علامات حب الله لعبده .. 9 بشارات تؤكد رضا الخالق عنك
تاريخ النشر: 11th, October 2023 GMT
يتساءل كثير عن علامات حب الله للعبد وهي الإشارات والأَمارات التي يعلم منها العبدُ أن الله تعالى يحبه ويقبل من العبادة التي يؤديها، وحدد علماء بعض علامات حب الله للعبد وسنذكر منها البعض في هذا التقرير.
علامات حب الله للعبد
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن أحد السادة الذين كان لهم جارية، كانت مؤمنة بالله وتحرص على الصيام والصلاة، لافتا إلى أن هذا السيد لاحظ أن هذه الجارية تحرص على قيام الليل دائمًا، والدعاء في آخر ساعة من الليل.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على فضائية "dmc"، اليوم الأربعاء، أن هذه الجارية كانت تسأل الله في الدعاء، وتقول: "اللهم إني أسألك بحبك لي أن تغفر لي وترحمني وتعفو عني، وهذا السيد اعترض على الدعاء، وقال لها أن تسأل الله بحبي لك لا بحبك لي، وهذا نقض موضوعي، لأنه كيف تعلمين أن الله سبحانه وتعالى يحبك".
وتابع: "وردت الجارية بلطف عجيب، قائلة أعلم أنه يحبني لا كما ذكرت سيدي، لأن حب الله لي أقامني وأنامك، ولولا حبه لي ما أقامني لقيام الليل، ويسر لي محبته، والاقتراب إليه".
يبحث كثير عن علامات رضا الله عن العبد ، وكل إنسان من يتمنى أن يرضى الله تعالى عنه، ويسعى كل عبد مؤمن بالله - سبحانه- إلى أن يرضى الله عنه ويُحبّه، فيكون سعيدًا ومُطمئنًّا ومرتاح البال في حياته، وينال الخير كلّه في آخرته، ويكون نيل رضا الله -تعالى- باتّباع أوامره والابتعاد عمّا نهى عنه، والتقرّب له بالدعاء والعبادات، واللجوء إليه في كل تفاصيل الحياة المختلفة، واستشعار وجوده في كل خطوة يخطوها المسلم.
هناك 9 علامات تدل على رضا الله عن العبد إذا وجدها الإنسان عليه أن يحمد الله عليها.
أن أولى هذه العلامات هي الابتلاء، فمصيبة العبد ليست دائمًا تكون غضبًا من الله، كما في حديث رسول الله –عليه أفضل الصلاة والسلام-: « إذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلاءَ صَبًّا، وَسَحَبَهُ عَلَيْهِ سَحْبًا، فَإِذَا دَعَا قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ جَبْرَائِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ فُلانٌ، اقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دَعُوا عَبْدِي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ».
ثانيًا محبة الناس، كما في حديث أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
ثالثًا: التوفيق للطاعة، كما قال بعض العارفين بالله: « إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيماأقامك».
رابعًا: أن يفرح العبد إذا ذكر الله كما قال تعالى: « الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)»الرعد.
خامسًا: حسن الخاتمة، كما قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ» قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: «يَفْتَحُ اللَّهُ عز وجل لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ» (مسند الإمام أحمد، حديث رقم: 17438.
سادساً- توفيق العبد إلى الزيادة في فعل الخير.
سابعاً- توفيق العبد إلى التوبة.
ثامناً- حفظه لعبده في جوارحه وتوفيقه لكل خير؛ فلا يسمع إلا ما يرضي الله، ولا ينظر إلا لما يرضي الله، ولا يمشي إلا لما يرضي الله عنه.
تاسعاً- يجعل مَحبّة العبد في قلوب الناس، ويكسبه رضا الخلق عنه.
كيف تنال رضا الله
يتوجّب على كل من أراد رضا الله وسعى إليه أن يحرص على القيام بالأعمال التي يُحبّها الله ويرضاها، ويبتعد عن سخطه، فيؤمن بالله عزّ وجلّ، ويتعلّم ما أراد الله سبحانه منه، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، وأن يُخلص في عبادته مُتّبعًا لسنة رسوله - محمد عليه الصّلاة والسّلام- ، فقد جاءت نصوص القرآن الكريم ونصوص السُنّة النبويّة مُبيّنةً ما يُحب الله من عباده أن يفعلوه، وما يحب تركه، وممّا ورد حتى ينال رضاالله - سبحانه- ما يأتي:
1- الله سبحانه يرضى عن المؤمنين الشاكرين الذين يُوالون فيه سبحانه ويعادون فيه، كما جاء في قوله -عزّ وجلّ- : « لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
2- يحب الله تعالى من عباده التوّابين الذين إذا أذنبوا أي ذنب عادوا إلى الله واستغفروه وتابوا إليه، والمتطهرين الذين هم دائمًا على طهارة، فقد قال الله -سبحانه-: « إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».
