قمم الخليج.. تكامل المصالح وتوافق الرؤى
تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT
البلاد (الرياض)
على امتداد أكثر من أربعة عقود، لم تكن القمم الخليجية مجرد اجتماعات دورية تجمع قادة دول مجلس التعاون، بل أصبحت محطات تاريخية تُعمّق الروابط الأخوية، وتؤسس لعمل مشترك يقوم على وحدة الهدف والمصير المشترك، ويستند إلى إرث طويل من التلاحم المجتمعي والتاريخي والثقافي الذي وحّد شعوب المنطقة قبل نشأة المجلس ذاته، وأثبتت هذه القمم أن وحدة القرار الخليجي لم تكن يومًا استجابة ظرفية، بل ثمرة وعي سياسي رسّخ قناعة مشتركة بأن استقرار المنطقة وازدهارها لا يتحققان إلا بتماسك الصف وتكامل السياسات.
ومنذ انعقاد القمة الأولى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تَشكّلَ نهج ثابت يقوم على الحوار، وتوحيد الرؤى، ومعالجة التحديات الإقليمية والدولية برؤية مشتركة، وتبني سياسات متوازنة تحفظ الأمن والاستقرار وتعزز التنمية، ومع اقتراب القمة السادسة والأربعين المقرر عقدها اليوم الأربعاء في مملكة البحرين، تتجدد ملامح هذا النهج، مؤكدة أن مجلس التعاون أحد أكثر التجارب الوحدوية قدرة على الثبات والاستمرار والتأثير، رغم التحولات المتسارعة في المنطقة والعالم.
وتأتي مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزارء –حفظه الله- في أعمال الدورة الـ46، امتدادًا لجهود المملكة الرامية لتعزيز العمل الخليجي المشترك، وفق رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- التي أقرها قادة دول المجلس في عام 2015م؛ لتصبح محطة تحول بارزة في مسيرة العمل الخليجي المشترك، إذ وضعت الرؤية إطارًا شاملًا لتعزيز التكامل في مختلف المجالات، خاصة الدفاعية والأمنية والاقتصادية، وأعادت تنظيم مسارات التعاون، ورفعت من مستوى التنسيق بين الدول الأعضاء، وأسهمت في تعزيز فاعلية المجلس وقدرته على الاستجابة للتحديات المستجدة.
وتعكس القمم المتعاقبة منذ تأسيس المجلس عام 1981م تطورًا مستمرًا في الهياكل المؤسسية، وبناء شراكات اقتصادية وعسكرية وأمنية، وإطلاق مشروعات تكاملية حققت للمجلس حضورًا مؤثرًا في محيطه الإقليمي والدولي، وأسهمت هذه القمم في تعزيز مرتكزات الاقتصاد الخليجي، ودعم الاتحادات الجمركية، وتسهيل الحركة التجارية والتنقل بين الدول الأعضاء، إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي، والموافقة على إنشاء هيئة السكك الحديدة لربط الدول الأعضاء، وتسهيل الحركة التجارية وتنقل السكان، وإنشاء شركة المدفوعات الخليجية، والربط بين البنوك المركزية الخليجية، وإنشاء وتطوير المجلس الصحي الخليجي، والمركز الخليجي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، وإصدار القوانين الموحدة المتعلقة بسلامة الأغذية.
وفي الجانب السياسي، شكَّلت القمم الخليجية إطارًا موحدًا للتعامل مع القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمات العربية، والتحولات الدولية التي تستدعي مواقف مشتركة تحفظ الأمن الإقليمي وتدعّم الاستقرار، وبرز هذا الدور خلال سلسلة من القمم التي تناولت قضايا الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والتصدي للتدخلات الخارجية، والدفع نحو حلول سياسية للأزمات، مع الالتزام بثوابت السياسة الخليجية القائمة على احترام القانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم الحوار والحلول السلمية.
وشكّلت القمم منذ بداية الألفية الجديدة مساحةً للعمل الاقتصادي المشترك، حيث طُوّرت الاتفاقيات، ووُحّدت الإجراءات الجمركية، وعُزّزت السوق الخليجية المشتركة، وأُقرت تسهيلات واسعة أمام تنقل المواطنين، ووُسّع نطاق الأعمال والاستثمارات بين الدول الأعضاء، بما ساعد على بناء بيئة اقتصادية موحدة تتعامل مع المتغيرات العالمية بكفاءة ومرونة.
