومحاربة فكرة وحدة وادي النيل. في ظل هذه الظروف صدر كتاب رسالة السودان. ويبدو أن الهدف من وضع الخريطة المشار إليها في كتاب رسالة السودان وخطابات نجيب الملحقة به الترويج لشعار "وحدة وادي النيل" على حساب شعار "السودان للسودانيين"، الذي حظى بمساندة البريطانيين. لكن الخريطة في جوهرها لا تختلف كثيرا عن خريطة التقسيمات الإدارية للسودان الإنجليزي المصري، التي أخذت شكلها النهائي عام 1936. وتتمثل أوجه الخلاف في 4 أشياء:
• أولها دمج مديرية الخرطوم في مديرية النيل الأزرق المشار إليها بالرقم (3).
• وثانيها دمج المديريات الجنوبية الثلاث في إقليم واحد (6).
• وثالثها إضافة أجزاء من مديرية أعالي النيل إلى مديرية النيل الأزرق (4).
• ورابعها إضافة أجزاء من أريتريا إلى مديرية كسلا المشار إليها بالرقم (1).
ويبدو أن نجيب يقصد بقيام هند ثانية انفصال الجنوب عن شمال السودان، قياسا بانفصال باكستان عن الهند.

(4)
خريطة نجيب ومثلث حمدي
ينسب "مثلث حمدي" إلى عبد الرحيم محمد حمدي (1939-2021)، الذي شغل منصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي في أول عهد حكومة الإنقاذ (1989-2019)، وخرج من الوزارة عام 1993، ليؤسس شركة استشارية خاصة في مجال الاستشارات المالية والدراسات المصرفية، وبعدها أسس شركة الرواد للخدمات المالية، كما تقلد منصب رئيس مجلس إدارة سوق الخرطوم للأوراق المالية ورئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار المالي.
وفي العام 2002 عين وزيرا للمالية والتخطيط الاقتصادي للمرة الثانية. ويقصد "بمثلث حمدي" المنطقة الواقعة بين دنقلا في الشمال وسنار في الجنوب الشرقي وكردفان في الجنوب الغربي. يرى عبد الرحيم حمدي في الورقة التي قدمها عن "الاستثمار الاقتصادي في السودان" في مؤتمر نظمه حزب المؤتمر الوطني الحاكم عام 2005، أن المنطقة المشار إليها جديرة بالتنمية الاقتصادية والاستثمار، لتحقيق الكسب السياسي الذي ينشده الحزب الحاكم آنذاك في أي انتخابات قادمة (1995). ويقول في هذا الشأن:
“إن القوة التصويتية التي ستحسم أي انتخابات قادمة (حوالي 25 مليون نسمة على الأقل)، هي في الشمال الجغرافي، ابتداء من الولايات الشمالية حتى سنار، الجزيرة والنيل الأبيض، وهي الأكثر تدربا على الانتخابات، والأكثر استجابة للمؤثرات الخارجية، والأكثر وعيا بحكم التعليم الطاغي في مناطقهم. وهي بموجب هذا التعليم والوعي الأكثر طلبا للخدمات والإنتاج وفرص العمل، ولهذا فإن التركيز لا بد أن يكون هنا بالضرورة، ومن حسن الحظ أن هذه المناطق قريبة وسهلة للوصول، لأنها جميعا مربوطة بشوارع أسفلت أو وسائل اتصال جوي.
ولهذا فإن إدارة حملات انتخابية سيكون أسهل وأسرع وأوفر. إن الجسم الجيوسياسي في المنطقة الشمالية المشار إليها أعلاه، وسأطلق عليه اختصارا (محور دنقلا- سنار- كردفان) أكثر تجانسا وهو يحمل فكرة السودان العربي الإسلامي بصورة عملية من الممالك الإسلامية القديمة قبل مئات السنين، ولهذا يسهل تشكيل تحالف سياسي عربي إسلامي يستوعبه.
وهو أيضا الجزء الذي حمل السودان منذ العهد التركي-الاستعماري وعهد الاستقلال، وظل يصرف عليه، حتى في غير وجود النفط، ولهذا فإنه حتى إذا انفصل عنه الآخرون (إن لم يكن سياسيا فاقتصاديا عن طريق سحب موارد كبيرة منه) فإن لديه إمكانية الاستمرار كدولة فاعلة، حتى إذا ابتعدت دارفور، رغم إمكانية خلق علاقات اقتصادية أكثر مع دارفور حتى لو انفصلت أو ابتعدت سياسيا”.
يعكس هذا النص المقتبس أعلاه أن وصفة حمدي كانت ذات طابع سياسي متعلق برؤية حزب المؤتمر الوطني الحاكم في بسط نفوذه الانتخابي من بوابة الاستثمار الاقتصادي والسياسي داخل مثلث حمدي، افتراضا بأن الاستثمار بشقيه سيحقق للحزب الحاكم بقاء مستداما في السلطة، ولا علاقة لها بخريطة نجيب، ولا أظن أن حمدي قد اطلع على كتاب نجيب "رسالة عن السودان"، لكن نقطة الالتقاء بينهما تتمثل في أن مثلث حمدي يرمز إلى المنطقة التي أشار نجيب إليها بالرقمين (2 و3)، وأعطاها تظليلا متجانسا، ويشكل التظليل المتجانس بؤرة رؤية حمدي، التي لا تلتفت إلى المديريات (دارفور وكسلا وكردفان ومديريات الجنوب الثلاث) الخارجة عن نسيج تجانسها حتى لو أفضى الأمر إلى انفصالها.

