في يوم الثلاثاء، 17 أكتوبر/تشرين الأول، حطَّت طائرة المستشار الألماني أولاف شولتز في تل أبيب، ليصبح ثاني الزعماء الأوروبين المتجهين إلى إسرائيل، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، بعد رئيس الوزراء الروماني. وكانت رسالته في مؤتمره الصحفي مع نظيره الإسرائيلي نتنياهو حاسمة وواضحة: أمن إسرائيل "مصلحة وطنية عليا" لبرلين (1).

ما قاله شولتز ليس جديدا بحال، فهو تكرار باللفظ لما صرحت به المستشارة السابقة أنغيلا ميركل أمام الكنيست في زيارتها التضامنية لإسرائيل في مارس/آذار 2008، بأن بقاء إسرائيل "مصلحة وطنية عليا" لدولة ألمانيا (2). ورغم التشابه بين التصريحين، فإن الكثير قد تغير منذ أن تركت ميركل مقعد المستشار في ديسمبر/كانون الأول 2021.

تتحرك ألمانيا شولتز في واقع دولي مختلف قد يفرض عليها، من منظور ساستها، أن تنحاز بشكل كامل ضد أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة وتهجُر بالكامل سياساتها الخاصة بتجنب تسليح مناطق النزاعات، مع غض النظر عن تبعات ذلك على المدنيين. إن ألمانيا الجديدة على استعداد لتنحية الاعتبارات الإنسانية وإمداد إسرائيل مباشرة بالأسلحة والذخائر وجميع أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، لتحقق انتصارا سريعا حاسما يرمم تمثال الهيمنة الدولية الغربية الذي تآكل بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، ويجعل المقاومة الفلسطينية، بل وكل الفلسطينيين بالتبعية إذا لزم الأمر، عبرة ومثالا لأي قوة تجرؤ على تحدي الهيمنة الغربية في ساحات الصراع المختلفة حول العالم.

ألمانيا وإسرائيل.. تاريخ من الدعم العسكري أسهمت التعويضات الألمانية، المدفوعة بموجب اتفاقية لوكسمبورغ المبرمة في سبتمبر 1952، بما لا يُقاس في إنشاء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي على مدار العقدين التاليين. (غيتي)

تُعَدُّ العلاقات الألمانية الإسرائيلية ذات طبيعة خاصة لأسباب تاريخية يعلمها الجميع تتعلق بالحقبة النازية، لكنَّ الدعم الألماني المكثف لإسرائيل منذ نشأتها له دواعٍ براغماتية أيضا جاءت في لحظات تاريخية بالغة الحساسية لبرلين. فبعد انقشاع غبار الحرب العالمية الثانية، تنازعت قوى الحلفاء على ألمانيا المهزومة وقسّمتها إلى مناطق محتلة. ومع احتدام الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية، انقسمت ألمانيا في عام 1949 رسميا إلى دولتين: ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية رسميا) الموالية للولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، التي تبنَّت النظام الرأسمالي واقتصاد السوق، وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) الموالية للسوفييت، بنظام شيوعي مركزي. وقد استمر هذا الانقسام طويلا، حتى سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه جدار برلين الفاصل بين الدولتين عام 1990 (3).

في مطلع الخمسينيات، حرصت إسرائيل على الضغط بكل ما لديها على قوى الحلفاء، وأرسلت مذكرات في مارس/آذار 1951 تطالب بعدم نقل السيادة إلى أي حكومة ألمانية قبل دفع تعويضات هائلة عن المحرقة لدولة إسرائيل الناشئة، قدَّرتها بـ1.5 مليار دولار. وتصاعدت بعض الأصوات المهددة بحرب اقتصادية على "بون" (عاصمة ألمانيا الغربية)، ما لم تقدم عرضا سخيا يُرضي تل أبيب. ومع أن الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا ردت بأنها لا تستطيع أن "تفرض" على ألمانيا الغربية دفع هذه التعويضات، فقد مارست هذه القوى ضغوطا عبر جون ماكلوي، المفوض السامي في ألمانيا، للتوصل إلى تسوية مُرضية لإسرائيل (4).