وتجلّت آثار هذه الرؤية في القمم اللاحقة، التي أكدت تعميق التكامل الدفاعي عبر تفعيل القيادة العسكرية الموحدة، والارتقاء بالعمل الأمني المشترك، وتطوير آليات تبادل المعلومات، ودعم الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف وتمويله، إضافة إلى توسيع التعاون الدولي، وإطلاق شراكات إستراتيجية مع الدول الكبرى والمجموعات الإقليمية؛ بما يعزز مكانة المجلس المحورية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.
ومن أبرز المحطات التي رسخَّت هذا النهج ما شهدته القمة الحادية والأربعون التي عُقدت بالعُلا يناير 2021م، وأعادت التأكيد على وحدة الصف الخليجي، وأطلقت مرحلة جديدة من التعاون الشامل، وجاء بيان القمة ليعزز التكامل العسكري، ويدعم الشراكات الدولية، ويفتح آفاقًا أوسع للتعاون الاقتصادي، ويضع إستراتيجيات واضحة للتعامل مع المستجدات الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس على مسيرة المجلس في السنوات التالية.
فيما أكَّدت القمة الثانية والأربعون بالرياض في ديسمبر 2021م مجددًا، قوة المجلس ووحدة الصف، ودعمت المبادرات البيئية والتنموية، وفي مقدمتها “السعودية الخضراء”، و”الشرق الأوسط الأخضر”، إلى جانب تعزيز التكامل في الشراكات الإستراتيجية، وتأكيد الالتزام برؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، والتشديد على مواجهة التحديات الأمنية وتطوير العمل العسكري المشترك.
وتحققت خلال الدورة الـ42 برئاسة المملكة العديد من النتائج المهمة في تنمية التبادلات التجارية مع أبرز الشركاء التجاريين لدول المجلس، ومن ذلك تعزيز مفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة لمجلس التعاون مع المملكة المتحدة، والصين، وكوريا، والهند، وأستراليا، ونيوزلندا، وإيجاد بيئة تجارية مفتوحة تقوم على القواعد التجارية العالمية.
أما القمة الثالثة والأربعون التي عُقدت في العاصمة الرياض عام 2022م؛ فجاءت لتؤكد التزام الدول الأعضاء بسياسات تنويع الاقتصاد، وتعزيز التكامل الاقتصادي، ودعم استقرار أسواق الطاقة، والمضي في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-؛ لتحقيق الوحدة الاقتصادية، والمنظومة الدفاعية، والأمنية المشتركة، مع توجيه الأجهزة المعنية بمضاعفة الجهود لاستكمال مراحل التنفيذ.
وجدّد قادة دول المجلس، في دورتهم الرابعة والأربعين بالدوحة في ديسمبر 2023م، موقفهم الثابت تجاه القضايا العربية والإسلامية، معبّرين عن قلقهم البالغ من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومؤكدين إدانتهم عمليات القصف والتهجير وتدمير المنشآت المدنية في غزة، بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
وفي العام الماضي، استضافت دولة الكويت القمة الخليجية الخامسة والأربعين، التي شكّلت امتدادًا للمسار المتصاعد في تفعيل العمل المشترك وتعزيز دور المجلس على الساحة الدولية، وأكدت القمة مواصلة تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وتطوير آليات التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والدفاع والطاقة، وتوسيع الشراكات الإستراتيجية مع القوى العالمية، ودعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم.
وإيمانًا برؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- ودورها المحوري في تحقيق التكامل بين دول المجلس، أسهمت المملكة بشكل فاعل في إنجاح الرئاسة الكويتية لأعمال الدورة الـ45 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حرصًا منها على تفعيل الشراكة مع دول المجلس بما يحقق أولويات العمل الخليجي المشترك.
وعمل مجلس التعاون لدول الخليج العربية على تطوير وتعزيز الحوارات والعلاقات والشراكات الإستراتيجية مع كبرى دول العالم حيث يُجري المجلس حوارات منتظمة مع نحو 16 دولة ومنظمة إقليمية، أبرزها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، والاتحاد الأوروبي، ورابطة دول الآسيان.
ومع انعقاد القمة السادسة والأربعين في مملكة البحرين، ترتكز دول المجلس على رصيد ممتد من الإنجازات، وعلى تجربة تراكمية أثبتت قوتها وصلابتها، وقدرتها على مواكبة التحديات وتطوير أدوات العمل الجماعي، وتمثّل القمة مناسبة لتعزيز ما تحقق، وتحديد أولويات المرحلة المقبلة، خصوصًا في ملفات التكامل الاقتصادي، والأمن الإقليمي، والطاقة، والمناخ، وتنمية الشراكات الدولية، بما يلبّي تطلعات شعوب دول الخليج نحو مزيد من الازدهار والاستقرار.
