وزيرة التعاون: توسيع برنامج "تكافل وكرامة" استثمار في رأس المال البشري
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أعلنت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي محافظ مصر لدى مجموعة البنك الدولي، أن إقرار مجلس النواب لاتفاق مشروع التوسع في برنامج «تكافل وكرامة» مع البنك الدولي، يعزز توجه الدولة نحو زيادة الجهود المبذولة لحماية الفئات الأقل دخلًا من خلال البرامج المختلفة.
وكان مجلس النواب، قد وافق في جلسته العامة المنعقدة اليوم، على قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 220 لسنة 2023 بشأن الموافقة على اتفاق مشروع توسيع برنامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية وبناء الأنظمة، بين جمهورية مصر العربية والبنك الدولى الموقع بتاريخ 9 أبريل 2023.
ويأتي ذلك في ضوء الإجراءات التي تقوم بها الدولة لتعزيز الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره جزءًا لا يتجزأ من جهود التنمية، واستكمالًا للجهود المبذولة بالفعل لتدشين نظم متكاملة وشاملة للحماية الاجتماعية، الموجهة للفئات الأقل دخلًا لتخفيف آثار التحديات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، بما يعزز قدرة الأسر الأولى بالرعاية على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية.
وأوضحت وزيرة التعاون الدولي، أن التمويل الجديد يدعم التعاون القائم بالفعل مع البنك الدولي لزيادة الاستثمار في رأس المال البشري الذي يعد أولوية قصوى للدولة المصرية لتحفيز النمو الشامل والمستدام ودعم الفئات الأقل دخلًا، وتعزيز قدرتهم على الحصول على فرص العمل وتنمية المهارات وربطهم بالأنظمة البنكية لزيادة نسبة الشمول المالي.
وتطرقت إلى ما تحقق من نجاح من خلال الجهات الوطنية المعنية، في المرحلتين السابقتين للبرنامج منذ عام 2015، وتم تمويلهما بقيمة 900 مليون دولار، وساهمتا في ضم أكثر من 3.7 مليون أسرة لبرنامج تكافل وكرامة أي حوالي 12.8 مليون فرد حتى نهاية يونيو الماضي، واستحوذت السيدات على أكثر من 70% من المستفيدين، كما يركز المشروع على صعيد مصر ويتكامل مع المبادرات الرئاسية والمشروعات الأخرى التي تنفذها الدولة.
ويعزز التمويل الجديد القدرات المؤسسية من خلال توفير الدعم الفني والاستثمارات لغرض التسجيل واعتماد المستفيدين والرقابة والتحقق من المدفوعات وأنظمة المُحاسبة ورفع مستوى نظام التسجيل الاجتماعي للمقترض، وصولا إلى تحسين مدخلات "كاش بلاس" وزيادة استخدام التكنولوجيا الرقمية، وتوفير الدعم لغرض التشغيل الألى والتعزيز المؤسسي لوزارة التضامن الاجتماعي المسئولة عن تنفيذ المشروع، وما يرتبط بذلك من نشاطات الانتشار والتواصل ورفع مستوى التوعية.
كانت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، قد استعرضت جهود تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري من خلال الشراكات الدولية، وذلك ضمن فعاليات مؤتمر «حكاية وطن»، الذي عُقد بحضور السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وسلط الضوء على ما تحقق من جهود تنموية على مدار السنوات العشر الماضية.
ويعد «تكافل وكرامة» من أبرز الإجراءات المنفذة لزيادة الاستثمار في رأس المال البشري من خلال الشراكات الدولية، ذلك إلى جانب برنامج التغذية المدرسية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، وبرنامج فرصة لتعزيز التشغيل وزيادة فرص العمل بالتعاون مع البنك الدولي، وكذلك برامج التعليم مثل مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والمدارس اليابانية، وبرنامج التأمين الصحي الشامل، وغيره.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الاستثمار فی رأس المال البشری وزیرة التعاون البنک الدولی تکافل وکرامة من خلال
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: الاستثمار في العنصر البشري
حين أعلنت الدولة في موازنة العام المالي 2025/2026 تخصيص ما يقارب 700 مليار جنيه لقطاعات التنمية البشرية، لم يكن هذا مجرد رقم في جدول ميزانية، بل رسالة واضحة بأن الإنسان المصري أصبح محور السياسات الاقتصادية والاجتماعية. الرقم نفسه يكشف زيادة ملحوظة عن العام السابق، حيث كانت المخصصات نحو 447 مليار جنيه، أي ما يعادل زيادة أكثر من 56%، وهو مؤشر على أن الدولة بدأت تدرك أن التنمية الحقيقية لا تبنى بالإنفاق على البنية التحتية وحدها، بل بالاستثمار في الإنسان.
