الحرب الدائرة الآن ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، ليس هدفها ما تبقى من الأراضى الفلسطينية فقط، بل هدفها مصر والأردن وسوريا ولبنان، وتستهدف العراق فيما بعد!
لا أبالغ إذا قلت إن «مصر» هى حجر العثرة فى هذه الحرب التوسعية التى تمارس فيها إسرائيل أهدافها التوسعية للاستيلاء على أراض الغير بالبلطجة والقتل الممنهج وممارسة جرائم الحرب بغطاء دولى.
ما يحدث فى غزة، الآن، هو تنفيذ لمُخطط إسرائيلى قديم تعتقد تل أبيب أن موعد تحقيقه قد حان وأن التنفيذ أصبح سهلًا بعدما تم تفتيت عدد من الدول العربية وتقسيمها أو على الأقل تخريبها بما يكفى فى أحداث الربيع العربى والثورات التى تحولت من مطالب ديمقراطية إلى فوضى أضعفت جميع الدول العربية التى سقطت فى مستنقع المُخطط ولم تنجح فى النجاة من هذا الخراب سوى مصر وتونس!
مصر نجحت فى العودة إلى مسارها بعد معاناة كبيرة، ولذلك قامت الدول أصحاب مُخطط التخريب، فى محاولة محاصرتنا سياسيًا تارة واقتصاديًا تارة أخرى، وإنهاكنا بضرب السياحة أحياناً والامتناع عن مساعدتنا أحياناً أخرى، ولكن استطاعت مصر تجاوز كل الأزمات وبقيت قادرة على التنمية والبناء وحماية أمنها القومى على حدود ليبيا والسودان وفلسطين.. بل وحافظت على سيناء ومنعت استيلاء ميليشيات الإرهاب عليها بعد حرب ضروس فقدنا فيها أغلى الأبناء من قواتنا المسلحة والشرطة المصرية.
كل هذه المصاعب كانت اختبارًا صعبًا نجحت فيه مصر بسلاح غائب عمن يريدون بها شرًا.. هذا السلاح هو«الصبر» الذى جعلنا نواجه كل الأزمات السابقة ونتجاوزها رغم تباين حجم الخسائر.
هذه المرة.. الهدوء مطلوب.. مطلوب من الشعب المصرى قبل القيادة.. فيجب أن نثق فى الرئيس والجيش ومؤسسات الدولة لأقصى درجة.. يجب أن نقف خلفهم دعمًا لموقفهم السياسى ودفعًا للمخاطر التى تحيق بهذا الوطن من كل جانب.
إسرائيل اختبرت صبر مصر.. فكان رد الفعل المصرى ليس مجرد نجاح فى الصبر.. ولكن المفاجأة أن مصر صبرت وتحركت دوليًا وأصابت المساندين لإسرائيل بالخجل أمام شعوبهم وفرضت على العالم قرار الموافقة على قبول فتح معبر رفح لتقديم المساعدات للشعب المُحاصر فى غَزة.
كل المؤشرات تقول إن الحرب فى غزة سوف تستمر لفترة طويلة.. وهى فترة تُلزمنا جميعًا بإدراك حجم المخاطر التى تواجه حدودنا الشرقية.. وتُلزمنا بعدم إشغال القيادة السياسية بأية أمور داخلية.. لأننا باختصار فى حرب.. نعم نخوض حرب حماية التراب الوطنى.. نواجه أطماعًا قديمة تتجدد.. ولأننا أمة قديمة، ودولة عتيقة، ولدينا تراكمات من الخبرات والمواقف التى صنعت ثقافتنا وقيمنا وتراثنا، فقد أبدى الشعب المصرى دعمه غير المسبوق لقيادته عندما بدأت الحرب على غَزة، وهذا الدعم جعل الجميع– رغم المُعاناة الاقتصادية– يُدرك أن حماية الوطن تتطلب المُعاناة والقدرة على التحمل، وأن البناء فى مسار واحد مع الحماية يتطلبان شعبًا قويًا فاهمًا وواعيًا بقَدر وطنه وقَدَرِه.
سنبقى جنودًا فى معركة حماية بلدنا.. سنساعد إخواننا فى غزة.. لكننا لن نتخلى عن أراضينا التى لم تجف دماء شهدائنا التى سقطت فوق رمالها بدءًا من سقنن رع الذى استشهد فى مواجهة الهكسوس وحتى أحمد المنسى الذى سقط شهيدًا ممسكًا بسلاحه فى مواجهة الإرهاب.
حماية أراضينا فى معركة التوسع الإسرائيلى ستبدأ بالانتصار فى معركة الوعى.. لأن الخطر الأول الذى نواجهه هو تفكيك تلاحم الشعب المصرى.. لقد حاولوا كثيرًا تفجيرنا من الداخل.. ولكن فى كل مرة نفاجئ أعداءنا أننا أصبحنا أكثر تماسكًا فى أوقات الخطر.
