أوراق الخريف : سياسة عمانية ثابتة وواقعية
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
رغم اختلاف المواقف والسِّياسات بَيْنَ الدوَل، ورغم ارتفاع الضحايا في فلسطين وغزَّة بالتحديد من أطفال ونساء ورجال وهدم البنية التحتيَّة، ورغم الفيتو «الأميركي» المؤيِّد للقصف والعدوان، وآخر اعتراض «روسي وصيني» وظهور مجلس الأمن الدولي بلا أيِّ فاعليَّة، ظلَّت سلطنة عُمان على مواقفها الثابتة والواقعيَّة.
سياسة عُمانيَّة بُنيت على جملة من الثوابت الَّتي لا تَحيد عَنْها في مواقفها من الأزمات والصِّراعات العربيَّة أو الدوليَّة، وبمعزل عن الأطراف المعنيَّة بها، خليجيَّة كانت أو عربيَّة أو دوليَّة، معتمدة على قول الحقِّ والنَّأي عن الصِّراعات والتحالفات السِّياسيَّة والطائفيَّة والعِرقيَّة.
فالدبلوماسيَّة العُمانيَّة المتَّزنة والهادئة، ظلَّت على مبادئها، وصرَّحت علنًا أنَّ ما يجري في غزَّة حرب إبادة وانتهاك صارخ للقانون الدولي، وأنَّ حماس ليست منظَّمة إرهابيَّة، ودعت المُجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقلٍّ حَوْلَ العدوان الإسرائيلي ومحاكمته على استهدافه المتعمَّد للمَدنيِّين في قِطاع غزَّة.
فمشكلاتنا يا عرب لا تُحلُّ من الآخرين، بل بالجلوس والتحرُّك جماعةً كفريقٍ واحد، كعربٍ ومُسلِمين، وهذا ما أكَّدت عَلَيْه سلطنة عُمان أنَّها ملتزمة بالحلول السِّياسيَّة المستنِدة إلى الحوار وسيادة القانون الدولي وضرورة تدخُّل المُجتمع الدولي لوقف الحرب على غزَّة وردع «إسرائيل».
مواقف لا تَحيد عَنْها أبدًا سلطنة عُمان في سياستها الخارجيَّة، ولا داعي لذكرها، لذا تدرك سلطنة عُمان أنَّ الحرب في غزَّة تتطلب التحرُّك لوقفها، ومن هنا قام معالي السَّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجيَّة باتِّصالات وجهود لتهدئة الأمور من خلال الرحلات المكوكيَّة وغيرها لِيعمَّ الأمن والسَّلام المنطقة، وأن ينالَ الشَّعب الفلسطيني حقوقه كاملة من خلال مخاطبة الضمير الإنساني في كُلِّ مكان.
ومن هنا على المُجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الحرب على غزَّة وردع «إسرائيل» عن انتهاكها القانون الدولي وعلى «إسرائيل» وحلفائها أن يواجهوا الواقع الَّذي لا يُمكِن أن يتغيَّرَ دُونَ الانخراط في حوار مع جميع الأطراف بما فيها حركة حماس، ولا يُمكِن أن يكُونَ هناك سلام حقيقي فلسطيني «إسرائيلي» دُونَ أن يشملَ الحوار جميع الأطراف الأساسيَّة.
لَنْ تسمحَ السِّياسة العُمانيَّة بالكيل بمكيالَيْنِ، ولَنْ تسمحَ باستمرار العدوان دُونَ تحرُّك لوقْفِه، ولَنْ تسكتَ وستطالب بتطبيق الشرعيَّة الدوليَّة، فالمواقف العُمانيَّة راسخة وموثَّقة، والقضيَّة الفلسطينيَّة ستبقى قضيَّتنا الأولى إلى أن ينالَ الشَّعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة وإقامة دَولته المستقلَّة وعاصمتها القدس.
ويومًا بعد يوم تثبت الدبلوماسيَّة العُمانيَّة نجاحاتها في مختلف القضايا والأصعدة والأزمات وعلى جميع الصُّعد، بالأفعال قَبْل الأقوال، فبالأمس أعلنت وقف كُلِّ الاحتفالات الوطنيَّة والفعاليَّات المصاحبة للعيد الوطني الـ53 وغيرها، ما عدا العرض العسكري.
ومع ذلك فالمؤسف جدًّا أن نرَى مشاهد في هذه الحرب والإبادة والبعض يتفرج، والبعض يصرخ على ما يراه، والبعض قطعَ العلاقات وسحَبَ السُّفراء والبعض دعم القضيَّة والموقف الفلسطيني، والبعض أعلنها صراحة كالولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وفرنسا وبريطانيا ودوَل أوروبيَّة أخرى دعمها لـ«إسرائيل» في هذا العدوان الغاشم منذ بدء الاجتياح الإسرائيلي في ساعاته الأولى وإلى اليوم، ويدَّعون أنَّهم دوَل القانون والحُرِّيَّة وحقوق الإنسان، لِينكشفَ وجهها الحقيقي، والشعوب العربيَّة تنتظر التحرُّك العربي الإسلامي الجماعي.