ارتبطت هذه التسوية ارتباطا وثيقا بنتائج مؤتمر لندن الخاص بالاتفاق على سداد الديون الخارجية الألمانية الهائلة، كما يشير كونراد أديناور، أول مستشار لألمانيا الغربية، في مذكراته: "كان من الواضح لي أن المفاوضات مع اليهود، إن تعثرت، ستصل الأمور في مؤتمر لندن للديون أيضا إلى طريق مسدودة، لأن الدوائر المصرفية اليهودية ستمارس على مسار المؤتمر نفوذا لا ينبغي الاستهانة به" (5).

كان ارتباط مصير الديون الخارجية بالتعويضات الألمانية المقدمة لدولة إسرائيل المحطة الأولى التي أسست العلاقة الثنائية الوثيقة بين البلدين. أسهمت التعويضات الألمانية، المدفوعة بموجب اتفاقية لوكسمبورغ المبرمة في سبتمبر/أيلول 1952، في إنشاء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي على مدار العقدين التاليين. ولعبت الكفاءات الألمانية دورا كبيرا في شتى المجالات، وعلى رأسها بناء الجيش الإسرائيلي (6). وأمَّن التواصل المباشر بين جوزيف شتراوس، وزير دفاع ألمانيا الغربية في النصف الثاني من الخمسينيات، وشمعون بيريز، الذي كان يشغل حينها منصب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، شحنات الأسلحة من مخازن الجيش الألماني إلى الأيادي الإسرائيلية (7).

في حرب أكتوبر 1973، كانت ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي رضخت للمطالب الأميركية بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات. (مواقع التواصل)

بيد أنه في تلك الآونة، كان إعلان علاقة ألمانيا الغربية الوطيدة بإسرائيل يعني خسارتها معركة العلاقات في المنطقة العربية أمام جارتها الشرقية التي تنازعها التمثيل الدبلوماسي. وكان اتفاق لوكسمبورغ بالفعل قد أثار مشكلات لا حصر لها مع الدول العربية، وفي طليعتها مصر. لذا كان على الدعم العسكري الألماني لإسرائيل أن يظل سِرًّا، ولجأ شتراوس إلى مناورات لإبعاد الشبهات، إذ تلقت أقسام الشرطة بلاغات عن عمليات "سطو وسرقة" على مخازن الجيش الألماني تذكر فيها الأسلحة والأجهزة المتجهة فعليا إلى إسرائيل، أما الطائرات المروحية والمقاتلة فأُزيلت منها أي رموز تشير إلى السيادة الألمانية، وشُحِنت بالسفن من ميناء مارسيليا في فرنسا. وقد استخدمت إسرائيل هذه الأسلحة بكثافة في حرب 1967 (8).

وفي حرب أكتوبر 1973، كانت ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي رضخت للمطالب الأميركية بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات. إذ أن واشنطن، كما أوضحت عبر مارتن هيلينبراند السفير الأميركي في بون، لوَّحت في تلك الأجواء المتوترة بأن تقاعس حلفائها عن دعم إسرائيل سيؤثر على العلاقات الثنائية معها في المستقبل. ونتيجة لذلك استجابت الحكومة الألمانية لمطالب الولايات المتحدة بتسليم دبابات ومدافع وذخائر، وشحنها إلى ميناء بريمن الألماني لتحميلها على السفن الإسرائيلية (9).

لكن بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ في 23 أكتوبر/تشرين الأول، أخبر سكرتير الدولة باول فرانك السفير الأميركي في بون بأن نقل الشحنات الأميركية من المخازن الألمانية واستخدام البنية التحتية العسكرية سوف يتوقف، حيث قال: "إننا لم نتوانَ ثانية واحدة في لحظات التوتر عن وضع المصالح المركزية والمشروعة لألمانيا خلف المصلحة المشروعة للتحالف للمحافظة على توازن القوى في الشرق الأوسط. وبعد وقف إطلاق النار، فإننا نرى أن حق الانتفاع هذا غير ضروري". وكان للتهديد العربي بقطع الإمدادات النفطية عن بون دور كبير في هذا التراجع (10).

