بين الصراع والجوع.. معاناة آلاف الفارين من الحرب في السودان
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
حذر برنامج الأغذية العالمي من أن مئات الآلاف من الأشخاص الفارين من القتال في السودان إلى جنوب السودان سيبقون لعدة أيام دون طعام مع ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال.
وقالت ماري إلين ماكجروارتي، المديرة القطرية لبرنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان "إننا نرى العائلات تنتقل من كارثة إلى أخرى أثناء فرارها من الخطر في السودان لتجد اليأس في جنوب السودان"، بحسب ما أوردته شبكة "بي بي سي".
وتشير التقديرات إلى أن 90% من الناس يبقون لعدة أيام دون تناول الطعام، كما يعاني واحد من كل خمسة أطفال وربع الأمهات الحوامل أو المرضعات من سوء التغذية.
ويقول الكثيرون إنهم تعرضوا للسرقة على طول الطريق، وغالباً ما يصل الناس وليس معهم سوى الملابس التي يرتدونها، وغالبيتهم من السودانيين الجنوبيين الذين كانوا يعيشون ويعملون في السودان.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنه ببساطة لا يملك الموارد اللازمة لتقديم المساعدة المنقذة للحياة، حيث يحتاج إلى أكثر من 120 مليون دولار لزيادة الدعم لمن هم في أمس الحاجة إليه.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: برنامج الأغذية العالمي القتال في السودان جنوب السودان سوء التغذية الاطفال فی السودان
إقرأ أيضاً:
أبكِ يا وطني الحبيب
العنوان أعلاه، هو اسم الرواية التي أصدرها الكاتب الجنوب إفريقي "الأبيض" ألن بيتون عام 1948، والتي يصور فيها معاناة الإنسان الأفريقي في ظل نظام التمييز العنصري في بلاده، من خلال تجربة القس الأسود أبسالوم وأفراد عائلته. وكانت هذه الرواية مقررة على طلاب الشهادة الثانوية السودانية على مدى عقود، ومن ثم لا يمر أسبوع دون أن تظهر عبارة "ابك يا وطني الحبيب" في مقال صحفي أو في سياق خاطرة في وسائل التواصل الاجتماعي لكاتب سوداني، وهو يرى بلده ينزلق في هاوية بلا قرار.
أذكر يوم حسب أهلي أن ليلة القدر هبطت عليّ، عندما فزت بوظيفة في شركة أرامكو النفطية، وكان ذلك بعد أن سُدّت سبل كسب الرزق في السودان في وجهي، وأعطتني الشركة كذا ألف ريال راتبا شهريا، وكانت تلك أول مرة أتعامل فيها مع الألف في غير مسائل الرياضيات، ومع هذا قضيت شهري الأول في الشركة باكيا في الأمسيات في غرفتي كطفل أرغموه على الفطام. فقد أحسست بأنني عققت وطني بالخروج منه، وهو الذي وفر لي تعليما مجانيا من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية، وبموازاته طعام وسكنا مجانيين، وحملني الإحساس بالذنب والأسى إلى ترك أرامكو والعودة إلى السودان، لأكون مواطنا برّاً به.
سودان اليوم مقبرة مفتوحة، والحرب الدائرة فيه من أقذر الحروب التي عرفتها البشرية: قطع رؤوس الأسرى وبقر بطونهم وسمل عيونهم، والويل للمواطن الذي "لا يناصر" طرفا في الصراع العسكري، فالمحايد "خائن". والويل لمن "يناصر" طرفا في الصراع العسكري، فهو عدو إذا وقع في يد الطرف الآخر.وبعد أن عدت بأشهر قليلة أدركت أنني أخطأت التقدير، وأن الوطن ـ ومن منظور حكامه ـ ليس بحاجة إليّ أو إلى غيري، فكان أن شددت الرحال إلى قطر، وهكذا خرجت من بلدي قبل أكثر من 35 سنة ولم أعد حتى الآن، إلا كزائر عابر في الإجازات السنوية، أو لتقبل العزاء في عزيز رحل. ولم أخرج في المرة الثانية بنية الاغتراب النهائي، بل عاهدت نفسي أن اضع نهاية لاغترابي بمجرد أن يتيسر لي امتلاك مسكن خاص في وطني. ولكن ما حدث هو أنه وكلما نلت ترقية وزيادة في الراتب الشهري، رجعت الأوضاع القهقرى في السودان بمتتالية حسابية.
