بدعوة كريمة من زميلي وصديقي الدكتور أحمد فرج سعد استاذ الأدب الانجليزي بجامعة سنار وعضو رابطة سنار الأدبية تشرفت بحضور المنتدى الاسبوعي للرابطة أمسية الثلاثاء ٢٠٢٣/١١/٧،وفي مداخلة تحدث الأستاذ حسن محمد شاعر قصيدة سنار أنا والتاريخ بدأ من هنا عن حرب الخرطوم واثارها قائلا بأن هذا ليس أول تخريب لعاصمة البلاد فقد خربت سنار في عام ١٨٢١،فكان حديثه هذا دافعا ومحفزا لكتابة هذا المقال والذي يهدف إلى رصد وتطور العاصمة السودانية وتنقلها ونهاياتها الماساوية، فالدولة السودانية اليوم مهددة بالتمزق والتفكك والزوال ما لم يتدارك العقلاء أمرها ويتوافقوا على بناء دولة سودانية مدنية ديمقراطية تستوعب التنوع الدينى والاثني والثقافي واللغوي لمجتمعنا، فالدولة كما هو معلوم نتاج لتطور حركة المجتمع وما ينجم عنه من فرز طبقي.

وهذا المقال محاولة لتتبع تطور وتنقل عاصمة الدولة السودانية ومعرفة مميزاتها وسماتها والظروف التاريخية التي نشأت فيها وعوامل وأسباب خرابها وتدميرها.
يعد قيام مملكة مروي في عام ٧٥٠ق.م تطورا كبيرا في مسار الدولة السودانية، ففيها تجسد الاستقلال الحضاري والثقافي واللغوي والديني، ونهضت الحركة الصناعية بفضل تطور صناعة الحديد فيها، وكان من نتاج ذلك التطور ظهور الطبقات الاجتماعية المتملكة والتي من أهم وظائفها حماية الامتيازات التجارية وبسط الأمن مما هيأ الشروط الضرورية لظهور الجيش ليقوم بتلك المهام، وتحت ظل هذه الدولة شهدت البلاد قيام ونشوء المدن وكانت مروي الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل قرب البجراوية وعلى بعد نحو ٢٠٠كلم تقريبا شمال شرق الخرطوم عاصمة لتلك الدولة، فقد ذكرها هيرودوت في كتابه(التاريخ) وذلك أثناء تجواله في العالم القديم عندما قدم إلى اسوان فوصف مروي بأنها عاصمة الاثيوبيين والسود، وايضا ذكرها ديدور الصقلي واسترابو عندما اشارا إليها في كتاباتهم بإسم جزيرة مروي بحسب موقعها الجغرافي إذ يحفها النيل من جهة الغرب ونهر عطبرة من جهتي الشرق والشمال الشرقي.
وفي منتصف القرن الثالث الميلادي بدأت المقاطعات الإدارية التابعة للدولة المروية التمرد على السلطة المركزية محاولة الانفصال عنها، فاستغل النوبيون في أقصى الشمال والبلميون في الشرق هذا الضعف والتفكك وشنوا هجمات متتالية عليها انهكتها بطبيعة الحال، وكانت الضربة القاضية للدولة المروية حملة عيزانا ملك مملكة اكسوم في الحبشة والتي أدت إلى(تدمير وتخريب)العاصمة مروي ونهاية الدولة في عام ٣٥٠م.
دخلت المسيحية إلى مصر في منتصف القرن الأول الميلادي ومنها تقدمت إلى بلاد السودان، وكان الدين أحد العوامل التي أدت إلى وحدة القبائل السودانية لتتجلى الصورة بعد ذلك عن قيام ثلاث ممالك مسيحية مملكة نوباطيا في أقصى الشمال وعاصمتها فرس، ومملكة المقرة وعاصمتها دنقلا العجوز، ومملكة علوة والتي امتدت جنوبا إلى مناطق سنار وجبل مويا وكوستي وعاصمتها سوبا، وكانت النواة لهذه الممالك الثلاث المقاطعات الإدارية المتبقية من دولة مروي حيث اتسعت وتكاملت مع بعضها البعض تكاملا انتج هذه الممالك والتي اصطبغت بالصبغة المروية خاصة في نظام الحكم الوراثي وتقديس الملكة الام. وكان المجتمع المسيحي السوداني من أرقى المجتمعات المعاصرة له وأن لم يخل من بعض مظاهر القصور،ففي مجال المعمار بنوا منازلهم من طابقين،كما اعتنوا بقواعد الصحة العامة في مدنهم وقراهم، ونتيجة لعوامل سياسية واجتماعية اتحدت دولتا المقرة ونوباطيا في دولة واحدة عاصمتها دنقلا العجوز والتي وصفت بأنها مدينة كبيرة تقع على النهر المبارك وفيها كثير من الكنائس والبيوت الكبيرة وشوارعها واسعة وبيت الملك محاط بعدد من القباب المشيدة من الحجر وشبهت منازل حكامها بمنازل ملوك