التعقيدات الجيوسياسية وراء "الهستيريا" الألمانية

بالطبع تختلف ألمانيا في أكتوبر/تشرين الأول 2023 اختلافا جَمًّا عن ألمانيا المنهزمة في مطلع الخمسينيات المهددة بالحرب الاقتصادية ما لم تدفع التعويضات لإسرائيل، وعن ألمانيا الغربية في أكتوبر/تشرين الأول 1973 الملتزمة بإرضاء الولايات المتحدة زعيمة الكتلة الغربية في مواجهة السوفييت. لكن الأوضاع الجيوسياسية الحالية والتغيرات في السياسات الداخلية لألمانيا قد تدفعها مُجددا إلى الإلقاء بثقلها العسكري الكامل خلف إسرائيل، وإنهاء أي شكل من أشكال الدعم، ولو صوريا، للقضية الفلسطينية.

يأتي "طوفان الأقصى" في وقت سيئ بالنسبة لحلفاء شمال الأطلسي، في العام التالي لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. لقد مضى عشرون شهرا تقريبا من الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي من حلفاء الناتو لأوكرانيا، والعقوبات الاقتصادية الصارمة على الاقتصاد الروسي، وإقصاء روسيا من المحافل الثقافية والمسابقات الرياضية، وضخَّت ألمانيا وحدها مساعدات عسكرية لأوكرانيا زادت قيمتها على 17.1 مليار يورو حتى يوليو/تموز 2023 (11)، وتعهدت وزارة دفاعها في 10 أكتوبر/تشرين الأول بحزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 1.1 مليار يورو، لتوفير منظومات الدفاع الجوية، والأسلحة، والمركبات البرية (12).

لم تُسفِر هذه المساعدات الضخمة إلا عن نزاع آخر وصل إلى طريق مسدود، حيث لم تشهد جبهات القتال تغيرات تُذكر منذ بداية العام الحالي، مع توقعات باستمرار الحرب حتى 2025 دون حسم (13). وفي حين ألحقت العقوبات الاقتصادية أضرارا جسيمة بالاقتصاد الروسي، يعترف المختصون بأن أثر العقوبات على المدى القصير كان أقل من المتوقع (14). صحيحٌ أن بوتين لم يحسم الحرب لصالحه بالسرعة التي كان يأملها، لكن تحديه "السافر"، كما يصفه الغرب، بغزو أوكرانيا ترك ندوبا واضحة في جسد المحور الغربي وهزَّ هيمنته الدولية.

لم يخفَ هذا على شولتز وحكومة الائتلاف، وربما كان الدافع الرئيسي وراء إعداد إستراتيجية ألمانية شاملة للأمن القومي ونشرها في يونيو/حزيران الماضي، وهي أول إستراتيجية للأمن القومي تُعلنها ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. تُظهر هذه الإستراتيجية إدراك ألمانيا أن العلاقات التجارية والجهود الدبلوماسية وحدها لن تكفي، وأن التحديات التي تواجهها ألمانيا والاتحاد الأوروبي ستتطلَّب تحديث القوات المسلحة الألمانية لتصبح "من القوات المسلحة التقليدية الأعلى كفاءة في أوروبا في الأعوام القادمة" وتجهيزها للاستجابة للتهديدات الأمنية بسرعة في أي وقت. وقد أعلنت وثيقة الإستراتيجية دون مواربة أن التهديد الأخطر لأمن أوروبا يأتي، كما هو متوقع، من روسيا (15).

في هذا السياق، أتى "طوفان الأقصى" ونكأ الجراح الغربية أكثر، لا سيَّما أن الهجوم الذي أسقط الغرب من حساباته ولم يعبأ بوساطته وأحكامه لم يأت هذه المرة من قوة عظمى وجيش نظامي، بل من كتائب ضعيفة التسليح تؤويها رقعة أرض محاصرة، مُغلقة المعابر والمنافذ. وصحيحٌ أنه لا توجد أدلة على أي تدخل روسي دعما لحماس عسكريا أو بالتمويل، كما يستبعد المحللون أن تُقْدِم روسيا على هذه الخطوة في النزاع الحالي أو في حالة التصعيد المستقبلي، لكن هذا لا ينفي أن روسيا مستفيدة من الأزمة على عدة محاور، أهمها تشتيت الغرب عن حرب أوكرانيا سياسيا وإعلاميا، واستنفاد موارده العسكرية على جبهتين في حالة التصعيد، وإضعاف دور القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في لعب دور الوسيط في المنطقة (16).