(5)
التصدع الذاتي والهوس بفكرة المؤامرة
يلحظ القارئ المتمعن في تاريخ السودان الحديث أن الفضاء الجغرافي الذي يعرف بالسودان بحدوده السياسية المعلومة بدأ يتشكل بعد غزوه من قبل محمد علي (حاكم مصر) عام 1821، وبلغ منتهاه في ظل الحكم الإنجليزي-المصري، وتحديدا بعد ضم دارفور إلى دولة الحكم الثنائي عام 1916. لكن هذا لا ينفي أن البريطانيين قد ابتدعوا سياسة المناطق المقفولة التي أسهمت في توسيع الشقة بين شمال السودان وجنوبه، وقبل إعلان الاستقلال عام 1956 اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان، واستمرت 17 سنة (1955-1972)، ثم اشتعلت مرة أخرى عام 1983، وأفضت في خاتمة المطاف إلى اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) سنة 2005، التي مهدت الطريق لانفصال الجنوب عام 2011 وقيام دولة جنوب السودان المستقلة.
يتفق معظم الباحثين الأكاديميين على أن سياسة المناطق المقفولة كانت واحدة من الأسباب التي عمقت جذور الصراع بين الشمال والجنوب، لكن أساس المشكلة يكمن في سوء أداء الحكومات الوطنية التي أعقبت الاستقلال، وفشلها في إدارة التنوع الثقافي والعرقي والاقتصادي في السودان، الأمر الذي أفضى إلى تحول الحركات المطلبية في المديريات (الولايات) الطرفية إلى حركات مسلحة في مواجهة السلطة الحاكمة في الخرطوم.
إذا الحديث عن فكرة المؤامرة وتفتيت السودان لخدمة مصالح دول خارجية هو افتراض لا يمكن نفيه بتاتا، لكنه في الوقت نفسه يعكس مدى ضعف وعي النخب السياسية السودانية، التي فشلت في تقييم واقع بلادها بشكل إستراتيجي يهدف إلى تحديد عناصر قوة تنوعها الطوبوغرافي ووفرة مواردها الطبيعية، وعناصر ضعفها المتجسدة في سوء إدارة هذه الموارد البشرية والطبيعية، كما أنها لم تكترث إلى المهددات العسكرية النابعة من سوء إدارة المركز للولايات الطرفية من ناحية التنمية المتوازنة، وتعزيز روح الوحدة الوطنية، وترسيخ قيم الممارسة الديمقراطية.
أما استغلال الفرصة المتاحة فيحتاج إلى تأهيل للقوى البشرية، ثم توظيفها في استثمار الموارد الطبيعية للنهوض باقتصاد السودان، وإخراج البلاد من ثلاثية الجهل، والمرض، والفقر، بعيدا عن صراعات الخصومات الأيديولوجية والطائفية التي أقعدت الوطن عقودا.
إذا الحديث المتكرر عن فكرة المؤامرة الخارجية المجرد من وضع الاحترازات السياسية اللازمة حديث انهزامي، يعكس طرفا من أعراض التصدع الذاتي الذي تعاني منه النخبة السياسية الحاكمة والمعارضة.