وعكست مسيرة القمم الخليجية، منذ التأسيس حتى اليوم، ثبات الإرادة السياسية لقادة دول مجلس التعاون؛ لتؤكد أن وحدة الصف واستشراف المستقبل ركيزتان جوهريتان في بناء منظومة إقليمية متماسكة، قادرة على الاستمرار والتطور، ومهيّأة لمواجهة تحولات العالم ومتغيراته، ومع كل قمة جديدة، تتجدد هذه الإرادة، ويُعاد التأكيد على أن مجلس التعاون سيظل -بإرثه ومؤسساته وإنجازاته- أحد أهم النماذج الوحدوية في المنطقة العربية، وحاضنًا لطموحات شعوب الخليج في الأمن والتنمية والازدهار.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: القمم الخليجية مجلس التعاون الخليجي خادم الحرمین الشریفین الدول الأعضاء مجلس التعاون دول المجلس حفظه الله
إقرأ أيضاً:
بمشاركة جلالة السلطان.. تعرّف على أبرز ملفات القمة الخليجية في المنامة
مسقط - العُمانية
يأتي عقد القمة الخليجية السادسة والأربعين التي ستُعقد بعد غدٍ الأربعاء في العاصمة البحرينية المنامة، مواكبةً لتطلعات مواطني الدول الأعضاء لتحقيق المزيد من التعاون والتكامل والترابط على كافة المستويات. حيث يترأس حضرةُ صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظه الله ورعاه/ وفدَ سلطنة عُمان المشارك في القمة، وبحضور أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن المؤمل أن تناقش القمة مسيرة التعاون الخليجي المشترك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، بما يحقق توجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس /حفظهم الله ورعاهم/، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر تجاه مستجدات الأوضاع الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الأمن والاستقرار في المنطقة، والمساعي التي تقوم بها دول المجلس الأعضاء للدفع بجهود إحلال السلام الشامل في المنطقة وتوحيد المواقف إزاء التطورات الإقليمية.
وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، معالي جاسم محمد البديوي، تعزيزَ محاور التعاون الخليجي والإقليمي والدولي.
وعبّر عن أمله بأن تخرج قمة البحرين بقراراتٍ وتوصياتٍ بنّاءة تُضيف لَبِنةً جديدةً في صرح مسيرة مجلس التعاون المباركة؛ وإنّ هذه البنود بما تحمله من عمقٍ واتساع تعكس بجلاء الثقل الإقليمي والدولي لمجلس التعاون، وترسّخ حقيقة أن ما حققته دول المجلس من إنجازاتٍ على طريق التكامل الخليجي – وهو ما يصبو إليه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس /حفظهم الله ورعاهم/ – يمضي بثباتٍ في الاتجاه الصحيح، متسقًا مع تطلعات الشعوب الخليجية وطموحاتها نحو مزيدٍ من الترابط والازدهار.
وشهدت القمة الخليجية الخامسة والأربعون التي عُقدت في دولة الكويت في ديسمبر 2024م توافقًا على توسيع استخدام الطاقة النظيفة، وتعزيز استثمارات الصناديق السيادية الخليجية في قطاعات التكنولوجيا والتحول الأخضر، والتأكيد على دعم مسيرة التكامل الاقتصادي وتطوير العمل المشترك في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والمناخ، وتبنّي مواقف موحّدة تجاه القضايا الناشئة الجديدة، مع اعتماد عدد من المبادرات الاقتصادية المشتركة والخطة التنفيذية لمبادرات الرؤى الاقتصادية لدول المجلس وربطها بمشروعات النقل والربط الكهربائي والذكاء الاصطناعي، مع تأكيد الالتزام بالاستقرار المالي وتطوير سياسات موحدة لجذب الاستثمار الأجنبي.
وسجلت اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أداءً متوازنًا خلال عام 2024م، إذ بلغ معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي نحو 1.9 بالمائة، مدفوعًا بنمو القطاعات غير النفطية بنسبة 4.4 بالمائة.
وتشير المصادر إلى تسارع النمو الحقيقي في دول مجلس التعاون تدريجيًّا ليبلغ 2.8 بالمائة في عام 2025م و3.7 بالمائة في عام 2026م وصولًا إلى 4.3 بالمائة بحلول عام 2027م، مع توسع الاستثمارات في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية والتكنولوجيا.