هذا فضلا عن دورها غير المباشر في تقوية شوكة إيران، فقد حفَّزت حرب أوكرانيا تقاربا عسكريا واقتصاديا وسياسيا غير مسبوق بين إيران وروسيا، إذ يحاول البلدان تقليل أثر العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلدين. ومَثَّل الدعم العسكري الإيراني لروسيا عنصرا فارقا في هجماتها الجوية على أوكرانيا باستخدام المسيرات الإيرانية. وقد تميل روسيا مستقبلا إلى إمداد طهران بأنظمة دفاعية وهجومية متطورة، جزاء لدعمها العسكري لموسكو في ساعة العسرة (17).

من هنا خرجت تصريحات شولتز شديدة اللهجة في بداية الأزمة، التي حذرت إيران من التدخل إما مباشرة أو عبر حزب الله في الصراع الحالي، وهي تصريحات كررها المستشار الألماني في زيارته إلى إسرائيل. ألقى شولتز باللوم على إيران، مؤكدا أنه "لولا الدعم الإيراني لحماس في الأعوام الماضية، لم تكن حماس لتقدر على شن هذه الهجمات غير المسبوقة على الأراضي الإسرائيلية". وحذَّر من أن تدخل حزب الله اللبناني المدعوم من إيران عسكريا لصالح حماس سيكون "غلطة لن تُغتفر"، ستجلب الدمار على لبنان وتؤثر بشدة على منطقة شمال أفريقيا واليمن، وستُطلِق يد إسرائيل في شن عمليات عسكرية "للدفاع عن نفسها" (18).

في سيناريو افتراضي لتدخُّل أطراف خارجية في الحرب بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ستتدفق على الأرجح شحنات الأسلحة الألمانية مباشرة إلى إسرائيل لتستخدمها كيفما شاءت للحفاظ على التوازن الحالي ومنع اختلال التفوق الإسرائيلي. فما زالت تدوي في آذان الساسة الألمان الاتهامات بالتخاذل والتباطؤ عن الدعم المباشر لأوكرانيا قبل وفي بداية النزاع بالمعدات العسكرية، رغم مطالبات كييف المتكررة (19). وكان السبب المعلن لرفض شحنات الأسلحة والذخائر إلى كييف هو "مبدأ" برلين السياسي بعدم تصدير الأسلحة إلى مناطق النزاعات. وبغض النظر عن أن هذا المبدأ لم تلتزم به برلين مرات عديدة في تاريخها القريب (20)، فإن النزاع الحالي بين حماس وإسرائيل ربما يكون أول فرصة أمام برلين لتجربة إستراتيجيتها الجديدة، واستباق التهديدات الأمنية (بالنسبة لها) بإجراءات فورية ودعم عسكري علني مكثف.

خرجت تصريحات شولتز (يسار) شديدة اللهجة، محذرة لإيران من التدخل مباشرة أو عبر حزب الله في الصراع الحالي، وهي تصريحات كررها في زيارته إلى إسرائيل. (الصورة: الأناضول)

حتى الآن، منحت ألمانيا الضوء الأخضر لإسرائيل لتستعيد اثنتين من طائراتها المسيرة المقاتلة "هيرون تي بي"، التي كانت ألمانيا قد أجَّرتها في وقت سابق لتدريب طياريها، واستخدام هاتين الطائرتين في هجماتها على قطاع غزة. إضافةً إلى ما سبق، فقد صرَّح بوريس بيستوريوس وزير الدفاع الألماني بأن الحكومة تدرس طلبا من تل أبيب لإمدادها بذخائر السفن الحربية، مع تأكيدات بأنها ستلبي جميع الطلبات الإسرائيلية فور صدورها (21). كما نقل عن نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل لا تحتاج إلى دعم عسكري أو فني في الوقت الحالي، وإنما إلى المساندة السياسية (22). لكن في حالة تفاقم الوضع، يسهل تخيل إنشاء جسر جوي بين برلين وتل أبيب، يمد الأخيرة بكل ما تحتاج إليه من معدات عسكرية، نعلم أنها ستُستخدم في النهاية في قتل وتهجير المزيد من الفلسطينيين.