من هذا المبلغ، تُخصص نحو 327 مليار جنيه للاستثمارات العامة في مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي والخدمات الاجتماعية، وهو ما يمثل أكثر من ربع الاستثمارات العامة، رقم يدل على حجم الاهتمام بقطاع التنمية البشرية. هذا التوجه ليس مجرد شعارات أو أرقام، بل هو محاولة لتغيير الواقع، وجعل كل مواطن قادرًا على المساهمة بفعالية في بناء مصر الحديثة.
عندما نتحدث عن الاستثمار في العنصر البشري، فنحن لا نتحدث فقط عن موظف حكومي أكثر كفاءة، بل عن كل المصريين. الطفل الذي يحتاج إلى تعليم جيد، المريض الذي يحتاج رعاية صحية فعالة، ذوي القدرات الخاصة الذين يحتاجون برامج تأهيل ودمج. كل جنيه يُنفق على الإنسان هو استثمار في اقتصاد قادر على المنافسة، وفي مجتمع أكثر عدالة واستدامة.
الواقع اليوم يظهر أن الاستثمار في الإنسان أصبح ضرورة استراتيجية، لا رفاهية. سوق العمل يتغير بسرعة، ومهارات المستقبل ليست نفسها التي كانت مطلوبة قبل عشر سنوات. التعليم الجيد، الصحة المستدامة، والخدمات الاجتماعية الفعالة، هي ما يحدد قدرة مصر على التحول إلى اقتصاد معرفي يعتمد على الجودة والكفاءة، بدلًا من الاعتماد على الموارد الطبيعية أو التمويل الخارجي.
التحدي الأكبر، كما أرى، هو التنفيذ. الأرقام الضخمة تبدو مشجعة، لكنها بلا خطة واضحة وتنسيق فعال، لن تؤدي إلى النتائج المرجوة. نجاح هذا الاستثمار يحتاج إلى تحديد أولويات دقيقة، مراقبة الأداء، إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني، وضمان وصول الخدمات إلى جميع المواطنين، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفًا.
على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو تحسين التعليم، فإن تخصيص الموارد وحده لن يكفي. يجب تحديث المناهج، تدريب المعلمين، تجهيز المدارس بالبنية التحتية والتقنيات الحديثة، وقياس النتائج بموضوعية. في الصحة، ليس المهم فقط بناء مستشفيات جديدة، بل تحسين جودة الخدمات، توفير أطباء وممرضين مدربين، تحديث المعدات الطبية، وتأمين المستلزمات الأساسية. هذه التفاصيل الصغيرة هي ما يحول الاستثمار من أرقام على الورق إلى واقع ملموس.
كما أن الاستثمار في العنصر البشري يعكس رؤية اجتماعية وأخلاقية. فعندما تُستثمر الأموال في التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، فإن الفئات الأكثر هشاشة — مثل الأطفال، الفقراء، وذوي القدرات الخاصة — تحظى بفرص حقيقية للتعلم والعمل والاندماج. هذا الاستثمار يخلق مجتمعًا أكثر تماسكًا، ويعزز العدالة الاجتماعية، ويكسر الحواجز التي تمنع الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في المجتمع.
الأرقام تؤكد هذا التوجه. مخصصات التعليم ارتفعت لتصل إلى حوالي 180 مليار جنيه، بينما خصصت الصحة حوالي 95 مليار جنيه، بما يشمل إنشاء وتجهيز المستشفيات، دعم الأدوية والمستلزمات، وتطوير الكوادر الطبية. مقارنة بالسنوات السابقة، نجد أن التعليم ارتفع بنسبة تزيد عن 40% والصحة بما يقارب 35%، وهي نسب تشير إلى جدية الحكومة في إعادة ترتيب الأولويات نحو الإنسان قبل كل شيء. هذا المستوى من الاستثمار يضع مصر في موقف أفضل لمواجهة التحديات الديمغرافية والاقتصادية، ويعطي الشباب فرصة أكبر للتعلم والعمل، ويجعلهم أكثر استعدادًا لمتطلبات سوق العمل الحديث.
أيضًا، الاستثمار في العنصر البشري مرتبط بتحسين الإنتاجية وزيادة الكفاءة في الاقتصاد الوطني. الموظف المؤهل قادر على تقديم خدمات أفضل، اتخاذ قرارات أكثر فعالية، والمساهمة في تحسين الأداء العام للمؤسسات. وهذا بدوره يعزز القدرة التنافسية لمصر على الصعيد الإقليمي والدولي، ويخلق بيئة استثمارية أكثر جذبًا، ويزيد من ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري.