العراق مما يدل على عظمة ورقي المعمار. أما(سوبا)فهي تقع على الضفة الشرقية للنيل الأزرق جنوبي الخرطوم ووصفت بأن بها المباني الجميلة والدور المليئة بالذهب، وتزين المدينة الحدائق الغناء، ويقول المؤرخون بأن حاكم علوة اثرى من حاكم المقرة لأن بلاده أوسع وأكثر خصبا واعظم ريعا واوفر ثقافة لانتشار الكتب والمؤلفات الاغريقية فيها،وعاصمة بكل هذا الرونق والجمال تم(تدميرها وتخريبها )في حرب مفصلية في عام ١٥٠٤م عندما تقدم الفونج وحلفاؤهم ودخلوها وخربوها خرابا تاما أضحى مضربا للمثل.
وبعد ذلك حدث تحول كبير في السودان ترجع جذوره التاريخية عندما تم عقد اتفاقية البقط في عام ٦٥٢م وهي الاتفاقية التي شكلت محور العلاقات الواجب اتباعها بين المسلمين واهالي البلاد السودانية إذ حدث الاختلاط والتزاوج بين العرب والأسر الحاكمة في السودان فورثوا العرش،وهذا بدوره فتح الطريق لتغلغل الإسلام ونشاة الدويلات الإسلامية لا سيما مملكة الفونج وعاصمتها(سنار) والتي وصفها كاتب الشونة بأنها مدينة كبيرة بها قصر السلطان المكون من خمسة طوابق كل طابق به عدد من البنايات والمحال والقصر محاط بسياج من الصاج وخشب الابنوس وبه مكاتب المسؤولين ،ووصفها الرحالة الفرنسي جاك بونسيه والذي زارها في عام ١٧٧٠م بأنها بلدة كبيرة ماهولة بالسكان، ووصفها الاسكتلندي جيمس بروس في عام ١٧٧٢م بأنها مدينة تدل معالمها انها كبيرة ولكن بسبب الإهمال بدأت تعاني لانشغال الحكام عن تاهيلها بسبب الصراعات السياسية بينهما.
ومما تقدم يتبين لنا أن سنار عاصمة المملكة ومن خلال وصف الرحالة انها مدينة كبيرة ماهولة بالسكان، فضلا عن أهميتها السياسية والتجارية لوقوعها في الطريق بين مصر والحبشة ووسط أفريقيا حيث وصلتها البضائع من هذه البلدان فازدهر سوقها وانعكس ذلك خيرا على اهلها ومكانتها، وفي عام ١٨٢١م دخلها اسماعيل بن محمد علي باشا غازيا وقضى على استقلالها ومعالمها الاثارية والتاريخية وقد صور أحد الشعراء وضع سنار قائلا:
اه على بلدة الخيرات منشؤنا
أعني بذلك دار الفنج سنارا
اه عليها واه من مصيبتها
لم نسلها أين ما حللنا اقطارا
فاوحشت بعد ذاك الانس وارتحلت
عنها الاماثل بدوانا وحضارا
وصار عمرانها المحسون مندرسا
يصيح به في الليل صرارا
اضحت تعاينها من بعد بهجتها
كأنها لم تذق الخير اثارا
ولا شك أن هذه الأبيات الشعرية فيها صدق ولوعة وآسف على ضياع المدينة والدولة والحرية، على الرغم من عدم جودتها من الناحية الأدبية إلا أنها وضحت النهاية الماساوية لمملكة الفونج وعاصمتها سنار.
وفي فترة الحكم التركي_المصري ١٨٢١-١٨٨٥ ظهر السودان الحديث وأخذ موقعه السياسي والجغرافي وبدأت تتشكل ملامحه بعد القضاء على الدويلات والكيانات الجهوية واقامة دولة مركزية وبروز نمط الإنتاج الراسمالي في المجال الإقتصادي والارتباط بالتجارة العالمية، كما شهد السودان بداية تكوين الدولة المدنية والتعليم الحديث،فنقل الأتراك العاصمة إلى الخرطوم في عام ١٨٢٥م (كعاصمة إدارية )ومن ثم بدأ العمل في تعميرها لتواكب العهد الجديد، وتضافرت العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت لتطور مدينة الخرطوم فحدث التوسع في المباني والمرافق الحكومية وتزايد عدد سكانها بوصفها مركزا تجارية مهما وغدت الخرطوم عاصمة تضاهي العواصم الأفريقية انذاك. وبعد اندلاع الثورة المهدية في عام ١٨٨١م واستراتيجيتها الرامية إلى تحرير البلاد من قبضة الغزاة، وبعد الانتصارات المتتالية للثوار وتحرير اقليم كردفان قرر المهدي فرض الحصار على الخرطوم وكانت خطته تهدف إلى اجبارها على التسليم فقررت الحكومة المصرية تحت الضغط البريطاني إخلاء السودان والانسحاب منه واوفدت شارلس غردون لتنفيذ هذه المهمة،وبعد وصوله الخرطوم قال ان