خنق القضية الفلسطينية

إلى جانب الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، سرعان ما تحركت ألمانيا بعد ساعات من "طوفان الأقصى" للتضييق الشديد على الفلسطينيين إنسانيا ودبلوماسيا. فقد أعلنت عن تعليق المساعدات للأراضي الفلسطينية، وعاب شولتز على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "اختفاءه الغامض" وامتناعه عن شجب "إرهاب حماس". وأكد شولتز في خطابه أمام البرلمان الألماني أن استئناف المساعدات التنموية سيأتي بعد مراجعتها بحيث تحقق السلام للدولة الإسرائيلية وبالتشاور معها (23).

كما حظرت الحكومة أي أنشطة مرتبطة بحركة حماس وغيرها من الحركات الفلسطينية، ومن بينها شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، ووضعتها تحت المراقبة الاستخباراتية (24)، وخرجت نانسي فيزر، وزيرة الداخلية، مؤكدة أن الحكومة سوف تستخدم "جميع السبل القانونية لطرد داعمي حماس". ولاقت تصريحات فيزر استحسان لارس كلينغايبل، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أحد أحزاب الائتلاف الحاكم، الذي تحدَّث بوضوح قائلا: "إذا كان الشخص الذي يحتفل بحماس في الشوارع الألمانية لا يحمل الجنسية الألمانية، فيجب حينئذ طرده من ألمانيا" (25).

ليست الإجراءات الألمانية موجهة ضد مناصري المقاومة فقط، بل اتسعت لتشمل كل الرموز والشعارات الفلسطينية، وصارت سببا كافيا لفض التظاهرات والمسيرات (غيتي)

لكن تصريحات الرجل لم تقتصر على المقيمين بألمانيا من غير حاملي الجنسية فقط، بل امتدت لتَوعُّد حامليها والمتقدمين للحصول عليها أيضا. "إننا حاليا بصدد إصلاح قانون الجنسية: التجنيس هو التزام تجاه بلدنا. مَن لا يشاركنا قيمنا، مَن يدعم معاداة السامية والإرهاب، سيُحرَم من الحصول على جواز السفر الألماني". والأمل الوحيد للخروج من دائرة المغضوب عليهم من الدولة الألمانية هو الإعلان الواضح لإدانة "الإرهاب الوحشي من جانب حماس. أتوقع ذلك أيضا من جميع الروابط المسلمة في ألمانيا" (26).

ليست الإجراءات الألمانية موجهة ضد مناصري حماس والمقاومة فقط، بل اتسعت لتشمل كل الرموز والشعارات الفلسطينية، بما في ذلك ارتداء "الكوفية" الفلسطينية في المدارس. وصار وجود الأعلام والرموز المؤيدة لفلسطين سببا كافيا لدى السلطات لفض التظاهرات والمسيرات، كما ذكرت شرطة برلين في تغريدة بخصوص احتجاج ضم نحو ألف شخص بساحة بوستدام يوم الأحد، 15 أكتوبر/تشرين الأول: "بسبب تدفق أعداد كبيرة من الأشخاص الحاملين للشعارات المؤيدة لفلسطين، حُظِرَ التجمع قبل أن يبدأ". وعند رفضهم المغادرة، وقعت اشتباكات اعتقلت على إثرها الشرطة 127 شخصا (27).

لعل التعبير الأوضح عن التوجه الألماني الحالي الذي يدعم إسرائيل دعما مطلقا في خطواتها القادمة ويُسقط المدنيين من حساباته هو رد كريستيانه هوفمان، نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، على سؤال صحافي في مؤتمر للحكومة بخصوص الحصار الكامل الذي أعلنته حكومة نتنياهو على قطاع غزة، وإذا ما كانت الحكومة الألمانية تؤيده أم ترى أن قطع المواد الغذائية والماء والكهرباء يُعَدُّ انتهاكا للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وكرَّرت هوفمان ما قاله شولتز: دعم إسرائيل مصلحة وطنية عليا، ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وأنهت إجابتها بحزم: "في الوقت الحالي، لن نخوض في تفاصيل أخرى" (28).

وفي حين بدأ يَرِِد ذكر الجانب الإنساني للنزاع على استحياء في تصريحات رئيس الوزراء والسياسيين الألمان (29)، ربما نتيجة للزيادة المطردة في أعداد القتلى والمصابين جراء القصف الإسرائيلي المستمر على القطاع، فإن هذه التصريحات غالبا ما تأتي على هامش الدعم شبه المطلق لإسرائيل، وإعلان مزيد من الإجراءات لخنق القضية الفلسطينية وحصارها.