3- المُتّقين المُتَّصفين بالتقوى، والمُحسنين؛ قال الله - تعالى-: «إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»، والمُقسطين، والمُتوكّلين، والصابرين، والذين يتّبعون الرسول -عليه الصّلاة والسّلام-.
4- ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم الصفات التي يكرهها؛ فهو سبحانه لا يحب الكافرين، والمُعتَدين، والظالمين، والمُفسِدين، والمُتكبّرين، والخائنين، والمُسرفين، ولا يحب من كان مُختالًا فخورًا، ولا خوّانًا أثيمًا.
-أما في السُنّة النبويّة فقد كثر في الأحاديث النبوية بيان لبعض الأعمال التي يُحبّها الله عزّ وجلّ ويرضاها، والأعمال التي يبغضها الله سبحانه، ومن هذه الأحاديث :
5- ما رواه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص أنه كان في إبلِه (فجاءه ابنُه عمرُ، فلما رآه سعدٌ قال: أعوذ باللهِ من شرِّ هذا الراكبِ، فنزل، فقال له: أَنَزلتَ في إبلِك وغنمِك وتركت الناسَ يتنازعون المُلكَ بينهم؟ فضرب سعدٌ في صدرِه، فقال: اسكتْ! سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: (إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ))؛ ففي هذا الحديث بيان أنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ من عباده العبد الذي يتّصف بالتّقوى والذي لديه مال ينفقه في الخفاء.
6- من الأحاديث أيضًا التي تُبيّن ما يُحبّه الله سبحانه من عباده المؤمنين، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه- قال: « سأَلْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمعليه الصّلاة والسّلاة: أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: أنْ تموتَ ولسانُكَ رَطْبٌ مِن ذِكْرِ اللهِ»؛ ففي هذا الحديث بيان أنّ من الأعمال التي يُحبّها الله سبحانه ويرضاها من عباده الإكثار من ذكره عزّ وجلّ.
7- ممّا يُحبّه الله عزّ وجلّ أيضًا أن يكون العبد سمحًا في البيع، وسمحًا في الشراء، وسمحًا في القضاء. في الحديث النبوي قال النبيّ- عليه الصّلاة والسّلام-: « إنَّ اللهَ يرضَى لكم ثلاثا ويكرهُ لكُم ثلاثًا؛ فيرضَى لكُم أن تعبدوهُ ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصِموا بحبلِ اللهِ جميعًا ولا تفرّقوا. ويكرهُ لكم قيلَ وقالَ، وكثرةَ السؤالِ، وإِضاعةَ المالِ، وفي رواية: مثله. غيرَ أنهُ قال: ويسخطُ لكم ثلاثًا ولم يذكر: ولا تفرّقوا»؛ ففي هذا الحديث بيان لما يرضى الله من عباده، وهي ثلاثة أمور ذكرها الحديث؛ عبادة الله وحده لا شريك له، والاعتصام بحبل الله، وألا يتفرّق المؤمنون، ويكره الله سبحانه ثلاثة أمور؛ القيل والقال أي الكلام بما لا يفيد، وكثرة الاسئلة التي لا داعي لها، وإضاعة المال و إسرافه.
8- ممّا يُحبّه الله سبحانه ويرضى من عباده إدخال السرور على قلب مسلم، أو كشف البلاء عن مسلم، أو قضاء دين عن مؤمن.
9- الابتعاد عمّا يغضب الله والابتعاد عن المعاصي التي حرّمها الله؛ فالله سبحانه لم يمنع عن عبد شيء إلا كان فيه خير، وما أمر بشيء إلا كان فيه خير.
10- المُحافظة على أركان الإسلام؛ وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمد رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان.
11- السعي لنيل رضا الوالدين؛ فرضا الوالدين من رضا الله سبحانه. عدم إيذاء الناس، وشتم الأخرين، والغيبة والنميمة.