من منظور اقتصادي، يمكننا مقارنة هذا التوجه بمؤشرات التنمية البشرية العالمية. مؤشر التنمية البشرية لمصر في السنوات الأخيرة كان عند 0.707، مما يضعها في فئة التنمية البشرية العالية، لكن ما يميز هذه الموازنة هو أنها تتجه لتحسين هذه المؤشرات بشكل ملموس، من خلال استهداف التعليم الأساسي والعالي، التدريب المهني، والصحة العامة، لتصل إلى معدلات أكثر قدرة على المنافسة دوليًا خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبالنظر إلى الاقتصاد المحلي، تشير الدراسات إلى أن كل 100 جنيه تُستثمر في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية ينتج عنها زيادة محتملة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 150 جنيهًا خلال خمس سنوات، وهو عائد اقتصادي ملموس يوضح أن الاستثمار في الإنسان ليس نفقة بل استثمار حقيقي يعود على الدولة والمجتمع.
بالنظر إلى هذه الأرقام مرة أخرى، نجد أن 327 مليار جنيه مخصصة للاستثمار في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، و700 مليار جنيه إجمالي مخصصات التنمية البشرية، وهي أرقام تعكس التزام الدولة على الورق. لكن الفارق الحقيقي سيظهر حين تتحول هذه الأموال إلى مدارس مجهزة، مستشفيات حديثة، برامج تدريبية فعالة، ومشروعات اجتماعية تنعكس مباشرة على حياة المواطنين.
هذا التوجه ليس لحظيًا، بل طويل الأجل. الاستثمار في الإنسان مشروع مستدام، نتائجه لا تظهر بين ليلة وضحاها، لكنه يضع الأسس لمجتمع قوي قادر على الصمود أمام الأزمات والتحديات المستقبلية. المواطن المتعلم، الصحي، والمتمكن هو وحده القادر على المساهمة في بناء مجتمع متماسك واقتصاد قوي.
من وجهة نظري، هناك ثلاث رسائل رئيسية يوضحها هذا التوجه: أولًا، أن الحكومة بدأت تدرك أن الإنسان هو رأس المال الحقيقي للدولة، وليس الأموال أو الموارد الطبيعية وحدها. ثانيًا، أن التنمية تحتاج إلى متابعة وصبر وتنفيذ صارم، فالموازنة وحدها لا تصنع الفرق. ثالثًا، أن هناك فرصة حقيقية للشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، وخاصة المؤسسات العاملة في تمكين ذوي القدرات الخاصة، لتعزيز أثر هذا الاستثمار على أرض الواقع.
على سبيل المثال، مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل مع ذوي القدرات الخاصة تستطيع استخدام جزء من هذه الميزانية لدعم برامج الدمج في المدارس والجامعات، وتمكينهم من التدريب المهني، وإعطائهم فرص عمل حقيقية. هذه الإجراءات لا تعزز التنمية البشرية فقط، بل تخلق مجتمعًا أكثر عدالة وشمولية، حيث يشعر كل مواطن بأنه جزء فاعل في بناء الوطن.
كما يمكن توسيع الاستثمار ليشمل برامج الصحة النفسية للشباب والأطفال، إذ تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن 15% من الأطفال المصريين يعانون من مشاكل نفسية أو ضغط عصبي يحتاج إلى تدخل مبكر. دعم الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الاستثمار في العنصر البشري ويؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم والإنتاجية المستقبلية.
في النهاية، الاستثمار في العنصر البشري ليس مجرد بند في الموازنة أو رقم يُعلن في مؤتمر صحفي. إنه رهان على مستقبل مصر، على قدرة شبابها، على صحة مواطنيها، وعلى جودة خدماتها. وإذا تم تنفيذه بجدية وشفافية، فإن أثره سيظهر تدريجيًا في جودة التعليم والخدمات الصحية، في كفاءة الموظفين، وفي قدرة المجتمع على المنافسة والابتكار.
التحدي الأكبر هو تحويل هذه الأرقام من أرقام على الورق إلى واقع ملموس، يجعل المواطن يشعر بقيمته الحقيقية، وأن المستقبل يبدأ به وليس فقط بالسياسات المالية أو المشروعات الكبرى. عندها فقط يمكن القول إن الاستثمار في العنصر البشري أصبح سياسة دولة حقيقية، وليست مجرد شعار.
إنها لحظة حاسمة، وفرصة نادرة لمصر لتعيد تعريف أولوياتها، لصناعة مجتمع أكثر كفاءة وعدالة، ولمواصلة مسار التنمية البشرية بطريقة عملية وملموسة. وبذلك يصبح المواطن محور أي نهضة، والإنسان هو الاستثمار الحقيقي الذي تبنى عليه الدولة مستقبلها.