وأشارت بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في الدول الأعضاء بلغت نحو 523.4 مليار دولار أمريكي في عام 2023م، ما يُؤكد تنامي الثقة الدولية في بيئة الأعمال الخليجية.
وأوضحت البيانات أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول المجلس تشكل نحو 5 بالمائة من إجمالي التدفقات العالمية في عام 2023م. كما ارتفع حجم الاستثمارات البينية الخليجية من 88.2 مليار دولار أمريكي في عام 2015م إلى 130.3 مليار دولار أمريكي في عام 2023م، أي ما يعادل 20 بالمائة من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي في المنطقة.
وسجلت التجارة السلعية الخارجية لدول مجلس التعاون نموًّا طفيفًا بنسبة 1.1 بالمائة خلال عام 2024م، رغم انخفاض متوسط أسعار النفط من 82.5 دولارًا أمريكيًّا للبرميل في 2023م إلى 80.5 دولارًا أمريكيًّا للبرميل في 2024م.
وحققت الصادرات غير النفطية في دول المجلس ارتفاعًا ملحوظًا، ما يعكس التقدم في مسار تنويع القاعدة التصديرية، كما شهد نشاط إعادة التصدير نموًّا مستمرًا بفضل المراكز اللوجستية المتطورة في المنطقة.
وبلغت الإيرادات العامة لدول مجلس التعاون نحو 670.2 مليار دولار أمريكي في عام 2024م، بزيادة سنوية قدرها 2 بالمائة، في حين بلغ الإنفاق العام 659.3 مليار دولار أمريكي، ما يعكس حرص الحكومات الخليجية على التقدم في ضبط الأوضاع المالية العامة، وتوجيه الإنفاق نحو التنمية والبنى الأساسية والحماية الاجتماعية.
وأشارت البيانات إلى ارتفاع مساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الدخل العام نتيجة تطبيق الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية، إلى جانب تحسين كفاءة التحصيل المالي عبر التحول الرقمي في الإدارة المالية العامة.
كما سجلت مؤشرات أسواق المال الخليجية أداءً إيجابيًا خلال عام 2024م؛ إذ ارتفعت القيمة السوقية للأسواق إلى نحو 4.2 تريليون دولار أمريكي، رغم حالة الترقب في الأسواق العالمية جراء تشديد السياسات النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية، وجاء هذا الأداء مدعومًا بتحسّن أرباح الشركات، وانخفاض مستويات التضخم، واستمرار تدفق الاستثمارات المؤسسية في القطاعات الرئيسة.
وتشكل القمم الخليجية المحطة الأهم لصياغة سياسات واستراتيجيات التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات الأمن والاقتصاد والدفاع والتنمية المستدامة، وتعكس روح التضامن والتكامل التي تأسس عليها مجلس التعاون منذ أكثر من أربعة عقود.
وأكد سعادة الشيخ السفير أحمد بن هاشل المسكري رئيسُ دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي في حديثٍ خاص لوكالة الأنباء العُمانية أن سلطنة عُمان، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ تؤكد التزامها الثابت بدعم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتعزيز أطر العمل المشترك بين دوله الشقيقة. إن تماسك مجلس التعاون ووحدة الرؤى في القضايا الإقليمية المشتركة يشكّلان ركائز أساسية لصون الأمن والاستقرار ودفع مسارات التنمية الشاملة في دول المجلس.
وقد انعكس هذا الموقف العُماني المبدئي عبر المشاركة الفاعلة والبنّاءة في القمم الخليجية والاجتماعات الوزارية واللجان المتخصصة، انطلاقًا من إيمان سلطنة عُمان الراسخ بأهمية تعزيز التكامل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وبما يسهم في تطوير قدرات مجلس التعاون على مواجهة التحديات الإقليمية وترسيخ مستقبل أكثر ازدهارًا لشعوبه.
وأشار إلى أن رؤية سلطنة عُمان 2040 تتكامل مع رؤى دول مجلس التعاون الرامية إلى جعل رفاه المواطن وجودة حياته في صدارة أولويات العمل المشترك. وتولي سلطنة عُمان اهتمامًا خاصًا بالمشاريع المشتركة المتصلة بالتجارة والخدمات والتنقل والبنية الأساسية، بوصفها عناصر جوهرية في مسار التكامل الاقتصادي الخليجي. ومن المتوقع أن تحظى هذه الموضوعات بأولوية متابعة ضمن اجتماعات القادة واللجان الوزارية المتخصصة، استكمالًا لمتطلبات السوق الخليجية المشتركة ودعمًا لكافة الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري.
