لجريدة عمان:
2025-05-09@19:50:53 GMT

وظائفنا والذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

يخبرنا تقرير مستقبل العمل 2023 (الذكاء الاصطناعي في العمل)، الصادر عن لينكدن (LinkedIn)، أن العالم يشهد تركيزا متزايدا على الذكاء الاصطناعي في العمل، خاصة بعد إطلاق شات جي بي تي (ChatGPT)، الذي أدَّى إلى ارتفاع كبير ليس فقط في الاهتمام به وباستخدامه في الكثير من الأعمال، بل يظهر ذلك أيضا في إعلانات الوظائف على المستوى العالمي، التي تذكر (GPT)، أو (ChatGPT)؛ إذ تزايد بما يقارب 21% منذ نوفمبر 2022، فقد تم تبني تلك التقنيات من قبل الكثير من الشركات، من خلال تكييفها مع أنماط عملها، بما يدعم الكفاءات ويقلل من وقت إنجاز المهام الروتينية.

إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تشغل العديد من أصحاب الأعمال لما توفره من أموال وما تقدمه من تسهيلات قد تُسهم في تخفيض الكلفة المالية للمشروعات، ففي استبيان أجرته لينكدن على مجموعة من أصحاب الأعمال والقيادات الإدارية في المؤسسات الأمريكية، تبيَّن أن (47%) من المديرين التنفيذيين الأمريكيين يعتقدون بأن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي سيزيد الإنتاجية، بينما يخطِّط 44% لزيادة استخدامهم للذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم في العام المقبل، ويؤكد 40% أن استخدامه سيساعد في فتح المزيد من فرص النمو والإيرادات خلال الأعوام المقبلة.

لقد استقبل العالم دخول الذكاء الاصطناعي منذ بداية الألفية، بالكثير من الاحتفاء، حيث تم إدخاله في العديد من الأعمال خاصة تلك المرتبطة بالتقنيات وبعض الأعمال المتعلقة بمجالات الصحة والتعليم والزراعة والسيارات والبيع وغير ذلك، إلاَّ أن ظهور الطفرات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي خاصة خلال العام الماضي، أدى إلى تسريع الاعتماد على تقنياته وتطبيقاته، حيث نجده يلج عالم الأعمال في شتى مجالاته، فقد اعتمدت الكثير من القطاعات عليه في تقديم الخدمات، أو تسريعها، أو تنظيمها، أو أنها قلَّلت مهام موظفيها، أو حتى وصلت حدّ الاستغناء عن بعضهم لصالح الذكاء الاصطناعي.

ولهذا فإن التركيز اليوم يجب أن يتوجَّه نحو المهارات الأسرع نموا، وهي مهارات المستقبل الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤكده تقرير (مستقبل الوظائف 2023) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي يتوقَّع أنه بحلول عام 2027 ستشهد 23% من الوظائف الحالية في العالم تغييرات، وسيترتب على ذلك فتح 69 مليون وظيفة جديدة، واستبعاد 83 مليون وظيفة أخرى. إن هذه التغييرات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي واعتماد العالم على التكنولوجيا والوصول السريع إلى كل ما هو رقمي، ولهذا فإن التقرير يتوقع أن الوظائف الأكثر سرعة في النمو هي تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والاستدامة وذكاء الأعمال وأمن المعلومات، والتي ستستأثر بقطاع التعليم والزراعة والتجارة الرقمية بشكل أكبر من القطاعات الأخرى.

يكشف التقرير أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة تم أتمتة ما يقارب (34%) من المهام الوظيفية، أي بزيادة بنسبة 1% فقط مقارنة بالرقم المصرَّح به في عام 2020، الأمر الذي يُظهر أن التوقعات أسرع من الواقع بسبب تلك التحديات والقدرات المهارية للأفراد العاملين في القطاعات، غير أن الشركات في العالم تستعد لأتمتة تبلغ ما يقارب (42%) من المهام الوظيفية بحلول 2027 -حسب التقرير-، مقارنة بما صرَّحت به من تقديرات بلغت (47%) خلال 2020، وهو ما يُظهر ذلك الصراع الخفي مرة والظاهر مرة أخرى بين الإنسان والآلة.

إن ولوج الذكاء الاصطناعي عالم الأعمال وتأثيره في الأدوار والوظائف التي يقوم بها الناس، أدى إلى تزايد القلق من أن تحل الآلة محل الإنسان، ولعل هذا ما دفع الكثير من الدول إلى الاهتمام بالتدريب والتأهيل ودعم المهارات الإبداعية التي تؤهِّل الأفراد وتجعلهم قادرين على العمل في بيئة الذكاء الاصطناعي، حيث يستطيع الإنسان العمل مع الآلة، بل وتوجيهها نحو أولوياته العملية، إذ نجد أن موضوع المهارات التقنية والذكية يُعد أحد أهم متطلبات المرحلة المقبلة من حياة المجتمعات، والأمر لم يعد يتعلَّق بقطاعات دون غيرها، فقد سيطرت التقنية على كافة القطاعات خاصة القطاعات الإبداعية.