(6)
خريطة نجيب والراهن السياسي في السودان
إذا جردت خريطة نجيب من حمولاتها السياسية فهي لا تختلف كثيرا من ناحية التقسيمات الإدارية الداخلية عن خريطة السودان الإنجليزي-المصري بعد عام 1936. لكن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: كيف يمكن توظيف هذه التقسيمات الإدارية توظيفا إيجابيا في فترة ما بعد الحرب المدمرة، التي أخذت بتلابيب العاصمة الخرطوم وولايات دارفور.
يجب أن تكون الأقاليم الستة: الشرقي (1)، والشمالي (2)، والخرطوم (3)، والأوسط (4)، وكردفان (5)، ودارفور (6)، أساس التقسيم الإداري لإعادة هيكلة نظام الحكم الفدرالي وتفعيله في السودان، ليكون قادرا على الإيفاء باستحقاقات فترة ما بعد الحرب، لأن النظام الفدرالي يسهم دائما في توسيع دائرة المشاركة السياسية والإدارية، وفي توازن توزيع الموارد المالية بين وحداته الثلاث (المركزية، والإقليمية، والمحلية)، ويساعد في تعزيز التنمية المتوازنة، والنهوض الاقتصادي، والارتقاء بالخدمات العامة، إذا توفرت له الإدارة والإرادة البشرية المؤهلة فنيا ومهنيا.
يضيف دونالد ل. واتس، عالم السياسة الكندي، إلى جانب هذه المزايا العلاقة التبادلية بين "الوحدة والتعددية"، التي يعززها تطبيق النظام الفدرالي، لأنه يعترف بالهويات الثقافية والاجتماعية في مناسيبها الدنيا (المحلية)، ويعزز تفاعل مشتركاتها على المستوى القطري. وإحداث مثل هذه النقلة النوعية يحتاج إلى دستور يحدد شكل نظام الحكم الفدرالي، ويقنن علاقاته الرأسية والأفقية واختصاصاته المحلية والإقليمية والمركزية تخويلا لا تفويضا، ويستند إلى نظام ديمقراطي في تداول المناصب الدستورية، لإرساء دعائم الشفافية القائمة على المحاسبة السياسية والإدارية والتقويم والتطوير المستمرين.
ويحتاج إصلاح النظام الفدرالي في السودان إلى وصفات فنية ومهنية، وتنفيذ ميداني حاذق، يبدأ من المكونات الدنيا (المحليات)، ثم الوسيطة (الأقاليم)، ثم المركزية. وتقتضي عملية الإصلاح الانعتاق من المكايدات السياسية، وسلوكيات التخوين، والانشغال بهواجس الانقسام غير المنتجة إلى التعويل على السياسات المرتكزة إلى التخطيط الإستراتيجي الهادفة والتنمية المستدامة، والمعززة لبناء الوحدة الوطنية.
ربما نجد في تجارب الآخرين حافزا معنويا على ذلك، مثل قول بول كاغامي، الرئيس الرواندي، عندما عزا تقدم رواندا إلى أهل الأرض أنفسهم، وخاصة الشباب والنساء، "الذين سامحوا بعضهم بعضا (بشأن تجاوزات الماضي)، وأخذوا زمام المبادرة لتقرير مصير بلادهم من خلال روح العمل والابتكار والوطنية كمفتاح للرقي والتنمية… فليس ذلك بسبب وجود الفاتيكان، أو الكعبة، أو البيت الأبيض، أو الإليزيه، أو تاج محل" في "حواكير" الهوتو والتوتسي.
لا جدال في أن رواندا قد نهضت من ركام حرب أهلية طاحنة، ولذلك نأمل أن يكون نموذج نهوضها حافزا للشباب من الجنسين، الذين يمثلون سواد الحاضر بتحدياته الراهنة، وكل المستقبل بآفاقه الواعدة، ويحلمون ببناء دولة، تلامس أطراف طموحاتهم المنشودة، وتوفر لهم أساسيات الحرية والسلام والعدالة.

ahmedabushouk62@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإنجلیزی المصری المشار إلیها عن السودان فی السودان بعد عام

إقرأ أيضاً:

محمد سمير ندا: القلق هو الصلاة السادسة التي يصليها العرب جماعة منذ عام 1948

أعلنت جائزة الرواية العربية فوز رواية "صلاة القلق" للروائي المصري محمد سمير ندا بجائزة الرواية لهذا العام. وقد أشادت الدكتورة "منى بيكر"، التي ألقت كلمة لجنة التحكيم من على المنصة، بما في الرواية من تجريب وخدع سردية، مشيرة إلى أن الرواية حوّلت القلق إلى حالة جمالية وحسية، حتى بدا القلق فيها كأنه كائن حي يعيش بيننا. كما أوضحت أن قرار اللجنة جاء بالإجماع على فوز الرواية.

لكن ما حدث في القاهرة كان شيئا آخر، فبمجرد الإعلان عن فوز الرواية، خرجت أصوات عدد من المثقفين تطعن في حيثيات فوز الكاتب، وتطورت الأمور وتعالت النبرات، حتى خرجت عن دائرة النقد إلى مستوى السباب الشخصي الذي طال الكاتب وأسرته. بل تعالت بعض الأصوات لتطعن في هوية الكاتب، لدرجة أن وصفه البعض بالعمالة، وأن ملامحه "يهودية"، بزعم أن الرواية تنتقد شخص الرئيس جمال عبد الناصر وتنكر حرب أكتوبر 1973.

في المقابل، لم يخل المشهد من مناصرين للفائز دافعوا عنه بشدة، وحدث ما يشبه "الواقعة الأدبية" بين مناصر ومهاجم. وفور عودة الروائي محمد سمير ندا من أبوظبي، حيث جرت مراسم تسليم الجائزة، التقيناه في القاهرة، وبدت عليه علامات التأثر الشديد بما جرى. فكان الحوار التالي:

رواية "صلاة القلق" للكاتب محمد سمير ندا الفائزة بجائزة الرواية العربية لهذا العام (الجزيرة) ما الذي تمثله الجائزة بالنسبة لك؟

الجائزة نوع من أنواع التكريم، تكريم ذاتي ومادي وأدبي كبير جدا، ومن حقي أن أفرح، لكن دون أن يأخذني شعور بالتميز أو التفرد أو التفوق على الآخرين.