لم يكن للسودانيين ما يتباهون به منذ أن نالت بلادهم الاستقلال في عام 1956، سوى أن بلادهم أكبر الدول العربية والأفريقية مساحة، وأن النيل، مسنودا بفروعه الكثيرة يشق أراضيه بالطول والعرض، وتم التفريط في تلك المساحة عام 2011، وصار الشق الجنوبي من البلاد دولة مستقلة، ورحلت الدولة الوليدة من حضن الوطن الأم، حاملة معها 75% من الغطاء النباتي ونحو 80% من الثروة النفطية.
وهناك سبقٌ حققه السودان على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، وهي أنه شهد منذ استقلاله عام 1956 ثمانية عشر انقلابا عسكريا ما بين ناجح وفاشل، وكان القاسم المشترك بين النوعين من الانقلابات هو جريان الدماء أنهرا، فالانقلابات الفاشلة تسببت في مصرع من دبروها ومن تمكنوا من اقتناصهم من المُنْقَلب عليهم، أما الانقلابات الناجحة فقد صعد أقطابها إلى مراقي السلطة على جماجم آلاف المواطنين.
وسودان اليوم مقبرة مفتوحة، والحرب الدائرة فيه من أقذر الحروب التي عرفتها البشرية: قطع رؤوس الأسرى وبقر بطونهم وسمل عيونهم، والويل للمواطن الذي "لا يناصر" طرفا في الصراع العسكري، فالمحايد "خائن". والويل لمن "يناصر" طرفا في الصراع العسكري، فهو عدو إذا وقع في يد الطرف الآخر.
هناك سبقٌ حققه السودان على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، وهي أنه شهد منذ استقلاله عام 1956 ثمانية عشر انقلابا عسكريا ما بين ناجح وفاشلوالأفق مسدود، ولا ضوء في نهاية النفق، فقوات الدعم السريع، التي تخوض حربا ضد القوات النظامية، تعمل على تشكيل حكومة خاصة بها في غرب البلاد بقوة السلاح، لتتخذ منها نقطة انطلاق لاكتساح بقية أرجاء الوطن الخاضعة لحكومة أمرٍ واقع، والجيش الوطني الذي يقاتل تلك القوات، يفعل ذلك مسنودا بمليشيات لها راياتها الخاصة، ولا هذا الطرف أو ذاك معنيٌ بحال ملايين المواطنين المشردين داخل وخارج البلاد، ولا بكون أن هؤلاء المواطنين ضحايا أزمة إنسانية غير مسبوقة حسب تقدير وكالات الأمم المتحدة، والعالم الخارجي المُنفعل بالحرب على غزة، وغزو روسيا لأوكرانيا، يسد أُذنا بالطين والأخرى بالعجين، عندما يتعلق الأمر بحرب السودان.
هي حرب نتيجتها التعادل السلبي حتى الآن، والخاسر الآن وغدا هو الشعب، وستنتهي الحرب، ليس عاجلا بل آجلا، بعد أن يستشري الخراب، وينعق على أطلال البلاد الغراب، ويأتي الشعب السوداني صوت الشاعر أمل دنقل من تحت التراب:
لا تحلُموا بعالمٍ سعيدْ
فخلف كل قيصر يموتُ: قيصرٌ جديد!
وخلف كل ثائرٍ يموتُ: أحزانٌ بلا جدوى..
ودمعةٌ سُدى!