عاد بعد غيابه أسبوعا بالمستشفى.. استشهاد طبيب وأسرته بقصف إسرائيلي في غزة
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
بعد نحو أسبوع من الحرب على قطاع غزة، قضى الطبيب مدحت صيدم جميع أيامه في المستشفى يداوي الجرحى والمصابين، قرر العودة إلى أسرته لقضاء بعض الوقت معهم ويطمئن عليهم، لكن الموت كان ينتظره هو وكل أفراد اسرته، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي منزلهم الذي يقع قرب المستشفى.
ويعمل صيدم جراح تجميل وحروق، وحسب زميله الطبيب أحمد مخللاتي، فإنه موجود في الخدمة منذ 25 سنة، وشهد أغلب الحروب والتصعيدات السابقة في القطاع، وكان متفانيا في عمله.
ويقول مخللاتي إن صيدم كان دائما في المستشفى طيلة أيام الحروب، ويوم استشهاده أوقفوا غرفة الترميم والحروق، فاستأذن للذهاب إلى منزله لرؤية أهله بعد أن غاب عنهم أسبوعا، وقرر المبيت تلك الليلة معهم فقصف المنزل واستشهدوا جميعا.
وتحدث مخللاتي عن روح زميله الفقيد الإيجابية في العمل، ودعمه الدائم لهم في قسم التجميل والحروق، حيث كان يمثل 50% من طاقة القسم، معتبرا رحيله يمثل فقدا لقيمة كبيرة في الكادر ومستشفى الشفاء بشكل كامل.
واعتبر مخللاتي استهداف الأطباء في الحرب على قطاع غزة عمل ممنهج ومتعمد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو مستمر ومعتاد في كل الحروب، ومن ثم فإنه يرى أن الطبيب مدحت لم يكن الأول ولن يكون الأخير، لافتا إلى أنه تم استهداف 10 أطباء على الأقل خلال هذه الحرب.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
حرب.. وحُب!
نُحب كما لو أنَّ الحياة لا تُعاد، ونُغادر كما لو أننا لم نُولد أصلًا. وبين البداية والنهاية، لا شيء سوى ركام الكلمات
ريم الحامدية
reem@alroya.info
العالم مُشتعلٌ بالحروب، الحدود تنزف، المدن تُمحى، والسماء تمطر بالصواريخ، لكن هناك حربًا أخرى لا تُعرض على الشاشات، ولا تنقلها وكالات الأنباء. حرب صامتة، ناعمة، لكنها لا تقلّ ضراوة. إنها حرب الحُب. تلك الحرب التي تدور في صدر عاشق ينتظر، وفي قلب يخشى الخسارة، وفي عيون قرأت "أُحبُك" في غير وقتها، وفي صوت خنقته الكلمات، فصَمَتَ.
ليست كل الحروب تُخاض بالرصاص، ولا كل الحُب يُكتب بالورد. في الحياة جبهتان لا تراهما العين: قلب يعشق حتى الإنهاك، وآخر ينسحب تحت وابل من الكلمات الصامتة. في عالم لا يمنحنا وقتًا كافيًا لارتداء خوذ العاطفة، نخوض الحُب كما نخوض الحرب، بنبض عالٍ وخسائر لا تُحصى. الحُب ليس قصيدة تُقال؛ بل بندقية تركها العاشق في حضن الليل ومضى. والحرب ليست ساحة، بل قلب لم يجد من يفهم لغته.
في الخارج تُرسم خرائط الحرب بقلم البارود، وتُحدَّد مناطق الخطر بمدى الصواريخ. أما في الداخل، فترسم حدود الاشتياق بين رسالة تُكتب وأخرى تُمحى، وتُقاس الخسارة بمدى ما لم يُقل. هناك تُعلن الهدنات وتُوقَّع اتفاقات السلام على الورق، أما في قلوب المُحبين، فلا هدنة مع الذاكرة، ولا سلام مع الغياب، ولا توقيع ينهي الشوق حين يشتعل في لحظة هدوء. هناك تُطلِق الطائرات والصواريخ نحو أهدافها، وهنا تُطلِق الذكريات دون إذن مسبق، فتضرب القلب في أنقى لحظاته.