ويتوقع أن تركز القمة القادمة على ملفات التكامل الاقتصادي وتعزيز الأطر التنموية المشتركة، إضافةً إلى تنسيق المواقف السياسية تجاه التطورات الإقليمية والدولية. وتنظر سلطنة عُمان إلى هذه الملفات من مبدأ ترسيخ وحدة الصف الخليجي وتماسكه، مؤكدةً أهمية تبني الحوار والدبلوماسية والوساطة القائمة على الحياد الإيجابي كنهج رئيسي لمعالجة قضايا المنطقة وتحقيق الأمن والاستقرار. كما ترى سلطنة عُمان أن التعاون الاقتصادي المستدام يتطلب شراكات استراتيجية أوسع وتنويعًا أكبر لمصادر الدخل.
وبيّن أن سلطنة عُمان تدعم الجهود الرامية إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، وتعطي سلطنةُ عُمان أولويةً قصوى لمشروع الربط الكهربائي بين دول المجلس وتطويره وتوسعته، إلى جانب دعم التعاون في مجالات الطاقة التقليدية والمتجددة والهيدروجين الأخضر، بما يعزز أمن الإمدادات واستقرار الأسواق.
أما في الجانب التجاري، فإن سلطنة عُمان تؤيد كل ما يسهم في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات البينية، وخفض الرسوم الجمركية، وتحسين بيئة الأعمال، مع التركيز على دور القطاع الخاص والقطاعات غير النفطية وفق توجهات رؤية عُمان 2040. وتعمل سلطنةُ عُمان ضمن منظومة المجلس على مدّ جسور التعاون مع التكتلات الاقتصادية النظيرة والدول الفاعلة في الاقتصاد العالمي.
وتتابع سلطنةُ عُمان التطوراتِ الإقليميةَ بمنهجٍ يدعو إلى خفض التوتر واعتماد الحوار كسبيل أساسي لمعالجة القضايا الإقليمية. وتؤمن بأن سياسة الاعتدال والحياد الإيجابي والوساطة التي تنتهجها تعزز الأمن والاستقرار الإقليمي. وترى سلطنة عُمان أن التحديات المحيطة بالمنطقة تستوجب تنسيقًا وثيقًا بين دول المجلس لحماية مصالحها المشتركة، وضمان أمن الممرات البحرية، واحترام قواعد القانون الدولي. ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن مواقف مجلس التعاون في المحافل الإقليمية والدولية تمثل رافعةً مهمة تعزز العمل العربي المشترك في المحافل الدولية، وتسهم بشكل فعّال في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وتُناقش دول المجلس مشروع التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة (شينغن الخليج). ومن المقرر دخول هذه التأشيرة حيّز التنفيذ بعد استكمال المتطلبات الفنية والقانونية، بما يتيح للمسافرين إلى دول المجلس الدخول بتأشيرة واحدة، وهو ما سيعزز الحركة السياحية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون.
وحول أهمية توحيد المواقف الخليجية في ظل التحديات والصراعات العالمية قال سعادته إن التنسيقَ والتشاور بين دول المجلس قائمٌ ومستمرّ، وترى سلطنةُ عُمان أن توحيد المواقف الخليجية بات ضرورةً في ظل التحديات السياسية والاقتصادية العالمية، بما يشمل الأزمات الجيوسياسية، والتقلبات في أسواق الطاقة، والتحولات في النظام الدولي. ولا شك أن التنسيق والتشاور بهدف توحيد المواقف يعزز قوة المجلس التفاوضية، ويُمكّن من تنسيق السياسات الاقتصادية والضريبية والمالية، ويحفظ مصالح دوله في التعامل مع القوى الدولية، كما يساهم في حماية أمن الطاقة واستقرار الأسواق.
وأوضح سعادته أن المرحلة المقبلة تمثل فرصة حقيقية لتعميق التعاون في التجارة والطاقة والاستثمار والتقنيات والصناعات المستقبلية. وتعمل رؤى التحديث في دول المجلس، ومنها رؤية عُمان 2040، على خلق بيئة أكثر جاذبية للاستثمارات المشتركة، وتنمية قطاعات السياحة والخدمات اللوجستية والصناعات التقنية، وتقليل الاعتماد على النفط من خلال تنويع مصادر الدخل.