ولهذا فإن ارتباط الذكاء الاصطناعي بالإبداع، أثَّر مباشرة على القطاع الثقافي والوظائف المرتبطة به كما أثَّر في القطاعات الأخرى، فقط أدَّى ظهور التقنيات الحديثة وتعاظم إمكانياتها إلى التفكير في الاستفادة منها في الكثير من المجالات خاصة في الصناعات الإبداعية، ولعل الكثير منَّا تابع الإضراب التاريخي في بداية هذا العام لنقابة كُتاب السيناريو الأمريكية الذي استمر لمدة خمسة أشهر متواصلة، الذي كان أحد أهم أسبابه رغبة شركات الإنتاج في تخفيض الأجور بعد التفكير الجدي في إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستغناء عن هؤلاء الكُتَّاب في غرف الكتابة، والذي انتهى في يومه 96 باتفاق مبدئي مع تحالف منتجي الأفلام والتلفزيون يضمن حقوق أولئك الكُتَّاب.

والأمر نفسه أيضا سنجده في تلك الإشكالات والإضرابات التي قام بها فنانو الأداء العاملون في ألعاب الفيديو في أمريكا في سبتمبر الماضي، وقد شمل ذلك ممثلي الأداء الصوتي والحركي في مثل هذه الصناعات، الذين واجهوا مشاكل متعلقة بأجورهم وبنود العقود مع الشركات المنتجة التي أرادت الاستغناء عن الكثير من المهام التي يقومون بها، والاستعاضة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج المحتوى بدلا عنهم، الأمر الذي يكشف زيادة التحديات التي يواجهها العاملون في القطاعات الفنية والثقافية بشكل عام، وهو الأمر الذي واجهه الكثير من الفنانين التشكيليين والمصورين وغيرهم.

إن إحلال الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في قطاعات العمل بشكل عام يحتاج إلى المزيد من الدراسة، وبحث ما يترتب عليه من تحديات اجتماعية واقتصادية؛ ذلك لأنه يرتبط بالكثير من المتغيرات التي تواجه المجتمعات خاصة في ظل ارتفاع التضخم في الكثير من دول العالم وانعكاساته على الدول الأخرى، والمجتمعات عموما، بالإضافة إلى أهمية تمكين الأفراد العاملين ودعمهم بالكثير من المهارات التي لا تستدعي التأثير عليهم اقتصاديا وماليا، بقدر ما تمكِّنهم من الانخراط في وظائف أخرى قد تكون أكثر قدرة على تعويضهم من ناحية، وتطوير كفاءاتهم من ناحية أخرى.

ولعل ما يتوقعه تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، سيكون أقرب مما نتوقَّع في ظل تلك المتغيرات التي تتسارع إلى سوق العمل، وفتح أو انتهاء الكثير من فرص العمل ولو جزئيا، فما نشهده من طفرات تقنية تحتم تغيير تعريفات العمل والإبداع ومفاهيمه، باعتبار أن الذكاء الاصطناعي يفتح إمكانات أفضل وأسرع لمتطلبات العمل ومهارته، فعلى الرغم من مخاطره المتمثلة في الخصوصية والأمن بشكل خاص، إلاَّ أنه يقدِّم أمامنا مجموعة من الأساليب والأدوات والمهارات التي تمكننا من الولوج إلى عالم الأعمال وفق معطيات جديدة قادرة على تجاوز الكثير من تحديات الماضي.

إن الذكاء الاصطناعي في علاقته بسوق الأعمال في كافة القطاعات الحالية من ناحية، وفرص العمل والوظائف المستقبلية من ناحية أخرى، يشكِّل قلقا لدى الكثير من المجتمعات والقطاعات بحسب العديد من التقارير العالمية، ولعل الخروج من هذا القلق يحتاج إلى وعينا بأن هذه المرحلة الانتقالية لابد أن تتأسَّس وفق مجموعة من الإجراءات التي تحتاج إلى توعية المجتمع بأهمية الذكاء الاصطناعي وقدراته وإمكاناته على فتح فرص الأعمال وتمكين أفراد المجتمع بمهارات المستقبل، من أجل المساهمة الفاعلة في الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي بما يُحقق الأهداف الوطنية.