_______________________________________________

المصادر والمراجع

Scholz in Tel Aviv: "Die Sicherheit Israels ist Staatsräson.” Tagesschau Speech by Federal Chancellor Angela Merkel to the Knesset in Jerusalem on 18 March 2008. Obtained from knesset.gov.ill The End of WWII and the Division of Europe. Center for European Studies. Lewan, Kenneth M. “How West Germany Helped to Build Israel.” Journal of Palestine Studies, vol. 4, no. 4, 1975, pp. 41–64. JSTOR, https://doi.org/10.2307/2535601. Accessed 23 Oct. 2023. المصدر نفسه المصدر نفسه ألمانيا والشرق الأوسط: منذ زيارة القيصر فيلهلم الثاني إلى المشرق في العام 1898 حتى الوقت الحاضر. رولف شتاينغر. ترجمة د. لورنس الحناوي. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب (الكويت). ص 108-110 المصدر نفسه. ص 108-110 المصدر نفسه. ص 180-181 المصدر نفسه. ص 180-181 Ukraine Support Tracker. Kiel Institute. Accessed on 18 October 2023 Germany announces new defense aid for Ukraine worth $1.1 bln. Reuters. 10 October 2023 Mykola Bielieskov. The state of Russia’s war on Ukraine as it nears 2024. Atlantic Council. 16 October 2023. Valerii Nozhin & Daniel Bellamy. Are the economic sanctions against Russia actually working? EuroNews. 28 June 2023. The hits and misses in Germany’s new national security strategy. Atlantic Council. 14 June 2023. Putin is ready to take advantage of Israel-Gaza war, says Steve Rosenberg. BBC. 13 October 2023 Ellie Geranmayeh & Nicole Grajewski. Alone together: How the war in Ukraine shapes the Russian-Iranian relationship. European Council on Foreign Relations. 6 September 2023 Address to the Bundestag on Solidarity with Israel. Olaf Scholz. 12 October 2023 Germany promised Ukraine weapons but hasn’t delivered. Now, anger toward Berlin is rising. Holly Ellyat. CNBC. 16 Sep 2022. Does Germany send weapons to crisis regions? Tatyana Klug. DW. 8 February 2022 Germany to support Israel in its defence efforts with two drones, minister says. Reuters. 12 October 2023 German defense minister offers Gallant support. The Times of Israel. 11 October 2023 Address to the Bundestag on Solidarity with Israel. Olaf Scholz. 12 October 2023 بيان: ألمانيا تعلن حظر شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين – سنبقى صامدون. موقع شبكة صامدون. 12 أكتوبر 2023 وزيرة الداخلية الألمانية تؤيد طرد داعمي حماس من بلادها. DW. 15 أكتوبر 2023 المصدر نفسه. تغريدة من حساب @polizeiberlin على موقع X بتاريخ 15 أكتوبر 2023 فيديو من حساب @taqadum على موقع X بتاريخ 18 أكتوبر 2023 يُظهر مؤتمر الحكومة الألمانية Germany’s Scholz pledges to work with Israel on aid for Gaza. DW. 19 October 2023

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول الحکومة الألمانیة الولایات المتحدة الدعم العسکری طوفان الأقصى إلى إسرائیل المصدر نفسه الغربیة فی أکتوبر 2023 ت ألمانیا October 2023

إقرأ أيضاً:

لماذا تشعل إسرائيل المنطقة وتضرب في كل الجبهات؟

يشهد الشرق الأوسط تصاعدًا خطيرًا في الأزمات السياسية والعسكرية، حيث تتشابك الأحداث بين عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، ويتصاعد توتر إقليمي تتعدد أطرافه بين الحوثيين في اليمن وإسرائيل وإيران، وما زال لبنان وسوريا في مرمى النيران الإسرائيلية، المدعومة بغطاء من الولايات المتحدة.

ويعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دائرة الضوء بمواقف مثيرة حول مفاوضات النووي الإيراني، إذ يسعى إلى إعادة صياغة العلاقات مع طهران ضمن إطار تجاري واقتصادي، وهو ما يثير تساؤلات بشأن تأثير هذه التحركات على ميزان القوى الإقليمي.