12- الإكثار من قول الحمد لله في السرّاء والضرّاء وعند المصائب؛ فالله عندما يبتلي إنسان فهو يُحبّه، ويُحبّ أن يسمع دعائه دائمًا، وبقدر ما يصبر العبد ويحمد ربّه فإن الله سوف يُفرجها عليه ويرزقه من حيث لا يحتسب.
13- المُحافظة على الصّلاة، وقرآءة القرآن، والصّيام، وقيام اللّيل، والدعاء.
كيف تعلم أن الله راضي عنك
قال الشيخ عبدالله العجمي، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء، إن من علامات رضا الله تعالى عن العبد، أن يوفقه لطاعته، مشيرًا إلى أن نبي الله موسى عندما طلب الدعاء من نبي الله الخضر قال له: يسر الله لك طاعته، ودعاء النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد كل صلاة: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وأضاف العجمي في فيديو البث المباشر لدار الإفتاء على صفحتها الرسمية على فيسبوك، ردًا على سؤال: ما هي علامات رضا الله عن العبد؟ أن من هذه العلامات أن تلومه نفسه على فعل المعصية وتعزم على عدم العودة إلى ارتكابها، مضيفًا ثالثًا: الصحبة الصالحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح.
وتابع رابعًا: الزوجة والذرية الصالحين؛ لقول النبي : «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله».
وأكمل خامسًا: أن يرزقه عملا شريفًا يأخذ منه مالًا حلالًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لئن يذهب أحدكم بأحبله إلى الجبل فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه».
واستطرد سادسًا: من علامات رضا الله عن العبد أن يوفقه الله للكلم الطيب والقول الحق، لافتًا إلى قوله تعالى: « ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)»الأحزاب.
واختتم أمين لجنة الفتوى سابعًا: الدّعاء، فيسألُ العبدُ ربَّه رضاه، كما يسألُه الجنَّة، فيقول: أسألكَ رضاكَ والجنَّة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علامات حب الله للعبد علامات حب الله علامات رضا الله صلى الله علیه وسلم الله سبحانه الله تعالى من عباده إن الله ه الله فی هذا التی ی دائم ا
إقرأ أيضاً:
في وقفة انقلاب 25 مايو: رد أستاذنا عبد الخالق محجوب على أحمد سليمان المحامي في اقتراحه حول دور للقوات المسلحة في تغيير الحكم
عبد الله علي إبراهيم
"ولا سبيل لهذا الاستقرار في نظري غير حماية القوات المسلحة التي يجب الاعتراف بها كقوة مؤثرة وكعامل فعال في حياة البلاد السياسية. إن الجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تحمي الميثاق المنشود وحكومته والتي تقدر على ردع المارقين والمغامرين على وحدته العابثين بمكاسبه". أحمد سليمان، جريدة الأيام 5 و6 و8 ديسمبر 1968
في مجالس الناس كثر الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للإنقاذ. والحديث بهذا الإجمال خطر ويتجاهل تجربة الشعب في بلادنا. فقد خبر السودان طيلة ست سنوات حكماً عسكرياً بعينه هو حكم كبار الجنرالات من المستوى المركزي إلى مستوى الإدارة الإقليمية. وما خرج عملهم ونشاطهم في حيز القضايا الجوهرية التي تواجه بلادنا بعد الاستقلال عن بعض الإجراءات وما استطاعوا، وما كان لهم ولا في مصلحتهم، إحداث تغيير جوهري في طريق تطور بلادنا.
وحاجة بلادنا التاريخية ليست اليوم في مستوى بعض الإجراءات مثل الضبط والربط والتنفيذ السريع. كما أنها ترفض قطعاً المسخ الذي سموه حزماً وسياسة فكان وبالاً على حركة الثورة في بلادنا: احتقر كل فكر تقدمي وأهانه، وعزل بلادنا عن كل تقدم فأصبحت مريض أفريقيا والعالم العربي بحق. وشعبنا يعرف جيداً أن طريق الرأسمالية والخضوع لمتطلبات رأس المال الأجنبي التي اصابت الحرية الوطنية في الصميم ما وجدت تمهيداً كما وجدته أيام حكم الجنرالات.