التنديد والاستنكار لا يُجدي نفعًا مع الكيان الصهيوني، فعَلَيْنا ضرورة التنسيق العربي للحديث بصوت واحد مع المُجتمع الدولي، وممتنِّين لموقف بلادي وتحرُّكاتها الدَّاعم والمسانِد للقضيَّة الفلسطينيَّة؛ لأنَّ الشَّعب الفلسطيني هو الَّذي يقرِّر مصيره بنَفْسِه وليس دوَل وقادة آخرون، والتاريخ سيذكُر مَنْ هُمُ الطغاة والقتَلَة، فعَلَيْنا كعربٍ وقادة عرب ومُسلِمين استخدام الأدوات النَّاعمة أقلَّ شيء في هذه الحرب كما استخدمتها روسيا مع أوروبا، ونشيد بالمواقف الخليجيَّة المميَّزة.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا
batamira@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
وترٌ على ضفاف عُمان... أمسية موسيقية تكشف ملامح الصوت العُماني المعاصر
شهدت مدرسة عزان بن قيس العالمية بمدينة السلطان قابوس، مساء امس أمسية موسيقية حملت عنوان “وترٌ على ضفاف عُمان”، نظمتها جريدة “الرؤية”، وبمشاركة نخبة من العازفين المحترفين من فرقة “تريو بولشوي”، إحدى أبرز فرق موسيقى الحجرة في العالم.
جاءت الأمسية التي رعاها سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة احتفاءً بتقديم أربعة أعمال موسيقية جديدة لمؤلفها الدكتور ناصر بن حمد الطائي، تُعرض لأول مرة في سلطنة عُمان وتهدف هذه المبادرة إلى ترسيخ حضور الفنون الرفيعة، وتعزيز الحراك الإبداعي الوطني، والانفتاح على التجارب العالمية من خلال الموسيقى بوصفها لغة إنسانية سامية، تُجسّد التواصل الحضاري بين الشعوب وتتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.
وتميّز الحفل بتقديم أعمال موسيقى الحجرة، من خلال توظيف آلتي التشيلو والبيانو ضمن قالب السوناتا الكلاسيكي، الذي يُعدّ من أرفع أشكال التأليف الموسيقي، وقد عبّرت هذه الأعمال عن نقلة نوعية في أسلوب الدكتور ناصر الطائي الفني، بعد مشواره الحافل بالأعمال الأوركسترالية ذات الطابع الدرامي الملحمي التي نُفّذت في محافل دولية عدة، منها بولندا، ومصر، ولبنان. ومن أبرز هذه الأعمال: سيمفونية “الأمل”، التي وثّقت الانتقال السلمي للسلطة في سلطنة عُمان عام 2020، وسيمفونية “أحمد بن ماجد”، التي تحتفي بالملاحة العربية في القرن الخامس عشر، إلى جانب سيمفونية “الشرقية” التي تغوص في أعماق الهوية الشرقية عبر توليفة فنية تمزج بين الحداثة والأصالة، فضلًا عن ثلاثية “غزة” التي وثّقت مآسي ومعاناة وصمود الشعب الفلسطيني.
وفي هذه الأمسية، قدّم "الطائي" لونًا جديدًا من التعبير الموسيقي، أكثر تجريدًا وتأملًا، يتوجه إلى الداخل الإنساني والمشاعر العميقة، مستفيدًا من الحميمية التي تتيحها بنية السوناتا وثنائية البيانو والتشيلو، ليدخل المستمع في تجربة حسّية متكاملة تُعيد تعريف العلاقة بين المؤلف والجمهور.
وعبّر الدكتور ناصر الطائي في كلمة القاها في الحفل عن أن هذه الأمسية ليست مجرد عرض موسيقي، بل لحظة تحول تأسيسية لولادة صوت عُماني جديد، يستقي من إرث عمان الثقافي ويخاطب العالم بلغة موسيقية معاصرة، تمسّ الوجدان وتضع الموسيقى العُمانية في قلب الخريطة العالمية.
وأضاف "الطائي" أن التحول من الدراما الكبرى إلى التعبير الحميمي لا يُنقص من شأن القضايا العامة، بل يمنحها أبعادًا جديدة من خلال المقاربة الشعورية الدقيقة.
وقد افتتح الحفل بثلاث مقطوعات بيانو قصيرة متباينة في الإيقاع والأسلوب، جسّدت مشاهد داخلية نابضة بالعاطفة والرمزية، وكانت المقطوعة الثالثة، بعنوان “أكفان”، الأكثر تعبيرًا عن الألم والمعاناة من خلال موسيقى محمّلة بالتصوير الحسي العميق.
بعدها، قدّمت “سوناتا التشيلو الأولى” في أربع حركات تقليدية، جسّدت حوارا حيويا بين آلتي البيانو والتشيلو، اتسم بالتناوب بين الرقة والدراما، وبين الحلم والتأمل، مما عكس رقيًا في الأسلوب وثراءً في التعبير الموسيقي.
أما الجزء الثاني من الأمسية، فبدأ بعزف منفرد للكمان بعنوان “كابريتشيو الكمان”، وهو عمل صمم ليُظهر الإمكانات التقنية العالية للعازف، دون أن يُغفل البعد الشعري والتأملي للصوت، مقدّمًا آلة الكمان في دورها كوسيط إنساني درامي.
واختتمت الأمسية بـ”سوناتا التشيلو الثانية”، التي جاءت أكثر نضجًا وعمقًا، وشهدت تصاعدًا في الانفعالات الموسيقية بين البيانو والتشيلو، وتجلّت فيها الكتابة الموسيقية بكثافة شعورية أعلى، وبلغة فنية مفعمة بالانسجام والدهشة.
وبذلك، شكلت أمسية “وترٌ على ضفاف عُمان” محطة مهمة في تاريخ الموسيقى العُمانية المعاصرة، حيث التقت الروح العُمانية مع الحسّ العالمي في توليفة موسيقية تنبض بالجمال، وتعلن عن صوت جديد واعد للموسيقى العُمانية على الصعيدين المحلي والدولي.