فالروايات الست التي رافقت روايتي في القائمة القصيرة قرأتها جميعا، ولم تكن هناك فروق كبيرة بينها، وحتى أبناء جيلي من الكتاب في مصر، لست أفضل منهم، بل إن بعضهم يتميز عني بامتلاكه تجربة أطول في الكتابة.

إعلان هل كنت تتوقع أن تفوز؟ وهل كنت تكتب وعينك على الجائزة؟ أو بمعنى آخر: هل كنت تكتب من أجل الجائزة؟

يقال إنني أكتب من أجل الجائزة، أو إن فلانا يكتب من أجل الجائزة. ولمن يردد هذا الكلام، أقول: قل لي ما هي الوصفة أو الطريقة التي أكتب بها من أجل الجائزة؟ أو بصيغة أخرى: كيف تكتب رواية لتفوز بجائزة؟

وبعيدا عن الإساءات، كما يقول البعض، إذا أردت الفوز بجائزة فـ"اشتم رموز مصر" أو "اكتب عن زنا المحارم"! وهذا كله غثاء لا قيمة له. إنما المنطقي الذي ينطلق من مفهوم أدبي أن هذه الرواية، هي رواية جوائز -بمعنى أنها تنتمي إلى النوع الأدبي الذي غالبا ما يلقى التقدير في هذا السياق- وسيبقى لدي الطموح لنيل مزيد من التكريم، الذي أهديه لأبي، وأن أكتب للفوز مرة ثانية.

فالجائزة تمثل دعما معنويا وماديا مهما جدا، لكنها ليست نهاية المطاف، بل هي مرحلة مضيئة في حياتي، وهناك أعمال كثيرة لا تزال في طور الإنجاز.

يعيبون عليك أنك نشرت روايتك خارج مصر، ولم تنشرها في دار نشر مصرية؟

نشرت روايتي في الخارج بعد أن تم تجاهلي في مصر. والرواية مكتوبة باللغة العربية، لذا هي رواية عربية، ويمكن أن تنشر في أي بلد عربي، بل إذا قيد لها أن تنشر في أوروبا، فلتنشر، فبالنهاية، العرب سيقرؤونها أينما كانت.

وما العجب أن تنشر روايتي في تونس أو الكويت أو الجزائر؟ السنعوسي الكويتي نشر روايته في دار لبنانية، ومحمد النعاس الليبي نشر في دار تونسية، ورجاء عالم السعودية نشرت في دار مغربية، وزهران القاسمي العماني نشر في دار تونسية، وإبراهيم نصر الله الفلسطيني الأردني نشر في دار لبنانية.

من بين 18 فائزا بالجائزة، منذ انطلاقها قبل 18 عاما، هناك 11 فائزا لم ينشروا رواياتهم في بلدانهم. والدار التونسية التي نشرت روايتي، وهي "مسكلياني"، فاز من خلالها 3 كتّاب بالجائزة: عماني، وليبي، ومصري، ووصل عبرها أيضا عدد من الكتاب إلى القائمتين الطويلة والقصيرة. ولم يحدث أن أثير من قبل أن كاتبا نشر روايته خارج بلده!

إعلان

ولمن يسوقون هذا الكلام، ويدفعون بتلك الاتهامات، أقول لهم إن الرواية بقيت حبيسة الأدراج ما يقارب من عامين، كنت خلالها أبحث عن ناشر في مصر. وأرسلت رغبتي إلى 3 دور نشر، ولم يكلف أحد نفسه عناء الرد. فقط دار واحدة اتصلت بي، وأشكرهم على اهتمامهم، لكنهم اشترطوا حذف أجزاء أساسية من الرواية بحكم "الرقيب الذاتي"، وهو ما رفضته بالطبع.

ثم أرسلت النص إلى 3 دور نشر عربية. دار لبنانية اعتذرت، ودار ثانية لم تهتم ولم ترد، أما الدار الثالثة، وهي دار "مسكلياني" التونسية، فلم أكن قد أرسلت لها أصلا، لكن الصدفة قادتني إلى التعرف على مدير الدار، وطلب مني أن أرسل له نصا كتبته. فأرسلت إليه رواية "صلاة القلق"، وكانت تلك هي البداية.. وكانت النتيجة: النجاح والفوز.

رواية المذبحة أعلم أنك تعد لعمل أدبي كبير يتناول أحداث المئة عام الماضية، وهو ما يتطلب اطلاعا واسعا على التاريخ والتغيرات الجيوسياسية. فما قراءتك الحالية؟

أعتقد أن الرواية هي الفن الجامع لكل صنوف الكتابة. والرواية التي أكتبها الآن ترتبط بمذابح الأرمن، وتمتد أحداثها من عام 1914 وحتى عام 2011، أي ما يقارب قرنا من الزمان.

وتدور أحداث الرواية على أرض مصر، وفلسطين، وبلاد الشام، والجزيرة العربية، وتركيا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

ولكي أجهز نفسي لكتابة هذه الرواية، قرأت بطبيعة الحال عددا من كتب التاريخ، لكن الأهم من ذلك أنني قرأت 6 روايات تناولت هذه المذابح، من بينها روايات كتبها شهود عيان أرمن، كانوا حاضرين للمجزرة وعايشوا تفاصيلها.