في ساحات الحرب، يتدرّب الجنود على القتال، أما في ساحات الحُب، فلا أحد يعلّمنا كيف ننجو، كيف نُحب دون أن نستنزف، أو كيف نغادر الساحة دون أن ننكسر. في هذا الحُب- الحرب، لا نرتدي زيًّا عسكريًّا، لكننا نحمل خوذات من الحذر، ونخوض معاركنا خلف ابتسامة، ونبكي هزائمنا في صمت. الغياب لا يُكتب دومًا كخيانة؛ بل كانسحاب من معركة بات فيها الحُب أقرب إلى الموت البطيء.
الحُب ليس سلامًا دائمًا؛ بل جبهات مفتوحة. فيه من الخوف ما يكفي لإعلان الطوارئ، ومن الحنين ما يُشبه قصفًا جويًّا على المدن الخالية. نكتب رسائلنا كما تُكتب الدول معاهدات الهدنة، بخطٍّ مرتجف وبنوايا مُؤجّلة. من قال إنَّ المُحبين لا يحملون خوذًا؟ نحن نحتمي بنظراتهم، ونتخندق خلف ابتسامة واحدة، ونتألم بصمت حين يخذلنا الرد. الحرب تُعلَن بانفجار، أما الحُب… فينفجر بصمتٍ، في منتصف الرسائل، في منتصف الليل، في منتصف القلب؛ في الفؤاد!
هل هناك فارق بين من فقد وطنًا ومن فقد حَبيبًا؟ الاثنان ينظران خلفهما طويلًا، ينامان بجوار الخيبة، ويحملان خارطة لا تؤدي إلى العودة. أحيانًا نحتاج إلى هدنة بين قلبين متعبين، لا لنفوز، بل لنعيش. نريد أن نتنفس وسط أنقاض القصص، أن نُرمم أنفسنا دون أن نُجبَر على النسيان. الحرب لا تسألنا إن كنّا مستعدّين، والحُب أيضًا لا يمهلنا لتوضيب قلوبنا. كلاهما يختبر هشاشتنا، يجرّدنا من الحصانة، ثم يكتب علينا أن نُكمل الحياة بنصف سلام.
نحن نُحب كما لو أنَّ الحياة لا تُعاد، ونغادر كما لو أننا لم نُولد أصلًا. وبين البداية والنهاية، لا شيء سوى ركام الكلمات وذكريات نازفة لا ترمّمها أي هدنة. نحن لا نُحب كما يُحب الشعراء في قصائدهم، نحن نُحب كما تُحب الأرض المطر بعد الجفاف. يا من ظننت أن الحُب مفرٌّ من المعارك، اعلم أنَّ أجمل الحروب هي تلك التي خضناها بكل صدق، بكل نبض، بكل ضعف، وخرجنا منها أحياء. نحن نُحب كما المدن المحاصرة، تتوق للحظة صمت قبل أن ينفجر كل شيء.
وفي نهاية الأمر، قد تضع الحروب أوزارها وتعود الدول إلى طاولة الحوار. لكن الحروب التي يخوضها القلب تظل مشتعلة، حتى في أكثر اللحظات هدوءًا. ففي حين يُعاد إعمار المدن، لا أحد يرمم قلبًا خُذل، ولا ترسل الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام. نحن لا نُحب ببراءة، كما لا نُحارب بخفة. نضع قلوبنا في ساحة المعركة، بكل ما فيها من صدق وخوف. فما بين حربٍ وحُب، نكتشف أنَّ أخطر الأوطان هو القلب حين يُحب ولا يجد من يُنقِذه!
رابط مختصر