وأمام هذا التصعيد المتنامي الذي يضع المنطقة على حافة متدحرجة نحو المزيد من الصراعات، قال خبراء غربيون للجزيرة نت إن إسرائيل تظل مصدر الأزمات بالمنطقة، ومنها يتوسع التصعيد ليشمل مناطق مختلفة، وستبقى كذلك ما دام المجتمع الدولي يتخلى عن دوره الإنساني والقانوني في الحد من جرائم الاحتلال وانتهاكاته.

القضية الفلسطينية

يتواصل التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في ظل سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، التي كشفت مطلع الأسبوع عن تسريبات لخطط لاحتلال قطاع غزة بالكامل، بدعم من الولايات المتحدة التي توفّر غطاءً سياسيًّا للممارسات الإسرائيلية، حسب ما قاله الخبراء.

إعلان

فرئيس حزب "شين فين" بأيرلندا الشمالية ديكلان كيرني وصف ما يحدث في فلسطين "بالإبادة الجماعية و"نظام الفصل العنصري"، داعيًا المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات شاملة وحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أكد كيرني أن القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، تتحمل مسؤولية التخاذل عن وقف هذه الانتهاكات، التي تعدّ انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.

وأمام السياسة الإسرائيلية هذه، ذهب الكاتب والمحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف إلى أن "نتنياهو يستخدم التصعيد أداة سياسية لبقاء حكومته اليمينية المتطرفة في السلطة، خاصة في ظل أزماته الداخلية".

وأشار أونتيكوف إلى أن حكومة إسرائيل تعتمد على التصعيد المستمر، وهو ما يضع المنطقة بأكملها أمام خطر انفجار الصراع بشكل شامل.

ويذهب الدبلوماسي الروسي السابق والمحلل السياسي فياتشيسلاف ماتوزوف أبعد من ذلك، فيرى أن ما تشهده المنطقة من تصعيد يعد استكمالا لما يسمى "صفقة القرن" التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى (2017 – 2020)، بوصفها جزءا من السياسة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال ماتوزوف إن هذه الصفقة تعني هيمنة إسرائيل على كل قطاع غزة وضم الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على مرتفعات الجولان السورية وأن تصبح القدس عاصمة إسرائيل الأبدية.

جبهات جديدة

وفي الأيام الأخيرة، وفي تطور عسكري كبير، برزت جبهة جديدة في الصراع الإقليمي متمثلة في تصعيد الحوثيين ضد إسرائيل، بما في ذلك استهدافهم مواقع حيوية كمطار بن غوريون الإسرائيلي.

وعن هذه التحركات، يقول الدبلوماسي الروسي السابق إنها تعد ردّ فعل على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، مؤكدا أن الحوثيين ليسوا مجرد أداة إيرانية، بل يتحركون بناءً على غضب شعبي وسياسات إسرائيلية مستفزة.

إعلان

ورغم أن إيران تُعد داعمًا رئيسيًّا للحوثيين، فإن ماتوزوف أوضح أن طهران لا تشجع الحوثيين على التصعيد المباشر ضد إسرائيل، مشيرًا إلى أن التصعيد الأخير يأتي ضمن ردود فعل متعددة على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، وليس نتيجة توجيهات مباشرة من إيران.

وفي ظل التصعيد المتزايد خلال الأيام الماضية، وبعد إصابة مطار بن غوريون، هدد الحوثيون بإغلاق المجال الجوي لإسرائيل، وهو ما يعده الباحث والإعلامي الفرنسي بيير لويس "جبهة جديدة" في صراعات المنطقة.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح لويس أن هذه الجبهة يمكن تسميتها "الجبهة اليمنية"، حيث إن الحوثيين تعززت مكانتهم في اليمن، وأصبح نفوذهم متزايدا يوما بعد آخر بعد عملياتهم ضد الملاحة التجارية في البحر الأحمر، مما يؤثر على الخطط الأميركية القادمة.

النووي الإيراني

يتزايد تعقيد المشهد الإقليمي مع عودة ملف مفاوضات البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة؛ فترامب أعطى هذه المفاوضات نفسا جديدا وأرضية يمكن البناء عليها مرة ثانية بعد انسحابه من الاتفاق خلال فترته الرئاسية الأولى، بعدما أقرها سلفه باراك أوباما عام 2015، لكنه في الأيام الأخيرة صرح بغير ذلك وكأنه يضع المزيد من العقبات أمام هذه المفاوضات.

