في مناسبة بلوغ نقد دولة 56 حد حصارها بالسلاح في يومنا أعيد نشر كلمة لي عائدة إلى نحو 2016 نقدت فيها نهج "الكتاب الأسود"، الصادر عن حاضنة دارفورية ومؤتمر شعبي. ورأيت منه سقف متعلمي دارفور الحديثين (البرجوازية الصغيرة) في نقد هذه الدولة الذي اقتصر على الرغبة في الوظيفة في الدولة وكأن في ذلك وحده نهضة دارفور.

وتطرقت إلى منهجهم في نقد هذه الدولة وأخذت عليه عواراً كثيرا.
ومن ذلك أنني وجدت توزيع الكتاب لأفراد الطبقة التي تمكنت من الوظائف في دولة 56 عشوائياً. فقالو إن عبد الباسط سبدرات شمالي وهو من القطينة على النيل الأبيض بينما قالوا إن المتعافي أوسطي وهو من الدويم. فلماذا إرجاع سبدرات للشمالية وهو من النيل الأبيض بينما لم يرجعوا بالمتعافي إلى أصوله في جعليين الشمالية. وصار أبو القاسم محمد إبراهيم في الكتاب أوسطي بينما عاش أهله لأجيال في بري والهاشماب بأم درمان بينما أصلهم لو بحثت عنه فهو في كمير ود هاشم بدار الجعليين. وقال الكتاب بأن غازي العتباني أوسطي بينما هو عاصمي لأهله أحياء معروفة باسمهم مثل تلك التي في أم درمان وبحري.
وتوقفت عند صفة الآتي أسماؤهم:
عمر طه ابو سمرة شمالية
بدور ابو عفان شمالية
حسن جحا شمالية
كمال علي محمد شمالية
بدرية سليمان شمالية
سعاد الفاتح شمالية
إبراهيم أحمد عمر شمالية
صلاح محمد محمد صالح شمالية
على عثمان شكالي البشير شمالية
فأين هم من منشأهم في العاصمة؟
يشير الكتاب إلى فترات استثنائية حظي الغرب فيها بميزات جاه. من ذلك قوله إن فترة السبعينات قاربت في التنمية العادلة للقطر بعد تباعدها منذ عهد الاستعمار. ثم اختلف الأمر في العقود التالية التي تركزت فيا الخدمات في الشمال والأوسط:
من يزعم بما سبق سيصعب عليه الإجابة على ما يلي:
1-كيف تنازلت الفئة المهيمنة من امتياز قصر التنمية على أهلها في الشمالية وقادت، وهي ما تزال في دست الحكم، تصحيحاً مقاربة منها للقسط؟ هل من عادة طبقة متنفذة شديدة التحيز أن تنقلب على نفسها وتعدل بدون سبب معلوم؟
2-ما الذي جعل الأوسط يحظى بالخدمات الموصوفة وهو الخاسر في ميزان السلطة كما رأينا؟ بل هو الأخسر من الغرب أحياناً. (قالوا في جزء المقال الأول أن نصيب الإقليم الأوسط، وهو من الشمال، كان أقل من الغرب في دولة الديمقراطية الثانية. ومن جهة أخرى مثّل الغرب 3 أعضاء بمجلس انقلاب الإنقاذ بينما لم ينجح أحد من الأوسط).
مما يعيب منهج الكتاب في تحليل طبيعة السلطان الذي ظلمهم بالنظر إلى العرق (وفي العرق قبائل عن قبائل) أنه لم يتوقف عن طبيعة القوى الحاكمة فيما دون المركز. فأشتكى من ضرب من التهميش في القضارف من غير أن يتوقف إن كان سببه طبقة المركز الحاكمة من شايقية ودناقلة وجعليين أم طبقة القضارف الحاكمة التي لا نعلم عنها شئياً؟ أم أنه تحالف لهذه الجماعات في المركز والولايات؟
ولعل أكثر ما أفسد حجج الكتاب أنه ثمرة خصومة الإسلاميين المعروفة. وهي خصومة خسر فيها قطاع من الشماليين المتنفذين من شيعة الترابي وفاز الآخرون. فألقى الكتاب المعاذير لشيعة الترابي التي انتمى إليها من كانوا وراء الكتاب بدلاً عن التوقف عند هذا الانقسام ومحاكمة الطبقة الحاكمة الشمالية، ومنها الترابي، التي قال إن مقاليد الأمور ظلت في يدها بشكل سرمدي. فلم يحاكم الكتاب المشروع الإسلامي لهذه الطبقة الحاكمة فحسب، بل استنكر أيضاً عدم إحسان الطبقة الشمالية الحاكمة إليه. فقال إن ما سبق الإنقاذ من حكومات نأت عن الإسلام في صورتها لحكم السودان. والتزمت الإنقاذ بذلك. وكان من شأن استصحاب تطبيق الإنقاذ للحكم الإسلامي (مهما كان الرأي فيه) أن ينقلنا من حكم الجعليين والدناقلة والشايقية وهي نقلة من القبائلية إلى العقدية. وصح هنا السؤال حيال مثل هذا القول هو: هل أفسد الشماليون الحكم بغريزتهم المهيمنة العرقية أم لأنهم طرف في مشروع إسلامي غير موفق؟ فإذا كان الشماليون هم نفس الوحش القديم (العرقي المهيمن) فما جدوى معالجة قصورهم على ضوء الحاكمية لله كما فعل الكتاب؟