اخلاءها لن يكون في المصلحة إذ ان سقوطها الحتمي سيتعذر بعده سحب الجنود والموظفين من مناطق كسلا وسنار وجنوب السودان فغير مهمته دون الالتزام بتعليمات الحكومة المصرية،وكانت خطة المهدي فرض الحصار على الخرطوم وممارسة حرب استنزاف بطيئة تجبر غردون على التسليم، ونجحت هذه الاستراتيجية المجربة ففي صبيحة ٢٦ يناير ١٨٨٥م بدأ الهجوم الشامل على الخرطوم وقتل غردون مع عددكبير من جنوده،وبطبيعة الحال فقد اثر الحصار والهجوم على( الخرطوم وعلى عمرانها وبنيتها التحتية وتركيبتها الاجتماعية )ولم يبق المهدي في الخرطوم طويلا فغادرها إلى أم درمان لتصبح عاصمة لدولته حتى عام ١٨٩٨م ،كانت أم درمان قرية صغيرة تحولت إلى مدينة استوعبت كما كبيرا من القبائل السودانية المتعددة هياها لتكون عاصمة وطنية للدولة المستقلة. غير أن ذلك لم يدم طويلا إذ تكالب عليها الأعداء بفعل التسابق الاستعماري الأوربي فقررت بريطانيا احتلال السودان وارسلت كتشنر على رأس حملة عسكرية هزمت الأنصار في كرري واستبيحت العاصمة أم درمان علاوة على التدمير الممنهج لمعالم الدولة المهدية.
وفي عهد الحكم البريطاني للسودان ١٨٩٨-١٩٥٦م تطورت المدن السودانية تطورا ملحوظا وأخذت المدينة طابعها المدني فلم تعد الثكنات العسكرية هي المسيطرة على مجريات الأمور في المدينة،وأعاد البريطانيون تعميروتحديث الخرطوم وجعلها عاصمة للبلاد، ولعب كتشنر دورا كبيرا في ذلك فقام باعادة تخطيطها على أسس هندسية حديثة وجدد بناء وترميم قصر الحاكم العام(القصر الجمهوري )وشيد دواوين الحكومة ومباني الوزارات التي تحفها البساتين الخضراء. وبالجملة صارت الخرطوم مركزا تجاريا وثقافيا مهما، وجغرافيا تكونت العاصمة من ثلاث مدن الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، ولكل مدينة سماتها ومميزاتها الخاصة بها فشكلت أم درمان بوتقة الوعي القومي والذي انصهر فيها متخذا ابعادا اجتماعية وثقافية ورياضية، فتاسس فيها نادي الخريجين في عام ١٩١٨م الذي اصبح مركزا للنشاط الوطني القومي ثم تأسست في حواريها جمعيات المثقفين الفكرية(ابوروف والموردة)والتي هيأت السبيل لظهور الأحزاب السياسية، وكانت أم درمان مركزا للتعليم الاهلي ورائدة له،وفي أم درمان تأسست الأندية الرياضية القومية الهلال والمريخ. وكونت الخرطوم بحري الضلع الثالث للعاصمة متخذة الطابع الصناعي والعمالي في تكوينها. وحافظت النظم السياسية الوطنية بعد الاستقلال على عاصمة البلاد مع العمل على رفعتهاوالعناية بتقدمها.
إلى أن اندلعت الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م بين الجيش وقوات الدعم السريع فانهارت العاصمة بمدنها الثلاثة بسرعة ودكت مبانيها وحرقت منشاتها بفعل قوة الضربات وعشوائية الهجمات والتي لم تفرق بين المحال العامة والسكنية والمواقع العسكرية، فجاءت هذه الحرب لتدمير البنى التحتية التي دفع الشعب السوداني ثمنها غاليا وتحولت الخرطوم الى شبح مخيف فتم افراغها من سكانها في أول سابقة في تاريخ السودان الحديث بعد اعملت فيهم آلة الدمار والتي أدت إلى قتل أكثر من تسعة آلاف شخصا بين مدني وعسكري وتشريد أكثر من خمسة مليون نازح داخل وخارج السودان فضلا عن تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية لكل السودانيين وتوقف عجلة الإنتاج واتساع رقعة الحرب وتمددها مع الغياب التام للسلطة ومؤسساتها. ولمواجهة هذا الواقع الأليم تظل المعركة هي معركة الجماهير الواعية من أجل إيقاف الحرب واسترداد بريق الثورة وزخمها وهزيمة المخططات الرامية لتصفيتها، ويظل شعار لا للحرب الهدف الأساسي من اجل استنهاض حركة جماهيرية تنتصر للثورة وتوقف الحرب.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التی أدت أم درمان فی عام