لكن لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟

الرواية ليست عن الأرمن كجنس أو كقومية، بل هي في الحقيقة عن الإنسانية. فهي تحاكم العنف والقتل والإرهاب. وهي تحاكم الإنسان الذي تخلى عن رسالته التي أوكلها الله له وأنزله على الأرض من أجل عمرانها. لكني أعتقد أن خراب الأرض سيكون على يد الإنسان، وهو يؤدي مهمة عكسية لما أمره الله به.

إعلان

الرواية تعلي من قيمة الإنسان، ولا أتحدث هنا بوصفي مسلما، بل بوصفي إنسانا. انظر إلى ما جرى في الأندلس، ترى مسيحيين يقتلون مسلمين. وانظر إلى مذابح الأرمن، ترى مسلمين يقتلون مسيحيين. وانتقل إلى مذابح عام 1948 أو ما يجري الآن في غزة، ترى يهودا يقتلون مسلمين. تختلف الهوية والجنسية والديانة والعنف واحد. وهو ما تتحدث عنه سردية الرواية.

وأعتقد أن هذه الرواية ستثير قلقا أكبر مما أثارته رواية صلاة القلق وإن كنت، في الحقيقة، لا أتمنى ذلك.

هل تركت "صلاة القلق" قلقا لديك مما كتب عنها بعد فوزها بالجائزة؟

المشكلة كلها أنني لا أكتب عملا مؤدلجا، أنا أكتب رواية، لا أكتب كتابا في التاريخ، ولا أتحدث عن نظرية سياسية أو اقتصادية أو حياتية، أو أكتب كتابا عن التنمية البشرية. أنا أكتب رواية متخيلة، أبتكر عوالم معينة وأكتب وأقول ما لدي.

وأي كاتب حين يكتب عملا سرديا متخيلا ويحكي بصورة روائية، فلا يمكن أن يحاكم أيديولوجيا. ما عليك إلا أن تحاكم النص، ولا يليق لك أن تتعرض للكاتب وتوجهاته. لكن البعض لم يكتف بذلك، بل تعرض لشخصي، واتهمني بالعمالة، وشتمني في شخصي وفي أسرتي، بل إن أحدهم قال إن ملامحي "يهودية"! وأنا أجمع كل هذه الاتهامات، لأنها طعن في هويتي وانتمائي لوطن أعيش فيه وأحبه، وكلها اتهامات لا صلة لها بالنقد وخروج عن أبجديات النقد الأدبي.

والعجيب أن كثيرين ممن انتقدوا الرواية لم يقرؤوها أصلا، أو قرؤوا جزءا منها ولم يكملوا. ثم أفاجأ بمن يقول إنني "أنكرت حرب أكتوبر"! وهذا طعن في وطنيتي من شخص لم يقرأ أو لم يفهم، لأن الرواية ذات ظرف خاص متخيل، لقرية انعزلت عن العالم تماما لمدة 10 سنوات، ولم تعرف ما جرى خارجها. وأهل القرية كانوا يعيشون لحظة "الانتصار" التي روج لها الإعلام المصري في الأيام الأولى من حرب 1967، حين قيل إن قواتنا على مشارف تل أبيب! وفي ظل حالة التغييب الإعلامي هذه والانتصار الوهمي، انعزلت القرية عن العالم بعد الأيام الثلاثة الأولى للحرب.

إعلان

وما فعلته في تكنيك الرواية هو أنني جعلت هذه الأيام الثلاثة، 10 سنوات في ظل هذا الانتصار الوهمي، حتى عام 1977، ولهذا لم ترد في الرواية لا حرب الاستنزاف ولا حرب أكتوبر.

قلت إنك تقوم بتجميع الإساءات أو الشتائم التي وجهها لك البعض وأرسلتها إلى المحامي. هل تنوي مقاضاة من تعدى عليك بالسب في أسرتك وهويتك؟

هذا أمر لم أقرره بعد، ولكن ماذا أفعل تجاه من سبوا والدي، واتهموني في وطنيتي، وقالوا إنني حصلت على الجائزة بطرق غير نزيهة؟ وأنا شخص لم أسع إلى الجائزة، ولم أنافس أحدا في وظيفته أو مهنته. بل على العكس، أنا رجل أعترف بأنني بعيد تماما عن الوسط الثقافي والأدبي، ولا أنتمي إلى "شلة" أو جماعة ما، ولا أسعى وراء أي مآرب.

وأنا أعمل محاسبا في شركة سياحة لا علاقة لها بالأدب لا من قريب ولا من بعيد، وعلاقتي بالوسط الثقافي تقتصر على أنني أقرأ بنهم، وأكتب متى أشاء. وقد تعرفت إلى مجموعة من الكتاب الكبار أعدهم أساتذتي، مثل إبراهيم عبد المجيد، وأشرف العشماوي.