تحيا مصر.. تحيا قواتها المسلحة.. وعاش شعبها البطل الذى يبحث دائمًاُ عن السلام.. ولايعتدى على أحد.. ويعطى الطامعين فى أراضيه-دائمًا- دروسًا فى الصمود والصبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نور الشعب الفلسطيني غزة الاراضي الفلسطينية فى غزة
إقرأ أيضاً:
أكتوبر.. وعبقرية المصريين
كان يومًا فارقًا فى حياة هذا الوطن، ومسيرة هذا الشعب، وأصبح يومًا خالدًا فى سجلات التاريخ تتحدث عنه الأجيال، بعد أن سطر المصريون فى هذا اليوم أعظم ملحمة عسكرية فى التاريخ الحديث، وفاجأوا العالم بالمعجزة العسكرية فى تدمير خط بارليف بأيديهم، رغم أن كل التقديرات والنظريات العسكرية قد أكدت أن تدمير خط بارليف يحتاج إلى قنبلة نووية لاجتيازه.. دهشة العالم فى السادس من أكتوبر عام 73 كانت أكبر من أن يستوعبها الجميع بما فيها القوى العظمى فى هذا الوقت الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية نتيجة الظروف التى كانت تعيشها مصر على المستوى العسكرى والاقتصادى بسبب هزيمة 67، والتفوق العسكرى الهائل للكيان الصهيونى نتيجة الدعم الأمريكى والغربى، وأيضا وجود عائق مائى يتمثل فى قناة السويس، واستغلال إسرائيل لهذا العائق وتحويله إلى مانع حصين بعد إنشاء خط بارليف بارتفاع عشرين مترًا بكل تحصيناته وخطوط النابالم التى تحول مجرى القناة إلى كتلة لهب فى دقائق، وهو ما جعل استعادة سيناء أمرًا مستحيلًا فى ظل هذه التحصينات التى تحتاج إلى قنبلة نووية لفتح طريق الحرب والمواجهة المباشرة.
العبقرية المصرية فى السادس من أكتوبر، تجلت فى صور فريدة ومتعددة، بداية من أكبر خطة خداع استراتيجى عرفها العالم، وكان الهدف منها مباغتة العدو وشل حركته، وإفقاده لميزة التفوق العسكرى والتقدم التكنولوجى وهو الأمر الذى دعا الرئيس الراحل أنور السادات لتكليف جهاز المخابرات العامة والحربية لوضع خطة الخداع الاستراتيجى وإخفاء أية ملامح عن استعداد مصر للحرب، وفى سبيل تحقيق هذا الهدف نجحت الأجهزة المصرية فى ترسيخ مفهوم - اللا حرب واللا سلم - فى المجتمع المصرى، وصناعة وتصدير المشاكل مثل أزمات التموين ونقص السلع الغذائية، وتوجيه وسائل الإعلام لإبراز مظاهرات الطلبة واحتجاجات المواطنين ونشر أخبار تسريح أعداد من الضباط والجنود، والإعلان عن تيسير رحلات جوية لرجال الجيش إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة، وكانت ذروة الخديعة الكبرى فى تحديد موعد لقاء وزير الخارجية المصرى محمد حسن الزيات بنظيره الأمريكى هنرى كيسنجر فى واشنطن يوم 6 أكتوبر.. وتوالت عبقرية المصريين من خلال إعداد المقاتل المصرى وتوظيفه فى مواجهة وتدمير المعدات العسكرية الثقيلة مثل الدبابات والمدرعات من خلال سلاح خفيف ومحمول وهو -آر بى جيه- ليسجل المقاتل المصرى معجزات عسكرية تدرس حتى الآن فى جميع الأكاديميات العسكرية حول العالم.
وكما تتقدم الاحتياجات العسكرية فى أوقات الحروب على ما عداها من احتياجات اقتصادية أو اجتماعية.. يأتى دور القوات المسلحة فى إعادة ترتيب أولويات الدولة فى الأحداث الكبرى التى تشكل تهديدًا مباشرًا لمسيرة ووحدة الوطن، كما عايشته مصر فى الفترة من 2011 وحتى 2013، واستطاعت القوات المسلحة المصرية بخبراتها المتراكمة وقيمها الوطنية الراسخة أن تحافظ على وحدة وتماسك وسلامة الدولة ومؤسساتها، بعد أن انحازت لإرادة الشعب المصرى فى ثورة الثلاثين من يونيو العظيمة التى شكلت عبورًا جديدًا فى حياة الأمة. وفى استلهام حقيقى لروح أكتوبر العظيم، جاء تلبية القوات المسلحة لنداء المسئولية الوطنية لإعادة بناء الدولة المصرية، وشهدت مصر فى السنوات العشر الأخيرة مشروعات عملاقة لم تعرفها على مدار عقود طويلة، وكان أهمها قناة السويس الجديدة بانفاقها التى أعادت ربط سيناء بالدلتا، وإعادة بناء وتحديث البنية الأساسية شملت معظم أرجاء مصر إضافة لإنشاء عشرات المدن الحديثة التى فتحت شرايين جديدة للتنمية، ومشروعات اقتصادية عملاقة لإنشاء الدلتا الجديدة وفى سيناء وتوشكى وغيرها الكثير، لتستعيد مصر مكانتها وحداثتها بين الدول العصرية.. رحم الله بطل الحرب والسلام الزعيم أنور السادات وكل شهداء الوطن وكل التحية لأبطال القوات المسلحة والأجهزة المصرية فى ذكرى النصر العظيم.
حفظ الله مصر