إقرأ أيضاً:

السودان بعد حرب أبريل: من مخاطر التقسيم إلى تفكك الدولة!

الواثق كمير

[email protected]
تورونتو، 9 ديسمبر 2025

المقدمة
منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، واجه السودان منعطفًا تاريخيًا حاسمًا أصبحت فيه بنية الدولة أكثر هشاشة من أي وقت مضى. وفي مطلع عام 2013، وفي ظل توتر سياسي متصاعد وأزمة اقتصادية خانقة وتنامٍ ملحوظ للنزاعات في الأطراف، نشرت ورقة تحليلية تناولت مستقبل الدولة السودانية عبر ثلاثة سيناريوهات رئيسية: 1) إما بقاء الوضع حينئذٍ على ما هو عليه مع إصلاحات شكلية، أو 2) انزلاق البلاد نحو تفكك مُتدرّج للدولة، أو 3) الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تُعيد تأسيس الشرعية وتمنع الانهيار. (الواثق كمير، “الكرة في ملعب الرئيس: تفكك الدولة السودانية ….السيناريو الأكثر ترجيحاً!”، سودانايل، 11 فبراير 2013).
لم تكن الورقة محاولة للتنبؤ بقدر ما كانت قراءة لبُنية الأزمة ولمنطقها الداخلي، حيث أكدت أن تجاهل متطلبات التسوية التاريخية—باعتبارها المدخل الوحيد لمعالجة جذور الصراع—سيجعل من سيناريو التفكك هو الأكثر احتمالاً. ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، وتغير طبيعة النزاع بشكل جذري، تبرز الحاجة لإعادة ربط اللحظة الراهنة بالسيناريوهات التي عُرضت في 2013، ليس للمقارنة التاريخية فحسب، بل لاستخلاص الدروس العملية التي يمكن أن تُسهم في وقف الحرب وصياغة مسار جديد لإعادة تأسيس الدولة.

تفكك الدولة: السيناريو الأكثر ترجيحاً!

حرب أبريل 2023 لم تكن مجرد تصعيد جديد للصراع، بل شكلت منعطفًا نوعيًا في مسار النزاعات السودانية. ظهور لاعب جديد على المسرح، قوات الدعم السريع، وتحالفه العسكري والسياسي مع جهات محلية وإقليمية، وتسيطره على كامل إقليم دارفور وأجزاء من غرب وجنوب وشمال كردفان وجنوب النيل الأزرق، مع إعلان حكومة ودستور لدولة، جعل الواقع السياسي والجغرافي أكثر تعقيدًا. وبينما الانفصال السلمي قد لا يكون ممكنًا—مخالفًا لما حصل في جنوب السودان—يظل سيناريو تفكك الدولة الأكثر ترجيحاً.

ثلاثة عوامل رئيسة تعزز هذا الترجيح:

التدخل الإقليمي وتضارب المصالح: تشاد وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، بدعم من الإمارات، من جهة، ومصر وإرتريا من جهة أخرى، تشارك في الصراع بشكل مباشر وغير مباشر. خاصة بعد سيطرة الدعم السريع على حقول النفط في منطقة هجليج، وخروج الفرقة العسكرية للجيش السوداني، ودخول الجيش الشعبي من جنوب السودان والتنسيق المشترك مع الدعم السريع لحماية المنشآت الحيوية. هذا التعقيد الإقليمي يجعل من إدارة الأزمة الداخلية دون تفكك الدولة أمراً بالغ الصعوبة.