إن الذكاء الاصطناعي فرصة اقتصادية ومعرفية إذا ما استطعنا التعامل معه وفقا لوعينا المعرفي بأهميته، وإذا ما تمكَّنا من مراجعة السياسات المنظمة له بما يتوافق مع أولوياتنا الوطنية، وما يتناسب مع قيم المجتمع وأخلاقه، و يتواءم مع تطلعاته المستقبلية.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الاصطناعی فی الکثیر من من ناحیة

إقرأ أيضاً:

باستخدام الذكاء الاصطناعي.. جوجل تبسط أصعب النصوص!

الاتحاد (أبوظبي)
أعلنت شركة جوجل عن إطلاق ميزة جديدة تحمل اسم "تبسيط" (Simplify) ضمن تطبيقها على نظام iOS، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لجعل النصوص المعقدة أو التقنية على صفحات الويب أسهل للفهم من دون الحاجة لمغادرة الصفحة. وفق موقع "تك كرانش".

تعتمد ميزة التبسيط على نهج متطور لصقل النصوص طورته Google Research، كما تستعين بنموذج Gemini لتحويل النصوص المعقدة إلى صيغ أكثر وضوحًا، مع الحفاظ على التفاصيل الأساسية والمهمة. وأوضحت جوجل أن تجاربها أظهرت أن النصوص المبسطة ساعدت المستخدمين على فهم واستيعاب المعلومات الأصلية بشكل أفضل.

كيف تستخدم ميزة "التبسيط؟
لاستخدام ميزة "التبسيط"، ما عليك سوى تحديد أي نص داخل صفحة ويب تزورها عبر تطبيق جوجل، ثم النقر على أيقونة "تبسيط" التي ستظهر لك. بعدها ستُعرض لك نسخة مبسطة من النص لمساعدتك على فهم المحتوى والاستمرار في القراءة بسهولة.
كيف تعمل ميزة "التبسيط" عمليًا؟
 شاركت جوجل مثالاً توضيحياً لكيفية عمل هذه الميزة الجديدة. وضربت "جوجل" مثالًا واقعيًا على فعالية الميزة، بحيث تم تبسيط فقرة طبية معقدة تشرح تغيّرات مرضية في الرئة، إلى نص واضح وسهل الفهم يشرح المصطلحات بلغة مبسطة  من دون إغفال المضمون، وتساعد على فهم واستيعاب المعلومات الأصلية بشكل أفضل.

أخبار ذات صلة برعاية منصور بن زايد.. «قمة الحوكمة الناشئة 2025» تناقش دور الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات حكومة عجمان تعرف القيادات العليا بـ«المربكات العالمية»

من خلال توفير هذه الميزة المدمجة، يبدو أن جوجل تهدف إلى إبقاء المستخدمين ضمن منظومتها من الأدوات والخدمات عند التعامل مع مواضيع معقدة، بدلاً من اللجوء إلى أدوات خارجية شائعة مثل تشات جي بي تي من OpenAI.

وقالت جوجل إن الهدف من الميزة هو أن تعيد النماذج صياغة الأفكار المعقدة بدقة من دون إدخال أخطاء أو حذف تفاصيل أساسية. فالنص المُعاد كتابته يجب أن يساعد القارئ على فهم المواد الصعبة من دون التضحية بمصداقية المعلومات الأصلية.

من المتوقع أن يبدأ طرح ميزة "التبسيط" تدريجيًا لمستخدمي تطبيق "جوجل" على نظام iOS خلال هذا الأسبوع، في خطوة قد تغيّر الطريقة التي يتفاعل بها المستخدمون مع المحتوى التعليمي أو المعلوماتي المعقد على الويب.
وتؤكد جوجل أن الهدف من هذه الميزة هو مساعدة المستخدمين على فهم المواضيع المعقدة بسهولة أكبر، خاصة عند محاولة تعلّم شيء جديد عبر الإنترنت.

مقالات مشابهة

  • مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي
  • الذكـاء الاصطناعـي «الخـارق» لـم يولـد بعـد!
  • سعر ومواصفات موبايل هونر 400 برو.. يدعم الذكاء الاصطناعي
  • مركز التأمين الصحي الوطني يحتفل بتخريج الدفعة الأولى من البرنامج المتخصص في البيانات والذكاء الاصطناعي
  • الثقافة والمعلوماتية وسؤال الذكاء الاصطناعي
  • ندوة علمية بعبري تبحث استشراف أدوار الذكاء الاصطناعي في إدارة الأعمال
  • خبراء جوجل يشددون على دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن السيبراني
  • الإمارات تشارك في استضافة حدث حول «الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية»
  • باستخدام الذكاء الاصطناعي.. جوجل تبسط أصعب النصوص!
  • برعاية منصور بن زايد.. «قمة الحوكمة الناشئة 2025» تناقش دور الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات