لا شك أن الأرواح التي أُزهقت تشكل جراحا عميقة في جسد الأمة ضمن جراح عديدة، تثقل كاهلها. ولكن، من واقع التجربة والمشاهدة، فإن مساعي التأثير أو الاستجداء لدى بعض العرب تبدو كمضيعة للوقت ولا طائل منها. هذا القول ليس تقليلا أو انتقاصا من قيمة أحد، بل هو انعكاس لحقيقة الأمور وتوصيف لواقع ثبتت بالتجربة صعوبة تغييره.
بعض الحكومات التي لا تستجيب لنبض شعوبها وتُغلق أذنيها عن مطالبهم وتستمر في حرمانهم من أبسط مقومات الحرية الإنسانية في التعبير والمطالبة بالعدل، والتي تُظهر حساسية مفرطة تجاه الإساءات اللفظية لرموزها، بينما تغض الطرف عمّا يجري حولها من مآسٍ إنسانية، تحتاج إلى مقاربة مختلفة. فهي لا تُثير الاستياء فقط، بل تعكس نقصا كبيرا في رؤيتهم الإنسانية والأخلاقية.
يقول تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ".. فكلُّ إنسانٍ إذا رأى نفسَه قد استغنى فإنَّه يطغى ولا يبالي، إذا رأى أنَّه استغنى بالصحة أو المال أو السلطة. ولهؤلاء نقول "عسى الله يهديكم"، لأنهم أخفقوا في أن يكونوا السند الذي يعتمد عليه الناس. ومهما علت أصوات الشعوب العربية، فلا سبيل لها في التأثير المباشر على سياساتهم وقراراتهم.
ما العمل إذا؟
هناك جسور ممدودة بين الشعوب والسياسات في الدول الديمقراطية بأمريكا وأوروبا، التي تملك المقدرة على التأثير المباشر في قرارات دولهم.
نعم، لقد نجح اللوبي الصهيوني على مدى عقود في التأثير بشكل قوي على السياسة الخارجية الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية بالتبعية، ولكن مع تزايد الوعي الشعبي الغربي، بدأنا نشهد تغيرات لافتة.
هذا الزخم العاطفي المؤيد للحق الفلسطيني من منظور إنساني هو أحد الأمور التي لم تكن في الحسبان، لكنها تدعم انفتاح العالم على النضال في غزة، وهو ما قد يؤثر إيجابا على سياسات دولهم. فالشعوب هناك حية ومنفصلة عن سياسات حكوماتها المنحازة بشكل أعمى للكيان المحتل، ويمكن أن تكون هذه الشعوب قوة للتغيير إذا ما تمكنا من حشد تأييدها إلى جانبنا بشكل مؤسسي ومدروس، يركز على عدالة هذه القضية، وهو جانب قد يسهل تسويقه لهم لأن دعم الحقيقة أسهل من دعم الأكاذيب.
هذا هو المسار الذي يمكن أن يُثمر عن نتائج ملموسة لقضيتنا الفلسطينية وغيرها من القضايا التي تهمنا. وأؤمن من خبرة عملية بسيطة، بأننا إذا تمكنا من حشد هذه الشعوب إلى جانبنا، سنكون قادرين على إحداث تأثير لا يستهان به على القرارات الدولية، وبالتالي نؤثر وبشكل غير مباشر على بعض الخانعين في منطقتنا الذين سيجدون أنفسهم حينها مضطرين ومرغمين على اتخاذ مواقف تعبر عن إرادة شعوبهم العربية.
وقد يمنح ذلك آخرين الفرصة للتعبير عن دعمهم الحقيقي للقضية الفلسطينية، مستندين إلى التغيرات العالمية والضغط الشعبي الغربي كذريعة لتغيير مواقفهم التي طالما خضعت لأوامر القوى الكبرى وواشنطن تحديدا، فهناك من العرب من يؤمن بالحق الفلسطيني، ولكن خوفه على مصالحه الضيقة تجعله يمتنع عن اتخاذ القرارات السياسية اللازمة.
إنه طريق شاق ومضنٍ، لكن الإصرار يمكن أن يثمر عن تغيير حقيقي وملموس، فهناك بصيص نور نراه في عيون التفاعل الإنساني العفوي مع هذه القضية العادلة في ديمقراطيات كثيرة، وتحديدا في واشنطن، حيث يمتلك الشارع الحي المقدرة على التأثير المباشر في سياسات بلده. ويستطيع الشعب الأمريكي أن يُحدث تغييرا حقيقيا، حتى في ظل وجود جماعات الضغط الصهيونية. لكن لأمر الأساسي والمهم، هو وصول الحقائق إليهم، ليكونوا على وعي كامل، وليسوا في حالة من الجهل أو التضليل حول القضية الفلسطينية.
وختاما، ما زال الأمل قائما، وعلينا أن نستمر في العمل بلا كلل ولا ملل لنصرة الحق وإحقاق العدالة، فتسويق الحق الفلسطيني أسهل وأسرع من تسويق الكذب الإسرائيلي.. ولا عزاء لبعض العرب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربي الفلسطيني فلسطين الغرب تضامن العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع
خضت قبل فترة تجربة أثّرت فيّ بشكل إيجابي، وجعلتني أعيد التفكير في علاقتي مع الجسد، والعادات الغذائية، ومدى تحكمنا في أنفسنا أمام المغريات. الحديث هنا عن “صيام الماء”، وهو الامتناع التام عن تناول الطعام والاكتفاء بشرب الماء فقط، لفترة زمنية محددة.
كنت قد سمعت كثيرًا عن هذا النوع من الصيام، وقرأت تجارب لأشخاص طبّقوه وامتدحوا فوائده الصحية وايضًا أصدقاء لي خاضوا هذه التجربة، لكنني لم أجد الفرصة لخوضه حتى جاءت اجازة عيد الفطر ، فاغتنمت فرصة بقائي في المنزل، وقررت خوض التحدي، مكتفيًا بشرب الماء فقط لمدة سبعة أيام.
اليومان الأولان كانا الأصعب، جوع لا يُحتمل، وصداع يطرق رأسي بإلحاح. بطني تصرخ طالبة الطعام، وكل رائحة تمر قريبة منّي – خاصة رائحة الشاورما أو الكبسة – كانت كفيلة بكسر عزيمتي. لكن ما إن دخلت اليوم الثالث، حتى بدأت أشعر بتحول كبير؛ ذهن صافٍ، خفة في المعدة، اختفاء الغازات المزعجة، وإحساس بالراحة لم أعهده منذ زمن.
خلال تلك الأيام، كنت أشرب أكثر من أربعة لترات من الماء يوميًا. النتيجة؟ نقص وزني خمسة كيلوغرامات خلال أسبوع واحد، وشعرت بأن جسمي بدأ يتخلص من السموم المتراكمة. ولكن، ورغم الإيجابيات، أنصح من يرغب في خوض هذه التجربة أن يبدأ بثلاثة أيام فقط، حتى يتعرف جسده على هذا النمط، ثم يتوسع بعدها تدريجيًا إذا أراد.
من المهم أن أشدد على نقطة محورية: هذه التجربة ليست للجميع. إن كنت تعاني من أي حالة صحية، أو تستخدم أدوية مزمنة، فمن الضروري أن تستشير طبيبك أولًا. فقد نشرت جامعة هارفارد الطبية دراسة حديثة قام بها الدكتور فالتر لونغو، تشير إلى أن الصيام المتقطع والمائي قد يُفيد في تحسين الصحة بشكل عام وتقليل الالتهابات، لكنه في الوقت نفسه قد يُشكل خطرًا إذا ما طُبّق دون إشراف طبي، خاصة لمن يعانون من السكري أو انخفاض ضغط الدم.
هذا النوع من الصيام يتطلب إرادة حديدية، فالمغريات حولنا كثيرة، والاستسلام ممكن في أي لحظة. لكنه أيضًا تجربة روحية وجسدية مدهشة لمن يملك العزيمة ويعرف جسده جيدًا.
jebadr@