لم أنتقد أشخاصا هل كانت الكتابة مرهقة نفسيا في رواية "صلاة القلق"؟

أبدا، كانت الكتابة عملية ممتعة. والكاتب متأثر بما مر به وتراكم عليه من أحداث في حياته. عمري الآن 47 سنة، ولم أوجه انتقادا للرئيس عبد الناصر أو لأي شخص بعينه، بل انتقدت مرحلة. هل كفرت وخرجت عن الملة لمجرد أنني قلت هذا في الرواية؟

إذن، ما الذي كتبه الأستاذ نجيب محفوظ في رواية "الكرنك"؟ وماذا قاله فيلم "زوار الفجر"؟ وماذا جرى لأبطال فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"؟ وفيلم "البريء"؟ كلها أعمال فنية تناولت حاكما كان يسجن المواطنين ويعذبهم.

وإذا كان نظام عبد الناصر قد عذب الناس بطريقة وحشية، فماذا كان يفعل صدام حسين إذن؟ الذي حرق شعبه من الأكراد بالكيميائي! وماذا فعل بشار الأسد بمعارضيه؟ وماذا فعل القذافي بمعارضيه؟

إعلان

وما كتبته في الرواية هو نموذج للأنظمة الشمولية، وأنا مصر على هذه النقطة. وهذا النموذج ليس اختراعا مصريا، بل تعرضنا له كما تعرضت له العديد من الدول العربية، وما زالت تتعرض له، من تزييف للوعي وتزوير للتاريخ.

من يكتب التاريخ إذن؟ هل الروائي هو من يتصدى لكتابة التاريخ من وجهة نظرك؟

ما أقوله وأؤكد عليه هو أن الروائي أصدق من المؤرخ، ولقد شهدنا تاريخا مزيفا في كثير من مراحلنا الدراسية، بل حجبت حقب وأحداث تاريخية إرضاء للحاكم، كما حدث مع الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر، حيث بقي اسمه وصوره محجوبة في كتب التاريخ والمناهج الدراسية لأكثر من نصف قرن. وما جرى في صور نصر أكتوبر/تشرين الأول خير دليل، إذ أزيلت صورة رئيس أركان الجيش المصري في "حرب أكتوبر"، الفريق سعد الدين الشاذلي، من الصورة الرسمية للحرب.

لكن عندما يكتب الروائي التاريخ، يكون الأمر مختلفا تماما. أستطيع أن أقول لأي شخص: إذا أردت أن تعرف التاريخ الحقيقي لفلسطين، فاقرأ روايات إبراهيم نصر الله، فهو خير من أرخ للنكبة وتاريخ فلسطين. هذا الروائي العظيم كان في رواياته أصدق من كثير من المؤرخين، عبر سلسلة أدبية تحكي التاريخ بكل تفاصيله وأسراره وخباياه. كذلك الكاتب الفلسطيني الكبير وليد الشرفا، الذي أرخ أدبيا لفلسطين التاريخية والحديثة.

وإذا أردت أن تفهم حقيقة المجتمع الكويتي، فاقرأ "ساق البامبو" لسعود السنعوسي، تلك الرواية العظيمة التي قدم فيها صورة دقيقة للمجتمع الكويتي، وأشار إلى العوار في المجتمع، ولم يقلل من قيمة وطنه، ولم يقل إن المجتمع فاسد، بل أضاء على العيوب والثقوب التي بدأت تظهر في ثوب المجتمع. لقد كشف ببسالة عن بعض ما يسكت عنه، وانتقد لأنه أشار إلى مشكلة العمالة الأجنبية في الكويت.

وهذا هو دور الكاتب الحقيقي، أن يرفع الستار عن المسكوت عنه اجتماعيا، حتى لا يعتاد المجتمع على خطايا ويعتبرها حقائق.

إعلان

وهذا هو دور الأدب، دوره ليس السعي لحل مشاكل العروبة، بل الكشف عن عوار المجتمعات، أما الباقي فيرجع إلى وعي المتلقي. ويكفي أن ندرك أن 3 قوانين مصرية تغيرت نتيجة أعمال سينمائية، وهي: "كلمة شرف"، و"أريد حلا"، و"جعلوني مجرما"، وكان سيناريو فيلم "جعلوني مجرما" من تأليف الأستاذ نجيب محفوظ.

الجديد في حيثيات الفوز للجنة التحكيم التي ألقتها الناقدة "منى بيكر" هو أن الرواية اختيرت بإجماع الأصوات، فما الجديد في "صلاة القلق" لتنال هذا الإجماع؟

اللجنة كانت شجاعة جدا وجريئة للغاية، إلى درجة أنها غيرت من مقاييس الجائزة العربية، ورفعت سقف الطموح لدى كل كاتب، وكأنها تقول للكتاب: "لا تخافوا". فهناك فرق بين أن تكتب بمكاشفة، وجلد للذات، ومواجهة للواقع العربي، وبين أن تكتب أرائك بمنتهى الصراحة، وبين أن تكتب أدبا أو أن تسب وتشتم.