إن الحديث عن أجهزة الدولة بوصفها قوة اجتماعية منفصلة عن بقية المجتمع، ومن ثم اعتبارها شئياً مميزاً عن الفئات والطبقات التي جربت السلطة وفشلت غير سليم ومجاف للحقيقة.
الجماهير المستنيرة التي صنعت وتصنع الآن تاريخ بلادنا ما عادت تحتمل تحليل مجريات الأمور جزئياً. فهي في الحركة السياسية تتخطى سريعاً التحليل في إطار الأحزاب (هذا الحزب أفضل من ذاك إلخ). إن وعياً متزايداً بالنفاذ وراء التقسيمات الحزبية إلى الصور الطبقية الحقيقية يشرق على أقسام من جماهير الشعب السوداني بعد تجارب مريرة من الأمل والانتظار. وقف شعبنا على باب الوطني الاتحادي حتى مل الوقوف ورجع آسفاً حزيناً. وعلى أبواب حزب الشعب الديمقراطي. وبعد أكتوبر تكرر نفس المشهد إلا أن الفترة كانت قصيرة وانصرف الشعب في طريقه. وعبر التقسيمات الحزبية تظهر بوضوح التقسيمات الطبقية التي تشد الأحزاب لبعضها وتؤكد أن السقوط في الحكم وفي ميدان التنمية، عصب التقدم، ليس سقوطاً للأحزاب منفصلة عن بعضها، بل هو سقوط لنادي الرأسمالية والطائفيين وعناصر التخلف في الزراعة بشقيها.
والقوات المسلحة لا تخرج من إطار التحليل الطبقي، وتشكل في مستواها الأعلى، بالتجربة، جزءاً من النادي الذي سقط طريقه الاقتصادي وأصبح لا مفر من نظام سياسي يَعُقب القوى التي حكمتنا من قبل وتحكم اليوم فعلياً على تعدد الحكومات الحزبية والعسكرية. وفي ثورة أكتوبر، ولفترة بسيطة، امتحن أيضاً شعبنا في القيادة الفئة العليا من البرجوازية الصغيرة، وخاصة بين أوساط المثقفين، وما استطاعت هذه الفئة، رغم منجزاتها، أن تمنح شعبنا القيادة. فقد كانت أضعف من هذه المهمة التاريخية الثقيلة. فقد كان التفاف الجماهير المتقدمة حول جبهة الهئيات، قائدة الإضراب السياسي والقوة الرئيسية في إسقاط الحكم العسكري، يعبر عن رغبة شعبنا في السير وراء قيادة جديدة تستطيع أن تحل مشاكله المزمنة لفترة ما بعد الاستقلال. وما انهارت جبهة الهيئات لأنه فرض عليها صراع صناعي بين الشيوعيين والإخوان المسلمين. هذا تفسير غير مرض لتجربة شعبية ذات أبعاد واسعة ومعان عميقة.
ما كان الصراع إيديولوجيا بين طريق جديد يعلن سقوط الطريق الشائك الذي أدمى السير عليه اقدام شعبنا ويشق منفذاً جديداً للتقدم وبين الطريق القديم. وقد كان الإخوان المسلمون وما زالوا بين البرجوازية الصغيرة الممثلين لمصالح النادي القديم الساقط في امتحان القيادة. وفي اللحظات الحاسمة عجزت الفئة الاجتماعية الجديدة، التي منحها الشعب تأييدا بالغاً، عن فهم وإدراك الحقيقة الأساسية للسير بالثورة للأمام وأعنى قضية الديمقراطية. لقد رجحت تلك الفئة، إلا من قلة مارست النضال العملي بعد الاستقلال وأخرى انتقلت إلى مواقع النظرية الشاملة للتقدم الاجتماعي، رجحت الديمقراطية الليبرالية المشوهة طريقاً للسلطة في بلادنا. وكان هذا اختياراً للطريق القديم. فالديمقراطية الليبرالية المشوهة والتنمية الرأسمالية هما لب سلطة النادي القديم في بلادنا.
إذا فالسلطة الجديدة يُبحث عنها في إطار مفهوم ثوري جديد للديمقراطية يدعو كنتيجة منطقية له قوات اجتماعية جديدة لقيادة النادي. يدعو الناس الذين مصلحتهم التاريخية المطابقة لمصلحة أغلبية امتنا بالتمسك بتلك الديمقراطية (اضطراب في النص الأصل) وحل مشكلة السلطة السياسية على هذا المفهوم. ولن نمل القول بأن هذا النادي تقوم دعائمه بين الطبقات الحديثة في بلادنا من عمال ومثقفين ثوريين وجماهير كادحة في القرى والبوادي ومن رأسمالية وطنية ذات القدرة حقاً على العمل في ميدان التنمية لا تلك الطفيلية في المجتمع.