وفي جانب الشراكات الاستراتيجية والأمن السيبراني، قال إن الجهات الحكومية المعنية في سلطنة عُمان تدعم الخطوات الجارية لتعزيز التعاون بين دول المجلس في الأمن السيبراني، ويركز هذا التعاون على مواءمة السياسات، وتطوير القدرات، وتبادل المعلومات، وبناء منظومة سيبرانية خليجية متماسكة وقادرة على مواجهة التهديدات المتنامية.
ولفت سعادته إلى أن الربط الكهربائي دخل مرحلة التشغيل، وحقق فوائد اقتصادية وفنية كبيرة، وتسعى سلطنةُ عُمان إلى تطويره وتوسيع قدراته. أما سكك الحديد الخليجية، فيسير المشروع نحو التنفيذ بخطى ثابتة؛ فهذا المشروع يمثل خطوة نوعية في مسار التكامل الخليجي لما يوفره من تعزيز لحركة التجارة وسهولة تنقل الأفراد.
وختم سعادة الشيخ السفير أحمد بن هاشل المسكري رئيسُ دائرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية والجوار الإقليمي حديثه بأن من المتوقع أن تركّز دول المجلس على تأكيد وحدة الصف الخليجي، وحماية الأمن والاستقرار الإقليمي، ودعم الحلول الدبلوماسية والتسويات السلمية، واحترام سيادة الدول، والتنسيق في أمن الطاقة واستقرار الأسواق العالمية، وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية المتوازنة، وتفعيل الحوار مع دول الجوار. ويحظى التنسيق والتعاون بين دول المجلس في كافة المجالات باهتمام على كافة المستويات، لضمان وحدة الموقف في المحافل الدولية.
وقال سعادة السفير الدكتور يوسف عبدالكريم بوجيري مديرُ عام الشؤون القانونية وحقوق الإنسان البحريني إن مملكة البحرين تستضيف القمة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعد ما يُقارب أربعة عقود من مسيرة العمل الخليجي المشترك التي حققت مستويات عالية من التضامن والإنجاز في مختلف دورات المجلس.
وأضاف: نتطلع في قمة البحرين لهذا العام إلى أن تلبّي جانبًا من تطلعات أصحاب الجلالة والسُّمو قادة دول مجلس التعاون، وأن تستجيب كذلك لآمال الشعوب الخليجية في مزيد من التقدم والرفاه والازدهار؛ فنحن أمام أجندة واسعة تضم ملفات اجتماعية واقتصادية وثقافية واستثمارية، بالإضافة إلى بحث عدد من محاور العلاقات الاستراتيجية التي تربط دول المجلس بدول العالم، وما يصاحب ذلك من مسارات مستقبلية واعدة.
وأشار إلى أن الجانب الاقتصادي يظل ركيزة أساسية في تعزيز الترابط واللحمة الخليجية، ودعم تنقل الأفراد والبضائع، بما يُسهم في ازدهار المنطقة.
ولفت إلى أنه يبرز ضمن أهم الموضوعات المطروحة في هذه القمة اتفاقية مشروع السكك الحديدية الخليجية الذي يربط الدول الست، وهو مشروع عملاق يمثّل اليوم أحد المفاصل المهمة في تحقيق رؤية قادة المجلس وتطلعات مواطنيه، وقد بات هذا الحلم قريبًا من التحقق، ومن المتوقع توقيع الاتفاقية خلال أعمال القمة السادسة والأربعين.
وذكر أن ملف الربط في مجال الطيران المدني يحظى بأهمية خاصة، إذ حققت هيئات الطيران المدني في دول المجلس قفزات كبيرة في مجال الربط الجوي، ما يرسّخ مكانة المنطقة كمركز حيوي للنقل الجوي. ويأتي إنشاء منظمة الطيران المدني لدول مجلس التعاون ليكون خطوة مؤسسية مهمة ضمن منظومة العمل الخليجي المشترك.
وأوضح أن القمة تبحث كذلك ملفات عديدة لتطوير الروابط وتعزيز التواصل والتضامن بين دول المجلس. وبرغم وجود بعض التحديات أو الحواجز التي قد تعترض تحقيق هذه الطموحات، إلا أن المنجزات على الأرض تثبت أن الحلم الخليجي يواصل التقدم يومًا بعد يوم.
ويُذكر أنه تم عقد اجتماع تحضيري لأصحاب المعالي والسعادة وزراء خارجية دول مجلس التعاون في المنامة، سُلّمت خلاله دولةُ الكويت الشقيقة رئاسةَ الدورة لمجلس التعاون إلى مملكة البحرين الشقيقة على المستوى الوزاري.