ولم ينجح الكتاب في التمييز بين عرق الطبقة الشمالية الحاكمة ومشروعها الإسلامي. فنجده إما صمت عن هذه الإثارة أو مال إلى الترابيين. فنعى على خصوم الترابي كيدهم لإبراهيم السنوسي والشفيع محمد أحمد وحسن حمدين ود. على الحاج من أبناء الغرب. وكأنهم بهذه الصفة براء من المؤاخذة على فعائل الإنقاذ.
ولما لم ينظر الكتاب في سداد المشروع الاسلامي عاد يزكيه خالياً ممن غلبوا شيخهم الترابي. فالحل لاختلال الحظوظ بين أقاليم السودان، في رأي الكتاب، مناط بتأصيلية الحكم مما اتفق للترابي وحركته بعد أن أغلقت الإنقاذ الباب في وجههم. وعناصر هذا التأصيل جاءت في فصل من الكتاب يبدو أنه نصيب وضاعه من الترويج لشيخهم الترابي. فركائز الحكم الإسلامي التي ينبغي استعادتها حسب الكتاب الأسود هي:
إعمار الأرض، الحرية، إشاعة العدل، الشورى، الحكم رسالياً.
وقال الكتاب إن تمحور السياسة على محوريّ الطائفية (ختمية وأنصار) غذى تهميش الغرب وغيره. وأشار إلى ظاهرة تصدير النواب. فنظام عبود مثلاً ختمي ولذا لم يكن فيه تمثيل للغرب. فركز على الشمالية ولم تتعد مساهمته في دارفور عن مدرستين مهنيتين وثانوية بالأبيض. وتعييب الطائفية هنا في غير موضعه. فالكتاب نفسه يعتقد أن من أميز الفترات التي وجد الغرب فيه حظه من بعض السلطة كان على عهد الديمقراطية الثالثة للصادق المهدي. والسبب غير عصي. فقد نال الغرب تلك الميزة بفضل الولاء الطائفي للأنصار.
ومن صور عشوائية الكتاب نقدهم لقلة الإخصائيين بدارفور. وهذه مسألة علاقتها بهيمنة جماعة عرقية ما سطحية ولا تنفذ إلى جذرها. فالأخصائيون "متمردون" على وزارة الصحة لا يريدون مفارقة جنان الخرطوم ومستوصفاتها حتى لو نقلتهم إلى المتمة المحروسة.
من جهة هموم دارفور الأكابر، الشعب، نقد الكتاب محقاً إهمال الزراعة المطرية (السمسم، الصمغ، الكركدي، الفول السوداني) أو التقليدية لدعم الزراعة المروية. ونسب الإهمال إلى جريهم وراء توطين القمح في الشمالية هرباً من الجزيرة نفسها.
كما نقد محقاً تصفية وحدات القطاع المطري الآلية في ولايات الهامش مثل مشروع جبل مرة وغرب السافنا. ولم يذكر مع ذلك تصفية مشروعات الشمالية (بل قال إنها لم تحدث) التي أدارت عداً كبيراً من مشروعات الشمالية كالقرير والعالياب وغيرها.
ولكن الكتاب كل ما ذكر قضية من الأكابر عاد يتحدث عن بؤس نصيب صفوة دارفور في وظائف المؤسسات التي تدير قمم الاقتصاد: البنوك، الزكاة (وصراع الشايقية والجعليين والدناقلة) ولجنة تقسيم الموارد القومية.
الكتاب الأسود في رأيي هو صورة برجوازية دارفور لإشكالية الهامش والمركز تمثلت في "جوع" للوظيفة العامة والديوانية. ومر بنا هذا من قبل عقود على عهدنا الأول بالسودنة. تماسك فيه الشماليون الحزز حول سقطها. ورأيناها في الجنوبيين بعد اتفاقية أديس أبابا في 1972 التي كرهها العقيد قرنق لسباق الوظيفة فيها. وهكذا: فسقف صورة البرجوازية الصغيرة للوطن هو الوظيفة العامة التي رأينا كيف دبجوها بالامتيازات والسيارات والتأمين الصحي الخارجي والسفر في إجازات مدفوعة والحادات والحادات. وتعاركوا حولها عراكاً قصرت به قاماتهم حتى أمام أنفسهم. فلا برجوازية المركز الصغيرة ولا الهامش تلقي بالاً للكادحين إلا مكاء وتصدية.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الکتاب الأسود وهو من