إمكانية انفجار صراعات محلية جديدة:
بافتراض سيطرة الدعم السريع على كل دارفور وأجزاء من كردفان، وحتى في حال توجهه نحو انفصال هذه المناطق، فإن غياب توافق شعبي وسياسي حول تقرير المصير كما حدث في الجنوب يفتح الباب أمام حرب “أهلية” جديدة بين مجموعات دارفور الأخرى ذات الأصول الأفريقية (الزغاوة، الفور، المساليت، البرتي، الداجو، التنجر، التامة، الميدوب، الفلاتة، القرعان، وغيرهم) وبين حواضن الدعم السريع الاجتماعية من ذوي الأصول العربية. ذلك، بجانب أنّ هناك الحركات المسلحة التي تتباين مواقفها السياسية من هذه الحرب ومستقبل دارفور، مما قد يُنبئِ باستمرار النزاع. هذا الصدام الداخلي يزيد احتمالات التفكك ويؤكد هشاشة الدولة.
الشروخ داخل التحالفات العسكرية والسياسية: تبرز احتمالات تصدع داخل التحالف الحكومي بين الجيش السوداني والحركات المُشكلّة ل “القوة المشتركة”، بجانبِ المجموعات المسلحة الأخرى المُقاتلة مع الجيش في شرق ووسط وشمال البلاد، في سياق التنافس على الأنصبة في السلطة والثروة. بينما ليس من المستبعد أنّ هذا التصدع قد يُصيب التحالف العسكري لقوات الدعم السريع مع الجيش الشعبي شمال وحركات دارفور المنشقة النى انضمت إلى تحالف “تأسيس”، ما ينذر بتفكك الدولة على الصعيد العسكري والسياسي، ويعقد جهود السيطرة على كامل التراب الوطني وإعادة الشرعية، حيث تصبح الولاءات متناقضة والمصالح متضاربة، مما يُضعف القدرة على إدارة الدولة بشكلٍ موحد وفعال.
بالنظر إلى هذه العوامل، يبدو أن السودان بعد أبريل ليس على حافة الانقسام فحسب، بل على طريق خطير نحو تفكك الدولة—الذي طرحته في ورقة 2013— الذي ما زال هو السيناريو الأكثر ترجيحاً بعد حرب أبريل، يعكسه واقعٌ متناميٌ على الأرض.

الخاتمة
ما كشفته الحرب ليس مجرد أزمة عابرة بل تحذير صارخ بأن وحدة الدولة السودانية مهددة على نحوٍ غير مسبوقٍ. فبعد مرور أكثر من عقد على السيناريو الذي رسمته في الورقة التحليلية لعام 2013، حول تفكك الدولة أصبح أقرب من أي وقتٍ مضى، مُعززاً بتدخلات إقليمية مُعقدة، صراعات داخلية حادة بين المكونات المجتمعية والسياسية، وشروخ في التحالفات العسكرية. اليوم لا يمكن معالجة الوضع عبر الإجراءات الشكلية أو الحلول الجزئية. إنّ ترجيح كفة تفكك الدولة يُحتم على القيادات السياسية وصانعي القرار التفكير بجدية في مسارات حل سلمي شامل، يُعيد تأسيس الشرعية، ويضع الأسس لانتقال مستدام يحمي السودان من الانهيار الكامل.
فبدون تبني مسار تسوية سياسية شاملة قادرة على دمج كل الأطراف، واستعادة الدولة من جديد، ستظل المخاطر قائمة، والبدائل محدودة، فيما يعاني الشعب السوداني من آثار النزاع وتشتت السلطة وفقدان المؤسسات. إنّه اختبار حقيقي لقدرة الدولة السودانية على تجاوز أخطر أزماتها منذ الاستقلال.

الوسومالواثق كمير

مقالات مشابهة

  • مسيرة لقوات الدعم السريع تستهدف حي طيبة شرقي مدينة الأبيض السودانية
  • عادل نعمان: النجاة من التطرف تتطلب التمسك بمبدأ الدولة المدنية
  • المفكر عادل نعمان: عذاب القبر ليس من المعلوم من الدين بالضرورة
  • حرب السودان تخرج عن السيطرة
  • تأملات قرآنية
  • عثمان باونين لـ "الفجر":الشباب أولًا والوحدة أساسًا.. تحالف القوى يحدد خارطة الطريق للسودان
  • الدويري: أخشى أن تنقسم الجغرافيا السودانية كما هو الحال في ليبيا
  • وزير الخارجية: نتحرك بقوة لإنهاء الحرب في السودان وحماية مستقبل الدولة
  • رئيس أركان حزب الله من بينها.. إليكم أبرز الشخصيات الراحلة والتي اغتيلت خلال عام 2025
  • السودان بعد حرب أبريل: من مخاطر التقسيم إلى تفكك الدولة!