والرواية في النهاية عمل فني، ولا فرق بين رواية سياسية ورواية أخرى، الرواية هي عالم أو حالة. فكيف تكتب رواية سياسية من دون أن يكون فيها بشر ومجتمع يغلي سياسيا؟ وكيف تكتب رواية اجتماعية دون أن تمر بالسياسة؟ واللجنة رفعت سقف الطموحات باختيارها رواية "صلاة القلق" بصوتها العالي، رواية جريئة (Bold)، مكتوبة بخط ثقيل، رواية تحمل جزءا من الصدمة، وجزءا من تعرية الجسد العربي المثخن بالجراح والهموم والتناحر.

تخيل أن هذا الجسد العربي أعضاؤه تتصارع مع بعضها البعض! هذا هو واقع العرب وخيباتهم التي لا تنتهي. وها أنت ترى ما يجري في غزة، وكلنا نشاهد ما يحدث على الهواء مباشرة، لكننا لم نتصرف يوما كجسد واحد، بل كأعضاء متفرقة. ولقد كانت هزيمة 1967 المسمار الأخير في نعش نكبة 1948.

اختطاف الوعي هناك أشكال مختلفة للحروب، أما الحرب في "نجع المناسي" فهي حرب مختلفة، أليس كذلك؟

حالة الحرب والحصار التي يعيشها سكان "نجع المناسي" لا تقتصر على أهل النجع وحدهم، فهم صورة مصغرة لكل العرب، وهذا ما قاله لي بعض من قرؤوا الرواية في مسقط. فالرواية، إن رفعنا منها اسم الرئيس عبد الناصر وعبد الحليم حافظ، يمكن أن تحدث في أي نجع أو قرية عربية.

إعلان

والرواية موضوعها هو "اختطاف الوعي"، وهي تدين، بطريقة ما، الحرب المختلقة الوهمية، الحرب التي تصنع عمدا لتقليص سقف الطموح والحرية لدى كل مواطن. فعندما نشيع ونؤكد أننا في حالة حرب دائمة، يصبح المقابل أن تقبل عنوة بالتنازل عن كل الحقوق، مقابل الإحساس بالأمان. وعندما أضعك في هذه الحالة النفسية (السيكولوجية) بشكل دائم، ستكتفي بلقمة عيشك، وأن تبيت ليلتك مستورا، وتكتفي بـ4 حيطان ورغيف خبز.

وإذا تجاوزنا العرب، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم أكبر وسيلة لتزييف الوعي لدى العالم برمته. فلقد أعيد تشكيل خرائط العقل البشري عالميا من خلال وسائل "السوشيال ميديا"، ومن يسيطر عليها. ومع ازدياد غزو التكنولوجيا لحياتنا، أصبح اختطاف العقل، وتشكيل الوعي، وتزييف الحقيقة، وتزوير التاريخ، عملية أكثر سهولة على المستويين العالمي والمحلي.

محمد سمير ندا: نحن مراقبون على مدار الساعة، في كل ما نفكر فيه أو ننشغل به (شترستوك) "الموبايل" الأخ الكبير هناك مقاربة كبيرة بينك وبين جورج أورويل من حيث الأفكار، هل ترى ذلك صحيحا؟

أورويل هو المعلم الأكبر، وهناك من قارنوا الرواية بقرية "ماكوندو" في رواية ماركيز "100 عام من العزلة"، ومنهم من قارنها برواية "العمى" لساراماجو، ويُعد الاثنان من أكبر قامات الرواية في العالم. ولا أقارن نفسي بهم، لكن لا أنكر تأثري الكبير بالأفكار نفسها. وبخلاف "الأخ الكبير" عند جورج أورويل، الذي يتكلم عن الشكل الشخصي -وهي صورة متكررة عبر التاريخ- لا أنكر تأثري بالفكرة نفسها، وإن كنت لا أقارن نفسي بعبقرية جورج أورويل. لكني متأثر كثيرا به وعندي التوجه نفسه، ومشغول بعالمه الذي صوره لنا من عشرات السنين.

ورواية صلاة القلق تدور فكرتها حول "التغييب والسيطرة"، أو ما يطلق عليه عند أورويل بـ "الأخ الكبير". والأخ الكبير كما هو موجود في السياق العربي، فهو أيضا حاضر عالميا، في أشكال وسائل التواصل الاجتماعي. فالموبايل الذي بين يديك، لم يعد مجرد آلة تستخدمها، بل هو الذي يستخدمك. فحين تتحدث عن رغبتك في القيام بشيء ما أو شراء بضاعة ما -سيارة مثلا- ترى الموبايل يقوم بعروض متعددة لما أنت مشغول به، فهو يتصنت عليك ويراقبك ويعد عليك أنفاسك. والمفارقة أنك منحته هذه الصلاحية بإرادتك.