وحسب الباحث الفرنسي، فإن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد صيغة لإعادة إحياء الاتفاق النووي من جديد، مع الحرص على ألا تؤثر التوترات الإقليمية -مثل التصعيد الحوثي- على هذه المفاوضات.

أما فيما يتعلق بتغير موقف ترامب من المفاوضات الإيرانية الأميركية، فإنه يريد العودة من باب العلاقات التجارية مع إيران، مع الإشارة إلى الشرخ الذي يريد أن يحدثه ترامب بين توجهاته كونه رجل صفقات والسياسة الإسرائيلية تجاه طهران، حسب لويس.

في المقابل، تستفيد إيران من موقعها كطرف إقليمي مؤثر، خاصة في ظل تزايد الضغط على إسرائيل بفعل النزاعات مع حلفاء طهران الإقليميين. ويرى البعض أن إدارة ترامب تسعى لتجنب أي صراع مباشر مع إيران، مركزةً على إيجاد حلول تضمن مصالحها السياسية والاقتصادية، حسب ما قاله ماتوزوف.

استدعاء المزيد من قوات الاحتياط بجيش الاحتلال لتوسيع العلمية العسكرية في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي) تداعيات على المنطقة

ويشير المحللون إلى أن التصعيد الإسرائيلي بات يشمل أيضًا الضربات المتكررة ضد سوريا، وتوسيع دائرة الاشتباكات العسكرية في غزة. فالكاتب الروسي أونتيكوف رأى أن تل أبيب تعمل على استغلال الضغوط الداخلية لتعزيز قبضتها داخليًا من خلال افتعال أزمات خارجية.

إعلان

ولذلك، فإن الخطط الإسرائيلية، مثل إخلاء قطاع غزة واحتلاله بالكامل، تأتي ضمن الإستراتيجية ذاتها التي تتبناها الحكومة اليمنية المتطرفة، من أجل المزيد من التصعيد في المنطقة، حسب وصفه.

وأشار الإعلامي الفرنسي بيير لويس إلى أن الأزمات الداخلية للحكومة الإسرائيلية، إلى جانب التصاعد الملحوظ في جبهات الصراع الإقليمية، والتي لم تكن موجودة من قبل، تضع منطقة الشرق الأوسط أمام تحديات غير مسبوقة.

مضيفا أن التصعيد الحوثي ضد إسرائيل، إلى جانب الدعم الإيراني غير المباشر، يضيف طبقة جديدة من التعقيد على المشهد السياسي، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي السعي إلى فرض وقائع جديدة بالقوة.

أما رئيس حزب "شين فين" فيرى أن الوضع الحالي ينذر بتحولات خطيرة على مستوى المنطقة، في ظل غياب أي جهود حقيقية لخفض التصعيد أو إيجاد حلول سياسية، وقد تؤدي هذه السياسات إلى انفجار شامل في الشرق الأوسط إذا لم يتم احتواء الأوضاع عبر تدخلات إقليمية ودولية أكثر فعالية.

مقالات مشابهة

  • لماذا تشعل إسرائيل المنطقة وتضرب في كل الجبهات؟
  • تقرير: ارتفاع كبير في حوادث معاداة السامية في ألمانيا
  • لليوم الخامس.. هجوم بالمسيّرات على قاعدة فلامينغو البحرية في بورتسودان
  • NYT: لماذا قررت أمريكا إلغاء مكتب الشؤون الفلسطينية في سفارتها بـإسرائيل؟
  • منظمة العفو الدولية: على “إسرائيل” التخلي عن خطط ضم غزة وتهجير الفلسطينيين
  • العفو الدولية :على “إسرائيل التخلي عن خطط ضم غزة وتهجير الفلسطينيين
  • إسرائيل تسعى لإعادة احتلال قطاع غزة: أية خيارات أمام الفلسطينيين؟
  • “تمهل .. أمامك حياة”.. إدارة مرور ولاية النيل الأبيض تدعم مركز غسيل الكلي بربك بمحاليل ومواد طبية
  • ‏متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية: إسرائيل تدعم الهند ضد الإرهاب
  • إسرائيل تدعم الهند وتحذير عالمي من تداعيات الاشتباكات مع باكستان