والقيادة في هذا النادي لا يمكن أن تكون مفروضة، بل هي تنبع من المهمة الجوهرية التي تتجمع حولها تلك القوى الاجتماعية، ومن حقيقة أن الطبقات الحاكمة منذ الاستقلال حتى اليوم فشلت في مواجهة (الأزمة) وحلها بطريقة سليمة. ولذا لم يعد هناك من مناص من الاعتراف بأن المهمة الجوهرية لشعبنا بعد الاستقلال، أو التي تتحكم في سير خطاه وتفسر كثيراً من المظاهر التي تثير في النفس السخط من حياتنا الاجتماعية والثقافية، هي النهضة الاقتصادية. ,إذا أصبح أمراً متفقاً عليه بأن البديل للخطة الراهنة لحل مهمة النهضة الاقتصادية، والتي فشلت على مدى ثلاثة عشر عاماً من الاستقلال، هي خطة للتنمية على غير طريق الرأسمالية، فإن قيادة العاملين فكراً وواقعاً هي النتيجة المنطقية للسنوات والأيام المظلمة التي عاشها الشعب السوداني منذ الاستقلال.
وفي نهوض السلطة الجديدة بين أوساط الشعب الواسعة، بين لهيب الامتحان القاسي الذي تفرضه الثورة المضادة بين قوى الشعب في بلادنا، وبين البحث الجاد عن أخطاء ونقائص وفضائل العمل الثوري توضع الضمانات والشروط اللازمة لقيام تجمع طبقي جديد مضمون القيادة والثبات، واضح فكرياً لا في مهمة السير بالثورة الوطنية الديمقراطية قدماً، بل واضح أيضاً في الآفاق الاجتماعية لتلك الثورة.
ما عاد ممكناً استبعاد النظرية الماركسية عندما تطرح قضية الوضوح لهذا التجمع الطبقي البديل للنادي القديم. فقد دفعت الحركات الشعبية الثمن غالياً وهي تقيم بينها وبين الماركسية حجاباً مصطنعاً وتسلك طريق التجريب باستبعاد الماركسية. عجزت أقسام كبيرة من الفئات الاجتماعية القائدة على التقدم في العالم الثالث عن أن تضع الصيغة السليمة للتحالف بين الطبقات الثورية. عجزت تلك الأقسام في تطبيق مفهوم سليم للديمقراطية الثورية التي ترفع من نشاط الجماهير الشعبية وتطلق قدراتها الخلاقة وتجعلها رقيبة بالفعل على السلطة، وتقيد في نفس الوقت النشاط المعادي للثورة. عجزت عن تبني مفهوماً ثورياً لطبيعة جهاز الدولة القديم وطبيعة الدولة ذاتها فانقلب ذلك وبالاً على حركة التقدم. وأصبحت أجهزة الدولة القديمة أداة من أدوات الثورة المضادة التي تلف بليلها الحالك كثيراً من بلدان آسيا وأفريقيا.
وكل هذه العقبات التي تفرضها فرضاً المراحل العليا من الثورة الوطنية الديمقراطية تجد إجابة واضحة في التطبيق الماركسي بين ظروف حركة التحرر الوطني العالمية. وكل فئة اجتماعية جادة في هذه الظروف لابد أن تعمل الفكر في تلك القضايا وتديم التأمل. فخطر، أي خطر، اجهاض هذه الثورة الفكرية وتحويل التغيير الثوري الذي يسير في باطن مجتمعنا إلى مجرد شكليات، وانتقال السلطة دون وجود مقومات حقيقية لكي تصبح السلطة الجديدة ملبية للمرحلة الحالية من تطور بلادنا.
وفي اعتقادي أنه لكي تصعد طبقات اجتماعية للسلطة وتستعملها في مستوى ما وصلت إليه مرحلة التطور الثوري في بلادنا فإنه لا بديل للعمل الشعبي بوصفه مركز الثقل. وتجربة العالم الثالث تؤكد أن هناك أكثر من شكل واحد لذلك الانتقال.
ibrahima@missouri.edu