إعلان

نحن مراقبون على مدار الساعة، في كل ما نفكر فيه أو ننشغل به. وتجرى إحصاءات ودراسات على أفكارنا وسلوكنا، ولا نعلم حقا ما الذي يراد بهذه المعلومات، ولا ما الذي يخطط له. وهناك دراسات تجرى على الشاب العربي: ما اهتماماته؟ ماذا يشغله؟ ما رغباته وشهواته؟

هل سؤال "ما جدوى الكتابة؟" ما زال يؤرقك؟ وماذا بعد الجائزة؟

ما زال السؤال يشغلني كما كان من قبل، بالرغم من فوزي بالجائزة، فإن الجائزة ليست سوى نقطة مضيئة في حياتي. أنا مشغول بشيء آخر، مشغول بالأثر الذي سيبقى. الآن أقرأ رواية "فساد الأمكنة" للراحل الكبير صبري موسى، التي كتبت عام 1959، وأعيد قراءتها بعد 60 عاما بشغف أكبر. أو إذا ما قرأت "أيام الإنسان السبعة" للروائي عبد الحكيم قاسم، فهل يعلم أحد كم إعلان صدر عنها؟ أو كم جائزة حصلت عليها؟

هذا هو جوهر السؤال حول جدوى الكتابة، أنه بعد 60 عاما أو 100 عام، هل سيتذكر أحد صلاة القلق؟ كم شخصا سيقرؤها؟ وهل سيؤرخ بها لحالة أدبية معينة؟ أتمنى ذلك. ولهذا السبب يبقى السؤال عن جدوى الكتابة، والسعي الذي أحكم به روايتي، سيفا مسلطا على رقبتي ما حييت.

أما سؤال "ما بعد الجائزة"، فهو لا يشغلني كثيرا وغير مهتم به. لأن لدي مشاريع روايات أخطط لكتابتها واستكمالها. ولن أفكر في كتابة شيء يكون بمستوى الجائزة، بل سأنسى كل شيء، وأعود إلى قوقعتي وجهاز "اللابتوب"، وأكتب من جديد. الشهرة والأضواء تزعجني كثيرا، وأفضل أن أتعامل معها ببوصلة خفاش.

ذكرت أنك أصبت بالاكتئاب بعد أن خرجت الرواية من يدك إلى الناشر؟

الروائية السورية مها حسن قالت كلاما مهما عن فكرة "اكتئاب ما بعد الكتابة"، وأنه يشبه اكتئاب ما بعد الولادة، وهذا حقيقي. فالأم تصاب بالاكتئاب بعد الولادة لشعورها بأنها فقدت شيئا منها، جزءا من جسدها بعد أن اعتادت عليه. الأمر نفسه يحدث عندما تكتب رواية وتعيش مع شخوصها، تحاورهم ويكلمونك، وهذا أمر حقيقي، وليس مجرد مجاز.

إعلان

وعندما أكتب عملا ما، يصبح سقف غرفتي، فوق سرير النوم، أشبه بشاشة عرض. وعاشت رواية "صلاة القلق" معي أكثر من عامين، وعندما دخلت مرحلة التدقيق مرة ثم مرة أخرى، بدأت أمل من ملاحظاتهم الصغيرة، حتى قلت لهم في النهاية: "خلاص، مليت وزهقت، لن أطبع الرواية". وكل ذلك كان بسبب كثرة التدقيق والتحوط من دار النشر.

في نهاية مرحلة التحرير، أبلغوني بأن الرواية انتهت تحريريا وستدخل مرحلة التدقيق. وهنا شعرت بأن علاقتي بالرواية قد انتهت، بعد أكثر من عامين من المعايشة الكاملة لكل الأبطال. وهنا شعرت بالحزن، لأني لن أراهم مرة أخرى.

تتحدث كثيرا عن "محابيس الأدراج" من أعمالك التي لم يتشجع الناشرون المصريون لنشرها، فكم عملا جاهزا لديك للنشر الآن؟

لدي في الأدراج 7 روايات قصيرة (نوفيلا)، ورواية كاملة جاهزة للنشر، بخلاف الرواية التي أعمل عليها حاليا، والتي من المتوقع أن تكون جاهزة خلال بضعة أشهر.

مقالات مشابهة

  • الذي يحكم الخرطوم يحكم السودان، فهي قلب السودان ومركز ثقله السياسي
  • محمد سمير ندا: القلق هو الصلاة السادسة التي يصليها العرب جماعة منذ عام 1948
  • من الميت الحي الذي تحدث نتنياهو عن القضاء عليه؟
  • صناعة الشيوخ: الرئيس السيسي ضاعف خريطة مصر الزراعية لتحقيق الأمن الغذائى
  • بت اقرب الان لقول المسؤولة الأمريكية التي قالت قبل أشهر ان السودان فاشل في عرض قضيته
  • محمد أنور عشري.. فارس الطب الذي نزل عن صهوة جواده
  • خريطة حديثة توضح مواقع سيطرة الحكومة السودانية
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • البرهان يتلقى رسالة دعوة رسمية من بوتين
  • تحيةً للشيخ المعمم الذي نعى الشاعر موفق محمد عبر المنبر الحسيني الشريف ..