إقرأ أيضاً:

المشدد 10 سنوات والعزل من الوظيفة للمتهمين في حادث تصادم قطاري الزقازيق

أصدرت محكمة جنايات الزقازيق الدائرة السابعة برئاسة المستشار علي أحمد رجب، رئيس المحكمة، حكمها في قضية محاكمة 9 متهمين في حادث تصادم قطارين بمنطقة الكوبرى الجديد دائرة قسم ثانى الزقازيق والتى راح ضحيتها 4 أشخاص، وإصابة 52 شخص من ركاب القطارين، حضوريا بالسجن المشدد 10 سنوات للمتهمين الأول والثانى وتغريمهما 10 آلاف جنيه، والحبس مع الشغل 10 سنوات لباقي المتهمين، وعزلهم جميعا من وظيفتهم لمدة 3 سنوات.

توريد512723 طن قمح لشون وصوامع الشرقيةمتحف تل بسطا بالشرقية يفتح أبوابه مجاناً للجمهور غداًفي يومها الثالث .. هدوء بلجان الشهادتين الابتدائية والإعدادية بالشرقية الأزهرية

تعود أحداث الواقعة عندما قررت النيابة العامة إحالة المتهمين: "ح ع خ ر" فني الحركة المسؤول عن التحويلة، و"م ع ع إ" الإشارجي، و"ال ع إ م" و"ع م ع ر" و"ع أ ع أ" و"إ م ع غ" و"أ ن أ س" و"إ ع م و" و"م أ ع ع"، جميعهم من العاملين بالهيئة القومية لسكك حديد مصر، الي محكمة جنايات الزقازيق؛ لاتهامهم بالتسبب في حادث تصادم بين القطار رقم 336 القادم من المنصورة متجها إلى القاهرة والقطار رقم 281 المنطلق من الزقازيق متجها إلى الإسماعيلية أمام بلوك 5 بمنطقة الكوبري الجديد بمدينة الزقازيق، الذي أسفر عن وفاة 4 أشخاص ، وإصابة 52 آخرين بكدمات وإصابات متنوعة على النحو المبين بالتحقيقات.

ووجهت النيابة العامة للمتهمين الأول والثاني حيازتهما مواد مخدرة بقصد التعاطي، فيما وجهت لجميع المتهمين تهم التقصير والإهمال الشديد في واجبات عملهم، والتسبب بالخطأ في وقوع الحادث ووفاة المتوفين وإصابة 52 مواطنا بينهم سيدة أصيبت بعاهة مستديمة وتسبب المتهمين بخطأهم في إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح جهة عملهم على النحو المبين بالتحقيقات.

تم التحفظ على المتهمين وإحالتهم الي محكمة جنايات الزقازيق محبوسين علي ذمة القضية رقم 794 لسنة 2025 جنايات قسم ثان الزقازيق، المقيدة برقم 15 لسنة 2025 كلي جنوب الزقازيق والتي أصدرت حكمها المتقدم.

طباعة شارك الزقازيق محكمة جنايات الزقازيق تصادم قطارين قسم ثانى الزقازيق

مقالات مشابهة

  • طريقة عمل مكعبات اللحم بالبطاطس و الجزر
  • كل ما تحتاج معرفته عن رسوم كتب الكتاب ومصاريف عقد ‏القران 2025‏
  • كوابيس في الكواليس.. إصدار جديد من هيئة الكتاب لـ سعد الدين وهبة
  • محمد منصور يشيد بأبطال مسار بعد التأهل التاريخي لدوري المحترفين: هذا النجاح ثمرة تخطيط وعمل جماعي
  • خصومة قديمة تعود وتنهي حياة زوجين شمال تركيا!
  • المشدد 10 سنوات والعزل من الوظيفة للمتهمين في حادث تصادم قطاري الزقازيق
  • بسبب غبار تروسيكل.. 3 أكفان تنهي خصومة ثأرية بين 3 عائلات في أسيوط
  • NYT: ترامب يرفع العقوبات عن سوريا بينما يفرض عقوبات على معارضيه في الداخل
  • روسيا تتهم الطبقة الحاكمة في أوروبا باستخدام الأوكرانيين كوقود للحرب
  • زلطن.. الدبيبة يأذن بإنشاء مبنى القصر البلدي وترفيع مستشفى المدينة القروي